أهداف الدرس:
1- أن يتبيّن الطالب
ملامح الانهيار والانحراف
الأمويّ أيّام الإمامين
عليهما السلام.
2- أن يتعرّف إلى أبرز ما
قام به الإمامان عليهما
السلام لمواجهة هذا
الانحراف.
تمهيد
استكمل الإمامان الباقر
والصادق عليهما السلام ما
كان بدأه الإمام السجّاد
عليه السلام في كشف
الغطاء المزيّف الّذي
تلبّس به الحكم المنحرف
من قبل الخلفاء الأمويّين
والعبّاسيّّين. ولم يكتفِ
أهل البيت عليهم
السلامبالعمل الإيجابيّ
وطرح البديل الصحيح لفضح
الخطّ المنحرف، وإنّما
قاموا بمناظرات جادّة
تكشف مدى انحراف العلماء
المنتمين إلى السلطة،
وحاربوا كلّ الأفكار
والعقائد الخاطئة في
عصرهم، والّتي كان يروّج
لها علماء البلاط. وساهم
طلاّب مدرستهم عليهم
السلام في نشر فضلهم
العلميّّ وتميّزهم الدينيّّ
والمعرفيّ على من سواهم.
وهكذا بدأ المسلمون
بالرغم من كلّ الظروف
المعاكسة لحركة أهل البيت
عليهم السلام يشعرون
بضرورة الارتباط بهم.
وأصبح الولاء القلبيّ
لأهل البيت عليهم
السلام
مَعْلماً واضحاً
لدى عامّة العلماء
وبالتدريج لدى قطاعات
كبيرة من المسلمين...
وبلغ الأمر حدّاً جعل
الخلفاء وعلماء البلاط
يشعرون بالخطر المحدق بهم
من حضور ذكر أهل البيت
عليهم السلام
في الساحة
الإسلاميّة. وتجلّى ذلك
بوضوح في عصر الإمامين
الباقر والصادق عليهما
السلام ثمّ الكاظم والرضا
عليهما السلام، واستمرّ
بالتألّق حتّى عصر الإمام
العسكريّّ عليه السلام.
ويدلّ على ذلك مدى
التضييق عليهم وشدّة
الرقابة
المفروضة على
نشاطاتهم الاجتماعيّّة
والفرديّة وحتّى
العائليّة، وشؤونهم
الداخليّة الخاصّة.
فتشديد النقمة على الحكم
الأمويّ ثمّ على الحكم
العبّاسيّ وتعميم
المواجهة واستمرارها هي
من آثار هذا النشاط
الثقافيّّ الّذي مارسه
الأئمّة عليهم السلام في
هذه المرحلة، واستمرّ
حتّى مراحل متأخّرة من
حياتهم في القرن الثالث
الهجريّ.
مرحلة ما بعد الإمام
السجّاد عليه السلام
بعد استشهاد الإمام عليّّ
بن الحسين عليه السلام
بالسمّ الّذي دسّه إليه
الحاكم الأمويّ الوليد بن
عبد الملك حاول الوليد أن
يمتصّ النقمة، ودبّ
الخلاف بين الوليد وأخيه
سليمان، حيث أراد الوليد
خلعه من ولاية العهد بعده
ومبايعة ابنه عبد العزيز
بن الوليد، فأبى عليه
سليمان، ولم يجبه للبيعة
جميع الولاة باستثناء
الحجّاج وقتيبة بن مسلم
وبعض الخواصّ، فعزم
الوليد على السير إليه
ليخلعه بالقوّة فمات قبل
ذلك.
وانشغل سليمان سنة 196هـ
بمتابعة ولاة الوليد
وعزلهم عن مناصبهم
1، كما
حاول إصلاح بعض الأوضاع
المتردّية تقرّباً إلى
الناس، فأطلق المعتقلين
وفكّ الأسرى.
وكانت الأخطار الخارجيّة
والداخليّة تحيط بالدولة
الإسلاميّة والحاكم
الأمويّ
2، فانشغلت السلطة
عن ملاحقة الإمام الباقر
عليه السلام فتصدّى عليه
السلام للإصلاح، بعيداً
عن المواجهة السياسيّة
العلنيّة للحكم القائم.
ولم تظهر من قِبَل الحاكم
وواليه على المدينة أيّة
معارضة للإمام عليه
السلام.
الانحراف الأمويّ في عصر
الإمامين عليهما السلام
أصبح الإنسان المسلم
فريسة للأهواء والمطامع
نظراً للانحراف الّذي
تغلغل في جميع الميادين:
ميدان النفس، والحياة
الاجتماعيّّة, وما ذلك
كلّه إلّا لابتعاد الأمّة
عن منهج أهل البيت عليهم
السلام، وانسياقها وراء
التيّارات والأفكار
الهدّامة الّتي شجّع
عليها حكّام بني أميّة.
وتتلخّص أهم مظاهر
الانحراف في ذلك العصر
بما يلي:
1- الانحراف الفكريّّ
والعقائديّّ
في الفترة الواقعة بين
سنة 95هـ و124هـ. تعدّدت
التيّارات الفكريّّة
والعقائديّّة المنحرفة،
وأصبحت ذات أتباع وأنصار،
وتحوّلت إلى كيانات ذات
إفرازات سياسيّة خالف
الكثير منها الأسس
الواضحة في العقيدة
الإسلاميّة، فانتشرت
أفكار الجبر والتفويض
والإرجاء والتجسيم وتشبيه
الله تعالى بخلقه.
وتعدّدت تيّارات الغلوّ،
وراجت الزندقة، وتزوير
الحديث، وازداد الاهتمام
بالصحابة كبديل عن أهل
البيت عليهم السلام. ومن
هنا حاولوا توسيع دائرة
الصحبة والصحابة ليدخل في
هذا العنوان كلّ من عاصر
الرسول صلى الله عليه
وآله وسلم بشكلٍ من
الأشكال وإن لم يتأثّر
بثقافته وروحه. وقد وصف
الإمام الرضا عليه السلام
دور الحكّام في عملية
التزوير للحديث قائلاً:
"إنّ
مخالفينا وضعوا أخباراً
في فضائلنا وجعلوها على
ثلاثة أقسام:
أحدها: الغلوّ.
وثانيها: التقصير في
أمرنا.
وثالثها: التصريح بمثالب
أعدائنا"3.
2- الانحراف السياسيّ
حوّل الأمويّون الخلافة
إلى ملك يتوارثه الأبناء
عن الآباء، واستبدّوا
بالأمر فلا شورى ولا
استشارة إلّا للمنحرفين
والفسّاق.
أمّا بالنسبة إلى حكّامهم
والسياسة الّتي اتّبعوها
فكانت على الشكل التالي:
كان الوليد بن عبد الملك
جبّاراً عنيداً ظلوماً
غشوماً4 ، وحاول سليمان بن
عبد الملك من بعده أن
يُصلح الأوضاع تقرّباً
إلى الناس فأطلق السجناء،
لكن سياسته العامّة لم
تتغيّر لأنّ كثيراً من
البلدان كان يتولّاها
القساة الظلمة من أمثال
والي العراق خالد بن عبد
الله القسريّ5. واتّبع
الوليد وسليمان ابنا عبد
الملك سيرة أبيهما في قتل
الرافضين للبيعة لهما.
وحينما تولّى عمر بن عبد
العزيز الحكم اتّخذ سياسة
جديدة تخالف من سبقه،
فقام ببعض الإصلاحات كمنح
الحريّة للمعارضين، وألغى
سنّة سبّ أمير المؤمنين
عليه السلام من على منابر
المسلمين، وردّ فدكَ إلى
أهل البيت عليهم السلام،
وأمر بردّ المظالم6. ولكنّ
حكمه لم يدم أكثر من
سنتين وخمسة أشهر، ثمّ
عاد الوضع إلى ما كان
عليه سابقاً.
وكَثُرت في هذه المرحلة
اختلافات البيت الأمويّ
تنافساً على الحكم، كما
كثرت الفتن الداخليّة.
وقد أفتى بعض المتملّقين
إلى الأمويّين أنّه ليس
على الخلفاء حساب!
وكانت الأمّة الإسلاميّة
محاطة بمخاطر شتّى، ففي
سنة 104هـ ظفر الخزر
بالمسلمين وانتصروا عليهم
في بعض الثغور. وفي عهد
هشام بن عبد الملك ازداد
الإرهاب والتنكيل بأهل
البيت عليهم السلام
وأتباعهم وسائر المعارضين.
فقد أقدم هشام
على سجن
الإمام الباقر عليه
السلام ثمّ أخرجه لتأثّر
السجّانين به7. وأصدر
أوامره بقتل بعض أتباع
الإمام الباقر عليه
السلام إلّا أنّ الإمام
عليه السلام استطاع أن
ينقذهم من القتل حيث
استفادوا من أسلوب
التقيّة الّذي أرشدهم
إليه الإمام عليه السلام.
3- الانحراف الاجتماعيّّ
والأخلاقيّّ
حوّل الأمويّون الأنظار
إلى الغزوات وفتح البلاد
طلباً للغنائم وإبعاداً
للمعارضين. وأدّى التوسّع
في غزو البلاد المجاورة
إلى خلق أنواع من
الاضطراب في المجتمع
الإسلاميّ مثل تشتيت
الأُسَر بغياب المعيل أو
فقدانه، وكثُر العبيد
المأسورون (الجواري
والغلمان) ممّا أدّى إلى
التشجيع على اقتناء
الجواري والمغنّيات.
وانتقل هذا الانحراف من
البلاط إلى الأمّة.
وانشغل الحكّام باللهو
وانساقوا وراء الشهوات
دون حدود. ومن هنا تطوّرت
ظاهرة الغزل والتشبيب
بالنساء في العهد الأمويّ
كما يُفصح عن ذلك تأريخ
الأدب العربيّ8.
4- الانهيار الاقتصاديّّ
خالف الأمويّون الأسس
الثابتة للنظام الاقتصاديّّ
الإسلاميّ الّتي تنصّ على
أنّ الأموال هي أمانة
الله عند الحاكم، وليست
ملكاً شخصيّّاً له،
فتصرّف حكّامهم بالأموال
وكأنّها ملكٌ شخصيّّ لهم،
فكانوا ينفقونها حسب
رغباتهم وأهوائهم،
وبالأخصّ على ملذّاتهم.
وكان للجواري والمغنّين
نصيب كبير في بيت المال،
كما كانوا ينفقون الأموال
لشراء الذمم والضمائر
ويمنحونها لمن يشترك في
تثبيت سلطانهم أو مدحهم
والثناء عليهم؛ فقد مدح
الشيبانيّ يزيد بن عبد
الملك فأمر له بمائة ناقة،
وكساه وأجزل صلته9.
وكان الحكّام يعيشون في
أعلى مراتب الترف والبذخ،
ويبذّرون أموال المسلمين
على شهواتهم، وعلى
المقرّبين لهم، في وقت
كان يعيش فيه كثير من
الناس حياة الفقر والجوع
والحرمان.
وضاعف هؤلاء الحكّام
الضرائب، فأضافوا ضرائب
جديدة على الصناعات
والحِرَف، خصوصاً في عهد
هشام بن عبد الملك الّذي
كان يُنفق ما تجمّع لديه
منها على الشعراء
المادحين له10.
وانساق الناس وراء
شهواتهم ورغباتهم خصوصاً
أتباع الأمويّين. وهكذا
أخذ الناس يسعون للحصول
على المال بأيّ وجه ما
دام الحكّام لا همّ لهم
إلّا كسب الأموال والترف
في هذه الحياة الدنيا،
ولزم من ذلك غياب كثير من
مشاعر الرحمة والتعاطف
والإيثار فيما إذا قيس
وضع الأمّة إلى عصر
الرسول صلى الله عليه
وآله وسلم.
الملامح العامّة لعصر
الإمامين عليهما السلام
يُعتبر عهد الإمامين
الباقر والصادق عليهما
السلام (95 ـ 148هـ) حتّى
بداية أيّام هارون الرشيد
(170هـ) هو عهد الانفراج
للنشاط الفكريّّ لمدرسة
أهل البيت عليهم
السلامإذا ما قيس إلى
العهود السابقة واللاحقة.
وعلى الرّغم من كلّ مظاهر
الانحراف الّتي تحدّثنا
عنها إلّا أنّ الحكم
الأمويّ كان قد أخذ
بالضعف والانهيار حتّى
السقوط (سنة 132هـ)
لأسباب قد نتعرّض لها
فيما سيأتي. أمّا بداية
العهد العبّاسيّ فكانت
وفقاً لكيفيّة نشوئه
بداية دولة فتيّة لا
سيّما وهي ترفع شعار
الرضا من آل محمّد صلى
الله عليه وآله وسلم.
فتلك النهاية وهذه
البداية اجتمعتا لتشكّلا
عصر ضعف الدولتين. ومن
الطبيعيّ في هذا الظرف أن
يشتغل الحكّام وأتباعهم
بإحكام القبضة على
الحكم
لئلاّ يفلت من أيديهم
زمام الأمر. إنّ تنامي
الاضطرابات ضدّ الحكّام
الأمويّين من جهة
والتناحر بين رموز البيت
الأمويّ من جهةٍ ثانية
واشتداد نقمة الأمّة على
الحكّام هي من جملة أسباب
هذا الانهيار وانقراض
الحكم الحديديّ الأمويّ.
ومن هنا سُمّي هذا العصر
بعصر انتشار علوم آل
محمّد. وكان فضلاء الشيعة
ورواتهم في تلك السنين
آمنين على أنفسهم
مطمئنّين مجاهرين بالولاء
لأهل البيت عليهم
السلاممعروفين بذلك بين
الناس، ولم يكن للأئمّة
عليهم السلام مزاحم في
نشر الأحكام، فكان شيعتهم
يحضرون مجالسهم العامّة
والخاصّة للاستفادة من
علومهم. وفي تلك المدّة
القليلة كتبوا عن أئمّتهم
أكثر ما ألّفوه وبسعيهم
نُشرت علوم آل محمّد صلى
الله عليه وآله وسلم.
وهناك عامل آخر ساعد
الإمامين الصادقين عليهما
السلام على القيام
بمهامّهما الفكريّّة، هو
ابتعادهما عن الطموح إلى
تولّي السلطة؛ لعلمهما
بأنّها لا تصل إليهما
وأنّهما لا يصلان إليها؛
لأسباب أدركاها من
متابعتهما لما جرى ويجري
من أحداث، ولمعرفتهما
بواقع المستويات
الاجتماعيّّة والسياسيّة
لأبناء الأمّة الإسلاميّة
آنذاك, فلم يقتربا من
سلطان ولم يتّصلا بسلطة
ولم يتدخّلا بشأن سياسيّ
يمتّ إلى النظام الأمويّ
أو النظام العبّاسيّ بوجهٍ
من الوجوه وسيأتي تفصيل
ذلك في الدرس الرابع عشر
إن شاء الله تعالى.
وامتاز عهد الإمامين
الصادقين عليهما السلام
بميزةٍ أخرى هي: غزو
الحضارات الرافدة
كاليونانيّة والهنديّة
والفارسيّة والعبريّة
والسريانيّة، بما تحمل من
فلسفات وثقافات ونظريّات
لا تلتقي مع وجهة النظر
الإسلاميّة.
فلا بدّ أن تكون للمسلمين
فلسفة منبعثة من واقع
النظريّة الإسلاميّة؛
حتّى لا تؤثّر الفلسفات
الوافدة والحضارات غير
الإسلاميّة سلباً عليهم.
ولم يكن بين المسلمين
آنذاك شخصيّّة مؤهّلة
علميّاً تتصدّى لهذه
المسؤوليّة غير الإمامين
عليهما السلام، ولا سيّما
في عصر الإمام الصادق
عليه السلام.
لقد أدرك الإمام الصادق
عليه السلام خطورة هذه
المرحلة وضرورة التهيّؤ
لهذا العمل العسير،
ليؤسّس للمسلمين مدرستهم
الفلسفيّة الخاصّة بهم،
لتحتضن فكرهم الفلسفيّ
الإسلاميّ، وتقف أمام
تحدّي الحضارات الوافدة
وتحدّ من تأثيرها على
الذهنيّة الإسلاميّة في
مجال العقيدة والتشريع
معاً.
قال الإمام الصادق عليه
السلام: "لمّا حضرت أبي
الوفاة قال: يا جعفر
أوصيك بأصحابي خيراً، قلت:
جعلت فداك، والله
لأدَعَنَّهم11 والرجلُ منهم
يكون في المصر فلا يَسأَلُ
أحداً"12.
فالإمام الصادق عليه
السلام كان قد استعدّ
وخطّط لمرحلة تصدّيه
للإمامة وذلك بالتركيز
على الإعداد العلميّّ
والإغناء الثقافيّّ بحيث
يجعل كلّ واحد من تلامذة
أبيه الباقر عليه السلام
في غنى عن الأخذ من غيره.
وهذا يعني الإعداد
لمرجعيّة أصحاب أهل البيت
العلميّّة فضلاً عن
مرجعيّة أهل البيت عليهم
السلام أنفسهم.
كما أنّ الإمام الباقر
عليه السلام كان قد هيّأ
أصحابه وشيعته لأخذ معالم
الشريعة من ابنه الإمام
الصادق عليه السلام عندما
قال لهم: "إذا افتقدتموني
فاقتدوا بهذا ـ مشيراً
إلى الإمام الصادق عليه
السلام ـ فإنّه الإمام
والخليفة بعدي"13.
المرحلة الانتقالية بين
الإمامين عليهما السلام
لم يكن الوضع السياسيّ
الّذي كان يريد الإمام
الصادق عليه السلام أن
يتحرّك فيه
قد تبدّل عن
عصر أبيه الإمام الباقر
عليه السلام، فهشام بن
عبد الملك الّذي أقدم على
اغتيال الإمام الباقر
عليه السلام كان هو
الحاكم الطاغي، وسياسته
مع الإمام الصادق عليه
السلام وشيعته كانت هي
مبنيّة على أساس الحقد
الجاهليّ والترويع
والاضطهاد.
فقد تعرّض زيد بن عليّ عمّ
الإمام الصادق عليه
السلام في زمن أخيه
الإمام الباقر عليه
السلام للإذلال والتوهين
من قبل هشام باعتباره أحد
رموز أهل البيت عليهم
السلام. كما جعل زيد
يزداد قناعة بضرورة
الثورة المسلّحة ضد
الحكّام بسبب فسادهم
وجلوسهم في موقع الرسول
صلى الله عليه وآله وسلم،
وهم يحكمون باسمه في
الوقت الّذي يستهينون فيه
بالنبيّ صلى الله عليه
وآله وسلم وأهل بيته وهم
غير مكترثين برسالته ولا
بمن يسبّه عندهم.
فحينما صمّم زيدٌ على
الثورة المسلّحة ضد طغاة
بني أميّة جاء إليه جابر
بن يزيد الجعفيّ يسأله عن
سبب تصميمه على الثورة
ويخبره بأنّه لو خرج
يُقتل.
فقال زيد لجابر: "يا جابر
لم يَسَعْنِي أن أسكت وقد
خولف كتاب الله وتحوكم
بالجبت والطاغوت، وذلك
أنّي شاهدت هشاماً ورجل
عنده يسبّ رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم فقلت
للسابّ: ويلك يا كافر أما
إنّي لو تمكّنت منك
لاختطفتُ روحك وعجّلتك
إلى النار. فقال لي هشام:
مَه جليسنا يا زيد".
ثمّ قال زيد لجابر: "فوالله
لو لم يكن إلّا أنا ويحيى
ابني لخرجتُ عليه وجاهدته
حتّى أفنى"14.
زيد وإعلان الثورة
جمع زيد بن عليّ الأنصار
والدعاة وأعلن ثورته،
والتحق به عدد غفير
وأيّده جمع من الفقهاء
والعلماء على ذلك.
لكنّ المتتبّع للوضع
السياسيّ والأخلاقيّّ
لتلك المرحلة يرى أنّ
الاضطراب العقائديّّ
والأخلاقيّّ كان سمة من
سمات ذلك العصر. وبالرغم
من التذمّر الصارخ من بني
أميّة وجورهم، وبالرغم من
بحثهم عن بديل سياسيّ
يتمثّل في خط أهل البيت
عليهم السلام، نجد أنّ
هاتين المفردتين لم تفيا
بكامل الشروط الموضوعيّة
لنجاح الثورة، بل نجد
ظاهرة التخذيل والتشكيك
في حركة زيد سمة بارزة في
هذه المرحلة أيضاً.
إذاً، فَجّرَ زيد ثورته
وحقّق نصراً حاسماً ضد
الأمويّين، وخاض حرباً
كادت أن تنتهي لصالحه
لولا وقوع الفتنة في صفوف
أتباعه المقاتلين، حيث
تعمّدت بعض العناصر
الدخيلة تفريق جيشه
وأتباعه، لكنّه صمد وقاتل
حتّى استشهد.
وبعد قتله نبش الأمويّون
قبره وصلبوه في كناسة
الكوفة ثمّ أُنزل فأُحرق
جسده وذرّوه في الهواء،
سلام الله عليه15.
وبعد هذا المصاب نجد
الإمام الصادق عليه
السلام في مواقف متعدّدة
يتبنّى الدفاع عن عمّه
زيد، ويترحّم عليه ويوضّح
منطلقاته وأهدافه ويرسّخ
في النفوس مفهوماً
إسلاميّاً عن ثورته، حيث
يعتبر هذه الثورة جزءاً
من حركة الإمام عليه
السلام وليست حدثاً خارجاً
عنها، كما نجده يردّ على
الإعلام المضادّ للثورة
في عدّة مواقف وتصريحات
منها:
ما رواه الفضيل بن يسار
قال: ذهبت إلى المدينة
بعد قتل زيد لألتقي
بالإمام الصادق عليه
السلام وأخبره بنتائج
الثورة، وبعد أن التقيته
وسمع منّي ما دار في
المعركة قال:
"يا فضيل شهدت مع عمّي
قتال أهل الشام؟"
قلت:
نعم، قال: "فكم قتلتَ
منهم؟" قلت: ستّة، قال:
"فلعلّك
شاكٌّ في دمائهم؟" قال:
فقلت: لو كنت شاكّاً ما
قتلتهم. ثمّ قال: سمعته
وهو يقول: "أشركني الله
في تلك الدماء، مضى واللهِ
زيدٌ عمّي وأصحابه شهداء،
مثل ما مضى عليه عليّ بن
أبي طالب وأصحابه"16.
|