أهداف الدرس:
1- أن يتعرّف الطالب إلى
شخصيّّة معاوية.
2- أن يتبيّن أوضاع جيش
الإمام الحسن عليه السلام.
3- أن يستذكر الظروف التي
ألجأَت الإمام عليه
السلام للصلح.
الإمام الحسن في
عهد أبيه عليهما السلام
كان الإمام أمير
المؤمنين عليه السلام
يوجّه الأنظار إلى إمامة
ولده الحسن عليه السلام
ومقامه السامي وخصائصه
وكفاءته. فقد كان عليه
السلام يسأله المسائل
المختلفة على مرأى ومسمع
الملأ من أصحابه،
والحسين عليه السلام يُجيب
عنها بأجوبة شافية.
وكان الإمام عليّّ عليه
السلام يكلِّفه بالمهام
الصعبة، ويبعثه لحلّ
الأزمات، ويُشركه في
المواقف الحرجة. فقد بعثه
إلى أهل الكوفة لعزل
الأشعريّ، وأمره بإجابة
عبد الله بن الزبير في
معركة الجمل، وأمره بنقض
حكم الحَكَميْنِ في صفّين
لمخالفتهما القرآن.
وفي اليومين الأخيرين من
حياتهعليه السلام أدنى
ابنه الحسين عليه السلام
إليه وأوصاه قائلاً: "يا
بنيّ إنّه أمرني رسول
الله
صلى الله عليه
وآله وسلم أن أوصي إليك،
وأدفع إليك كتبي وسلاحي...
وأمرني أن آمرك إذا حضرك
الموت أن تدفعها إلى أخيك
الحسين..."1.
وبعد استشهاد الإمام
علي ّّعليه السلام اجتمع
الناس حول الإمام
الحسن عليه السلام وبايعوه،
وكان أوّلهم عبد الله بن
العباس، وبلغ عدد
المبايعين أكثر من أربعين
ألفاً2، وبقي نحو سبعة أشهر
خليفة بالعراق، وما وراءه
من خراسان والحجاز واليمن.
الحسن عليه السلام وتمرّد
معاوية
كتب الإمام الحسن عليه
السلام بعد تسلّمه
الخلافة إلى معاوية كتاباً,
أرسله مع جندب بن عبد
الله الأزديّ يدعوه فيه
إلى الطاعة وعدم التمادي
في الباطل وحقن الدماء،
فأجابه معاوية متمرّداً،
وبعث الجواسيس إلى الكوفة
والبصرة لإشاعة البلبلة
والاضطراب بين الناس
وإفساد الوضع.
وظلّ الإمامعليه السلام
يبادل معاوية الرسائل
لإلقاء الحجّة عليه في
حقن دماء المسلمين، إلّا
أنّ معاوية تمادى في غيّه
وتمرّده. وكان آخر كتاب
من معاوية يتضمّن تهديده
للإمام الحسين عليه السلام،
فأجابه الإمامعليه السلام
بما يليق به، وعلى الأثر
بدأ معاوية بتحرّكاته
العسكريّّة وسار إلى
العراق بجيشٍ تعداده
ستّون ألفاً أو أكثر.
مؤامرات معاوية
تحرّك الإمامعليه السلام
لمواجهة معاوية بجيشٍ
كبير بقيادة عبيد الله بن
العبّاس. وحاول معاوية
الإغارة على جيش
الإمامعليه السلام فلم
يقدر ورجعت خيله مقهورة،
فلجأ إلى الحيلة فأرسل
إلى عبيد الله بأنّ
الحسين عليه السلام قد
راسله في الصلح، وطلب
إليه الدخول في طاعته
مقابل ألف ألف درهم،
فانطلت الخديعة على عبيد
الله، فانسلّ ليلاً ودخل
عسكر معاوية ومعه ثمانية
آلاف3
فتسلّم القيادة
من
بعده قيس بن سعد بن
عبادة. وحاول معاوية
أيضاً إغراءه بالمال
فرفض. لكنّ معاوية
استمرّ في دسائسه،
وتوالت الخيانات في
جيش الإمامعليه
السلام والتحق الكثير
منهم بمعاوية.
وقد كان جيش الإمام
الحسين عليه السلام
متعدّد الولاءات،
فبعضهم شيعة له،
وبعضهم خوارج، وبعضهم
أصحاب فتن وطمع في
الغنائم، وبعضهم
أصحاب عصبيّة اتّبعوا
رؤساء قبائلهم،
وبعضهم له ولاء
للأمويّين وله
اتصالات سرّية معهم،
فلا غرابة من توالي
الخيانات، وعدم
الثبات مع الإمامعليه
السلام حتّى النهاية.
واستمرّ معاوية في بث
الدسائس وإشاعة الخبر
عن قيس بن سعد
ومصالحته له والتحاقه
به، وكذلك عن الإمام
الحسين عليه السلام
وقبوله الصلح.. وبعد
تعرّض الإمامعليه
السلام لعدّة محاولات
استهدفت قتله، وبعد
أن يئس من حسم
المعركة وخاف عليه
السلام على البقيّة
من شيعته، جاءته وفود
معاوية تدعوه للصلح،
وكان مع آخر الوفود
صحيفة بيضاء، موقّعٌ
على أسفلها، بخطّ
معاوية وختمه: أن
اشترط في هذه الصحيفة
الّتي ختمت أسفلها ما
شئت فهو لك4.
أخبر الإمام
الحسين عليه السلام
جيشه بدعوة معاوية
للصلح، وظهر له عليه
السلام أنّ جيشه غير
مستعدّ للقتال
لانهياره العسكريّّ
والمعنويّ، وأنّه لا
يقوى على مواجهة جيش
معاوية المتماسك في
صفوفه، والمسلّم
لمعاوية تسليماً
مطلقاً، فأجاب عليه
السلام إلى الصلح،
وكان الصلح أفضل موقف
في تلك الظروف ولا
خيار له غيره.
شخصيّّة معاوية
أسلم معاوية بعد فتح
مكّة، وبعد أن اشترك
في مواجهات مسلّحة ضدّ
رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم طيلة
العهد المكّيّ
والمدنيّ، لذا لم يكن
إسلامه انقياداً
حقيقيّاً لله
ولرسوله، ولم يتفاعل
مع مفاهيم الإسلام
وقيمه فكريّاً
وعاطفيّاً وسلوكيّاً،
بل أسلم ليَسلم ويحفظ
حياته. ومع كلّ هذا
التأريخ القاتم فقد
مارس شتّى الأساليب
غير المشروعة لتثبيت
حكمه وتقوية كيانه،
كحاكم على المسلمين،
وكان منها:
1-
وضع الأحاديث
المتضمّنة بيان فضله
وفضل أهل الشام5.
2-
اختلاق الأحاديث
الّتي تشوّه سمعة
الإمام عليّّ عليه
السلام وأهل البيت
عليهم السلام.
3-
إنفاق الأموال في
شراء الضمائر، وتوسيع
القاعدة الشعبيّة له6.
4-
استغلال المفاهيم
العامّة للتمويه على
الأمّة، كتبنّي فكرة
الجبر والترويج لها،
لكي يبقى مسلَّطاً
على رقاب الناس
وحاكماً عليهم.
5-
حكمه برأيه دون
الرجوع إلى الكتاب
والسنّة.
واستطاع من خلال هذه
التصرّفات أن يجعل
نفسه شخصيّّة مقدّسة
في نفوس أهل الشام.
وقد تمرّن على
المناورة السياسيّة
لعدم تقيّده بالشريعة
والقيم الإسلاميّة.
وكان مستعدّاً للدخول
في أيّة معركة
متوقّعة أو مفاجأة،
لأنّ أوامره نافذة في
جيشه، فلا يوجد له
منافس في أهل الشام،
ليقوم بتثبيط الناس
أو صرف ولائهم عنه.
ظروف الحكم الأمويّ
والعلويّ
إنّ صلح الإمام
الحسين عليه السلام لم
يكن منفصلاً عن ظروفه
وأسبابه البعيدة
الّتي شكّلت صراعاً
داخل الجسد الإسلاميّ
الواحد.
فقد تهيّأت كلّ
الظروف للأمويّين
ليتحكّموا في رقاب
الناس، أمّا الإمام
عليّّ
عليه السلام
ومن بعده ولده
الحسن عليه السلام فقد
واجها الكثير من
المشكلات والمصاعب،
ويتبيّن ذلك من خلال:
إنّ الطلقاء7
استطاعوا أن يجدوا
لهم موقعاً ومركزاً
حسّاساً في داخل
الكيان الإسلاميّ.
فقد كان معاوية والياً
على الشام في عهد
الخلفاء، وكانت له
صلاحيّات مطلقة، حتّى
أنّ عُمَرَ كان يحاسب
جميع ولاته غير
معاوية، وكان يمدحه
كثيراً، وينهى عن
ذمّه، ويقول عنه: هذا
كسرى العرب8.
واستقلّ معاوية
بالشام استقلالاً
حقيقياً نظراً
لصلاحيّاته المطلقة،
وكوّن جيشاً مطيعاً
منقاداً إليه، عن
طريق الخداع والتضليل
وشراء الضمائر،
بأموال المسلمين، ولم
يعرف أهل الشام من
الإسلام إلّا ما
يقوله معاوية، فكان
الناس يفهمون أنّ
معاوية خال المؤمنين،
وموضع ثقة الخلفاء
السابقين وابن عم
الخليفة عثمان، إضافة
إلى ما نسبه وعّاظ
السلاطين إليه من
فضائل بعد غياب الوعي
وعدم الاختلاط ببقيّة
الأمصار.
في مقابل ذلك فإنّ
الإمام عليّّاً عليه
السلام تولّى الخلافة
بعد فتنة تصارعت فيها
الأهواء، واصطدمت
فيها المصالح، وانتشر
المنافقون
والمتربّصون بأهل
البيت عليهم السلام
في جميع الميادين
الاجتماعيّّة
والسياسيّة وانخرطوا
تحت جميع الرايات
والشعارات الّتي
رُفعت في مواجهة
حكومة أمير
المؤمنينعليه السلام.
وفي بداية خلافة
الإمام عليّّ
عليه السلام
تمرّد جماعة ممّن
اشتُهر بالصحبة لرسول
الله صلى الله عليه
وآله وسلم، وهم عائشة
وطلحة والزبير،
واستثمر معاوية ظروف
حرب الجمل وظروف مقتل
عثمان، فحارب أمير
المؤمنين
عليه السلام
في صفّين وانتهت
المعركة بعدد كبير من
القتلى، من ضمنهم
كبار الشخصيّّات
الموالية لأهل البيت
عليهم السلام.
ولم تسمح الظروف
لأمير المؤمنينعليه
السلام كي يبني دولته
وجيشه بناءً عقائديّاً
وسلوكيّاً، ولم تستمرّ
خلافته سوى أربع سنين
حتّى اغتالته أيدي
المتآمرين للحيلولة
دون أن يقوم بإكمال
المسيرة الّتي تحتاج
إلى زمنٍ طويل
والمتمثّلة في بناء
الدولة الإسلاميّة ـ
بعد الانحرافات الّتي
أصابتها في خلافة من
تقدّم عليه عليه
السلام ـ وتأسيس جيشٍ
عقائديّ متماسك.
ظروف وأوضاع جيش
الإمام الحسن
عليه السلام
أشرنا سابقاً إلى أنّ
جيش الإمام الحسن عليه
السلام لم يكن موحّداً
في أفكاره وعواطفه،
بل كان خليطاً من
ولاءات متعدّدة. وقد
عبّر الإمام
الحسن عليه السلام عنه
قائلاً: "رأيت أهل
الكوفة قوماً لا يثق
بهم أحدٌ أبداً إلّا
غُلب، ليس أحد منهم
يوافق آخر في رأي ولا
هوى، مختلفين، لا
نيّة لهم في خير ولا
شرّ"9.
وقد لعبت الأهواء
والشهوات والمنافع
الذاتيّة دوراً في
تبدّل النوايا عمّا
كانت عليه من قبل.
وقد وصف الإمام
الحسن عليه السلام هذه
الظاهرة قائلاً: "كنتم
في مسيركم إلى صفّين،
ودينكم أمام دنياكم،
وأصبحتم اليوم
ودنياكم أمام دينكم"10.
وحينما يصبح أمر
الدنيا مقدّماً على
أمر الدِّين وحاكماً
عليه فإنّه يغيّر من
الموقف ومعادلة
الصراع، ويصبح
المقاتل تابعاً
لمصالحه الذاتيّة
الّتي تغيّر من ولائه
ومواقفه العمليّة.
ولم تبق إلّا القلّة
المخلصة في ولائها
للإمام الحسن
عليه السلام
ولنهجه السليم
كحِجْر
بن عديّ وقيس بن سعد
وآخرين، حيث إنّ
معركة صفّين قد أدّت
إلى فقدان الكثير
منهم، إضافة إلى قيام
معاوية بقتل آخرين
كمحمّد بن أبي بكر
ومالك الأشتر.
وأفرز تعدّد الولاءات
وتعدّد الآراء إضافة
إلى تقديم الدنيا على
الدِّين الظواهر
السلبيّة التالية:
1-
عدم الإخلاص في
القتال.
2-
ضعف القدرة على
الثبات والصمود إلى
آخر المعركة.
3-
عدم الانقياد للقيادة
الصالحة، والتعاطف مع
معاوية طمعاً في
دنياه.
4-
الاستعداد الفعليّ
للغدر والخيانة.
5-
التأثّر بالإشاعات
والحرب النفسيّة.
وقد أدّى ذلك بالفعل
إلى التحاق بعض جند
الإمامعليه السلام
بجيش معاوية، بل
الاستعداد لتسليم
الإمامعليه السلام
إليه، إضافةً إلى
محاولات اغتيالهعليه
السلام.
ولم يكن الإمام
الحسين عليه السلام
ليستعمل تلك الوسائل
والأساليب الّتي كان
يستخدمها معاوية،
كالخداع والتضليل
وشراء الضمائر بأموال
المسلمين وإنفاقها
على جماعة خاصّة
كرؤساء القبائل وقادة
الجيش، فالإمامعليه
السلام مقيّد بقيودٍ
شرعيّة وقيم سامية
حاكمة على جميع
ممارساته ومواقفه،
وهكذا أصبح الإمام
الحسين عليه السلام
أمام خيارين، هما:
الأوّل: الاستمرار في
معركة خاسرة تؤدّي
إلى إضعاف الكيان
الإسلاميّ ككلّ أمام
التحدّيات الخارجيّة.
الثاني: الاتّجاه
والميل إلى الصلح
وحقن الدماء،
والمحافظة على الوجود
الإسلاميّ ثمّ ممارسة
الإصلاح من الداخل.
وفي غير ذلك فالمعركة
إمّا أن تؤدّي إلى
استيلاء معاوية على
الحكم دون قيد أو شرط
بعد مقتل الإمام
الحسين عليه السلام
وأهل بيته والخيرة من
أصحابه، وإمّا أن
تؤدّي إلى قيام
دولتين إحداهما في
الكوفة وأخرى في
الشام، وتبقى كلّ
واحدة منهما في حالة
صراع دائم مع الأخرى،
وتنشغل عن مواجهة
الأعداء الخارجيّين،
وبالتالي إلى إنهاء
الوجود والكيان
الإسلاميّ.
فاختار الإمامعليه
السلام الصلح على
الاستمرار في المعركة،
مقيّداً بشروط فيها
مصلحة الكيان
الإسلاميّ وكيان
الجماعة الصالحة
الّتي تضمن للشريعة
بقاءها واستمرار
حياتها.
لماذا اختار الإمام
عليه السلام الصلح
وعدم التضحية؟
إنّ مواقف الإمام
الحسين عليه السلام هي
الّتي تنسجم مع
المصلحة الإسلاميّة
العُليا بلا شكّ في
ذلك ولا ريب. وهذا
الموقف الصعب الّذي
اختاره جاء نتيجة
للظروف الّتي عاشها
الإمامعليه السلام
وفرضت عليه هذا
الخيار والّتي يمكن
اختصارها بما يلي:
أوّلاً: إنّ معاوية
أحكم خطّته وأظهر
نفسه بمظهر المسالم
المحبّ للصلح وحقن
الدماء، وأراد أن
يُلصق بالإمام
الحسين عليه السلام
رغبته في القتال
وإراقة الدماء.
ثانياً: إنّ استمرار
القتال سيؤدّي قطعاً
إلى قتل الإمام
الحسن عليه السلام من
قبل عملاء معاوية
المندسّين في جيشه،
وسيتنصّل معاوية من
جريمة قتله. أو
سيؤدّي القتال إلى
تسليم الإمامعليه
السلام إلى معاوية من
قبل رؤساء بعض
القبائل أو قادة
الجيش، وفي جميع
التقادير سيكون
معاوية هو الغالب كما
ورد ذلك في قول
الإمام عليه السلام:
"يزعمون
أنّهم لي شيعة،
ابتغوا قتلي وانتهبوا
ثِقْلي وأخذوا مالي،
والله لئن آخذ من
معاوية عهداً أحقن به
دمي وآمن به في أهلي
خير من أن يقتلوني،
فيضيع أهل بيتي وأهلي،
والله لو قاتلت
معاوية، لأخذوا بعنقي
حتّى يدفعوني إليه
سِلماً، فوالله لئن
أسالمه وأنا عزيز خير
من أن يقتلني وأنا
أسيره"11.
ثالثاً: إنّ تضحية
الإمام الحسين عليه
السلام ستكون بلا صدى
وذلك لقدرة معاوية
على احتواء آثارها
وتشويه أهدافها.
رابعاً: إنّ هذه
التضحية ستؤدّي إلى
القضاء على الإمامين
الحسن والحسين عليهما
السلام وبقيّة بني
هاشم، والصفوة
الصالحة من أتباع أهل
البيتعليهم
السلاموبالتالي ستخلو
الساحة لمعاوية
وأنصاره من معارضين،
وهذا ما سيؤدّي إلى
قلب المفاهيم
الإسلاميّة من قبل
معاوية.
هذا بالإضافة إلى ما
ذكرناه من أمور
تقدّمت كلّها دفعت
الإمام الحسن عليه
السلام إلى اختيار
الصلح، والّتي يمكن
إعادة تلخيصها بما
يلي:
1- عدم رغبة جيشه في
القتال.
2- التواطؤ مع معاوية
من قبل الكثير من
القادة والجنود.
3- الخيانات الفعلية
المتكرّرة والمتمثّلة
بالالتحاق بمعاوية،
أو الفرار من
المعسكرات.
4- شيوع البلبلة
والاضطراب في صفوف
القادة والجنود.
5- عدم الإخلاص
للقيادة الشرعيّة.
وقد عبّر الإمام عليه
السلام عن الأسباب
الّتي أجبرته على
القبول بالصلح في
كثير من أقواله. كما
ركّزعليه السلام على
قلّة الأنصار الّذين
ينهض بهم للقتال،
فقال عليه السلام: "والله
ما سلّمت الأمر إليه
إلّا لأنّي لم أجد
أنصاراً، ولو وجدت
أنصاراً لقاتلته ليلي
ونهاري"12.
وقال عليه السلام في
موقفٍ آخر: "وقد
خذلتني الأمّة،
وبايعتك يا ابن حرب،
ولو وجدت عليك أعواناً
يُخلصون ما بايعتك"13.
شروط الإمام عليه
السلام ووعود معاوية
لم يوقّع الإمامعليه
السلام الصلح إلّا
بعد أن فرض شروطه على
معاوية؛ ليكون عليه
السلام في موقع
القوّة دائماً
ومعاوية في موقع
الضعف على المدى
القريب والمدى البعيد
معاً، سواء كان
معاوية يفي بالشروط
أم لا يفي بها، فإنّ
عدم الوفاء بها يضمن
للإمامعليه السلام
ولخطّ أهل البيتعليهم
السلامنصراً على
المدى البعيد لا
محالة.
أمّا شروط الإمام
الحسين عليه السلام
فيمكن تحديدها بما
يلي:
1-
أن يعمل معاوية بكتاب
الله وسنّة رسول
الله صلى الله عليه
وآله وسلم وسيرة
الخلفاء الصالحين.
2-
ليس لمعاوية بن أبي
سفيان أن يعهد لأحدٍ
من بعده.
3-
الناس آمنون حيث
كانوا في العراق
والشام والحجاز
وتهامة.
4-
أمان شيعة وأصحاب
عليّعليه السلام على
أنفسهم وأموالهم
ونسائهم وأولادهم.
5-
أن لا يبغي للحسن
عليه السلام ولا لأحد
من أهل بيته غائلة
سرّاً وعلانية، ولا
يُخيف أحداً منهم في
أُفق من الآفاق.
6-
أن تكون الخلافة
للإمام الحسن عليه
السلام من بعده.
7-
أن لا يسمّيه أمير
المؤمنين.
8-
أن لا يُقيم عنده
شهادة.
9-
أن يضمن نفقة أولاد
الشهداء من أصحاب
الإمام عليّعليه
السلام.
10-
ترك سبّ الإمام
عليّعليه السلام
والعدول عن القنوت
عليه في الصلاة.
أمّا معاوية فقد وعد
الإمام الحسين عليه
السلام بوعود كثيرة
منها:
1-
لك الأمر من بعدي.
2-
لك ما في بيت مال
العراق من مالٍ بالغاً
ما يبلغ تحمله إلى
حيث أحببت.
3-
لك خراج أيّ كور
العراق شئت، معونة لك
على نفقتك، يجبيها
أمينك ويحملها إليك
في كلّ سنة.
4-
لك ألّا نستولي عليك
بالإساءة.
5-
لا نقضي دونك الأمور.
6-
لا نعصيك في أمرٍ
أردت به طاعة الله14.
هذه الوعود والشروط
الممضاة من قبل
الطرفين، تفرض
منطقيّاً على كلّ من
يُفاضل بين الحرب
والصلح، أن يختار
الصلح مع تلك الظروف
والموازنة العسكريّّة
غير المتكافئة، وإلّا
فإنّ معاوية سيتسلّم
السلطة إمّا بانتصاره
العسكريّّ أو بقتل
الإمامعليه السلام من
قبل عملائه المندسّين
في جيش الإمامعليه
السلام، وستؤول
السلطة إليه دون شروط
أو قيود تقيّده أمام
المسلمين.
بينما أخذ الإمامعليه
السلام عهوداً
ومواثيق مقرونة
بأَيمان مغلّظة من
قبل معاوية على أن
يفي بها.
فإن وفى بما تعهّد به،
فإنّ الأمر سيعود إلى
الإمام من بعده،
وستكون لأتباع
الإمامعليه السلام
مطلق الحريّة في أداء
دورهم الإصلاحيّ
والتغييريّ.
وإنّ شرط عدم تسميته
بأمير المؤمنين يسلب
عنه شرعيّة الخلافة
وإمرة المؤمنين،
ويبقى مجرّد حاكمٍ أو
ملك في أنظار
المسلمين.
وإذا لم يفِ معاوية
بالشروط فإنّ الأمّة
ستنكشف لها حقيقة
معاوية والحكم الأمويّ،
وأنّه مجرّد طالب
سلطة منذ أوّل شعار
أعلنه حين مطالبته
بدم عثمان.
|