الفصل الثاني: التسليم والعبوديّة لله


المنزلة الخاصّة للصلاة في سيرة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم

يُعتبر التسليم والعبوديّة من الصفات البارزة للنبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم. وقد ورد ذلك في عدد من الآيات القرآنية، حيث أشارت الآيات إلى هذه الفضيلة الأخلاقية للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم.

فالله المتعال وصف عبودية النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بأوصاف جميلة ومتعدّدة كـ "عبدنا"، "أعبد"، "عابد" وأمثال ذلك، فعلى سبيل المثال جاء في إحدى الآيات القرآنيّة:
﴿وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ 1.

فعبادة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كانت عبادة استثنائيّة، حيث كان الكثير من الأعمال المستحبّة لنا واجباً على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، فالله المتعال يأمر النبيّ بأن يتهجّد في الليل ويحييه بأداء النوافل، حيث يقول:
﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا2.

فالله يأمر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أن يحيي قسطاً من الليل يشتغل فيه بالعبادة ويؤدّي فيه نافلة خاصّة به، لينال عند الله المقام المحمود. فصلاة الليل المستحبّة لنا هي واجبة على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، ووجوبها أُنيط بمسؤولية الرسالة الثقيلة الّتي ألقيت على عاتقه صلى الله عليه وآله وسلم.


21


فالنبيّ في مقام عبوديّة الله كان المصداق الأوّل والأسوة الأولى لجميع عباد الرحمان، وفي ذلك يصفه أمير المؤمنين عليه السلام قائلاً: "وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله وسيّد عباده"3.

والإمام الخميني قدس سره في أقواله المتعدّدة عندما يتعرّض إلى المقام السامي لعبوديّة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يصفه بأنّه العنوان لـ "عبد الله الحقيقيّ" وأنّه "صاحب مقام العبوديّة المطلقة".

يقول الإمام قدس سره في ذلك:

"لا بدّ من الإشارة إلى أنّ العبوديّة المطلقة هي من أعلى مراتب الكمال ومن أرفع مقامات الإنسانيّة. ولا نصيب لأحد من البشر منها سوى أكمل خلق الله محمّد صلى الله عليه وآله وسلم أصالة وسائر الأولياء الكُمّل عليهم السلام تبعاً له. أمّا من سواهم فقدم عبوديّتهم عوجاء وعبادتهم وعبوديّتهم معلّلة بأسباب أخرى.

ولمّا كان من غير الممكن الوصول إلى المعراج الحقيقيّ المطلق إلّا بقدم العبوديّة، نرى أنّ قدم العبوديّة وجذبة الربوبيّة هي الّتي أسْرَت بتلك الذات المقدّسة إلى معراج القرب والوصول، لذا قال تعالى:
﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ...، ولهذا أيضاً كان تأكيد العبوديّة قبل الرسالة في تشهّد الصلاة الّذي يمثّل الرجوع من الفناء المطلق المتحقّق في السجدة. ولعلّ في ذلك أيضاً إشارة إلى أنّ مقام الرسالة بالنتيجة هو ثمرة لجوهرة العبوديّة"4.


22


الإمام الخمينيّ قدس سره في مكان آخر يصف التسليم والعبوديّة لعبد الله الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم فيقول: "... فإذا تحقّق للسائل مقام الاسميّة، رأى نفسه مستغرقاً في مقام الألوهيّة.. " العبوديّة جوهرة كنهها الربوبيّة"5، ورأى نفسه اسم الله وعلامة الله وفانياً في الله، ورأى سائر الموجودات على هذه الحالة. وإذا أصبح الوليّ كاملاً أصبح متحقّقاً بالاسم المطلق ووصل إلى التحقّق بالعبوديّة المطلقة فصار عبداً حقيقيّاً لله.

ويمكن أن يكون استخدام وصف العبد في الآية الكريمة
﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ... ناشئاً من كونه عروجاً إلى معراج القرب وأفق القدس ومحفل الأنس، وذلك بقدم العبوديّة والافتقار وإزاحة غبار "الإنّية" و "الأنا" والاستقلال.

كما أن الشهادة بالرسالة للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في التشهّد وبعد الشهادة الإقرار بعبوديّته صلى الله عليه وآله وسلم لله تعالى هي لكون العبوديّة مرقاة الرسالة. والصلاة هي معراج المؤمنين، ومظهر معراج النبوّة يكون البدء بها بعد رفع الحجب بـ "بسم الله" وذاك هو حقيقة العبوديّة "فسبحان الذي أٍسرى بنبيّه بمرقاة العبوديّة المطلقة" حيث جذبه الله بقدم العبوديّة إلى أفق الأحديّة، وحدّده من مملكة الملك والملكوت، ومملكة الجبروت واللاّهوت، إلى معراج القرب بسمة من سمات الله وبمرقاة التحقّق باسم الله إذ إنّ باطن ذلك هو العبوديّة"6.


23


إنّ نفس هذا العشق اللّامتناهي للعبوديّة والتسليم للذّات الأقدس الإلهيّة كانت السبب في بلوغ النبيّ أعلى درجة من الكمال الإنسانيّ الّتي أشاد بها الباري سبحانه بقوله: ﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى* فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى7.

الإمام الخمينيّ قدس سره
يصف حال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ومقام عبوديّته فيقول:

"إنّ سرّ حلقة أهل المعرفة وخلاصة أصحاب المحبّة والحقيقة في: أبيت عند ربّي يُطعمني ويسقيني"8.

"إلهي أيّ خلوة أنسٍ معك أُتيحت لمحمّد صلى الله عليه وآله وسلم في دار أنس الخلوات؟، وأيّ طعامٍ وشرابٍ هُيّئ بيدك لهذا الموجود الشريف فأطعمته وسقيته حتّى طوى وترك كلّ العوالم، فطرب طرباً قدسياً وقال: "لي مع الله وقتٌ لا يسعه ملك مقرّب ولا نبيٌّ مرسل"
9 ؟

هل هذا الوقت من أوقات عالَم الدنيا والآخرة، أو هو وقت الخلوة في مرتبة
﴿قَابَ قَوْسَيْنِ وطرح الكونين؟ فموسى عليه السلام كليم الله صام أربعين يوماً لينال لقاء الله في الميقات،


24


فقال الله: ﴿فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً 10 ، ومع ذلك فإنّه لم يرق إلى الميقات المحمديّ ولم يكمل الوقت الأحمديّ..."11.

يقول الإمام الخمينيّ
قدس سره في شرحه لمقام شدّة عبادة ورياضة النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم:

"إنّ حضرة النبيّ الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم اجتهد في القيام لله حتّى تورّمت قدماه المباركتان فأنزل الحقّ المقدّس جلّ جلاله آية:
﴿طه*مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى"12.

وفي تعليق للإمام على هذه الآية ينقل رواية عن باقر العلوم عليه السلام تشير إلى معنى هذه الآية:

قال الإمام الباقر عليه السلام: "كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند عائشة ليلتها فقالت: يا رسول الله لِمَ تُتعبُ نفسك وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر؟ فقال يا عائشة ألا أكون عبداً شكوراً؟ قال الإمام الباقر عليه السلام: وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقوم على أطراف أصابع رجليه فانزل الله سبحانه وتعالى:
﴿طه*مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى13.

يقول الإمام الخمينيّ
قدس سره في شرح هذا الحديث:

"اعلم أنّ عائشة قد حسبت أنّ سرّ العبادات ينحصر في الخوف من العذاب أو في محو السيّئات، وتصوّرت أنّ عبادة النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم مثل عبادة كافّة الناس، ولهذا بادرت إلى الاعتراض عليه قائلة: لماذا تجهد


25


نفسك؟ وقد نشأ هذا الظنّ من جرّاء جهلها لمقام العبادة والعبوديّة ولمقام النبوّة والرسالة، حيث لم تعرف بأنّ عبادة العبيد والأُجراء بعيدة عن ساحة قدسه، وأنّ عظمة الرّب، وشكر نعمه اللامتناهية قد سلبت الراحة والقرار من حضرته صلوات الله عليه، بل إنّ عبادة الأولياء الخلّص انتقاش للتجلّيات اللامتناهية للمحبوب، كما أشير إليه في الصلاة المعراجيّة14. إنّ الأولياء عليهم السلام رغم أنّهم ينصهرون في الجمال والجلال، ويفنون في الصفات والذّات، لا يغفلون عن كلّ مرحلة من مراحل العبوديّة. وإنّ حركات أبدانهم تتبع حركاتهم العشقيّة الروحيّة، وهي تتبع كيفيّة ظهور جمال المحبوب، ولكن لا يمكن التحدّث مع عائشة بجواب مفحم بل اقتصر عليه الصلاة والسلام على جواب مقنع، حيث بيّن مرتبة من المراتب النازلة للعبادة حتّى تعرف هذا المقدار بأنّ عباداته صلى الله عليه وآله وسلم ليست لهذه الأمور الدنيّة الحقيرة"15.

"روى المرحوم الطبرسيّ في كتابه الاحتجاج بسندٍ ينتهي إلى أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "ولقد قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عشر سنين على أطراف أصابعه حتّى تورّمت قدماه واصفرّ وجهه، يقوم الليل أجمع حتّى عُوتب في ذلك، فقال الله عزّ وجلّ:
﴿طه*مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى بل لتسعد به"16.

وفي رواية أخرى عن الإمام زين العابدين عليه السلام قال: "إنّ جدّي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر. فلم


26


يدع الاجتهاد له وتعبّد بأبي هو وأمّي حتّى انتفخ الساق وورم القدم، وقيل له: أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر؟! قال: أفلا أكون عبداً شكوراً؟"17.

وروي أيضاً عن الإمام الصادق عليه السلام أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يرفع إحدى رجليه في العبادة، كي يزيد تعبه وجهده، فأنزل الله عليه هذه الآية المباركة18.

وقال بعض المفسِّرين: هو جواب للمشركين حين قالوا إنّه شقيّ، فقال سبحانه: يا رجل
﴿مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى"19.

وقال شيخنا العارف الكامل الشاه آبادي:20 "إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندما دعا الناس إلى رسالته ولم يجد الإصغاء المطلوب والدخول في دين الله حسب المستوى المرغوب فيه، أبدى احتمالاً في نفسه وهو النقص في دعوته ـ الداعي ـ فانصرف إلى ترويض نفسه طيلة عشرة أعوام حتّى ورمت قدماه ، فنزلت هذا الآية المباركة مخاطبة إيّاه }
مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى، إنّك طاهرٌ وهادٍ، ولا يوجد عيب ونقص فيك، بل إنّ النقيصة في الناس ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ "21.


27


وذكرت عدّة روايات عن النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه كان يوصي فيها أتباعه بالاستغفار وطلب المغفرة من الذنوب والخطايا. ويُعلّق الإمام قدس سره في كتاباته على هذه السيرة العملية لنبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم فيقول:

"بالرغم من أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كان وجوده إلهيّاً كان يقول: "إنّه ليغانّ على قلبي وإنّي لأستغفر الله كلّ يوم سبعين مرّة"22، إنّ نفس الاختلاط والمعاملة مع الأشخاص غير الصالحين يوجب هذه الكدورة. فلو أنّ محبّاً كان دائم الحضور عند معشوقه، وأتى إليه شخص طيّب وصحيح وأراد أن يسأل سؤالاً، لكان ردّه بمقدار مرتبة وصول العاشق وحضوره. إنّ نفس السائل بنظر العاشق من المظاهر، لذا فإنّه يردّه بمقدار ما له من الحضور "إنّه ليغانّ على قلبي وإنّي لأستغفر الله في كلّ يوم سبعين مرّة". كذلك كان ينقل عن النبيّ أنّ الاشتغال بهذه الأمور يشكّل حجاباً للإنسان وعلينا أن نُخرج أنفسنا من هذا الحجاب"23.

"المسألة مسألة كبيرة، فهؤلاء حقيقةً لا يرون أنفسهم مقابل عظمة الله ولا يحسبون لها أيّ حساب، فكلّ شيء ما عدا الله سبحانه باطل. فهؤلاء عندما يتوجّهون إلى عالم الكثرة ولو أنّهم توجّهوا إلى أمور كلّفهم الله بها يرون أنفسهم من العصاة، لذلك كان يُنقل عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه كان يقول: "إنّه ليغانّ على قلبي وإنّي لأستغفر


28


الله في كلّ يوم سبعين مرّة" فهؤلاء (أولياء الله)24 لا ينشغلون بالمسائل الّتي ننشغل بها. هؤلاء في ضيافة الله تعالى بل أكثر من ضيافة الله تعالى. كانت تحصل لهم الكدورة بالرغم من أنّهم كانوا في محضر الله وفي حال دعوة الناس، لأنّهم يرومون كمال الانقطاع إلى الله، ويُكدّر عليهم توجّههم إلى عالم الشهادة والمظاهر وإن كانت إلهيّة، فكانوا يرون (عدم الانقطاع) ذنباً عظيماً لا يُغفر. فالتوجّه إلى الملكوت وما فوق الملكوت بالنسبة إليهم دار الغرور، فقط كُمّل الأولياء هم الذين يتوجّهون إلى الله تعالى فقط بكمال الانقطاع ولا دور حتّى لضيافة الله"25.

المنزلة الخاصّة للصلاة في سيرة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم

إذا ما طالعنا بدقّة السيرة النبويّة ندرك جيّداً أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كان يولي الصلاة وثقافتها أهميّة كبيرة، وكان العاشق المتيّم بها، ففي خطابه لأبي ذرّ الغفاريّ يعتبر الصلاة قرّة عينه، يقول صلى الله عليه وآله وسلم له:

"يا أبا ذرّ! جعل الله جلّ ثناؤه قرّة عيني في الصلاة، وحبّبها إليّ كما حبَّبَ إلى الجائع الطعام وإلى الظمآن الماء، وإنّ الجائع إذا أكل شبع، وإنّ الظمآن إذا شرب روي، وأنا لا أشبع من الصلاة"26.

ويذكر الإمام الخمينيّ
قدس سره في وصفه لحالات النبيّ العرفانية


29


حين كان صلى الله عليه وآله وسلم يقضي تلك الأوقات الملكوتيّة لصلاته: "نُقل عن إحدى زوجات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يتحدّث معنا ونتحدّث معه، ولكن عندما يحين وقت الصلاة فكان كأنّنا لا نعرفه ولا يعرفنا، يترك كلّ شيء من أجل الاشتغال بالصلاة والإقبال على الله"27.

ولدينا الكثير من الروايات الّتي توضح لنا حال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أثناء عبادته ودعائه ومناجاته في الليل. وفي كلمات الإمام قدس سره إشارات إلى بعض هذه الروايات، فعلى سبيل المثال يتحدّث الإمام
قدس سره عن ديدن أهل الهدى في صلاتهم وصيامهم فيقول:

"كان الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يضع في الليل ماء وضوئه ومسواكه تحت وسادة رأسه المبارك، ويغطّي وعاء ماء الوضوء، فإذا ما استيقظ في الليل استعمل المسواك وتوضّأ وصلّى أربع ركعات ثمّ نام، وبعد برهة يقوم مجدّداً ويستعمل المسواك ويتوضّأ ثمّ يصلّي"
28.

كذلك يذكر الإمام قدس سره في وصفه لصيام النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وخصوص السيرة النبويّة في أعمال الأسبوع فيقول:

"وأمّا السنّة الثانية للرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم فهي الصيام ثلاثة أيّام في الأسبوع. وقد ورد في فضل ذلك ما يتجاوز أربعين رواية.29


30


وحصل خلاف لدى العلماء الأعلام حول كيفيّة ذلك. والّذي يشتهر بينهم ويتطابق مع الأحاديث الكثيرة، ويتّفق مع عمل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في نهاية عمره الشريف، وعمل أئمّة الهدى، هو صوم ثلاثة أيّام في الشهر الواحد هي: أوّل خميس من الشهر، وهو يوم عرض الأعمال، والأربعاء الأوّل من العشرة الثانية وهو يوم نحسٍ مستمرّ، ويوم نزول العذاب، والخميس الأخير من الشهر الّذي هو يوم عرض الأعمال أيضاً.30 وفي الرواية عن أبي عبد الله عليه السلام:... لأنّ من قبلنا من الأمم كانوا إذا نزل على أحدهم العذاب، نزل في هذه الأيّام فصام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذه الأيّام لأنّها الأيّام المخوفة"31.

وقد ورد أنّ العذاب في الأقوام الماضين كان إذا نزل بهم نزل في الأيّام الّتي تمّ فيها فتح مكّة32. وكان الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يصوم تلك الأيّام المخوفة33.

ويُنقل عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه في إحدى الحروب نام الجميع، بينما بقي النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم مستيقظاً، مشغولاً بالعبادة ومناجاة الله حتّى الصباح: "لقد رأينا وما فينا قائم إلّا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تحت الشجرة يصلّي ويبكي حتّى أصبح"34.

وأبو ذرّ الغفاريّ الّذي كان مثالاً للزهد والعبوديّة عندما يتحدّث


31


عن عبادة وصلاة وقيام الليل عند الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ، يحدّث بأنّه في إحدى الليالي كان يصلّي خلف الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، فما زال قائماً حتّى تعب أبو ذرّ وأسند رأسه إلى الحائط.

نعم، إنّ هذا القيام وصلاة الليل ومناجاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هي الّتي استحقّ بها نيل المقام المحمود، مقام الشفاعة يوم القيامة، لذلك خاطبه الله تبارك وتعالى بقوله:
﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا35.


32


هوامش

1- سورة البقرة، الآية: 23.

2- سورة الإسراء، الآية: 79.

3- نهج البلاغة، خطبة 214.

4- آداب الصلاة، الإمام الخمينيّ قدس سره، ص 10.

5- مصباح الشريعة، منسوب إلى الإمام الصادق عليه السلام، باب 100.

6- سرّ الصلاة، الإمام الخمينيّ قدس سره، ص 89 ـ 90.

7- سورة النجم، الآيتان: 8 ـ 9.

8- وسائل الشيعة، الحرّ العامليّ، ج 7، ص 377، صحيح البخاري، ج 4، ص 251، كتاب التمنّي.

9- عوالي اللآلي، الإحسائيّ، ج 4، ص 7، ح 7، أيضاً: بحار الأنوار، العلّامة المجلسيّ، ج 18، ص 360، كتاب تاريخ النبيّصلى الله عليه وآله وسلم، باب إثبات المعراج.

10- سورة الأعراف، الآية: 142.

11- آداب الصلاة، الإمام الخمينيّ قدس سره، ص 110.

12- سورة طه، الآيتان: 1 ـ 2.

13- الأربعون حديثاً، الإمام الخمينيّ قدس سره، ص 337.

14- انظر: علل الشرائع، الشيخ الصدوق، ج2، ص 312، باب أوّل، ح1.

15- الأربعون حديثاً، الإمام الخمينيّ قدس سره، ص 349 ـ 350.

16- الاحتجاج ، الشيخ الطبرسيّ، ج 1، ص 326.

17- كحل البصر، الشيخ عباس القميّ، ص 78.

18- تفسير مجمع البيان، الشيخ الطبرسيّ, ج7، ص 2، ذيل تفسير أول سورة طه.

19- م. ن، سورة طه، الآية: 1 ـ 2، بنقل عن حسن البصري.

20- آية الله الميرزا محمد علي الشاه آبادي (1292 ـ 1369ق) فقيه، أصولي، عارف، فيلسوف عاش في القرن الرابع عشر الهجري. تتلمذ الإمام الخميني قدس سرهعلى يديه في دروس العرفان والأخلاق في مدينة قم، من كتبه شذرات المعارف، الإنسان والفطرة، القرآن والعترة.


21- الأربعون حديثاً، الإمام الخمينيّ، ص 351 ـ 352.

22- مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج 5، ص 321، بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج 24، ص 204.

23- تفسير سورة الحمد، الإمام الخمينيّ قدس سره، ص 148 ـ 149.

24- إيضاح من المترجم.

25- صحيفة الإمام، ج 20، ص 269.

26- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج 74، ص 77 ـ 78، أيضاً: جامع الأحاديث، المرعشي النجفي، ج 2، ح 27.

27- انظر، مستدرك الوسائل، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، ج 4، ص 100، باب 2، ح 17، آداب الصلاة، الإمام الخمينيّ قدس سره، ص 111.

28- وسائل الشيعة،الحرّ العامليّ، ج7، ص 303، باب 7، ص 77 - 78، ج1، من أبواب الصوم المندوب.

29- م.ن، ج7، ص 303 - 321، باب 7-12، من أبواب الصوم المندوب.

30- وسائل الشيعة، ج 7، ص 304 - 306، الباب 7، من أبواب الصوم المندوب، ح2، 5، 6 و 8.

31- الأربعون حديثاً، الإمام الخميني قدس سره, ص 487 - 488.

32- وسائل الشيعة، الحرّ العامليّ، ج7، ص303.

33- الأربعون حديثاً، الإمام الخميني قدس سره, ص 487 ـ 488.

34- السيرة النبوية، ابن كثير، ج2، ص401.

35- سورة الإسراء، الآية: 79.