أهداف الدرس
أن يستعرض الطالب قصّة
الغدير وتعيين الوصيّ
عليه السلام.
أن يحدِّد سبب ظهور
المُتنبِّئين.
أن يذكر خلفيّات التعبئة
العامّة لغزو الروم.
أن يُحدِّد نتيجة
الحيلولة دون كتابة
الوصيّة.
أن يتعرّف على مَنْ لازم
النبيّ صلى الله عليه
واله وسلم في لحظاته
الأخيرة.
تعيين الوصي والقيادة
النائبة
أتمّ المسلمون حجّهم
الأكبر وهم يحفّون
بالنبيّ صلى الله عليه
واله وسلم، وقد أخذوا
مناسكهم عنه، وقرّر صلى
الله عليه واله وسلم أن
يعود إلى المدينة، ولمّا
بلغ موكب الحجيج العظيم
"رابغ" قرب "غدير خم"،
وقبل أن يتفرّق الحجيج
إلى بلدانهم من هذه
المنطقة، نزل الوحي
الإلهيّ بآية التبليغ
قائلاً:
﴿يَا
أَيُّهَا الرَّسُولُ
بَلِّغْ مَا أُنزِلَ
إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ
وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ
فَمَا بَلَّغْتَ
رِسَالَتَهُ وَاللهُ
يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾
1.
إنّ هذا الخطاب الإلهيّ
كان يأمر الرسول صلى الله
عليه واله وسلم بأمرٍ
مهمّ، ويجعل على عاتقه
مسؤوليّة عظيمة. فأيّ
تبليغ طُلب من الرسول صلى
الله عليه واله وسلم
إنجازه وهو لم يقم به
بعد، وقد أمضى النبيّّ
صلى الله عليه واله وسلم
ما يُقارب من ثلاثة
وعشرين عاماً يُبلّغ آيات
الله وأحكامه، ويدعو
الناس إلى دين الله، وقد
نال ما نال من عظيم المحن
والبلاء والجهد، كي يُقال
له:
﴿وَإِن
لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا
بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ
﴾.
وهنا أصدر النبيّّ صلى
الله عليه واله وسلم
أوامره بأنّ تقف القوافل
حتّى يلحق آخرها بأوّلها،
في يوم شديد الحرّ كان
يضطرّ المرء فيه إلى أن
يُغطّي رأسه، ويقي قدميه
من
شدّة حرّ الرمضاء، ليتلو
عليهم أمر السماء، ويكمل
تبليغ الرسالة الخاتمة.
إنّها الحكمة الإلهيّّة
بأنّ يتمّ التبليغ في هذا
المكان وفي هذا الظرف، كي
يبقى عالقاً في وجدان
الأُمّة، حيّاً في
ذاكرتها على مرّ الزمن،
حفاظاً على الرسالة
والأُمّة الإسلاميّّة.
وجُمعت الرحال وصعد عليها
النبيّّ صلى الله عليه
واله وسلم بعد أن صلّى في
جموع المسلمين، فحمد الله
وأثنى عليه وقال بصوت
رفيع يسمعه كلّ من حضر2:"أيّها
الناس يوشك أن أُدعى
فأجيب، وإنّي مسؤول وأنتم
مسؤولون، فما أنتم
قائلون؟ قالوا: نشهد أنّك
بلّغت ونصحت وجاهدت فجزاك
الله خيراً. قال صلى الله
عليه واله وسلم: ألستم
تشهدون أن لا إله إلّا
الله وأنّ محمّداً عبده
ورسوله، وأنّ جنّته حقّ
وأنّ الساعة آتية لا ريب
فيها، وأنّ الله يبعث من
في القبور؟ قالوا: بلى
نشهد بذلك قال صلى الله
عليه واله وسلم: اللهمّ
اشهد.
ثمّ قال صلى الله عليه
واله وسلم: فإنّي فرطكم
على الحوض وأنتم واردون
عليّ الحوض، وإنّ عرضه ما
بين صنعاء وبُصرى، فيه
أقداح عدد النجوم من
فضّة، فانظروا كيف
تخلفوني في الثقلين.
فنادى منادٍ: وما الثقلان
يا رسول الله؟ قال صلى
الله عليه واله وسلم:
الثقل الأكبر كتاب الله،
طرف بيد الله عزّ وجلّ،
وطرف بأيديكم فتمسّكوا به
لا تضلّوا. والآخر الأصغر
عترتي. وإنّ اللطيف
الخبير نبّأني أنّهما لن
يفترقا حتّى يردا عليّ
الحوض، فسألت ذلك لهما
ربّي، فلا تقدّموهما
فتهلكوا، ولا تُقصّروا
عنهما فتهلكوا.
ثمّ أخذ بيد الإمام عليّ
بن أبي طالب عليه السلام
حتّى رُئي بياض إبطيهما,
وعرفه الناس أجمعون.
فقال صلى الله عليه واله
وسلم: "أيّها الناس من
أولى الناس بالمؤمنين من
أنفسهم؟ قالوا: الله
ورسوله أعلم, قال صلى
الله عليه واله وسلم: إنّ
الله مولاي وأنا مولى
المؤمنين وأنا أولى بهم
من أنفسهم, فمن كنت مولاه
فعليّ مولاه - يقولها
ثلاث مرات -" .
ثمّ قال صلى الله عليه
واله وسلم: "اللهمّ والِ
من والاه وعادِ من عاداه،
وأحبّ من أحبّه وابغض من
أبغضه، وانصر من نصره،
واخذل من خذله وأدرِ
الحقّ معه حيث دار، ألا
فليبلِّغ الشاهد الغائب".
ثمّ لم يتفرّقوا حتّى نزل
أمين وحي الله بقوله
تعالى:
﴿الْيَوْمَ
أَكْمَلْتُ لَكُمْ
دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ
عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي
وَرَضِيتُ لَكُمُ
الإِسْلاَمَ دِينًا﴾3
، فقال رسول الله صلى
الله عليه واله وسلم:
"الله أكبر على إكمال
الدين وإتمام النعمة،
ورضى الربّ برسالتي
والولاية لعليّ بعدي".
ثمّ أمر صلى الله عليه
واله وسلم أن تُنصب خيمة
لعليّ عليه السلام، وأن
يدخل عليه المسلمون فوجاً
فوجاً، ليُسلِّموا عليه
بإمرة المؤمنين، ففعل
الناس ذلك كلّهم، وأمر
أزواجه وسائر نساء
المؤمنين ممّن معه أن
يفعلن ذلك.
وكان في مقدّمة المهنّئين
أبو بكر وعمر بن الخطّاب،
كلٌّ يقول: بخٍ بخٍ لك يا
ابن أبي طالب، أصبحت
وأمسيت مولاي ومولى كلّ
مؤمن ومؤمنة
4.
تفرّقت جموع الحجيج من
غدير خمّ نحو العراق
والشام واليمن، ويمّم
النبيّّ صلى الله عليه
واله وسلم بأصحابه صوب
المدينة. وحمل الجميع
وصيّة الرسول صلى الله
عليه واله وسلم بالقيادة
النائبة، لتستمرّ حركة
الرسالة الإسلاميّّة
بنهجٍ يتعمّق في النفوس،
وتجتاز العقبات بعد أن
يرحل عنها صاحب الرسالة
صلى الله عليه واله وسلم،
ويكون قد عيّن لصيانة
رسالته وقيادة أُمّته
شخصاً نموذجيّاً في حمل
هموم الرسالة، والحرص على
نجاحها، لا تأخذه في الله
لومة لائم ولم يُشرك
بالله طرفة عين.
ظهور المتنبّئين
بعد أن انبسط سلطان الدين
الإلهيّ في ربوع الجزيرة
وما حاذاها، وانحازت
القبائل جميعاً إلى دولة
الرسول صلى الله عليه
واله وسلم، لِمَا رأوه من
العزّة والاستقلال الذي
اكتسبوه في ظلال دولته
المباركة، ولِمَا لاحظوه
من حرصه على أن يكون
خليفته في أُمّته ودولته،
والقائم على شؤون رسالته
من اعتبره القرآن الكريم
نفس الرسول العظيم صلى
الله عليه واله وسلم5،
فمن الطبيعيّ جدّاً
للنفوس السليمة بفطرتها
أن تُخلِص الولاء لهذا
الرسول صلى الله عليه
واله وسلم ودولته
الفتيّة.
ولم يَعُد ذا بالٍ أن
يتمرّد بعض العرب ويرتدّ
عن ولائه السياسيّّ بل
العقيديّ وهو يرى النبيّّ
صلى الله عليه واله وسلم
سلطاناً وحاكماً
مُتنفِّذاً ليس إلّا، كما
كان أبو سفيان يرى
النبيّّ كذلك.
غير أنّ الأذكياء من
هؤلاء كانوا يرون صلاحهم
في الخضوع لهذا الكيان
الجديد، وكانوا يُخطِّطون
للنفوذ إلى مراكز القوّة
في الدولة الجديدة،
والأغبياء منهم بدؤوا
التمرّد على النبيّّ صلى
الله عليه واله وسلم
طالبين منه أن يُقسِّم
سلطانه.
إنّ الطمع في الشرف الذي
نالته قريش يوم أصبح منها
محمّد صلى الله عليه واله
وسلم نبيّاً - كما ظنّ
الجاهلون - كان ممّا دفع
بعضهم لأن يدّعي النبوّة،
فهذا "مسيلمة" يكتب
للنبيّ صلى الله عليه
واله وسلم ويدّعي النبوّة
ليُشارك النبيّّ صلى الله
عليه واله وسلم في سلطان
الأرض، ولمّا وقف النبيّّ
صلى الله عليه واله وسلم
على مضمون الرسالة التفت
إلى من حملها إليه وقال:
"لولا أنّ الرسل لا
تُقتَل، لضربت أعناقكما
لأنّكما أسلمتما من قبل
وقبلتما برسالتي، فلِمَ
اتّبعتما هذا الأحمق
وتركتما دينكما؟".
ثمّ ردّ على مسيلمة
الكذّاب برسالة بعثها
إليه، جاء فيها: "بِسْمِ
اللهِ الرَّحْمـَنِ
الرَّحِيمِ، من محمّد
رسول الله إلى مسيلمة
الكذّاب. السلام على من
اتّبع الهدى، أمّا بعد
فإنّ الأرض لله يورثها من
يشاء من عباده والعاقبة
للمتّقين"6
.
التعبئة العامّة لغزو
الروم
7
وأبدى النبيّّ صلى الله
عليه واله وسلم اهتماماً
كبيراً للحدود الشماليّة
للدولة الإسلاميّّة، حيث
دولة الروم المنظَّمة
وصاحبة الجيش القويّ.
وأمّا فارس فلم تكن ذات
أثر مُقلق؛ لأنّ علامات
الانهيار كانت قد بدت
عليها، كما أنّها لم تكن
تمتلك عقيدة روحيّة تدافع
عنها كالمسيحيّة لدى
الروم.
على أنّ بعض عناصر الشغب
والنفاق كانت قد أُجليت
عن الدولة الإسلاميّّة،
فاتّجهت إلى الشام، وكان
وجود نصارى نجران في
الجنوب أيضاً عاملاً
سياسيّاً يدفع الروم
لنصرتهم.
وكلّ هذه لم تكن عوامل
آنيّة عاجلة تستدعي
الاهتمام الكبير، الذي
ظهر واضحاً من إعداد
النبيّّ صلى الله عليه
واله وسلم لجيش كبير يضمّ
كبار الصحابة ما خلا
عليّاً وبعض المُخلِصين
معه.
من هنا يظهر أنّ النبيّّ
صلى الله عليه واله وسلم
كان يُريد أن يخلو الجوّ
السياسيّّ من أحداث تُعيق
استلام وصيّه الإمام عليّ
بن أبي طالب عليه السلام
زمام السلطة من بعده، بعد
أن لمس تحسُّساً
وانزعاجاً من بعض
الأطراف، لتأكيده
المستمرّ على مرجعيّة
الإمام عليّ عليه السلام
لإتمام مسيرة الرسالة
الإسلاميّّة، فأراد
النبيّّ صلى الله عليه
واله وسلم أن تخلو
المدينة من أيّ توتّر
سياسيّ ليتمّ للإمام عليّ
عليه السلام ما خطّط صلى
الله عليه واله وسلممن
استلام مقاليد الخلافة من
بعده، ولهذا عقد النبيّّ
صلى الله عليه واله وسلم
لواء المسلمين وسلّمه إلى
"أُسامة بن زيد" القائد
الشاب الذي نصّبه الرسول
صلى الله عليه واله وسلم
في مغزى واضح وإشارة
بليغة إلى أهمّيّة
الكفاءة في القيادة، وجعل
تحت إمرته شيوخ الأنصار
والمهاجرين، وقال صلى
الله عليه واله وسلم له:
"سِر إلى موضع قتل أبيك،
فأوطئهم الخيل فقد ولّيتك
هذا الجيش، فاغزُ صباحاً
وشنّ الغارة...".
ولكنّ روح التمرُّد وقلّة
الانضباط التي كانت تبدر
من بعض المسلمين أخذت
تعترض على التسليم لأمر
النبيّّ صلى الله عليه
واله وسلم، ولعلّها كانت
جاهلة بالأهداف والمصالح
العليا للإسلام والتي قد
عناها النبيّّ صلى الله
عليه واله وسلم، وهو
المعصوم المُسدَّد من قبل
الله سبحانه.
وبلغ النبيّّ صلى الله
عليه واله وسلم ذلك فغضب
وخرج وهو يلتحف قطيفة،
وقد عصَّبَ جبهته بعصابة
من ألم الحمّى التي
أصابته، فصعد المنبر فحمد
الله وأثنى عليه وقال صلى
الله عليه واله وسلم:"أمّا
بعد، أيّها الناس فما
مقالة بلغتني عن بعضكم في
تأميري أُسامة، ولئن
طعنتم في إمارتي أُسامة
فقد طعنتم في إمارتي أباه
من قبله، وأيم الله كان
للإمارة خليقاً وإنّ ابنه
من بعده لخليق للإمارة،
وإن كان لمن أحبّ الناس
إليّ وإنّهما لمخيّلان
لكلّ خير8
، واستوصوا به خيراً
فإنّه من خياركم"9
.
واشتدّت الحمّى برسول
الله صلى الله عليه واله
وسلم، ولم يشغله ثقل
المرض عن الاهتمام الكبير
منه لخروج الجيش، فكان
يقول صلى الله عليه واله
وسلم: "أنفذوا جيش
أُسامة"10
لكلّ من يعوده من أصحابه
ويزيد إصراراً بقوله: "جهّزوا
جيش أُسامة لعن الله من
تخلّف عنه"11
. وأوصل بعض المسلمين
أنباء تردّي صحّة النبيّّ
صلى الله عليه واله وسلم
إلى معسكر المسلمين في
"الجرف" فرجع أُسامة يعود
النبيّّ صلى الله عليه
واله وسلم فحثّه على
المضيّ نحو هدفه الذي
رسمه له قائلاً له:
"أُغدُ على بركة الله".
فعاد أُسامة مُسرِعاً إلى
جيشه يحثّه على الخروج،
ولكنّ المتقاعسين وذوي
الأطماع في الخلافة
تمكّنوا من عرقلة مسيرة
الجيش، زاعمين أنّ
النبيّّ صلى الله عليه
واله وسلم يحتضر، بالرغم
من إصرار الرسول صلى الله
عليه واله وسلم على
التعجيل في المسير وعدم
التخلُّف عنه.
الحيلولة دون كتابة
الوصيّة
ورغم ثقل الحمّى وألم
المرض خرج النبيّّ صلى
الله عليه واله وسلم
مستنداً إلى الإمام عليّ
عليه السلام والفضل بن
العبّاس، ليُصلّي بالناس
وليقطع بذلك الطريق على
الوصوليّين، كي لا
يتخّذوها حجّة ويقتنصوا
الزعامة التي طمحوا لها
من قبل، وقد عصوا الرسول
صلى الله عليه واله وسلم
وتخلّفوا عن أمره بالخروج
مع جيش أُسامة.
وحين أتمّ الصلاة التفت
صلى الله عليه واله وسلم
إلى الناس قائلاً: "أيّها
الناس سُعِّرت النار
وأقبلت الفتن كقطع الليل
المظلم، وإنّي والله ما
تُمسِكون عليّ بشيء،
إنّي لم أُحلّ إلّا ما
أحلّ الله، ولم أُحرِّم
إلّا ما حرّم الله"12
.
فأطلق صلى الله عليه واله
وسلم بقوله هذا تحذيراً
آخر أن لا يعصوه وإن لاحت
في الأُفق نواياهم
السيّئة التي ستجلب
الويلات على الأُمّة إذ
يتزعّمها جهّالها.
واشتدّ المرض على النبيّّ
صلى الله عليه واله وسلم
واجتمع الصحابة في داره،
ولحق بهم من تخلّف عن جيش
أُسامة، فلامهم النبيّّ
صلى الله عليه واله وسلم
واعتذروا بأعذار واهية.
وحاول النبيّّ صلى الله
عليه واله وسلم أن يُعرقل
المؤامرة السياسيّّة التي
كان يتوقّعها من بعد
وفاته، فقال صلى الله
عليه واله وسلم للحاضرين
عنده: "إيتوني بدواة
وصحيفة أكتب لكم كتاباً
لا تضلّون بعده".
فقال عمر بن الخطاب: "إنّ
رسول الله قد غلبه الوجع13
وعندكم القرآن حسبنا كتاب
الله".
ووقع التنازع والاختلاف،
وقالت النسوة من وراء
الحجاب: إئتوا رسول الله
صلى الله عليه واله وسلم
بحاجته. فقال عمر: اسكتن
فإنّكن صويحبات يوسف، إذا
مرض عصرتنّ أعينكنّ وإذا
صحّ أخذتنّ بعنقه، فقال
رسول الله صلى الله عليه
واله وسلم: "هنّ خير
منكم"
14. ثمّ
قال صلى الله عليه واله
وسلم: "قوموا عنّي لا
ينبغي عندي التنازع".
وكم كانت الأُمّة بحاجة
ماسّة لكتاب الرسول صلى
الله عليه واله وسلم هذا،
حتّى أنّ ابن عبّاس كان
يأسف كلمّا كان يذكر ذلك
ويقول: "الرزيّة كلّ
الرزيّة ما حال بيننا
وبين كتاب رسول الله"
15.
ولم يُصرّ نبيّ الرحمة
صلى الله عليه واله وسلم
على الكتاب بعد اختلافهم
عنده، خوفاً من تماديهم
في الإساءة ونكرانهم لما
هو أكبر، فقد علم صلى
الله عليه واله وسلم بما
في نفوسهم، وحين راجعوه
ثانية بشأن الكتاب قال
صلى الله عليه واله وسلم:
"أَبَعْدَ الذي قلتم
؟!"16
وأوصاهم بثلاث وصايا تذكر
بعض كتب التأريخ اثنتين
منها وهما: إخراج
المشركين من جزيرة العرب،
وإجازة الوفد كما كان
يُجيزهم، وتزعم هذه الكتب
نسيان الثالثة.
وعلّق السيّد محسن الأمين
على ذلك قائلاً:
والمُتأمِّل لا يكاد يشكّ
في أنّ الثالثة سكت عنها
المُحدِّثون عمداً لا
نسياناً، وأنّ السياسة
اضطرّتهم إلى السكوت عنها
عمداً وتناسيها، وأنّها
هي التي طلب الدواة
والكتف ليكتبها لهم
17.
اللحظات الأخيرة من
عمر النبيّّ صلى الله
عليه واله وسلم
وأقبلت السيّدة الزهراء
عليها السلام وهي تجرّ
أذيالها بحزن، وتتطلّع
إلى أبيها وهو يوشك أن
يلتحق بربّه، فجلست عنده
مُنكسِرة القلب دامعة
العين، ودنت منه فأخبرها
صلى الله عليه واله وسلم
أنّه قد حضر أجله، وأنّه
يُقبض في وجعه هذا، فبكت
عليها السلام، ثمّ ما
لبثت أن تلقّت البشرى منه
صلى الله عليه واله وسلم
بأنّها ستكون أوّل أهله
لحوقاً به18
.
وكان الإمام عليّ عليه
السلام يُلازم الرسول صلى
الله عليه واله وسلم
كظلّه، حتّى آخر لحظات
حياته الشريفة، وهو يوصيه
ويُعلِّمه ويضع سرّه
عنده.
نعم، في الساعة الأخيرة
قال رسول الله صلى الله
عليه واله وسلم: "ادعوا
لي أخي"، وكان صلى الله
عليه واله وسلم قد بعثه
في حاجة فجاءه بعض
المسلمين فلم يعبأ بهم
الرسول صلى الله عليه
واله وسلم حتّى جاء
الإمام عليّ عليه السلام
فقال صلى الله عليه واله
وسلم له:" أُدنُ منِّي".
فدنا الإمام عليه السلام
فاستند إليه، فلم يزل
مستنداً إليه يُكلِّمه
حتى بدت عليه صلى الله
عليه واله وسلم علامات
الاحتضار
19.
وتوفّي رسول الله صلى
الله عليه واله وسلم وهو
في حِجْر الإمام عليّ
عليه السلام كما قد صرّح
بذلك الإمام عليه السلام
نفسه في إحدى خطبه
الشهيرة
20.
|