أ- تزكية النفوس
جهد الإمام الخمينيّ قدس سره على امتداد عمره
المبارك في جميع أقواله ورسائله وخطاباته وكتبه،
عندما كان يتعرّض لسيرة النبيّ الأعظم صلى الله
عليه وآله وسلم، أن يبيّن مطالب جليلة ترتبط
بالأهداف الإلهيّة لبعثته صلى الله عليه وآله
وسلم، وتُعبّر في الوقت ذاته عن عمق إيمان الإمام
قدس سره
وتعلّقه بالنبيّ
الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، كما تعبّر أيضاً
عن تصميمه الراسخ وإصراره على مواصلة طريق تحقيق
الأهداف الإلهيّة والّتي تجلّت في بعثة النبيّ صلى
الله عليه وآله وسلم.
يقول الإمام دام ظله:
"إنّ أوّل آية - حسبما ينقل لنا التاريخ والروايات
- نزلت على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم هي آية
﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾، حيث تلاها جبرائيل عليه السلام على
الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، ودعا فيها
إلى القراءة والتعلّم.
فابتدأ نزول الوحي بسورة أوّلها آية ﴿اقْرَأْ
بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾4
، وجاء في نفس هذه السورة:﴿ كَلَّا إِنَّ
الْإِنسَانَ لَيَطْغَى*أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى﴾5.
هذه السورة هي أوّل ما نزل من الوحي على النبيّ
صلى الله عليه وآله وسلم، وفي أوّل
ما نزل منها
الآيتان:﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ
لَيَطْغَى*أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى﴾. نتعلّم من هاتين
الآيتين أنّ وجود الطغيان والطاغوت من الأشياء
الّتي تحتلّ قائمة الأمور، فمن أجل سحق الطاغوت
يجب تعليم الكتاب والحكمة وتعلّم الكتاب والحكمة
والتزكية. فالإنسان ما دام إنساناً مجرّد أن
يستغني فإنّه يطغى، فلو استغنى ماليّاً يطغى بهذا
المقدار، ولو استغنى علميّاً يطغى بهذا المقدار،
ولو حصل على مقام يطغى بهذا المقدار.
ففرعون يُسمّيه الله تبارك وتعالى طاغية لأنّه حصل
على المقام، ولم يكن في حصوله غاية إلهيّة، فأوصله
هذا المقام إلى الطغيان. فالأشخاص الّذين يحصلون
على متاع الدنيا بدون تزكية النفس، فمهما حصلوا
فإنّ طغيانهم سوف يزداد. وإنّ وبال هذا المال وهذا
المنال وهذا المقام وهذا الجاه وهذا المنصب، من
الأشياء الّتي تُعرّض الإنسان للمتاعب والصعوبات
في الحياة الدنيا، وهي في الآخرة أكثر. إنّ هدف
البعثة هو أن تخلّصنا من هذا الطغيان بأن نزكّي
أنفسنا ونصفّيها ونخلّصها من هذه الظلمات. فلو حصل
هذا التوفيق للجميع، ستضحى الدنيا نوراً واحداً
كنور القرآن، وتجلّياً لنور الحقّ. كلّ الخلافات
الموجودة بين البشر، كلّ الخلافات الموجودة بين
السلاطين، كلّ الخلافات الموجودة بين الأقوياء هي
بسبب الطغيان الموجود في النفوس.
ومردّ هذا إلى أنّ الإنسان يرى لنفسه مقاماً
ومنصباً، لذلك يطغى، وحيث إنّه يطغى، يكون الطغيان
سببَ تجاوزه. وعندما يحصل
التجاوز يحصل الخلاف،
ولا فرق في ذلك بين مرتبة طغيان دنيا أو مرتبة
طغيان عليا؛ ففي المرتبة الصغيرة كأن يحصل الخلاف
في قرية مّا بين أفرادها بسبب الطغيان، وفي مرتبة
أعلى إذا حصل الخلاف سيكون الطغيان أكثر.
فرعون الّذي طغى قال ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾6. إنّ هذه النزعة التجاوزية موجودة عند الجميع لا في فرعون وحده,
فلو اعتلى إنسان ما وارتفع فوق رؤوس البشر فسوف
يقول: أنا ربّكم الأعلى. غاية البعثة هي السيطرة
على نفوس العاصين ونفوس الطغاة والمتمرّدين
والواغلين في العصيان والطغيان والتمرّد، ودفع هذه
النفوس إلى التزكية.
إنّ سبب كلّ الخلافات الموجودة بين بني الإنسان
عدم تزكية النفوس. وهدف البعثة هو دعوتهم إلى
التزكية، فبواسطتها يتعلّمون الحكمة ويتعلّمون
القرآن والكتاب أيضاً. وإذا زكت النفوس سينتفي
الطغيان"7.
في مكان آخر، يرى الإمام الخمينيّ دام ظله أنّ هدف
البعثة هو تعليم الكتاب والحكمة وتهذيب النفوس،
يقول حول ذلك:
"إنّ أساس بعثة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم هو
من أجل التربية والتعليم. فالنبيّ يتلو الآيات،
والآيات هي العلوم التي ينظر من خلالها إلى كلّ
شيء
على أنّه آية. يتلو الآيات عليهم ويزكّيهم
ويطهّر نفوسهم، وبعد أن يطهّرهم يعلّمهم الكتاب
والحكمة، فالتربية سابقة على التعليم، وإذا لم
تسبق التعليم ينبغي أن تواكبه، وأن تكون الأولويّة
لها"8.
ب ـ إيجاد الوحدة
هدف آخر من أهداف البعثة عرضه الإمام الخمينيّ دام
ظله في رسائله وخطبه وأقواله، مستمدّاً ذلك من
القرآن الكريم، حيث يؤكّد على أنّ هدف البعثة هو
إيجاد الوحدة بين بني البشر في جميع أرجاء الأرض،
يقول الإمام دام ظله في إحدى خطبه:
"يريد نبيّ الإسلام أن يوحّد الكلمة في جميع
أصقاع العالَم. يريد أن تنضوي جميع مسالك الدنيا
تحت كلمة التوحيد. يريد أن تعمّ كلمة التوحيد جميع
أرجاء العالَم المأهول"9.
ج ـ مواجهة الظلم والجهل
"إنّ بعثة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كانت من
أجل رفع الظلم عن الناس، من أجل أن يستطيع الناس
أن يواجهوا القوى الكبرى، كانت البعثة من أجل نجاة
أخلاق الناس ونفوسهم وأرواحهم وأجسادهم من الظلمات،
ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، يخرجهم إلى نور
العلم، يخرجهم من ظلمة الجهل إلى نور العدالة
ويدلهم على الطريق، ليقول لهم إنّ جميع المسلمين
إخوة يجب عليهم أن يتّحدوا جميعاً ولا يتفرّقوا"10.
وفي موضع آخر يشير الإمام دام ظله إلى مدى تحمّل
النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم لأنواع
الألم والمصاعب في طريق تحمّل المسؤوليّة الخطيرة
للرسالة، فيقول:
"لاحظوا أنتم جيّداً كيف أنّ النبيّ الأكرم صلى
الله عليه وآله وسلم قد تحمّل أكثر من الجميع من
أجل تربية الناس، من أجل أن ينقذ هؤلاء المظلومين
من أيدي الظالمين"11.
|