أهداف الدرس
أن يتعرَّف الطالب إلى
أطروحة الدعوة في مكّة.
أن يُعدِّد الخطوات التي
اتّبعها النبيّّ صلى الله
عليه واله وسلم قبل
الانتقال إلى المدينة.
أن يُدرِك أهميّة بيعة
العقبة في نشر الدعوة.
أطروحة الدعوة
الإسلاميّّة في مكّة
لم يتناول التشريع
الإسلاميّّ في العهد
المكّي قضايا الدولة
والحُكم والنظام
السياسيّّ بصورة مباشرة،
لأنّ المسلمين في مكّة لم
يكونوا مجتمعاً سياسيّاً،
وإنّما كانوا جماعة
عقيديّة تحكمها علاقات
تتراوح بين الاستغراب،
والجفاء، والعداء من
مجتمعها.
فكانت مفردات الدعوة
وأطروحتها مقصورة في مكّة
على القضايا الأساس
الكبرى: قضية الألوهيّة
والتوحيد، وقضية النبوّة
العامّة ونبوّة محمّد صلى
الله عليه واله وسلم ،
وقضيّة الحياة بعد الموت
(البعث والمعاد)، وقضيّة
عدل الله تعالى، ورحمته،
وقدرته، وعلمه، وسائر
صفاته تعالى. كما كانت
تشتمل على المسألة
الاجتماعيّّة، الفقراء
والأغنياء، والظلم...
ولكن مع ذلك حمل العهد
المكّي ـ في القرآن
والسيرة ـ إشارات إلى
طبيعة الدعوة
الإسلاميّّة، من الناحية
السياسيّّة، وبعض
الإشارات إلى المستقبل،
ونزل من القرآن بمكّة
إثنتان وثمانون سورة، على
ما رواه محمّد بن حفص بن
أسد الكوفيّ عن ابن
عبّاس. وكان أوّل ما نزل
على النبيّّ صلى الله
عليه واله وسلم على بعض
الروايات:
﴿اقْرَأْ
بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي
خَلَقَ
﴾
ثمّ﴿ن
وَالْقَلَمِ وَمَا
يَسْطُرُونَ﴾
ثمّ﴿وَالضُّحَى﴾
ثمّ}يا
أيّها المزمّل﴾
ثمّ
﴿يا
أيّها المدثّر﴾
ثمّ فاتحة الكتاب... ثمّ
﴿العنكبوت﴾.
ورُوي عن ابن عبّاس: "
أنّ القرآن كان ينزل
مُفرِّقاً، لا ينزل سورة
سورة، فما نزل أوّلها
بمكّة أثبتناها بمكّة وإن
كان تمامها بالمدينة،
وكذلك ما نزل بالمدينة،
وإنّه كان يعرف فصل ما
بين السورة والسورة إذا
نزل ﴿بِسْمِ
اللهِ الرَّحْمـَنِ
الرَّحِيمِ﴾،
فيعلمون أنّ الأولى قد
انقضت وابتُدِئ بسورة
أخرى"
1 .
الهجرة إلى الحبشة
لمّا رأت قريش دخول خلقٍ
عظيم في الإسلام بدأت
بالمواجهة الفعليّة. وعمل
صناديد قريش على إنزال
أشدِّ أنواع العذاب على
المسلمين، فكان ممّن
عُذِّبَ في الله عمّار بن
ياسر، وياسر أبوه،
وسُميَّة أمّه، حتّى قَتل
أبو جهل سُمَيّة، فكانت
أوّل شهيدة في الإسلام..
عندها أمر النبيّّ صلى
الله عليه واله وسلم
المسلمين بالهجرة إلى
الحبشة في السنة الخامسة
من البعثة وقال لهم: "
إنّ بها مَلِكاً لا يُظلم
عنده أحد"
2 . وكان عددهم
في أرض الحبشة ثلاثة
وثمانين ما بين رجل
وامرأة عدا الأطفال، وكان
في مقدّمتهم جعفر بن أبي
طالب. فأرسلت قريش وفداً
لاستردادهم، فواجههم
النجاشيّ بالرفض بعدما
استمع من المسلمين إلى
حقيقة الإسلام وعظمته.
وأهمّ الدوافع للهجرة كان
الاضطهاد الشديد الذي وقع
على المسلمين، والمحاولات
القاسية التي بذلها
المشركون لفتنتهم آملين
رجوعهم عن الدين الحقّ
وارتدادهم، فضلاً عن
التبشير بالإسلام ومبادئه
وأهدافه وأحكامه،
والترويج له والتعريف به
خارج الجزيرة العربيّّة.
سفره إلى الطائف
للدعوة
عزم النبيّّ صلى الله
عليه واله وسلم على
التوجُّه إلى الطائف
لدعوة أهلها إلى الإسلام،
لعلّه يلتمس منهم النصر
والمِنعة، وبعد أن اشتدّ
أذى قريش له إثر وفاة
خديجة وأبي
الطريق التاريخي بين مكّة
والطائف الذي سلكه رسول
الله صلى الله عليه واله
وسلم
طالب،
وكان ذلك في السنة
العاشرة من البعثة، وأقام
في الطائف عشرة أيّام
يتجوّل فيها ويدعو أهلها
إلى الإسلام، ومعه زيد بن
حارثة
3.
ولكنّهم واجهوه ولم
يسمعوا منه، بل جلسوا في
الطريق يرمونه بالحجارة
حتّى جُرِح في رأسه،
فانصرف راجعاً إلى مكّة.
وكان الهدف من هذا السفر
الإعداد للمستقبل باعتبار
أنّ الطائف هي البلد
الثالث الذي له موقعه
ونفوذه الخاصّ في
المنطقة، نظراً لوجود
قبيلة كبيرة فيها هي
ثقيف.
وربما يكون لهجرته إلى
الطائف أهداف أخرى،
كإيجاد قاعدة لدعوته
يرتكز عليها تكون قريبة
من مكّة، أو إلقاء حجّة
عليهم، وكل ذلك يرجع إلى
أنّ الرسول صلى الله عليه
واله وسلم كان يخطو في
دعوته بخطوات هادفة
ومدروسة.
انتشار الإسلام في
يثرب
منذ السنوات الأولى
للدعوة العلنيّة للرسول
صلى الله عليه واله وسلم
في مكّة، تناهت أخبار
بعثته إلى أسماع أهالي
يثرب بواسطة المسافرين،
وكان بعضٌ منهم قد قابله
في مكّة وأسلم، ولكنّهم
ماتوا أو قُتلوا بعد مدّة
4.
وفي السنة الحادية عشرة
للبعثة التقى رسول الله
صلى الله عليه واله وسلم
بستّة من أشراف الخزرج في
موسم الحجّ في منى،
ودعاهم إلى الإسلام، فقال
بعضهم لبعض: يا قوم
تعلمون والله إنّه
النبيّّ الذي كان يوعدكم
به اليهود، فلا يسبقنّكم
إليه أحد. فأجابوه وقالوا
له: إنّا قد تركنا قومنا
ولا قوم بينهم العداوة
والشرّ مثلما بينهم، فعسى
أن يجمع الله بينهم بك،
فتُقدِم عليهم وتدعوهم
إلى أمرك. فلمّا قدِموا
المدينة أخبروا قومهم
بالخبر، فما دار حولٌ
إلّا وفيها حديث رسول
الله صلى الله عليه واله
وسلم
5.
ونجح تخطيط النبيّّ صلى
الله عليه واله وسلم الذي
استهدف من هذا الاجتماع
حثّ هؤلاء الأشخاص على
القيام بنشاط في بلادهم؛
لتهيئة الجوّ وخلق مناخ
مؤيِّد ومتعاطف مع الدعوة
ومبادئها الجديدة في
المدينة.
بيعة العقبة الأولى
وعندما حلّ موسم الحجّ في
العام الثاني التقى صلى
الله عليه واله وسلم مع
اثني عشر رجلاً من
اليثربيّين، واجتمع بهم
سرّاً في وادٍ ضيّق
بالعقبة بين مكّة ومنى،
وهي العقبة الأولى
6، وقد أعلنوا
فيها إيمانهم واستعدادهم
للعمل على نشر الإسلام،
وبايعوا رسول الله صلى
الله عليه واله وسلم على
ذلك.
فلمّا أرادوا الانصراف
إلى بلدهم، بعث رسول الله
صلى الله عليه واله وسلم
معهم مصعب بن عمير من أجل
أن يُعلِّمهم الإسلام،
ويُفقّههم في الدين،
ويجعل منهم قوّة أكثر
فاعليّة ودقّة في نشر
الدين الجديد في صفوف أهل
المدينة.
استطاع مصعب بن عمير،
بفعل وعيه وخبرته بشتّى
أساليب العمل والتبليغ،
أن يقوم بواجبه كما أراد
رسول الله صلى الله عليه
واله وسلم .. وكان عدد
المسلمين في المدينة
يزداد يوماً بعد يوم،
وأصبح جوّ المدينة العامّ
مؤيِّداً للرسول صلى الله
عليه واله وسلم ،
ومهيَّئاً لقدومه.
بيعة العقبة الثانية
وفي العام التالي، أي في
السنة الثالثة عشرة من
البعثة، وبعد مرور عام
كامل على بيعة العقبة
الأولى، عاد مصعب بن عمير
إلى مكّة ومعه جمعٌ كبير
من مسلمي المدينة، خرجوا
مُستخفين مع حُجّاج قومهم
المشركين.. ويبدو أنّ
مصعباً قَبْل حضوره إلى
مكّة، كان قد رتّب
اجتماعاً بين الرسول صلى
الله عليه واله وسلم وبين
مسلمي يثرب بعد انتهاء
موسم الحجّ.
فالتقى بعضهم بالنبيّّ
صلى الله عليه واله وسلم
وواعدهم أن يجتمع بهم في
العقبة في اليوم الثاني
من أيّام التشريق ليلاً،
وأمرهم بالحفاظ على
سرِّيَّة الاجتماع. وفي
الليلة المعيّنة تمّ
الاجتماع بحضور الإمام
عليّ عليه السلام والحمزة
في الدار الذي كان ينزل
فيه الرسول صلى الله عليه
واله وسلم وهو دار عبد
المطّلب، فبايعوه على
حمايته، وعلى أن يمنعوه
وأهله ممّا يمنعون منه
أنفسهم وأهليهم، وعلى أن
ينصروه ويقفوا إلى جانبه
في الشدّة والرخاء، كما
بايعوه على السمع والطاعة
والأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر، وعلى أن
يَدعُوا إلى الله ولا
يخافوا في الله لومة
لائم، وقد سُمِّيت هذه
البيعة ببيعة العقبة
الثانية
7.
لقد نجح النبيّّ صلى الله
عليه واله وسلم في نهاية
المطاف، بفعل إصراره على
مواصلة الدعوة وعدم يأسه
أو استسلامه أمام الفشل
الظاهريّ في الطائف وفي
مكّة، وبفعل الثقة بوعد
الله سبحانه بالنصر، في
إيجاد القاعدة المناسبة
التي يرتكز عليها الإسلام
فكانت يثرب موضع اختياره
الجديد.
وكانت بيعة العقبة هي
الخطوة الرئيسة التي مهّد
فيها النبيّّ صلى الله
عليه واله وسلم للهجرة
إلى المدينة المنوّرة.
وبالهجرة إلى المدينة
تبدأ المرحلة الثالثة من
مراحل الدعوة وهي مرحلة
بناء الدولة، والدفاع عن
الإسلام.
الهجرة إلى الحبشة
لمّا عملت قريش على إنزال
أشدّ العذاب على المسلمين
وعظم البلاء على
الموحدّين .
أمر النبيّ صلى الله عليه
واله وسلم المسلمين
بالهجرة إلى الحبشة
قائلاً: " إنّ بها ملكاً
لا يُظلم عنده أحد" .
|