الفصل الثالث: مركزيّة القانون والحاكميّة


في السيرة النبويّة

كان النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم هو الحافظ على الدوام للحدود الإلهيّة والحارس لها والقيّم عليها. ويحدّثنا الإمام عليّ عليه السلام عن سيرة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فيقول: "لا يقصر عن الحقّ ولا يجوزه الدِّين"1.

فما كان ليترك حقّاً أبداً أو يتعدّى ويتجاوز حدود وموازين الدِّين، وفي ذلك يقول الإمام الخمينيّ قدس سره:

"القانون هو الّذي يحكم في الإسلام. والرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لم يتخلّف أبداً عن القانون الإلهيّ، فهو تابع له، والله سبحانه وتعالى يقول:
﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ*لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ*ُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ 2"3.

وإذا ما طالعنا سيرة النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم سنجد الحقيقة الّتي تواجهنا دائماً وهي أنّه صلى الله عليه وآله وسلم الامتداد لتأدية الرسالة الإلهيّة، فهو المتّبع والحافظ للحدود الإلهيّة الّتي لم يتجاوزها وكان دائماً يوصي الآخرين بها.


35


يقول الإمام الخمينيّ قدس سره في ذكره لهذه الخصيصة الأخلاقيّة الّتي تميّزت بها شخصيّة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم:

"في باب أخلاق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذُكر أنّه لم يطلب شيئاً لنفسه أو يردّ مظلمة عنها، فإذا ما هُتكت محارم الله تعالى، فإنّه كان يغضب لله تبارك وتعالى"
4.

وحول احترام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والتزامه القوانين والموازين الإلهيّة يقول الإمام قدس سره: "إنّ حكم الله وقانون الإسلام يجري على جميع الأفراد في الحكومة الإسلاميّة، فهو يشمل جميع الأفراد من الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم إلى خلفائه عليهم السلام وسائر أفراد المسلمين بدون استثناء"5.

ويقول في موضع آخر:

"إنّ حكومة الإسلام هي حكومة القانون. هي حاكميّة القوانين الإلهيّة من القرآن والسنّة. والدولة تابعة للقانون أيضاً. فنفس النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم تابع للقانون وكذلك نفس أمير المؤمنين عليه السلام كان تابعاً للقانون أيضاً، فما كانوا ليتخلّفوا عن القانون طرفة عين أبداً، وما كانوا يستطيعون ذلك لو أرادوا"
6.

بلا شكّ ينتظم الفرد والمجتمع ويحلّ القانون والنظام والسكينة


36


مكان الفوضى والظلم والقلق في ظلّ حفظ الحدود الإلهيّة واحترام القوانين الربّانية. ويحدّثنا أمير المؤمنين عليّ عليه السلام عن آثار وبركات حفظ القانون والحدود الإلهيّة إن على مستوى الفرد أو على مستوى العلاقات الاجتماعية فيقول عليه السلام:

"لو حفظتم حدود الله سبحانه لعجّل لكم من فضله الموعود"7. فالإمام عليه السلام يقول لنا إنّكم إذا حفظتم الحدود الإلهيّة، فإنّ وعد الله بإنزال فضله وإتمام نعمته وإسباغها سيتحقّق سريعاً.

يشير الإمام الخمينيّ قدس سره في مواضع كثيرة إلى تبعيّة الأئمّة المعصومين عليهم السلام للقوانين الإلهيّة، يقول في ذلك:

"إنّ نبيّ الإسلام وأئمّة الإسلام وخلفاء الإسلام كانوا دائماً المطيعين والخاضعين والمسلّمين للقانون"8.


37


"لقد تحقّقت في صدر الإسلام الحكومة الإسلامية الأصيلة مرّتين، الأولى زمان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والثانية في كوفة عليّ بن أبي طالب عليه السلام عندما تولّى الخلافة. في كلتا التجربتين تجلّت القيم المعنويّة للحكومة الإلهيّة، فمن جهة تحقّقت حكومة العدل الإلهيّ ومن جهة أخرى كان الحاكم لا يتخلّف عن الالتزام بالقانون ذرّة واحدة، فكلا الحكومتين كانتا حكومتي القانون"9.


38


هوامش

1- الطبقات الكبرى، أبو عبد الله محمّد بن سور، ج1، ص 424.

2- سورة الحاقّة، الآيات: 44 ـ 46.

3- صحيفة الإمام، ج 10، ص 310 و 311.

4- شرح حديث جنود العقل والجهل، مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدس سره، ص 244.

5- الحكومة الإسلامية، ص 44 ـ 45.

6- صحيفة الإمام، ج 11، ص 22، خطاب الإمام أمام أعضاء لجنة الإعلام والثقافة الإسلامية، وجمعية «شيروخورشيد» خرّم آباد، بتاريخ 18/8/1358هـ. ش.

7- غرر الحكم، الآمدي، ج 2، ص 605.

8- صحيفة الإمام، ج 14، ص 414.

9- م.ن، ج 11، ص 1، مقابلة مع التلفزيون الألماني بتاريخ 17/8/1358 هـ. ش.