أهداف الدرس:
1- أن يتبيّن
الطالب الحركة
العلميّّة أيّام
الإمام الرضاعليه
السلام.
2- أن يتبيّن
الوضعين الأخلاقيّ
والسياسيّ زمن
الإمام الرضا
عليه السلام.
3- أن يعدّد بعضاً
من الثورات في
عصر الإمام الرضا
عليه السلام.
الحركة العلميّّة
والفكريّّة أيام الإمام
الرضا عليه السلام
في القرن الثاني الهجريّ
الّذي عاش فيه الإمام عليّّ
بن موسى الرضا عليهما
السلام اتّسعت الحركة
العلميّّة، ونشط البحث
والتأليف والتدوين وتصنيف
العلوم والمعارف، ونشأت
المدارس والتيّارات
الفلسفيّة والفكريّّة،
وبدأت حركة الترجمة
والنقل من اللّغات
المختلفة، وازدحمت
المدارس وحلقات الدرس
بالأساتذة والطلّاب الذين
تناولوا مختلف العلوم.
وقد ازدهرت هذه الحركة
العلميّّة بشكل خاصّ
أيّام الرشيد والمأمون.
وقد ولد الإمام الرضاعليه
السلام أيّام أبي جعفر
المنصور, وعاصر من خلفاء
بني العبّاس المهديّّ
والهادي والرشيد والأمين
والمأمون. وقد كانت هذه
الفترة من أغنى فترات
الفكر والثقافة
الإسلاميّة، ففيها عاش
مؤسّسو المذاهب الفقهيّة,
أمثال الشافعيّ ومالك بن
أنس وأحمد بن حنبل وأبي
حنيفة، وفقهاء وأصحاب
آراء مختلفة أمثال أبي
يوسف القاضي وسفيان
الثوريّ ويحيى بن أكثم،
وغيرهم من أصحاب العلوم
والمعارف الشرعيّة
والعقليّة، كالأصمعيّ
ومحمّد بن الهذيل العلّاف
المعتزليّ والنظّام
إبراهيم المعتزليّ. ونشطت
مذاهب الفلسفة وعلم
الكلام.
وكان الإمام الرضاعليه
السلام مفزع العلماء
وملجأ أهل الفكر والمعرفة،
يُناظر علماء التفسير
ويحاور أهل الفلسفة
والكلام ويردّ على
الزنادقة والغلاة،
ويُثبّت قواعد الشريعة
وأصول التوحيد.
وساعدت السلطة العبّاسيّة
على إيجاد الأفكار
والتيّارات المنحرفة
كادّعاء النبوّة، وأطلقت
الحريّة للديانات
المحرّفة، ولتيّارات
الغلوّ والوقف رغبة منهم
في إطفاء نور أهل البيت
عليهم السلام.
ومن الأمثلة على ذلك
انتشار الإفتاء بالرأي
والفتاوى التابعة لأهواء
الحكّام ورغباتهم، وتفسير
القرآن بالرأي، ورواج
القياس المذموم القائم
على الظنون والأهواء،
حتّى قام أحد الفقهاء
المعروفين بتحليل وطء
هارون لجارية كان قد
وطأها أبوه من قبل، وقال
له, يا أمير المؤمنين
أوكلّما ادّعت أمَة شيئاً
ينبغي أن تُصدّق؟ لا
تصدّقها فإنّها ليست
بمأمونة. وحلّل له وطء
جارية قبل الاستبراء،
وقال له: تهبها لبعض ولدك
ثمّ تتزوّجها1.
كما وأشغل الحكّامُ الناس
بالجدال والنقاش العقيم،
فشجّع هارون على القول
بِقدَم القرآن، وقام بقتل
من يقول خلاف ذلك، وحينما
سئل عن رجل مقتول بين
يديه أجاب: قتلته لأنّه
قال, القرآن مخلوق2.
وتغيّر الرأي في عهد ابنه
عبد الله المأمون، فناقض
والده في رأيه، وأشاع
القول بخلق القرآن، وقام
بسجن وتعذيب أحمد بن حنبل
لقوله بِقِدَم القرآن.
المرجعيّة الفكريّّة
للإمام الرضا عليه السلام
شكّل الإمام الرضاعليه
السلام في مقابل
المحاولات العبّاسيّة
مرجعيّةً فكريّة ودينيّة
للأمّة. وأصبح محطّ أنظار
الفقهاء، ومهوى أفئدة
طلّاب العلم.
وكان عليه السلام يقول:
"كنت أجلس في الروضة،
والعلماء بالمدينة
متوافرون، فإذا أعيى
الواحد منهم عن مسألة
أشاروا عليّ بأجمعهم،
وبعثوا إليّ بالمسائل
فأجبت عنها"3.
وكشفعليه السلام وسائل
التآمر الفكريّ الّتي
تؤدّي إلى بلبلة عقول
المسلمين، وأعطى قاعدة
كلّية في الأساليب
والممارسات الّتي
يستخدمها أعداء أهل البيت
عليهم السلاملتشويه
المفاهيم الإسلاميّة،
فقالعليه السلام: "إنّ
مخالفينا وضعوا أخباراً
في فضائلنا وجعلوها على
ثلاثة أقسام:
أحدها: الغلوّ، وثانيها:
التقصير في أمرنا،
وثالثها: التصريح بمثالب
أعدائنا. فإذا سمع الناس
الغلوّ فينا كفّروا
شيعتنا، ونسبوهم إلى
القول بربوبيّتنا، وإذا
سمعوا التقصير اعتقدوه
فينا، وإذا سمعوا مثالب
أعدائنا بأسمائهم, ثلبونا
بأسمائنا"4.
ولذا وضّح الإمام عليه
السلام أنّ جميع الأفكار
المنحرفة هي من وضع
المخالفين لأهل البيت
عليهم السلام لتشويه
سمعتهم، وتحجيم دورهم في
إصلاح الأوضاع على النهج
الإسلاميّ الصحيح.
كما قامعليه السلام
بخطوات عمليّة للردّ على
جميع ألوان الانحراف
الفكريّ والتشريعيّ من
أجل كسر الإلفة والأنس
بين أتباعها وبينها، وردّ
على أفكار المشبِّهة
والمجسِّمة والمجبِّرة
والمفوِّضة، وفنّد أفكار
الغلاة والزنادقة، وعقائد
اليهود والنصارى، وردّ
على أصحاب القياس، وعلى
الإفتاء والتفسير بالرأي.
الوضع الأخلاقيّ في
عصر الإمام الرضاعليه
السلام
ساهم الانحراف الأخلاقيّ
للحكّام العبّاسيّين
وابتعادهم عن المنهج
الإسلاميّ في انتشار
الفساد عند الأمّة، ومن
مظاهر هذا الانحراف:
1. اللّهو واللّعب: كان
هارون الرشيد أوّل حاكم
لعب الشطرنج، ورمى
النشّاب. وكان يُجري سباق
الخيل. ولمّا وصل ابنه
محمّد الأمين إلى قمّة
السلطة أمر ببناء مجالس
لمنتزهاته، ومواضع خلواته
ولهوه ولعبه وأنفق في
بنائها أموالاً عظيمة،
وتابع المأمون أباه وأخاه
في اللهو واللعب.
2. الولع بالغناء
وبالجواري: لم يكترث
الحكّام لما تتعرّض له
الدولة والأمّة من مخاطر
ومؤامرات، ولم يكن من
همّهم تحصين الإسلام،
فكان هارون من المولعين
بالغناء حتّى جعل
المغنّين مراتب وطبقات.
وفي الوقت الّذي كان يموت
فيه آلاف الجنود لم يكن
يكترث لذلك، ولا يؤلمه
كثرة القتلى والمعوّقين
بل يؤلمه موت جارية من
جواريه، فيرثيها بأبيات
شعريّة. وكان الأمين يأمر
بفرش ساحة مفتوحة بأفخر
الفراش، وتهيئة أوانٍ من
الذهب والفضّة مع الجواهر،
ثمّ يأمر قَيّمة جواريه
بأن تُهيّىء له مائة
جارية، يصعدن إليه عشراً
عشراً بأيديهنّ العيدان،
يغنّين بصوت واحد5.
3. شرب الخمر: استطاع
الحكّام العبّاسيّّون
الحصول على فقهاء يبرّرون
لهم سماع الغناء والولع
بالجواري. ولكن من أين
لهؤلاء الفقهاء أن يُفتوا
بحلّية شرب الخمر
الّذي
تُعتبر حرمته من الثوابت
في الشريعة؟ وعلى الرغم
من ذلك نجد هؤلاء الحكّام
يجاهرون علناً بهذه
المعصية ويشربون الخمر،
فكان هارون مدمناً على
شرب الخمر وكان يتولّى
بنفسه سقاية ندمائه6.
وهكذا كان ولداه الأمين
والمأمون.
4. الانحرافات في مجالس
الحكّام: لم يكن غريباً
على الحكّام العبّاسيّين
الّذين تولّوا الحكم دون
سابقة علم وتقوى، ودون
مؤهّلات فكريّة وخُلقيّة
أن يتعدّوا حدود الله
تعالى، ويرتكبوا
المحرّمات في مجالسهم،
فقد كان هارون يستمع إلى
ألفاظ الفحش، بل يضحك
تشجيعاً لقائلها، وفي
مجلسه كانت تمارس أمور
مصحوبة بالألفاظ البذيئة.
ولم يكتفِ بذلك وإنّما
كان يهب لمرتكبيها مالاً7
من بيت مال المسلمين.
وأمّا ابنه الأمين فهو -
كما يصفه ابن الأثير: لم
نجد في سيرته ما يُستحسن
ذكره، من حلم أو معدلة أو
تجربة، حتّى نذكرها8.
وفي مجالس المأمون كان
يكثُر الغزل المباشر.
5. الممارسات المنحرفة
لأتباع الحكّام: كان
المقرّبون للحكّام
والولاة في بغداد والكرخ
يُظهرون الفسق، ويختطفون
الغلمان والنساء علانية
من الطرق. وكان الطبريّ
بعد ذكره لمثل هذه
الممارسات يقول: "لا
سلطان يمنعهم، ولا يقدر
على ذلك منهم، لأنّ
السلطان كان يعتزّ بهم
وكانوا بطانته"9.
وهذا الانحراف لم ينحصر
في البلاط الحاكم، وإنّما
امتدّ إلى جميع من يرتبط
بالبلاط، وانعكس أثره على
الأمّة لوجود المقتضي وهو
تشجيع الحكّام للانحراف.
الوضع السياسيّ في عصر
الإمام الرضاعليه السلام
يُمكن تقسيم الوضع
السياسيّ للمرحلة الّتي
عاشها الإمام عليّّ بن
موسى الرضاعليه السلام
إلى مرحلتين:
الأولى: مرحلة حكم
المهديّّ والهادي والرشيد,
وكانت مرحلة قاسية صعبة
على أتباع أهل البيت
عليهم السلام وعلى إمامهم
موسى بن جعفر أبي الإمام
الرضا عليهما السلام. فقد
عاش الإمام الرضاعليه
السلام هذه المرحلة
الصعبة في كنف أبيه، وكان
يشاهد بأمّ عينه محنة
أبيه الإمام الكاظمعليه
السلام وهو يُنقل من سجن
إلى سجن، حتّى شهد نهاية
المحنة باستشهاد والده،
وما حصل في واقعة فخّ
ومذبحة أهل البيت فيها
واستشهاد الحسين بن عليّ
بن الحسن، ومطاردة
العلويّين وهدم دورهم
ومصادرة أموالهم وإدخالهم
السجون.
كما أنّ الإمام الرضاعليه
السلام لم يسلم من ظلم
العبّاسيّين، فكذلك لم
تسلم كافّة طبقات الأمّة،
لهذا نشاهد ثورات
العلويّين تمتدّ في بلاد
الديلم وخراسان والأهواز
والبصرة والكوفة والمدينة
ومكّة وأفريقيا واليمن
وغيرها من البلدان
الإسلاميّة. وبرزت إلى
العلن مواقف واضحة جليّة
لدى أئمّة المذاهب ووجوه
المجتمع، ورجال السياسة
وكلّها تظهر التأييد لأهل
البيت عليهم السلام.
وأمّا المرحلة الثانية:
مرحلة الصراع على
السلطة, فقد عهد الرشيد
في حياته بولاية العهد
وتقسيم السلطة والملك بين
أبنائه الثلاثة الأمين
والمأمون والقاسم، وجعل
الخلافة بينهم الواحد تلو
الآخر ابتداءً من الأمين
فالمأمون فالقاسم. وحدّد
لكلّ منهم دائرة نشاطه
وإدارته وحدود تصرّفه,
فأعطى الأمين ولاية
العراق والشام حتّى آخر
المغرب، وأعطى المأمون من
همدان إلى آخر المشرق،
وأعطى القاسم الّذي سمّاه
المؤتمن الجزيرة والثغور
والعواصم10.
وما أن انتهت حياة الرشيد
وانتقلت السلطة للأمين
واستقرّ به الملك
والسلطان حتّى أقنعه بعض
خواصّه بأن يخلع أخاه
المأمون ويسحب منه ولاية
العهد، ويجعل الخلافة من
بعده لابنه موسى (ابن
الأمين). وراح يهيّىء
لنقل الخلافة لولده موسى
ويدعو له على المنابر،
وطلب من المأمون أن يؤيّد
هذا القرار فرفض ذلك
وتمرّد على خلافة الأمين
وأعلن خلعه والتحلّل من
بيعته، وراح يعدّ ويُهيّئ
للحرب والصدام المسلّح مع
أخيه الأمين.
وبدأ الأمين شنّ الحرب
على المأمون فأرسل عليّ
بن عيسى أحد قوّاده لقتال
المأمون في خراسان. وبدأت
الحرب ونشب الصراع فانهزم
عليّ بن عيسى أمام طاهر
بن الحسين قائد جيوش
المأمون. وتقدّم طاهر بن
الحسين وزحف نحو بغداد
فحاصرها مدّة سنة ونصف
تقريباً واضطرّ الأمين
للتسليم بعد حربٍ دمويّة
رهيبة ودمار اقتصاديّ
ومدنيّ مروّع، فسقطت
بغداد مقرّ خلافته
واستسلم لطاهر بن الحسين
فقتله ولم يقبل له عذراً،
وحمل رأسه إلى خراسان،
وسلّم الرأس إلى المأمون.
وهكذا انتهى حكم الأمين
بعد أن دام أربع سنوات
وعدّة شهور. وخضعت الدولة
العبّاسيّة خلال هذه
الفترة لهزّات واضطرابات
وصراع دمويّ وسياسيّ
وإنهاك اقتصاديّ عنيف،
فاستغلّ العلويّون هذا
الوضع السياسيّ المضطرب
وتلك الظروف المؤاتية بعد
أن ضاق عليهم الخناق طول
الفترة العبّاسيّة
المنصرمة، وقاموا بثورات
وانتفاضات عدّة.
الثورات والانتفاضات
في عصر الإمام الرضا عليه
السلام
أدّت سياسة الاضطهاد
الّتي مارسها العبّاسيّون
إلى التحرّك المسلّح،
وإعلان الثورات. وكان
طبيعيّاً أن يستثمر
العلويّون فرصة ارتباك
السلطة واضطراب الأوضاع
للقيام بالثورة على
السلطة، وكان من أبرز هذه
الثورات:
1-
ثورة (ابن طباطبا) محمّد
بن إبراهيم بن إسماعيل بن
الحسن بن
الحسن بن عليّ بن أبي
طالب، وبدأت سنة 199هـ.
في العراق في مدينة
الكوفة، حيث أنصاره
وأتباعه، وكان قائده
الّذي تولّى شؤون الجيش
وإدارة المعركة هو (أبو
السرايا) السريّ بن منصور
الشيبانيّ. وتمّ
الاستيلاء على الكوفة،
وضُربت الدراهم بغير سكّة
العبّاسيّين، فوجّه
العبّاسيّون إليه جيشاً
قوامه عشرة آلاف مقاتل
واستطاع الثوّار التغلّب
عليه. وإثر وفاة ابن
طباطبا بعد هذه المعركة
جرت عدّة معارك انتصر
فيها أبو السرايا إلى أن
هزمه العبّاسيّون في سنة
(200هـ)، حيث قُتل وحُمل
رأسه إلى المأمون ونُصبت
جثّته على جسر بغداد بعد
أن دامت حركته مدّة عشرة
أشهر فقط.
2-
ثورة إبراهيم ابن الإمام
موسى بن جعفر عليهما
السلام: انفجرت هذه
الثورة إثر قيام ثورة أبي
السرايا وابن طباطبا حيث
تحرّك إبراهيم نحو اليمن
ومنها انطلق بالثورة بعد
أن استولى عليها.
3-
ثورة محمّد ابن الإمام
الصادق عليه السلام:
انطلقت من المدينة
المنوّرة وبايعه أهلها.
ويُذكر أن سبب هذه الثورة
أنّ رجلاً كتب كتاباً في
أيام أبي السرايا يسبّ
فيه فاطمة الزهراء عليها
السلام، وكان محمّد بن
جعفر معتزلاً تلك الأمور
لم يدخل في شيء منها،
فجاء الطالبيّون فقرأوه
عليه، فلم يردّ عليهم
جواباً حتّى دخل بيته،
فخرج عليهم وقد لبس الدرع
وتقلّد السيف، ودعا إلى
نفسه، وتسمّى بالخلافة،
وتوفّي محمّد بن جعفر
أيّام خلافة المأمون.
4-
ثورة العبّاس بن محمّد بن
عيسى الجعفريّ: انطلقت من
البصرة.
5-
ثورة الحسين بن الحسن
الأفطس: انطلقت من مكّة.
6-
ثورة إسماعيل بن موسى بن
جعفر: انطلقت من بلاد
فارس.
وغيرها من الثورات الّتي
أطلقها العلويّون وألهبوا
فيها أرجاء الدولة
العبّاسيّة، ورفعوا رايات
الجهاد. وكان لهذه
الثورات أثر كبير في
اهتزاز الأوضاع الداخليّة
وإرباك المواقف
العسكريّّة والسياسيّة.
لكنّ الإمام الرضا عليه
السلام لم يتحرّك ولم
يشارك بواحدةٍ منها، مع
ما له من مقام سياسيّ
ومكانةٍ اجتماعيّة مرموقة،
لأنّه كان يعلم ما ستنتهي
إليه هذه الثورات، كما
كان موقف آبائه الكاظم
والصادق والباقر عليهم
السلام. إلّا أنّ هذا لا
يعني عدم ممارسة الإمام
الرضا عليه السلام لمهامه
القياديّة، فإنّ الوقائع
والأحداث تشير إلى أنّه
كان يتحرّك بشكلٍ سرّيّ،
ويوجّه الثوّار، ويعطيهم
النصائح وما شاكل ذلك.
ومن هنا أوجد المأمون
العبّاسيّ مشروعاً
سياسيّاً لتطويق الإمام
الرضا عليه السلام، وهو
مبايعته عليه السلام
بولاية العهد والخلافة
ومن بعده، باعتباره
الإمام من أهل بيت
النبوّة، والقائد البارز
والسيّد العَلَم في عصره.
ولم يكن هذا الأمر من
المأمون إلّا عن حيلة
ودهاء أراد من خلاله أن
يُسكت الأصوات المعارضة
لحكمه، وأن يُخرج نفسه من
الأزمة السياسيّة الّتي
أحاطت به.
الإمام الرضا عليه
السلام وولاية العهد
في سنة 200هـ وبعد عامين
من سيطرة المأمون على
زمام السلطة كتب إلى
الإمام الرضا عليه السلام
يدعوه للقدوم إلى خراسان،
فاعتلّ الإمام عليه
السلام بعلل كثيرة،
واستمرّ المأمون بمكاتبته
ومراسلته حتّى علم عليه
السلام أنّه لا يكفّ عنه،
فاستجاب له مكرهاً. وأمر
المأمون الشخص الموكّل
بالإمام الرضا عليه
السلام أن لا يسير به عن
طريق الكوفة وقمّ حيث
يوجد شيعة أهل البيت
عليهم السلام. وعند وصوله
إلى "مرو" عرض
عليه أن يتقلّد الخلافة،
فأبى عليه السلام هذا
العرض، وجرت بينهما
مخاطبات كثيرة دامت نحواً
من شهرين، والإمام عليه
السلام يأبى الموافقة،
وحينما
يئس المأمون عرض عليه
ولاية العهد، فأجابه
الإمام عليه السلام إلى
ذلك بعد الإلحاح الشديد
والتلويح بالقتل، وشرط
عليه شروطاً منها: "إنّي
أدخل في ولاية العهد على
أن لا آمر، ولا أنهى، ولا
أقضي، ولا أُغيّر شيئاً
ممّا هو قائم، وتعفيني من
ذلك كلّه"11.
فقبل منه المأمون ما شرطه
عليه الإمام عليه السلام،
وتمّت توليته ولاية العهد
في الخامس من شهر رمضان
سنة 201هـ.
|