المسجد مربي الأجيال المؤمنة
إن للتربية أهمية خاصة في بناء الإنسان الصحيح والسليم،
لأنها تؤمن الأجواء الملائمة التي تساعد الإنسان على
التوجه نحو الحق وصرف طاقاته في الاتجاه الصحيح لتثمر بعد
ذلك من صلاح الدنيا وطيبات الآخرة.
والمسجد له دوره الأساسي على مستوى التربية والتوجيه.
يقول الإمام الخميني "قده": "يجب أن تكون المساجد مراكزاً
للتربية الصحيحة، وأكثر المساجد كذلك، بحمد الله" 1.
ويقول "قده": "ينبغي أن تكون المساجد محالاً للتربية
والتعليم بالمعنى الحقيقي وبجميع الأبعاد"2.
فالمسجد هو تلك الأرض الخصبة الطيبة التي إن زرعنا فيها
الإنسان اهتزت شجرته وربت، شجرة تتمسك جذورها بتربة المسجد
تستقي منها وترتفع أغصانها لتلامس السماء، أصلها ثابت
وفرعها في السماء.
وعن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "من أدمن إلى المسجد أصاب الخصال
الثمانية: آية محكمة، أو فريضة مستعملة، أو سنة قائمة، أو
علما
مستطرفا، أو أخا مستفادا، أو كلمة تدله على هدى أو ترده
عن ردى، وترك الذنب خشية أو حياء"3.
فإذا أدمن الإنسان على المسجد أصاب كل هذا الخير وكان من
المهتدين. كما أخبر الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم:
﴿ إِنَّمَا
يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ
وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى
الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى
أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾4.
فالهداية ترتجى من خلال إعمار المساجد.
فإن أردت إنسانا صالحاً فازرعه في تربة صالحة زكية، فإن
زرعته في صحراء الدنيا القاحلة أو جبالها الجرداء ولم يهتد
فلا تلومن إلاّ نفسك.
المسجد حصن الجهاد الأكبر
يقول الإمام الخميني "قده": "المحراب هو موضع الحرب، موضح
المواجهة والحرب ضد الشيطان والطواغيت"5.
في كلمته هذه، يبين الإمام الخميني "قده" دورين جهاديين
للمسجد، أحدهما جهاد النفس والشيطان والآخر جهاد طواغيت
الدنيا.
سنتعرض لجهاد الطواغيت ضمن الفصل التالي، وأما جهاد النفس
والشيطان فهو من أدق الأمور وأصعبها حتى أعطته الروايات
لقب الجهاد الأكبر.
هذا الجهاد الذي سيلقي بضلاله على حركة الإنسان كلها في
الدنيا وعلى مصيره في الاخرة، حرب مع الشياطين ومع النفس
الأمارة بالسوء ومع زيف الدنيا...
ولكل حرب دروعها ومتاريسها وخنادقها، والمسجد هو الدرع
والمتراس والخندق لهذه الحرب، وهجرانه يعني الوقوف في
العراء أمام سهام العدو وأدواته، وهو بالتالي مقتل الإنسان
وهزيمته في هذه المعركة.
فالمسجد هو الضمان الأساسي للفوز في هذه المعركة الدقيقة
والصعبة.
وهذا ما أشارت إليه رواية عن أمير المؤمنين عليه السلام: "من
اختلف إلى المسجد أصاب إحدى الثمان: أخاً مستفاداً في الله
أو علماً مستطرفاً، أو آية محكمة، أو رحمة منتظرة، أو كلمة
ترده عن ردى، أو يسمع كلمة تدله على هدى ـ أو يترك ذنباً
خشية أو حياء".
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يردع صاحب المسجد بأقل من إحدى
ثلاث: إما دعاء يدعو به يدخله الله به الجنة، وإما دعاء
يدعو به ليصرف الله به عنه بلاء الدنيا، وإما أخ يستفيده
في الله عز وجل"6.
فالمسجد هو الذي يصنع الإنسان المسلم الرسالي وهو الذي
يحافظ عليه في مواجهة تحديات الشيطان والنفس الأمَّارة
والدنيا الغَرور.
ولكن هل هذا يعني أن نقصر دور المسجد على المستوى الفردي ؟
أم أن للمسجد دوراً اجتماعياً واسعاً أيضاً؟
لا شك أن للمسجد أدواراً أخرى أساسية ومهمة فلنطالعها فيما
يأتي.
|