المقدمة
 الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم محمّد بن عبد الله وعلى آله الطيّبين الطاهرين.

يمثّل رسول الله محمّد بن عبد الله صلى الله عليه واله وسلم النموذج الإنسانيّ الكامل الذي اجتمعت في شخصيّته كلّ الصفات والخصائص والقيم الإنسانيّة والإلهيّة، فهو رجل العلم والفضل والعقل والكمال، ومثال الحكمة والوقار والجلال، عارف حكيم تقيّ شجاع حازم، وهو الرجل المعصوم من الخطأ المبرّء من الزلل، أكمل الخلق وأفضلهم وأعظمهم أخلاقاً، لا ترى في أعماله أيّ خلل أو ضعف، ولا في تصرّفاته وسلوكه أيّ تشتّت أو تناقض.

وقد اتسع قلبه لآلام الناس ومشكلاتهم، فجاهد في الله حقّ جهاده، ووقف بحزم وثبات وقوّة في وجه القوى الجاهلية، الوثنيّة واليهوديّة، من أجل العدالة والحريّة والمحبّة والرحمة، ومن أدل مستقبلٍ أفضل لجميع الناس.

ولأجل ذلك فقد جعله الله قدوة وأسوة للناس جميعاً، وفرض عليهم أن يقتدوا به وأن يتّبعوه في كلّ شيء؛ حتّى في جزئيّات أفعالهم فقال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا.1ولذلك أيضاً فقد حظيت شخصيّة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم  وكذلك حياته وسيرته باهتمام التاريخ والمؤرّخين والباحثين، وأُلّفت حول شخصيّته وسيرته العطرة مئات بل آلاف الكتب والدراسات، ولا نعلم سيرة رجل قد نُقّحت وحُقّقت ومُحّصت بالحجم الذي تمّ لسيرة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم .

ولم يكتف تاريخ الإسلام المدوّن بتسجيل الأحداث والمواقف العامّة من حياة النبيّ صلى الله عليه واله وسلم، بل سجّل لنا تفاصيل حياته ودقائق تصرّفاته، حتّى الحركات واللفتات واللمحات، فضلاً عن الكلمات والمواقف والحوادث بدقّة متناهية واستيعاب لا نظير له.

وبالرغم من كثرة ما كتب حول السيرة النبويّة عرضاً وتحليلاً إلّا أنّ المكتبة الإسلاميّة والمعاهد الثقافيّة ظلّت تفتقر إلى كتاب ممنهج في السيرة والتاريخ يمكن الاعتماد عليه في تقديم صورةٍ واضحة ونقيّة عن حياة وسيرة النبيّ صلى الله عليه واله وسلم  لكلّ طلاّب المعرفة.

ومن هنا فقد قمنا بوضع كتاب "السيرة والتاريخ" ليسدّ هذه الحاجة الماسّة، وليكون متناً دراسياً يعتمد عليه الطالب والأستاذ في دراسة هذه المادّة. وبعد أن قام هذا الكتاب بدوره في المرحلة السابقة، وجدنا الحاجة إلى تحسينه وتصحيحه وإضافة بعض التعديلات عليه، فكان هذا الكتاب الجديد الذي بين يدي القارئ الكريم، يحمل اسم "دروس من سيرة الرسول الأكرم صلى الله عليه واله وسلم ".

وقد اشتمل الكتاب على عرض تحليلي لسيرته  صلى الله عليه واله وسلم منذ ولادته إلى أن اختاره الله إليه. والمراحل التي مرّ بها في صباه وشبابه، ومسيرة الدعوة إلى الله منذ أن بعثه الله في مكّة إلى أن تكاملت حروبه وغزواته، وما يتّصل بذلك من أحداث ومواقف وتحدّيات رافقت الدعوة، مع دراسة موضوعيّة لأهم جوانبها ومحاولة الاستفادة منها وأخذ العبرة.

وقد اعتمدنا في جميع ذلك على أوثق المصادر الإسلاميّة، وفي مقدّمتها كتاب الله عزَّ وجلَّ وما رواه المعصومون الأطهار  ممّا يتعلّق بسيرة النبيّ صلى الله عليه واله وسلم، على اعتبار أنّ أهل البيت أدرى بما فيه.

واقتصرنا على تناول وبيان بعض الوقائع المهمّة التي تنطوي على قدر أكبر من الفائدة والعبرة، وأعرضنا عن ذكر الحوادث الجزئيّة، لكنّنا خصّصنا بعد كلّ بحث مقطعاً خاصّاً للمطالعة تناولنا فيه شخصيّة النبيّ صلى الله عليه واله وسلم  الذاتية، وسيرته الأخلاقيّة من أجل تكوين صورة واضحة عن صفات النبيّ صلى الله عليه واله وسلم  وخصائصه وعلاقته بربّه وطريقة تعامله مع أسرته والأمّة.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين