أهداف الدرس
أن يتبيّن الطالب الموقف
العدائيّ والعنصريّ
لليهود.
أن يستظهر سبب تحويل
القبلة.
أن يسرد أسلوب مواجهة
النبيّّ صلى الله عليه
واله وسلم لليهود.
أن يعدّد أسباب الحرب
الشاملة للنبيّّ صلى الله
عليه واله وسلم ضدّ
اليهود وإجلاءهم عن
المدينة.
مخالفات اليهود
اليهود قومٌ نفعيّون،
يتّسمون بالتعنُّت
والتكبُّر، وقفوا موقفاً
عنصريّاً من نبيّ الإسلام
صلى الله عليه واله وسلم
لكونه غير يهوديّ،
ولأنّهم كانوا يَحْظَون
بمكانة اقتصاديّة
واجتماعيّة في يثرب،
ويحتكرون الزراعة وأكل
الربا، وكانوا يستغلّون
الخلافات بين الأوس
والخزرج، فقد أعلنوا
عدائهم للنبيّّ صلى الله
عليه واله وسلم بعد
العهود والمواثيق، عندما
شعروا بأنّ القوّة ستكون
بيد المسلمين في المستقبل
القريب، وأنّهم سيفقدون
مكانتهم لأنّ الناس
اتّحدوا تحت لواء
الإسلام، وتعبيراً عن
حقدهم على النبيّّ صلى
الله عليه واله وسلم
قالوا: "ما يُريد هذا
الرجل أن يدع من أمرنا
شيئاً إلّا خَالَفَنَا
فيه"
1.
أخذ اليهود بتبديل موقفهم
من الرسالة وانتهجوا
أسلوب المخالفة، ووضع
العراقيل من خلال عرض
مجموعة من المطالِب
التعجيزيّة وغير
المنطقيّة، مثل طلبهم
إنزال كتاب من السماء
عليهم، وإثارة الأسئلة
الدينيّة المعقّدة بهدف
تشويش أذهان المسلمين،
وعملوا على زرع الفتنة
بين المسلمين، وحاولوا
بعث الأحقاد القديمة بين
الأوس والخزرج
2.
تحويل القبلة
كان النبيّّ صلى الله
عليه واله وسلم أثناء
إقامته في مكّة، ومدّةً
من بعد الهجرة، يُصلّي
باتجاه بيت المقدس بأمر
من الله تعالى. وبعد أن
أسفر اليهود عن عدائهم،
اتّخذوا قضية القبلة
ذريعة لنفث سموم إعلامهم
ضدّ رسول الله صلى الله
عليه واله وسلم، وقالوا
بأنّه لا استقلاليّة له
في دينه، وإنّه يُصلّي
باتجاه قبلتنا، فتأذّى
الرسول من هذا الوضع.
وبعد سبعة عشر شهراً من
الهجرة نزل عليه جبرئيل
عليه السلام وأبلغه أمر
تحويل القبلة نحو الكعبة
بعدما صلّى ركعتين من
صلاة الظهر نحو بيت
المقدس. فكان ذلك الحدث
أمراً صعباً مريراً على
اليهود، ولم يَعُد لديهم
ذريعة لإطلاق الدعايات
ضدّ المسلمين
3.
اليهود في مواجهة
الإسلام
حاول اليهود مواجهة
الإسلام بكلّ ما لديهم من
قوّة عبر الأساليب
التالية
1 ـ تشكيك البسطاء وضعاف
النفوس بالإسلام.
2 ـ طرح الأسئلة
التعجيزيّة على النبيّّ
صلى الله عليه واله وسلم
بهدف إفشال دعوته،
للإيحاء للناس بعدم صدقه
في ادعائه للنبوّة، وقد
حدّثنا القرآن عن ذلك:
﴿يَسْأَلُكَ
أَهْلُ الْكِتَابِ أَن
تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ
كِتَابًا مِّنَ السَّمَاء
فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى
أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ
فَقَالُواْ أَرِنَا اللهِ
جَهْرَةً﴾
4.
3 ـ الضغط الاقتصاديّّ
على المسلمين من خلال
رفضهم أن يُقرضوا
المسلمين مالاً في بداية
إقامتهم في المدينة؛ حيث
كان المسلمون في ضنكٍ
مادّيٍّ شديد.
4 ـ تحريض أعداء الإسلام
ومساعدتهم بكلّ ما أمكنهم
ولو بالتجسُّس.
5 ـ إثارة الفتن بين
المسلمين.
6 ـ تآمرهم على حياة
النبيّّ الأعظم صلى الله
عليه واله وسلم، وتحريضهم
الناس عليه.
7 ـ نقضهم للعهود
والمواثيق التي أبرموها
مع النبيّّ صلى الله عليه
واله وسلم في المدينة كلّ
مرّة.
موقف النبيّّ صلى الله
عليه واله وسلم من اليهود
باءت جميع محاولات اليهود
في القضاء على الإسلام
بالفشل الذريع, بسبب
الوعي والحكمة والأسلوب
الذي واجههم به النبيّّ
صلى الله عليه واله وسلم,
والذي يتلخّص باتجاهين:
الأوّل:الاغتيالات
المنظّمة لرموزهم وبعض
أفرادهم
فقد تمّ اغتيال بعض
أفرادهم ورموزهم الذين
ظهر كيدهم، فاغتيل أبو
عفك اليهوديّ, الذي كان
يُحرِّض على رسول الله
صلى الله عليه واله وسلم
ويهجوه في الشعر، على يد
سالم بن عمير، وقُتلت
العصماء بنت مروان
اليهوديّة على يد عمير بن
عون ليلاً، حيث كانت تعيب
الإسلام والمسلمين،
وتؤنِّب الأنصار على
اتّباعهم لرسول الله صلى
الله عليه واله وسلم،
وتقول الشعر في هجوه صلى
الله عليه واله وسلم،
واغتيل كعب بن الأشرف
الذي ذهب إلى مكّة بعد
"حرب بدر" وحرّض المشركين
على حرب رسول الله صلى
الله عليه واله وسلم،
وكان يتعرّض بالأذى لنساء
المسلمين، واغتيل ابن
سنينة وأبو رافع ابن أبي
الحقيق من يهود خيبر
وغيرهما...
هذه الاغتيالات أدخلت
الرعب إلى قلوب اليهود
لدرجةٍ أنّه لم يبق في
المدينة ومحيطها يهوديّ
إلّا وهو خائف على نفسه.
الثاني: الحرب الشاملة
والمصيريـّة ضدهم
على الرغم من الاغتيالات
لم يتراجع اليهود عن
التحريض والتآمر،
واستمرّوا في عنادهم
وتماديهم في إيذاء
المسلمين ونشر الفساد،
ونقضهم للمعاهدات التي
وقّعوا عليها بملء
اختيارهم، فكانت الحرب
الشاملة والمصيريّة
ضدّهم، فحاربهم النبيّّ
صلى الله عليه واله وسلم
في داخل المدينة "بني
قينقاع، وبني النضير"،
وحارب في محيطها "بني
قريظة"، وحاربهم في خيبر
التي كانت تُمثِّل المعقل
الأساس لهم في شبه
الجزيرة العربيّّة.
حروب النبيّّ صلى
الله عليه واله وسلم ضدّ
اليهود(1)
1 ـ غزوة بني قينقاع
نظراً لكثرة المؤامرات
والإفساد الذي مارسه
اليهود ضدّ النبيّّ صلى
الله عليه واله وسلم،
ونقضهم للعهود والمواثيق
معه، رأى النبيّّ صلى
الله عليه واله وسلم في
هذه الممارسات اليهوديّة
سبباً وفرصةً للتخلُّص من
شرِّهم ومكرهم، فكان أوّل
عملٍ منه تجاههم هو
مواجهة بني قينقاع
وإجلاؤهم عن المدينة.
والسبب الذي حمل الرسول
صلى الله عليه واله وسلم
على البدء بإجلاء بني
قينقاع من المدينة دون
غيرهم هو: أنّهم كانوا
يسكنون داخل المدينة،
وكانوا أوّل من غَدَرَ
وخان من اليهود. ويذكر
المؤرِّخون أنّ بني
قينقاع كانوا يُمسكون
بخيوط اقتصاد المدينة،
وأكثر الناس خطراً على
المسلمين لأنّهم يعيشون
بينهم، ومارسوا الكثير من
الأعمال الإيذائيّة،
وقاموا بالحرب الباردة
(الإعلامية) ضدّهم،
ونشروا الأكاذيب
والشعارات القبيحة،
وأنشدوا القصائد التي من
شأنها تحقير المسلمين
والإساءة إليهم. وكانوا
قد عاهدوا النبيّّ صلى
الله عليه واله وسلم على
المسالمة وعدم معاونة
الأعداء، فلمّا كانت حرب
بدر أظهروا البغي والحسد
ونقضوا العهد، وكانوا
أوّل من استجاب
لطلب قريش في نصب العداء
للمسلمين والغدر بهم. وقد
صعّدوا من تحدّيهم
للمسلمين عندما دخلت
امرأة مسلمة سوق الصاغة
في المدينة ـ الذي كان
تحت سيطرتهم ـ فاجتمع
عليها جماعة من اليهود
وأرادوها أن تكشف عن
وجهها فأَبَت، فعمد
يهوديٌّ من خلفها وعقد
طرف ثوبها إلى ظهرها،
فلمّا قامت انكشفت سوأتها
فضحكوا منها، فصاحت
تستغيث بالمسلمين، فوثب
رجلٌ من المسلمين على من
فعل ذلك فقتله، وشدّ
اليهود على المسلم
فقتلوه، فاستنجد أهل
المسلم بالمسلمين، ووقع
بينهم وبين بني قينقاع
الشرّ، فجمع النبيّّ صلى
الله عليه واله وسلم
اليهود وحذّرهم وطلب منهم
أن يكفّوا عن أذى
المسلمين ويلتزموا بعهد
الموادعة، أو يُنزِل بهم
ما أنزله بقريش5
، فقالوا له: "لا
يَغُرَّنّك يا محمّد أنّك
لقيت قوماً لا علم لهم
بالحرب، فأصبت منهم فرصة
مكّنتك من رقابهم، إنّا
والله لئن حاربناك
لتعلَمنّ أنّا نحن الناس،
وسترى منّا ما لم تره من
غيرنا"
6.
فأنزل الله تعالى على
نبيّه صلى الله عليه واله
وسلم بهذه المناسبة قوله
تعالى:
﴿قُل
لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ
سَتُغْلَبُونَ
وَتُحْشَرُونَ إِلَى
جَهَنَّمَ وَبِئْسَ
الْمِهَادُ * قَدْ كَانَ
لَكُمْ آيَةٌ فِي
فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا
فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي
سَبِيلِ اللهِ وَأُخْرَى
كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم
مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ
الْعَيْنِ وَاللهُ
يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن
يَشَاء إِنَّ فِي ذَلِكَ
لَعِبْرَةً لَّأُوْلِي
الأَبْصَارِ﴾
7.
ولذلك لم يبق أمام
النبيّّ صلى الله عليه
واله وسلم إلّا أن
يُقاتلهم، فسار إليهم،
وكان عددهم حوالي سبعمائة
مقاتل، وسلّم الراية
للإمام عليّ عليه السلام،
وحاصرهم في حصنهم خمس
عشرة ليلة أشدّ حصار،
فقذف الله في قلوبهم
الرعب، واستسلموا، وطلبوا
من النبيّّ صلى الله عليه
واله وسلم أن يُخلِّي
سبيلهم وينفيهم من
المدينة،
على أن يكون لهم نساؤهم
والذريّة، وله أموالهم
والسلاح، فقبل منهم ذلك،
فوزّع أموالهم وأسلحتهم
على المسلمين، وطردهم من
المدينة إلى أذرعات
بالشام
8.
2 ـ غزوة بني النضير
وصلت معلومات إلى النبيّّ
صلى الله عليه واله وسلم
مفادها أنّ بني النضير
يُخطِّطون لاغتياله،
فقرّر إجلاءهم عن مواضعهم
بعد أن ظهر للعيان
فسادهم. وتعامل معهم
النبيّّ صلى الله عليه
واله وسلم بالرفق
والتسامح، حيث أنذرهم في
البداية بأنّ يخرجوا من
حصونهم وينزحوا من يثرب
في مدّة عشرة أيّام،
ولكنّهم رفضوا الإذعان له
أوّل الأمر، ثمّ بدا لهم
الإذعان لحكمه صلى الله
عليه واله وسلم ورضوا
بالجلاء عن يثرب، لكنّ
جماعة من المنافقين من
بني عوف وعلى رأسهم عبد
الله بن أُبيّ بعثوا
إليهم: "أن اثبتوا
وتمنّعوا فإنّا لا
نُسلمُكم. إن قوتلتم
قاتلنا معكم، وإن خرجتم
خرجنا معكم"
9.
إلّا أنّ عبد الله بن
أُبي خذلهم وغدر بهم،
وأنزل الله سبحانه بهذه
المناسبة:
﴿أَلَمْ
تَر إِلَى الَّذِينَ
نَافَقُوا يَقُولُونَ
لِإِخْوَانِهِمُ
الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ
أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ
أُخْرِجْتُمْ
لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ
وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ
أَحَدًا أَبَدًا وَإِن
قُوتِلْتُمْ
لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللهُ
يَشْهَدُ إِنَّهُمْ
لَكَاذِبُونَ* لَئِنْ
أُخْرِجُوا لَا
يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ
وَلَئِن قُوتِلُوا لَا
يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن
نَّصَرُوهُمْ
لَيُوَلُّنَّ
الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا
يُنصَرُونَ﴾
10 لذلك
امتنعوا عن الإذعان لحكم
النبيّّ صلى الله عليه
واله وسلم واحتموا خلف
حصونهم، وفي ذلك يقول
القرآن:
﴿لَا
يُقَاتِلُونَكُمْ
جَمِيعًا إِلَّا فِي
قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ
مِن وَرَاء جُدُرٍ...﴾
11. وكانت
حصونهم مُحْكَمة، وكان من
غير المُمكِن فتحها في
مدّة وجيزة، فأمر الرسول
صلى الله عليه واله وسلم
بقطع نخيلهم وحرقها،
ولعلّ النخيل الذي أُحرِق
كان
يُعيق حركة القتال. ولمّا
عاب اليهود على النبيّّ
صلى الله عليه واله وسلم
ذلك، أنزل الله تعالى:﴿مَا
قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ
أَوْ تَرَكْتُمُوهَا
قَائِمَةً عَلَى
أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ
اللهِ وَلِيُخْزِيَ
الْفَاسِقِينَ﴾
12.
وكان قطع النخل ضروريّاً
ولازماً من أجل قطع آمال
بني النضير، وخزيهم وخزي
سائر حلفائهم وفي مقدّمهم
عبد الله بن أُبي ومن
معهم من المنافقين، وكذلك
لإفهامهم تصميم النبيّّ
صلى الله عليه واله وسلم
على المواجهة والتحدّي
حتّى يفقدوا الأمل بجدوى
المقاومة. ويظهر أنّ قطع
النخيل وإحراقه، كان
سبباً في تسرُّب اليأس
إلى قلوبهم، إذ وجدوا
أنفسهم أمام خيارين: إمّا
الإذعان لحكم النبيّّ صلى
الله عليه واله وسلم،
وإمّا الخروج من المدينة
لمهاجمة المسلمين ومنعهم
من إحراق نخيلهم،
فاختاروا الإذعان لحكم
النبيّّ صلى الله عليه
واله وسلم، خاصّة بعد أن
تَمكَّن الإمام عليّ عليه
السلام من قتل عشرة من
فرسانهم، فطلبوا منه صلى
الله عليه واله وسلم أن
يُجليهم ويكفّ عنهم، على
أنّ لهم ما حملت الإبل من
أموالهم إلّا السلاح،
فرضي النبيّّ صلى الله
عليه واله وسلم بذلك.
ويُشير القرآن إلى غرور
بني النضير وامتناعهم
بحصونهم، ظانّين أنّها
ستمنعهم من أمر الله
تعالى، كما يُشير إلى
هزيمتهم وتخريبهم بيوتهم
بأيديهم وأيدي المؤمنين
المجاهدين بقوله تعالى:
﴿هُوَ
الَّذِي أَخْرَجَ
الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ
أَهْلِ الْكِتَابِ مِن
دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ
الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ
أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا
أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ
حُصُونُهُم مِّنَ اللهِ
فَأَتَاهُمُ اللهُ مِنْ
حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا
وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ
الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ
بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ
وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ
فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي
الْأَبْصَارِ﴾
13.
بنو فَيْنُقاع
(2هـ)
﴿
قُل لِّلَّذِينَ
كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ
وَتُحْشَرُونَ إِلَى
جَهَنَّمَ وَبِئْسَ
الْمِهَادُ﴾
(سورة آل عمران:12)
بنو النَّضير
(4 هـ)﴿مَا
قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ
أَوْ تَرَكْتُمُوهَا
قَائِمَةً عَلَى
أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ
اللهِ وَلِيُخْزِيَ
الْفَاسِقِينَ﴾
(سورة الحشر: 5)
|