أهداف الدرس
أن يستذكر الطالب نسب
رسول الله صلى الله عليه
واله وسلم.
أن يتعرّف إلى كفالة عبد
المطّلب وأبي طالب لرسول
الله صلى الله عليه واله
وسلم، وصفاتهما.
أن يُعدِّد أسفار النبيّّ
صلى الله عليه واله وسلم
قبل البعثة.
أن يسرد أخلاق النبيّ صلى
الله عليه واله وسلم
وحكمته قبل النبوّة.
أن يسرد قصّة زواج
النبيّّ صلى الله عليه
واله وسلم من السيّدة
خديجة عليها السلام.
نسب النبيّّ صلى
الله عليه واله وسلم
هو محمّد بن عبد الله
بن عبد المطّلب، بن
هاشم، بن عبد مناف،
بن قصيّ، بن كلّاًب،
بن مُرّة... بن عدنان...
إبن النبيّّ إسماعيل
عليه السلام إبن
النبيّّ إبراهيم عليه
السلام.
والمرويّ عن النبيّّ
صلى الله عليه واله
وسلم أنّه كان إذا
انتسب لم يُجاوز نسبه
معد بن عدنان ثمّ
يُمسك، وأوصى الآخرين
بذلك بقوله: "إذا
بلغ نسبي إلى عدنان
فأمسكوا"1.
وقد نفى صلى الله
عليه واله وسلم ما
ذكره النسّابون من
أسماء أجداده بين
عدنان وإسماعيل2.
واستناداً إلى
التقسيم القَبَليّ
عند العرب، تُقسَّم
العرب بشكلٍ عامّ إلى
الشّق "القحطانيّ" و"العدنانيّ".
وتُعتبر قريش من
العرب العدنانيّين
بسبب انتسابها إلى "عدنان".
كما أنّ جدّ النبيّّ
صلى الله عليه واله
وسلم هاشم بن عبد
مناف تنتسب إليه أشرف
أُسرة في مكّة وهي
أُسرة بني هاشم.
وكانت ولادته
المباركة في مكّة
المكرمّة، في شُعب
أبي طالب، يوم الجمعة
في
السابع عشر من شهر
ربيع الأوّل في عام
الفيل الموافق لسنة
571 للميلاد3.
ولم يرتضع صلى الله
عليه واله وسلم من
أمّه سوى ثلاثة
أيّام، ثمّ حظيت بشرف
إرضاعه حليمة
السعديّة؛ التي كانت
تُقدِّمه على أولادها
لِما وجدت فيه من
الخير والبركة، وبقي
عندها في البادية إلى
أن بلغ سنّ الخامسة،
حيث عاد إلى أهله
ليكون في كفالة جدّه
عبد المطّلب، ومن ثمّ
في رعاية عمّه أبي
طالب4.
النبيّ في كفالة
جدّه
سار النبيّّ صلى الله
عليه واله وسلم برفقة
أمّه آمنة بنت وهب في
قافلة إلى يثرب
لزيارة قبر والده عبد
الله، وفي طريق
العودة إلى مكّة
توفّيت والدته ودُفنت
في منطقة الأبواء،
فجاؤوا به إلى جدّه
عبد المطّلب.
كان آباء وأجداد
الرسول محمّد صلى
الله عليه واله وسلم
موحِّدين، ابتداءً من
أبيه عبد الله إلى
النبيّّ آدم، ولم يكن
فيهم مشرك، ومنهم
جدّه عبد المطّلب،
الذي كان سيّداً
وشريفاً وجواداً في
قريش، وعاش صلى الله
عليه واله وسلم في
كفالته، وكان يرعاه
خير رعاية، ولا يأكل
طعاماً إلّا إذا حضر،
ويُفضّله على أبنائه.
ويبدو أنّه كان
عارفاً بنبوّته صلى
الله عليه واله وسلم،
من خلال صفاته
والأحداث التي رافقته
منذ ولادته، وكذلك من
خلال البشائر
والأخبار التي كانت
تُنبئ بمستقبله
ونبوّته صلى الله
عليه واله وسلم.
وكان عبد المطّلب من
المعتقدين بالمعاد
والحساب ويقول: "والله
إنّ وراء هذه الدار
داراً يُجزى فيها
المُحسن بإحسانه،
ويُعاقب المُسيء
بإساءته"5.
ولم يكن متعصباً
للقبيلة، وكان يحثّ
أبناءه على التحلّي
بمكارم الأخلاق،
وتُؤثر
عنه سنن جاء القرآن
والسنّة بأكثرها،
منها تحريم الخمر
والزنا، وقطع يد
السارق، والنهي عن
وأد البنات، وأن لا
يطوف أحد بالبيت
عرياناً، والوفاء
بالنذور، وأن لا
تُنكح ذات محرم...
وفاة عبد المطّلب
ورعاية أبي طالب
توفّي عبد المطّلب
ورسول الله صلى الله
عليه واله وسلم ابن
ثماني سنين، فأوصى به
إلى عمِّه أبي طالب،
وذلك لأنّ عبد الله
أبا رسول الله صلى
الله عليه واله وسلم
وأبا طالب أخوَان
لأمّ. فكفل رسولَ
الله صلى الله عليه
واله وسلم بعد وفاة
عبد المطّلب أبو طالب
عمّه، فكان خير كافل
لعطفه وحنانه عليه
صلى الله عليه واله
وسلم، وكان أبو طالب
سيّداً شريفاً
مطاعاً، وكان سيّد
قومه في زمانه. وكان
يُحبّ النبيّّ صلى
الله عليه واله وسلم
حُبّاً شديداً.
وربّته فاطمة بنت أسد
بن هاشم امرأة أبي
طالب، وكانت تُحبّه
كثيراً وتحنو عليه،
وكان صلى الله عليه
واله وسلم يصفها
بأنّها أمّه.
السفر إلى الشام
ونبوءة الراهب
تحدّث المؤرّخون عن
رحلتين للنبيّّ صلى
الله عليه واله وسلم
إلى الشام، إحداهما
بصحبة عمّه، والأخرى:
بصحبة غلام لخديجة في
تجارة لها.
في الرحلة الأولى:
كان عمر النبيّّ
اثنتي عشرة سنة، وكان
مع عمّه أبي طالب ضمن
قافلة تجاريّة لقريش،
وفي الطريق توقّفت
القافلة في منطقة
بُصرى، وكان فيها
راهب يُدعى بحيرا،
وقد اتّفق أن التقى
الراهب قافلة قريش
ولفتت نظره شخصيّة
النبيّّ صلى الله
عليه واله وسلم وراح
يتأوّل ويُحدِّق في
صفاته وملامحه6
، خاصّة بعدما رأى
أنّ سحابة من الغيم
تُرافق محمّداً صلى
الله عليه واله وسلم
أينما جلس لتحميه من
حرّ الشمس، فأتى
الراهب أبا طالب
وبشّره بأنّ
ابن أخيه نبيّ هذه
الأمّة، وأخبره بما
سيكون من أمره بعدما
كان قد كشف عن ظهره
ورأى خاتم النبوّة
بين كتفيه، ووجد فيه
العلامات التي وصفته
بها التوراة
والأناجيل وغيرها7.
وتذكر النصوص أنّ
بحيرا أصرّ على أبي
طالب بأن يعود به إلى
مكّة، وأن يُبقيه تحت
رقابته خوفاً عليه من
اليهود وغيرهم، فقطع
أبو طالب رحلته ورجع
به إلى مكّة.
وفي الرحلة
الثانية: كان عمر
النبيّّ صلى الله
عليه واله وسلم خمسة
وعشرين سنة، وهذا
السفر كان لأجل عمل
تجاريّ مع السيّدة
خديجة بنت خويلد قبل
أن يتزوّج بها،
وبإشارة من أبي طالب
بسبب الأوضاع
المعيشيّة الصعبة
آنذاك، وكانت هذه
التجارة مع السيّدة
خديجة على نحو
المضاربة والمشاركة.
ولا بدّ من التأكيد
على مسألة مهمّة وهي
أنّ النبيّّ صلى الله
عليه واله وسلم لم
يعمل أجيراً في رعي
الغنم لأهل مكّة أو
لغيرهم، وإن كان قد
رعى الغنم لأهله
وعشيرته.
محمّد صلى الله
عليه واله وسلم في
شبابه
أخلاقه وحكمته
اتفق المؤرّخون على
أنّ محمّداً صلى الله
عليه واله وسلم أصبح
في مطلع شبابه موضع
احترام في مجتمعه،
لِما كان يمتلكه من
وعي، وحِكمة، وبُعد
نظر.
وقد اشتُهر بسموّ
الأخلاق، وكرم النفس،
والصدق والأمانة،
حتّى عُرِف بين قومه
بالصادق الأمين، كما
اشتُهِر برجاحة عقله،
وصوابيّة رأيه، حتّى
وَجَدَ فيه المكّيّون
والقرشيّون سيّداً من
سادات العرب
الموهوبين، ومرجعاً
لهم في المهمّات وحلّ
المشكلّاًت
والخصومات.
وذكر المؤرخون: أنّ
الناس كانوا يتحاكمون
إلى النبيّّ صلى الله
عليه واله وسلم في
الجاهليّّة، لأنّه
كان لا يُداري ولا
يُماري، وله مع قومه
تجارب سياسيّة
واجتماعيّة، حتّى
شارك بشكلٍ فاعل
ومؤثّر في حَدَثَين
تاريخيّين حصلا قبل
البعثة هما: حلف
الفضول، وتجديد بناء
الكعبة.
حلف الفضول
وهو أشرف حلف عُقِد
بين زعماء عدد من
بطون قريش
8،
وكان نتيجةً لسلسلةٍ
من حوادث الاعتداء
على أموال وأعراض بعض
الوافدين إلى مكّة في
موسم الحج. فدعا
الزبير بن عبد
المطّلب إلى إقامة
تحالف بين قبائل
قريش، بهدف مواجهة
كلّ من يعتدي على
الآخرين، فاستجاب
لدعوته بنو هاشم،
وبنو عبد المطّلب،
وبنو أسد وغيرهم،
وعقدوا اجتماعاً في
دار عبد الله بن
جدعان، تحالفوا فيه
على محاربة الظلم
والفساد، والانتصار
للمظلوم والدفاع عن
الحقّ، وقد سُمّي
بحلف الفضول، لأنّ
قريشاً قالت بعد
إبرامه: هذا فضول من
الحلف، وقيل: لأنّ
ثلاثة ممّن اشتركوا
فيه كانوا يُعرفون
باسم الفضل، وهم
الفضل بن مشاعة،
والفضل بن بضاعة،
والفضل بن قضاعة. وقد
حضر النبيّّ صلى الله
عليه واله وسلم الحلف
المذكور وشارك فيه،
وكان يتجاوز العشرين
من عمره الشريف9.
وكانت مشاركته صلى
الله عليه واله وسلم
في هذا الحلف عملاً
نبيلاً، ونوعاً من
الدفاع عن حقوق
الإنسان في ذلك
المجتمع الجاهليّ،
ففي الوقت الذي كان
فيه أترابه من أبناء
مكّة منكبّين على
الشراب واللذائذ،
ومنغمسين في اللهو
واللعب، كان هو يحضر
هذا الحلف إلى جانب
أكابر قريش، وقد أثنى
على هذا الحلف بعد
بِعْثَته وذَكَرَه
بفخرٍ قائلاً: "لقد
شهدت في دار عبد الله
بن جدعان حلفاً ما
أحبّ أنّ لي به حُمْر
النِعم، ولو أُدعى به
في الإسلام لأجبت"10.
وهذا الكلام يدلّ على
أنّ هذا الحِلْف
ينسجم مع أهداف
الإسلام، وعلى واقعية
الإسلام حيث إنّه
ينظر إلى مضمون العمل
وقيمته وليس إلى شكله
وصورته، حتّى ولو قام
به أهل الشرك، وعلى
استجابة الإسلام لكلّ
عمل إيجابي فيه خير
الإنسان ومصلحته،
وانفتاحه على
الآخرين.
نصب الحجر الأسود
أثناء ولاية قريش على
الكعبة، وقبل النبوّة
بخمس سنوات، أصاب
الكعبة التصدُّع من
آثار السيول، فاجتمعت
قريش على أثر ذلك
وقرّرت هدمها وتجديد
بنائها، ورصدوا لذلك
ما تحتاجه من نفقات.
يقول المؤرّخون: إنّ
قريشاً وزّعت الهدم
والبناء على القبائل،
فكان لكلّ قبيلة جهة
معيّنة، وكان الوليد
بن المغيرة أوّل من
بادر إلى هدمها بعد
أن تهيّب غيره من فعل
ذلك. ولمّا بلغ
البنيان موضع الحجر
الأسود اختلفوا فيمن
يرفعه إلى موضعه،
وأصبحت كلّ قبيلة
تُريد أن تنال هي هذا
الشرف، لأنّهم كانوا
يَرَون أنّ من يضع
الحجر الأسود في
مكانه تكون له
السيادة والزعامة.
وكاد الأمر يُؤدّي
بهم إلى فتنة كبيرة
حيثُ استعدّوا
للقتال، وانضمّ كلّ
حليف إلى حليفه،
ولمّا وصلوا إلى حدٍّ
خطير اقترح عليهم أبو
أميّة إبن المغيرة أن
يُحكِّموا في هذا
النزاع أوّل داخل
عليهم، فكان محمّد بن
عبد الله أوّل
الوافدين، فلمّا
رأَوه استبشروا
بقدومه وقالوا: لقد
جاءكم الصادق الأمين،
أو هذا الأمين قد
رضينا به حَكَمَاً.
فطلب منهم النبيّّ
صلى الله عليه واله
وسلم أن يُحضروا
ثوباً فأتَوا له
بثوبٍ كبير، فأخذ
الحجر ووضعه فيه
بيده، ثمّ التفت إلى
شيوخهم وقال:
"لِتأخُذ كلّ قبيلة
بطرفٍ من الثوب ثمّ
ارفعوه جميعاً"
فاستحسنوا ذلك،
ووجدوا فيه حلّاً
يحفظ حقوق الجميع،
ولا يُعطي لأحد
امتيازاً على الآخر،
ففعلوا ما أمرهم به،
فلما أصبح الحجر
بمحاذاة الموضع
المُخصَّص له، أخذه
رسول الله بيده
الكريمة ووضعه مكانه11.
وهذا إن دلّ على شيء
فإنّما يدلّ ويكشف عن
المكانة الاجتماعيّّة
الخاصّة التي كان
يحتلّها النبيّّ صلى
الله عليه واله وسلم
في نفوس الناس في
مكّة.
زواجه من خديجة
كانت السيّدة خديجة
من خيرة نساء قريش
شرفاً، وأكثرهم
مالاً، وكانت تُدعى
في الجاهليّّة
بالطاهرة وسيّدة
قريش، وقد تزوّجها
النبيّّ صلى الله
عليه واله وسلم وله
من العمر خمسة وعشرون
سنة، وقيل غير ذلك،
وتُشير النصوص إلى
أنّ خديجة هي التي
بادرت أوّلاً وأبْدَت
رغبتها في الزواج من
محمّد صلى الله عليه
واله وسلم بعدما رأت
فيه من الصفات
النبيلة ما لم تره في
غيره. ويُرجِّح بعض
المؤرّخين أن يكون
عمر خديجة حين زواجها
من النبيّّ صلى الله
عليه واله وسلم
ثمانية وعشرين عاماً
وليس أكثر من ذلك،
كما أنّها لم تتزوّج
قبله بأحدٍ قطّ12.
مكّة المكرّمة أيّام
رسول الله صلّى الله
عليه وآله وسلّم
|