أهل البيت(ع)> من هم أهل البيت(ع)

مشكلة السياق ؟!
 


بالتعرّف على ما هو المراد من أهل البيت في الآية الشريفة ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا من خلال الامعان فيها وفي ظل الروايات الواردة في كلام النبي  صلى الله عليه وآله وسلم  غير انّهناك مشكلة باسم مشكلة السياق وهي انّ الآية وردت في ثنايا الآيات المربوطة بنساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم على وجه يكون قبلها وبعدها راجعاً إليهنّ ومع ذلك كيف يمكن أن تكون هذه الآية راجعة إلى أهل البيت بالمعنى الذي عرفت؟

وبعبارة أُخرى: إنّ آية التطهير جزء من الآية الثالثة الثلاثين، التي يرجع صدرها وذيلها إلى نساء النبي، فعندئذ كيف يصح القول بأنّـها راجعة إلى غيرهنّ، فإنّ وحدة السياق قاضية على أنّ الكل راجع إلى موضوع واحد، وإرجاعها إلى غير نسائه يستلزم التفكيك بين أجزاء آية واحدة، نعم لو كانت آية التطهير آية مستقلة لكان الاَمر سهلاً إذ كان الاِشكال أضعف، ولكنّها جزء من آية واحدة نزلت في نساء النبي.

والجواب: لا شك أنّ السياق من الاَُمور التي يستدل بها على كشف المراد ويجعل صدر الكلام ووسطه وذيله قرينة على المراد، ووسيلة لتعيين ما أُريد منه، ولكنه حجة إذا لم يقم دليل أقوى على خلافه، فلو قام ترفع اليد عن وحدة السياق وقرينيّته.

وبعبارة أُخرى: إنّ الاعتماد على السياق إنّما يتم لو لم يكن هناك نص على خلافه، وقد عرفت النصوص الدالة على خلافه.

أضف إليه أنّ هناك دلائل قاطعة على أنّ آية التطهير آية مستقلة نزلت كذلك ووقعت في ثنايا الآية المربوطة بأزواج النبي  صلى الله عليه وآله وسلم  لمصلحة كان صاحب الشريعة أعرف بها.1وإليك الدلائل الدالة على استقلالها:

الدليل الاَُوّل

أطبقت الروايات المنتهية إلى الاَصحاب وأُمّهات الموَمنين والتابعين لهم بإحسان على نزولها مستقلة، سواء أقلنا بنزولها في حق العترة الطاهرة أو زوجات النبي أو أصحابه، فالكل ـ مع قطع النظر عن الاختلاف في المنزول فيه ـ اتفقوا على نزولها مستقلة، وقد مضت النصوص عن الطبري و "الدر المنثور" والصحاح ترى أنّ أُمَّ سلمة تقول: نزلت في بيتي ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا .

ويروي أبو سعيد الخدري، عن رسول اللّه  صلى الله عليه وآله وسلم : "نزلت هذه الآية في خمسة: فيَّ وفي علي وفاطمة وحسن وحسين ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ".

وروت عائشة: خرج النبي  صلى الله عليه وآله وسلم  ذات غداة وعليه مرط مرجّل من شعر أسود، فجاء الحسن فأدخله معه، ثم جاء الحسين فأدخله معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها معه، ثم جاء علي فأدخله معه، ثم قال: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرً . إلى غير ذلك من النصوص.

حتى انّ ظاهر كلام عكرمة وعروة بن الزبير نزولها مستقلة بقول السيوطي: كان عكرمة ينادي في السوق ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ نزلت في نساء النبي.

وأخرج ابن سعد عن عروة بن الزبير أنّه قال: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ قال: أزواج النبي، نزلت في بيت عائشة.2

فالموافق والمخالف اتفقا على كونها آية مستقلة إمّا نزلت في بيت أُمّ سلمة أو بيت عائشة، وإمّا في حق العترة أو نسائه.

وعلى ذلك تسهل مخالفة السياق، والقول بنزولها في حق العترة الطاهرة، وانّ الصدر والذيل راجعان إلى نسائه صلى الله عليه وآله وسلم لا ما ورد في ثناياها، فهو راجع إلى غيرهن.

ولا غرو في أن يكون الصدر والذيل راجعين إلى موضوع وما ورد في الاَثناء راجعاً إلى غيره فإنّ ذلك من فنون البلاغة وأساليبها، نرى نظيره في الذكر الحكيم وكلام البلغاء، وعليه ديدن العرب في محاوراتهم، فربما يرد في موضوع قبل أن يفرغ من الموضوع الذي كان يبحث عنه ثم يرجع إليه ثانياً.

يقول الطبرسي: من عادة الفصحاء في كلامهم انّهم يذهبون من خطاب إلى غيره ويعودون إليه، والقرآن من ذلك مملوء، وكذلك كلام العرب وأشعارهم.3

قال الشيخ محمد عبده: إنّ من عادة القرآن أن ينتقل بالاِنسان من شأن إلى شأن ثم يعود إلى مباحث المقصد الواحد المرة بعد المرة.4

وروي عن الاِمام جعفر الصادق  عليه السلام : "إنّ الآية من القرآن يكون أوّلها في شيء وآخرها في شيء".5

ولاَجل أن يقف القارىَ على صحة ما قاله هوَلاء الاَكابر نأتي بشاهد، فنقول: قال سبحانه ناقلاً عن "العزيز" مخاطباً زوجته: ﴿إِنّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ * يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِين .6نرى أنّ العزيز يخاطب أوّلاً امرأته بقوله: ﴿إِنّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ وقبل أن يفرغ من كلامه معها، يخاطب يوسف بقوله: ﴿يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَ ... ثم يرجع إلى الموضوع الاَوّل ويخاطب زوجته بقوله: ﴿وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ ... فقوله ﴿يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَ جملة معترضة وقعت بين الخطابين، والمسوّغ لوقوعها بينهما كون المخاطب الثاني أحد المتخاصمين، وكانت له صلة تامّة بالواقعة التي رفعت إلى العزيز.

والضابطة الكليّة لهذا النوع من الكلام هو وجود التناسب المقتضي للعدول من الاَوّل إلى الثاني، ثم منه إلى الاَوّل، وهي أيضاً موجودة في المقام، فإنّه سبحانه يخاطب نساء النبي  صلى الله عليه وآله وسلم  بالخطابات التالية:

1- ﴿ يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ .
2- ﴿ يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ ... .
3- ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى .

فعند ذلك صح أن ينتقل إلى الكلام عن أهل البيت الذين أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً وذلك لوجهين:

1. تعريفهنّ على جماعة بلغوا في التورع والتقى، الذروة العليا، وفي الطهارة عن الرذائل والمساوىَ، القمة. وبذلك استحقوا أن يكونوا أُسوة في الحياة وقدوة في مجال العمل، فيلزم عليهن أن يقتدين بهم ويستضيئنّ بضوئهم.

2. التنبيه على أنّ حياتهنّ مقرونة بحياة أُمّة طاهرة من الرجس ومطهرة من الدنس، ولهن معهم لحمة القرابة ووصلة الحسب، واللازم عليهن التحفّظ على شوَون هذه القرابة بالابتعاد عن المعاصي والمساوىَ، والتحلّـي بما يرضيه سبحانه ولاَجل ذلك يقول سبحانه: ﴿يا نساء النبي لستن كأحد من النساء ، وما هذا إلاّ لقرابتهن منه صلى الله عليه وآله وسلم وصلتهن بأهل بيته. وهي لا تنفك عن المسوَولية الخاصة، فالانتساب للنبي الاَكرم صلى الله عليه وآله وسلم ولبيته الرفيع، سبب المسوَولية ومنشوَها، وفي ضوء هذين الوجهين صح أن يطرح طهارة أهل البيت في أثناء المحاورة مع نساء النبي والكلام حول شوَونهن.

ولقد قام محقّقو الاِمامية ببيان مناسبة العدول في الآية، نأتي ببعض تحقيقاتهم، قال السيد القاضي التستري: "لا يبعد أن يكون اختلاف آية التطهير مع ما قبلها على طريق الالتفات من الاَزواج إلى النبي  صلى الله عليه وآله وسلم  وأهل بيته "عليهم السلام" على معنى أنّ تأديب الاَزواج وترغيبهن إلى الصلاح والسداد، من توابع إذهاب الرجس والدنس عن أهل البيت  عليهم السلام ، فالحاصل نظم الآية على هذا: انّ اللّه تعالى رغب أزواج النبي  صلى الله عليه وآله وسلم  إلى العفة والصلاح بأنّه إنّما أراد في الاَزل أن يجعلكم معصومين يا أهل البيت واللائق أن يكون المنسوب إلى المعصوم عفيفاً صالحاً كما قال: ﴿والطّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ7. 8

وقال العلاّمة المظفر: وإنّما جعل سبحانه هذه الآية في أثناء ذكر الاَزواج وخطابهن للتنبيه على أنّه سبحانه أمرهن ونهاهن وأدّبهن إكراماً لاَهل البيت وتنزيهاً لهم عن أن تنالهم بسببهن وصمة، وصوناً لهم عن أن يلحقهم من أجلهن عيب، ورفعاً لهم عن أن يتصل بهم أهل المعاصي، ولذا استهل سبحانه الآيات بقوله: ﴿يا نساء النبي لستن كأحد من النساء ضرورة أنّ هذا التميّز انّما هو للاتصال بالنبي وآله، لا لذواتهن فهن في محل، و أهل البيت في محل آخر، فليست الآية الكريمة إلاّ كقول القائل: يا زوجة فلان لست كأزواج سائر الناس فتعفّفي، وتستّـري، وأطيعي اللّه تعالى، إنّما زوجك من بيت أطهار يريد اللّه حفظهم من الاَدناس وصونهم عن النقائص.9

الدليل الثاني

إنّ لسان الآيات الواردة حول نساء النبي لسان الاِنذار والتهديد، ولسان الآية المربوطة بأهل بيته لسان المدح والثناء، فجعل الآيتين آية واحدة وإرجاع الجميع إليهن ممّا لا يقبله الذوق السليم، فأين قوله سبحانه: ﴿يا نساء النبي من يأت منكنَّ بفاحشة مبيّنة يضاعف لها العذاب من قوله: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ؟!

كما انّ لسان القرآن في أزواج النبي، لسان المدح والانذار ويكفيك الاِمعان في آيات سورة التحريم فلاحظ.

الدليل الثالث

إنّ قوله سبحانه: ﴿إنّما يريد اللّه... في المصاحف جزء من الآية الثالثة والثلاثين فلو رفعناه منها لم يتطرق أيّ خلل في نظم الآية ومضمونها وتتحصل من ضم الآية الرابعة والثلاثين إلى ما بقيت، آية تامة واضحة المضمون، مبينة المرمى منسجمة الفاصلة، مع فواصل الآيات المتقدمة عليها، وإليك تفصيل الآية في ضمن مقاطع:

أ- ﴿وقرن في بيوتكن ولا تبرَّجن تبرُّج الجاهلية الاَُولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن اللّه ورسوله .
ب- ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا .10
ج- ﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرً .11

فلو رفعنا قوله: ﴿إنّما يريد اللّه وضممنا ما تقدم عليه بما تأخر، جاءت الآية تامة من دون حدوث خلل في المعنى والنظم، وهذا دليل على أنّ قوله تعالى: ﴿إنّما يريد اللّه آية مستقلة وردت في ضمن الآية لمصلحة ربما نشير إليها.

إنّ الاَحاديث على كثرتها صريحة في نزول الآية وحدها، ولم يرد حتى في رواية واحدة نزولها في ضمن آيات نساء النبي  صلى الله عليه وآله وسلم  ولا ذكره أحد حتى القائل باختصاص الآية بأزواج النبي كما ينسب إلى عكرمة وعروة، فالآية لم تكن حسب النزول جزءاً من آيات نساء النبي ولا متصلة بها، وانّما وضعت إمّا بأمر النبي  صلى الله عليه وآله وسلم  أو عند التأليف بعد الرحلة.

ويوَيده أنّ آية ﴿وقرن في بيوتكن باقية على انسجامها واتصالها لو قدّر ارتفاع آية التطهير من بين جملها.12وليس هذا أمراً بدعاً فله نظير في القرآن الكريم.

فقد تضافرت السنّة، وروى الفريقان أن قولــه سبحانــه: ﴿الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَـرُوا مِنْ دِينِكُـمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتي وَرَضِيتُ لَكُمُ الاِسْلاَمَ دِين13نزلت في غدير خم عندما نصّب النبي  صلى الله عليه وآله وسلم  علياً إماماً للا َُمّة وولياً للموَمنين، مع أنّه في المصاحف جزء الآية الثالثة من "سورة المائدة" التي تبيّـن أحكام اللّحوم، وإليك نفس الآية في مقاطع ثلاثة:

أ- ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ الْسَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالاَزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ.14
ب- ﴿الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَـرُوا مِنْ دِينِكُـمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتي وَرَضِيتُ لَكُمُ الاِسْلاَمَ دِين .
ج- ﴿فَمَنْ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْـرَ مُتَجَانِف لاِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ .15

فإذا رفعنا الجزء الثاني يحصل من ضم الاَوّل إلى الثالث آية تامة من دون طروء خلل في مضمونها ونظمها، وذلك دليل على أنّ الجزء الثاني آية مستقلة وردت في ضمن آية أُخرى بتصويب صاحب الشريعة الغراء أو بتصويب من جامعي القرآن بعد رحلته ص.

أضف إلى ذلك أنّ مضمون الآية ـ أعني: أحكام اللحوم ـ قد ورد في آيات أُخر من دون أن تشتمل على هذه الزيادة، فهذه قرينة على أنّ ما ورد في الاَثناء ليس من صميم الآية في سورة المائدة، وإنّما وضع في أثنائها بأمر من النبي الاَكرم لمصلحة عامة نشير إليها.

ما هو السر في جعلها جزءاً من آية أُخرى

قد اتضح مما ذكرنا أن القرآن الكريم إنّما انتقل إلى موضوع أهل البيت وخطابهم لاَجل إعلام نساء النبي  صلى الله عليه وآله وسلم  بأنّهن في جوار هوَلاء المطهرين فيجب عليهن القيام بأداء حقوق هوَلاء العظماء، الذين ميّزهم اللّه تعالى عن غيرهم من هذه الا َُمّة بالتطهير والعصمة و الاقتداء بهم في القول والسلوك.

ولكن يبقى هنا سوَال آخر، وهو أنّه إذا كانت الآية، آية مستقلة فلماذا جاءت في المصحف جزءاً من آية أُخرى، ولم تكتب بصورة آية تامّة في جنب الآيات الا َُخرى ؟

الجواب: التاريخ يطلعنا بصفحات طويلة على موقف قريش وغيرهم من أهل البيت  عليهم السلام ، فإنّ مرجل الحسد ما زال يغلي والاتجاهات السلبية ضدهم كانت كالشمس في رابعة النهار، فاقتضت الحكمة الاِلهية أن تجعل الآية في ثنايا الآيات المتعلّقة بنساء النبي  صلى الله عليه وآله وسلم  من أجل تخفيف الحساسية ضد أهل البيت، وان كانت الحقيقة لا تخفى على من نظر إليها بعين صحيحة، وأنّ الآية تهدف إلى جماعة أُخرى غير نساء النبي  صلى الله عليه وآله وسلم  كما بيّناه قبل قليل.

وللسيد عبد الحسين شرف الدين هنا كلام ربّما يفصل ما أجملناه فإنّه ـ قدّس اللّه سرّه ـ بعد ما أثبت أنّ قوله سبحانه: ﴿إنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصلاةَ وَيُوَْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ16منزل في حق الاِمام أمير الموَمنين  عليه السلام  طرح سوَالاً، وهو أنّه إذا كان أمير الموَمنين "عليه السلام" هو المراد من الآية فلماذا عبر عن المفرد بلفظ الجمع؟
فقال: إنّ العرب قد تعبّـر عن المفرد بلفظ الجمع لنكتة التعظيم حيث يستوجب، ثم قال: وعندي في ذلك نكتة ألطف وأدق، وهي أنّه إنّما أُتي بعبارة الجمع دون عبارة المفرد بُقياً منه تعالى على كثير من الناس، فإنّ شانئي علي وأعداء بني هاشم وسائر المنافقين وأهل الحسد والتنافس لا يطيقون أن يسمعوها بصيغة المفرد إذ لا يبقى لهم حينئذ مطمع في التمويه ولا ملتمس في التضليل فيكون منهم بسبب يأسهم حينئذ ما تخشى عواقبه على الاِسلام فجاءت الآية بصيغة الجمع مع كونها للمفرد اتقاء من معرتهم، ثم كانت النصوص بعدها تترى بعبارات مختلفة ومقامات متعددة وبث فيهم أمر الولاية تدريجاً حتى أكمل اللّه الدين وأتمَّ النعمة جرياً منه صلى الله عليه وآله وسلم على عادة الحكماء في تبليغ الناس ما يشق عليهم، ولو كانت الآية بالعبارة المختصة بالمفرد لجعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصرّوا واستكبروا استكباراً، وهذه الحكمة مطردة في كل ما جاء في القرآن الحكيم من آيات فضل أمير الموَمنين وأهل بيته الطاهرين كما لا يخفى، وقد أوضحنا هذه الجمل وأقمنا عليها الشواهد القاطعة والبراهين الساطعة في كتابينا "سبيل الموَمنين" و "تنزيل الآيات" والحمد للّه على الهداية والتوفيق والسلام.17


1- نقل السيوطي عن ابن الحصّار: إنّ ترتيب السور ووضع الآيات مواضعها إنّما كان بالوحي كان رسول اللّه  صلى الله عليه وآله وسلم  يقول: ضعوا آية
كذا في موضع كذا. لاحظ الاِتقان: 1-194، الفصل الثامن عشر في جمع القرآن وترتيبه من طبعة مكتبة ومطبعة المشهد الحسيني، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم.
2- لاحظ: 389 ـ 402 من هذا الجزء.
3- مجمع البيان: 4-357.
4- تفسير المنار: 2-451.
5- الكاشف: 6-217.
6- يوسف: 28 ـ 29.
7- النور: 26.
8- إحقاق الحق: 2-570.
9- دلائل الصدق: 2-72.
10- الاَحزاب: 33.
11- الاَحزاب: 34.
12- الميزان: 16-330.
13- سورة المائدة: 3.
14- سورة المائدة: 3.
15- سورة المائدة: 3.
16- المائدة: 55.
17- المراجعات:المراجعة: 42 صلى الله عليه وآله وسلم 166.