أهداف الدرس
أن يسرد الطالب قصّة مبيت
عليّ عليه السلام في فراش
النبيّّ صلى الله عليه
واله وسلم.
أن يستظهر دوافع هجرة
النبيّّ صلى الله عليه
واله وسلم إلى المدينة.
أن يُعدِّد أركان المجتمع
الذي بناه النبيّّ صلى
الله عليه واله وسلم في
المدينة.
أن يذكر أهمّ بنود
الوثيقة بين أطياف
المجتمع المدني.
المؤامرة ومبيت
الإمام عليّ عليه السلام
في فراش النبيّّ صلى الله
عليه واله وسلم
علمت قريش بأمر البيعة
رغم كلِّ التكتُّم الذي
اتبعه الرسول صلى الله
عليه واله وسلم فعزمت على
إلقاء القبض على
المُبايعين، وشدّدت من
إيذائها للمسلمين
وتعذيبهم، وعلى إثر ذلك
قال لهم النبيّّ صلى الله
عليه واله وسلم: "إنّ
الله عزَّ وجلَّ قد جعل
لكم إخواناًَ وداراً
تأمنون بها"
1 وكان
هذا إيذاناً بالهجرة إلى
المدينة.
فأخذ المسلمون يتوجّهون
إلى يثرب رغم كلّ المشاكل
والعراقيل التي وضعتها
قريش أمامهم. ورأت قريش
في هذه الهجرة خطراً
عليها لِما يُشكِّله
المهاجرون مع أهل المدينة
من قوّة تستطيع أن تقف في
وجه قريش ومصالحها، خاصّة
أن تجارتها إلى الشام
تمرّ عبر المدينة، فأخذت
تمنع المسلمين من الهجرة
وتلاحقهم.
وعلى الرغم من كلّ
المضايقات تمكَّن معظم
المسلمين من الهجرة، ولم
يبقَ في مكّة بعد بيعة
العقبة بفترة وجيزة سوى
النبيّّ صلى الله عليه
واله وسلم وأمير المؤمنين
عليه السلام وعدد قليل من
المسلمين.
بقي النبيّّ صلى الله
عليه واله وسلم في مكّة
ينتظر الإذن الإلهيّّ
بالهجرة. وشعرت قريش بحجم
الخطر فيما لو التحق
النبيّّ صلى الله عليه
واله وسلم بأصحابه، خاصّة
بعدما قُدِّرت أنّ
المدنيّين سيحمونه
وينصرونه بعدما بايعوه،
فاتخذت قراراً حاسماً
بالتخلُّص من النبيّّ صلى
الله عليه واله وسلم قبل
فوات الأوان، واستطاعت أن
تنتزع قراراً بمشاركة
كلِّ قبائل قريش في
عمليّة الاغتيال، من أجل
أن يتفرّق دمه في القبائل
كلّها؛ فلا يعود بإمكان
بني هاشم أن يثأروا لدمه،
ولكنّ الله تعالى أخبر
رسوله بهذه المؤامرة
2، وأمره
بالخروج ليلاً من مكّة
وأن يجعل عليّاً عليه
السلام مكانه ليبيت على
فراشه من أجل التمويه
والإيهام، وليردّ كيدهم
عليهم، فخرج رسول الله
صلى الله عليه واله وسلم
إلى غار ثور وبات عليّ
عليه السلام على فراشه
تلك الليلة
3. وعندما
اقتحم المشركون دار
النبيّّ صلى الله عليه
واله وسلم وجدوا أنفسهم
أمام عليّ عليه السلام،
وكان النبيّّ صلى الله
عليه واله وسلم قد خرج
قبل ذلك من بينهم وتوجّه
نحو غار ثور وبقي فيه
ثلاثة أيّام، إلى أن
تمكّن من الوصول إلى قرية
(قباء) في طريق المدينة
المنوّرة، برغم ملاحقة
قريش له.
ونظراً للتضحية الكبرى
التي قدّمها الإمام عليّ
عليه السلام، أنزل الله
تعالى بحقّه قوله:
﴿وَمِنَ
النَّاسِ مَن يَشْرِي
نَفْسَهُ ابْتِغَاء
مَرْضَاتِ اللهِ وَاللهُ
رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾
4.
الرسول صلى الله عليه
واله وسلم في المدينة
غادر النبيّّ صلى الله
عليه واله وسلم الغار
قاصداً يثرب في شهر ربيع
الأوّل بعدما كان قد أمضى
ثلاث عشرة سنة في مكّة،
بعدما ترك عليّاً عليه
السلام ليؤدّي الودائع
التي كانت عنده للناس،
ولتهيئة مستلزمات هجرة
ابنته فاطمة وعدد آخر من
النساء
والرجال من بني هاشم
5.
فَوَصَل صلى الله عليه
واله وسلم أوّلاً إلى
قُباء وهي منطقة على
مقربة من يثرب، وتوقّف
فيها بضعة أيّام في
انتظار قدوم عليّ عليه
السلام، وبنى في هذه
المدّة مسجداً هناك
6.
ثمّ توجّه بصحبة عليّ
عليه السلام وجماعة من
بني النجار (أخوال عبد
المطّلب) تجاه يثرب. ولدى
وصوله إليها استقبله
الناس بفرح وسرور بالغ،
وكان صلى الله عليه واله
وسلم لا يمرّ بمكان إلّا
وقام وجوه القبائل
وأشرافها بأخذ زمام
ناقته، طالبين منه النزول
عليهم وهو يقول: "خلّوا
سبيلها فإنّها مأمورة"
7 حتّى وصل إلى
أرضٍ ليتيمين قرب دار أبي
أيوب الأنصاريّ، وبنى في
تلك الأرض المسجد
النبويّ. ولأنّ الهجرة
تُعتبر نقطة تحوُّل
ومُنعطَفاً مُهمَّاً في
تاريخ الإسلام أصبحت
مبدأً لتاريخ الإسلام
والمسلمين بتدبير النبيّّ
صلى الله عليه واله وسلم؛
الذي أمر المسلمين أن
يُؤرّخوا ابتداءً من شهر
ربيع الأوّل، وهناك
العديد من رسائل النبيّّ
ووثائقه وكتبه تُؤيّد
ذلك.
المدينة المنوّرة
مصوّر أثري تقريبي
دوافع الهجرة
لم تكن الهجرة إلى
المدينة ردّ فعل لاضطهاد
قريش، بل كانت فعلاً خطّط
له النبيّّ صلى الله عليه
واله وسلم لتكون المدينة
قاعدة ارتكاز للدعوة،
وأهمّ الدوافع التي أدّت
للهجرة هي:
أولاً: إنّ مكة لم تَعُد
مكاناً صالحاً للدعوة،
ولم يبقَ أيّ أمل في دخول
فئات جديدة في الدين
الجديد في المستقبل
القريب على الأقل، فكان
لا بُدَّ من الانتقال إلى
مكانٍ آخر ينطلق الإسلام
فيه بحريّة بعيداً عن
ضغوط قريش.
وكان اختياره للمدينة
بسبب بعدها الجغرافيّّ عن
مكّة، ممّا يجعلها بمأمن
من هجمات قريش المفاجئة
والمباغتة من جهة، ومن
جهة أخرى هي قريبة من
طريق تجارة مكّة ـ الشام؛
بحيث يتمكّن النبيّّ صلى
الله عليه واله وسلم من
فرض سيطرته وممارسة نوع
من الضغط السياسيّّ
والاقتصاديّّ، وحتّى
العسكريّّ، على قريش في
الوقت المناسب.
ومن الناحية الاجتماعيّّة
كانت يثرب مركزاً للتنازع
القبليّ، بين الأوس
والخزرج واليهود، وهي
تتطلّع إلى رجل تلتفّ
حوله لينزع عنها إلى
الأبد هذه العصبيّات
المستعصية. وأمّا
اقتصاديّاً فهي غنيّة
بإمكانيّاتها الزراعيّة
بما يُمكِّنها من
المقاومة في حال التعرُّض
للضغوط الاقتصاديّّة من
قِبَل المشركين وغيرهم.
بناء الدولة والمجتمع
في المدينة
باشر النبيّّ صلى الله
عليه واله وسلم فور وصوله
إلى المدينة بأعمال
تأسيسيّة، ترتبط ببناء
المجتمع السياسيّّ
الإسلاميّّ، وبمستقبل
الدعوة الإسلاميّّة،
وأبرزها:
أولاً: بناء المسجد
وهو أوّل مركز عُنيَ
النبيّّ صلى الله عليه
واله وسلم بإنشائه، وقد
كان مركزاً للعبادة،
والتعليم، والحُكم
والإدارة، ومقرّاً لحكومة
النبيّّ صلى الله عليه
واله وسلم، ولم يُمارس
النبيّّ صلى الله عليه
واله وسلم مُهمّات
حكوميّة وإداريّة في
المدينة في مكانٍ آخر غير
المسجد.
وبعد إتمام بناء المسجد
بُنيت إلى جانبه حُجرتان،
لتكونا مساكن لرسول الله
وزوجاته.
ثانياً: المؤاخاة
العمل المهمّ الآخر الذي
أقدم عليه الرسول صلى
الله عليه واله وسلم في
السنة الأولى للهجرة، هو
المؤاخاة بين المهاجرين
والأنصار، من أجل توكيد
وحدة المسلمين والتغلُّب
على التناقضات الداخليّة
القائمة بين الأوس
والخزرج، والتناقضات
المتوقَّعة بين المهاجرين
والأنصار، وفي سبيل تحطيم
الاعتبار الطبقيّ،
والاقتصاديّّ، وعلاج
مشكلة التفاوت في المستوى
المعيشيّ، والتعبير
العمليّّ عن مبدأ
المواساة والمساواة
الإسلاميّ، فتآخى هو صلى
الله عليه واله وسلم مع
عليّ بن أبي طالب عليه
السلام، وآخى بين
المسلمين وكان يؤاخي بين
كلٍّ ونظيره
8.
وهذه هي المؤاخاة
الثانية، وكانت المؤاخاة
الأولى في مكّة بين
أصحابه من قريش ومواليهم
(العبيد المُعتَقين).
وهذه المؤاخاة في المدينة
أدّت إلى مزيدٍ من
التلاحم بين المهاجرين
والأنصار، وإلى تحقيق
الانتصارات الكبرى في بدر
والخندق وغيرهما برغم
قلّة العدد وبساطة
العتاد.
ثالثاً: وثيقة الصحيفة
بعد أن استقرّ الرسول صلى
الله عليه واله وسلم في
المدينة، رأى من اللازم
تنظيم الوضع
الاجتماعيّ لأهلها؛ وذلك
لأنّ تحقيق أهدافه على
المدى البعيد يتطلّب
استقرار الأوضاع فيها.
ولا بُدَّ من الإشارة إلى
أنّ التركيبة السكانيّة
فيها كانت غير متكافئة
ولا متجانسة. فقد كان
يقطن هذه المدينة يومذاك
جماعات تنتمي كلّ جماعة
منها إلى إحدى قبيلتين
كبيرتين هما الأوس
والخزرج.
وكان يعيش في داخل
المدينة وحولها أقوام من
اليهود، وفي الوضع الجديد
أُضيف إليهم أيضاً
المهاجرون القادمون من
مكّة. وكان هذا الوضع
يُنذر بالمخاطر.
وفي ضوء هذا الواقع ابتكر
الرسول فكرة، فكتب
ميثاقاً وُصف بأنّه "أوّل
دستور" أو "أعظم عقد وسند
تاريخي في الإسلام". وقد
بيّن هذا العقد حقوق
مختلف المكوِّنات السابقة
في يثرب، وضَمِن لهم
حياةً سليمة مع إقرار
النظام والعدالة فيها،
وهو بمثابة دستور عمل
لتنظيم علاقات المسلمين
فيما بينهم، وعلاقاتهم مع
المتهوِّدين، وقد تضمّنت
الوثيقة قواعد في الحقوق
والعلاقات أهمّها:
1 ـ إنّ المسلمين أمّة
واحدة من دون الناس، رغم
اختلاف قبائلهم
وانتماءاتهم.
2 ـ إنّ رسول الله صلى
الله عليه واله وسلم هو
قائد الأمّة، وهو المرجع
في حلّ المشكلات التي قد
تحدُث بين المسلمين وبين
غيرهم.
3 ـ قرّرت الوثيقة أنّ
مركز السلطة في المدينة
هو النبيّّ صلى الله عليه
واله وسلم، فهو صاحب
القرار في السماح أو
المنع من تنقّل الأشخاص
إلى خارج المدينة، فلا
يُسمح لأحد من اليهود ـ
أي المتهوِّدين ـ بالخروج
إلّا بإذن رسول الله صلى
الله عليه واله وسلم.
4 ـ إنّ مسؤوليّة دفع
الظلم تقع على عاتق
الجميع، ولا تختصّ بمن
وقع عليه الظلم.
5 ـ مَنَحَت الوثيقة
المتهوِّدين من الأنصار
حقوقهم العامّة، كحقّ
الأمن
والحريّة والمواطنة، بشرط
أن يلتزموا بقوانين
الدولة، وأن لا يُفسدوا
ولا يتآمروا على المسلمين
والإسلام
9.
وكان لهذه الوثيقة أثرٌ
في حفظ الاستقرار في
المدينة، إذ لم تقع أيّة
نزاعات بين أهل المدينة
حتّى السنة الثانية
للهجرة.
رابعاً: موادعة اليهود
اليهود المقصودون في
وثيقة الصحيفة الآنفة
الذكر هم: المتهوِّدون من
قبائل الأنصار، وليس
اليهود الذين هم من أصل
إسرائيليّ (بنو قينقاع،
والنضير، وقريظة)، فقد
شعر هؤلاء بأنّهم قد
عُزلوا عن أنصارهم من
المتهوِّدين بعد توقيع
الصحيفة، فجاؤوا إلى رسول
الله صلى الله عليه واله
وسلم وطلبوا الهدنة، فكتب
لهم النبيّّ صلى الله
عليه واله وسلم بذلك أن
لا يُعينوا عليه أحداً،
ولا يتعرّضوا لأحد من
أصحابه بلسان ولا يد، ولا
بسلاح، لا في السرّ ولا
في العلانية، فإن فعلوا
فرسول الله صلى الله عليه
واله وسلم في حلّ من سفك
دمائهم، وسبي ذراريهم
ونسائهم وأخذ أموالهم
10.
خامساً: إعداد القوّة
العسكريـَّــة
فقد عمل رسول الله صلى
الله عليه واله وسلم على
تقوية دعائم الدولة من
خلال تدريب القوى
البشريّة ودعمها بالسلاح
والخيل، ونظَّم المدينة
على أساس عسكريّ، وكوّن
من شعبها مجتمع حرب،
فقسّم المسلمين في
المدينة إلى عرافات، وجعل
على كلّ عشرة عريفاً،
وجعل من جميع الذكور
البالغين جنوداً، وكوّن
منهم الجيوش، والسرايا
العسكريّّة. ويُمكن رسم
الملامح العامّة للإدارة
العسكريّّة في عهد
النبيّّ صلى الله عليه
واله وسلم بما يلي:
أوّلاً ـ القرار
العسكري: الذي كان
بيد النبيّّ صلى الله
عليه واله وسلم وحده، ولم
يكن لأحدٍ من
المسلمين سلطة اتخاذ
قرار عسكريّ بشكلٍ منفرد
بعيداً عن النبيّّ صلى
الله عليه واله وسلم.
ثانياً ـ تشكيل الجيش:
حيث كان صلى الله عليه
واله وسلم يُشكِّل الجيش
والوحدات العسكريّّة من
الذكور البالغين، ولم يكن
يقبل في عداد الجيش
غيرهم.
ثالثاً ـ التدريب:
ثبت عن رسول الله صلى
الله عليه واله وسلم أنّه
أمر بالتدريب على
الفروسيّة والرمي، وجعل
التدريب العسكريّّ من
مقدّمات الثقافة العامّة
للمجتمع الإسلاميّ.
|