معرفة النبي> نبوة النبي محمد(ص)

نبي الإسلام
 

الدليل على رسالة نبي الإسلام‏ المقدمة

المقدمة
لقد بعث عشرات الآلاف من الأنبياء الإلهيين، في مراحل تاريخية مختلفة، وفي نقاط شتى من العالم، وقاموا بمهامهم خير قيام في هداية البشر وتربيتهم، وخلفوا آثارا ومعطيات مشرقة ومؤثرة في الشعوب. وقد قام كل منهم بتربية جماعة على أساس المعتقدات الصحيحة والقيم العليا، وكان لهم تأثيرهم غير المباشر في الآخرين، ووفق بعضهم إلى إقامة مجتمع توحيدي قائم على دعائم التوحيد والقسط والعدل، وتولوا مهمة قيادته.

وقد تميز من بين هؤلاء نوح وإبراهيم عليهما السلام، وموسى وعيسى عليهما السلام بأن أنزل الله عليهم كتبا سماوية مشتملة على الأحكام والقوانين الفردية والإجتماعية، والتعاليم والوظائف الأخلاقية والقانونية، الملائمة لظروفها الزمانية والمكانية، فوضعوها في متناول أيدي البشر، من أجل هدايتهم لما فيه صلاحهم في الدنيا والآخرة.

ولكن هذه الكتب إما أنها اختفت تماما على امتداد الزمان، أو تعرضت لتحريفات لفظية ومعنوية، ونتيجة لذلك كله شوهت الأديان والشرائع السماوية، كما تعرضت توراة موسى عليه السلام إلى تحريفات عديدة، ولم يبق من إنجيل عيسى عليه السلام شي‏ء إلا ما كتبه بعض أتباعه من كتابات جمعت بإسم (الكتاب المقدس).

ولو ألقى اي منصف نظرة على كتاب العهدين (التوراة والإنجيل) المتداول اليوم، فسوف يدرك بأنه ليس هو الكتاب الذي أنزل على موسى وعيسى عليهما السلام. فالتوراة اضافة إلى أنها صورت الله تعالى بصورة بشرية لأنه يجهل الكثير من الأمور والقضايا1، وأنه يندم على ما عمله كثيرا2. وأنه يصارع أحد عباده يعقوب عليه السلام ولا يتمكن من أن يصرعه، وأخيرا يتوسل إليه أن يكف عنه حتى لا يرى الناس إلههم في هذه الحالة المزرية3. كما أنها تنسب الكثير من الأعمال المنحرفة والبشعة لأنبياء الله، فتنسب الزنا بالمحصنة والعياذ بالله. لداوود عليه السلام4. وشرب الخمر والزنا بالمحارم للوط عليه السلام5 إضافة لذلك كله فإن التوراة تذكر بالتفصيل حكاية وفاة موسى عليه السلام، وكيفية وفاته ومكانها6، علما أن التوراة نزلت على موسى نفسه!! ألا تكفي هذه النقطة وحدها لكي ندرك عدم صحة إنتساب هذا الكتاب لموسى عليه السلام؟!.

وأما الإنجيل فهو أسوأ حالا من التوراة، إذ لا يوجد اليوم أي كتاب نزل على عيسى عليه السلام، وحتى المسيحيين أنفسهم لا يدعون بأن الإنجيل الموجود فعلا هو الكتاب الذي أنزله الله على عيسى عليه السلام، بل إن هذا الكتاب المتداول اليوم يشتمل على بعض الكتابات المنسوبة إلى بعض أتباعه عليه السلام، وهو بالاضافة إلى تجويزه شرب الخمر، فإنه يعتبر صنع الخمر من معاجز عيسى عليه السلام7!

وبإيجاز فان ما نزل من وحي على موسى وعيسى عليهما السلام قد تعرض للتحريف، ولا يمكنه أن يقوم بدوره المنشود في هداية البشر. وأما لماذا وكيف تم هذا التحريف فله حكاية طويلة ليس هنا مجال البحث عنها8.

أجل، في القرن السادس بعد ميلاد المسيح عليه السلام، وفي فترة طبق فيها العالم كله ظلام الجهل والظلم، وخمدت مشاعل الهداية الإلهية في كل أنحاء العالم، بعث الله خاتم أنبيائه وأفضلهم في أكثر المناطق تخلفاً وإنحطاطاً وظلمة، ليضي‏ء وإلى الأبد مشعل الوحي الساطع لكل الناس، وليحمل للبشر الكتاب الإلهي الخالد المصون من التحريف والنسخ، وليعلم الناس المعارف الحقيقية والحكمة السماوية، والأحكام والقوانين الإلهية، وليقود البشرية جمعاء بإتجاه السعادة الدنيوية والأخروية ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(الجمعة:2-3).

يصف الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في بعض خطبه الظروف والأوضاع التي كان يعيشها العالم خلال بعثه النبي صلى الله عليه وآله فيقول:

(أرسله على حين فترة من الرسل، وطول هجعة من الامم، وإعتزام من الفتن، وإنتشار من الأمور، وتلظ من الحروب، والدنيا كاسفة النور، ظاهرة الغرور، على حين اصفرار من ورقها، وإياس من ثمرها، وإغورار من مائها، قد درست منائر الهدى، وظهرت أعلام الردى، فهي متجهمة لأهلها، عابسة في وجه طالبها. ثمرها الفتنة، وطعامها الجيفة، وشعارها الخوف، ودثارها السيف)9.

ومنذ ظهور نبي الإسلام، إعتبر البحث حول نبوة النبي صلى الله عليه وآله، ورسالته وأن الدين الإسلامي المقدس على حق، أهم موضوع لكل إنسان باحث عن الحقيقة (بعد التوحيد). ومع إثبات هذا الموضوع، الذي يلازمه إثبات أن القرآن الكريم على حق، وإعتباره الكتاب السماوي الوحيد بين أيدي البشر، والمصون عن التحريف والتغيير، سيهتدي البشر حتى نهاية العالم إلى الطريق الوحيد لإثبات سائر المعتقدات الصحيحة، وسيمسك بالمفتاح لعلاج كل مسائل الرؤية الكونية.

الدليل على رسالة نبي الإسلام‏
يمكن أن نثبت نبوة الأنبياء من خلال ثلاث طرق

الأول:
التعرف على سيرتهم وسلوكهم، والإعتماد على القرائن والمؤشرات المؤدية للاطمئنان.

الثاني:
إخبار الأنبياء السابقين وبشاراتهم.

الثالث:
المعجزة.

ولقد توفرت الطرق الثلاث لدى نبي الإسلام. فمن جانب، عاصر أهل مكة، النبي صلى الله عليه وآله واطلعوا عن كثب على حياته خلال أربعين عاما، فلم يجدوا نقطة ضعف في حياته المضيئة الحافلة بالنور والعطاء، وعرفوه بالصدق والأمانة، حيث لقبوه بـ(الأمين)، وبطبيعة الحال، فلا يحتمل الكذب في مثل هذا الشخص.

ومن جانب آخر وردت بشارات الأنبياء السابقين وإخبارهم ببعثته ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيّ‏َ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْر مُّبِين(الصف:6). وقد كان ينتظر ظهوره جماعة من آهل الكتاب، وكانوا يعرفون بعض العلامات الواضحة والبينة عليه ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيّ‏َ الأُمِّيّ‏َ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلّ‏ُ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(الأعراف:157)10، وكانوا يقولون للمشركين من العرب، بأنه سيبعث بالرسالة أحد أبناء النبي إسماعيل (وهم من القبائل العربية)، يصدق الأنبياء السابقين والأديان التوحيدية ﴿وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَاب مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّق لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ(البقرة:89)، وقد آمن بالنبي صلى الله عليه وآله بعض علماء اليهود والنصارى، اعتمادا على مثل هذه البشائر والأخبار ﴿وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقّ‏ِ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ(المائدة:83)11، وإن أعرض بعضهم عن إعتناق الإسلام خضوعا لدوافع نفسانية وشيطانية.

وقد أشار القرآن الكريم لهذا الطريق: ﴿أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاء بَنِي إِسْرَائِيل(الشعراء:197).

إن معرفة علماء بني إسرائيل بنبي الإسلام صلى الله عليه وآله إستنادا لبشارات الأنبياء السابقين مثلما تعد دليلا واضحا على صحة رسالته فهي مقنعة لأهل الكتاب جميعا، وكذلك تعتبر حجة مقنعة على أن الأنبياء المبشرين أنفسهم كانوا على حق، وكذلك هي حجة للآخرين على ان نبي الإسلام صلى الله عليه وآله على حق، وذلك لأنهم يشاهدون بعينهم ويميزون بعقولهم صدق البشارات والأخبار، والشواهد والعلامات التي أنبأ عنها الأنبياء السابقون عليهم السلام عن النبي صلى الله عليه وآله.

ومما يثير العجب والدهشة ويجدر الإلتفات إليه هو أنه حتى في هذا الإنجيل وفي التوراة المحرفة نفسها، وبالرغم من كل الجهود التي بذلت من أجل إخفاء مثل هذه البشارات والأخبار، توجد بعض النقاط المضيئة التي تتم الحجة على الباحثين عن الحقيقة، كما اهتدى الكثير من علماء اليهود والمسيحيين الذين كانوا طلابا للحق والحقيقة إلى الدين الإسلامي المقدس، بتأثير هذه النقاط المضيئة، والبشائر المتبقية في كتابي التوراة والإنجيل12.

وقد سجلت في كتب التاريخ والحديث الكثير من المعجزات البينة التي صدرت عن النبي صلى الله عليه وآله وقد بلغ نقل الكثير منها حد التواتر13، ولكن العناية الإلهية اقتضت وجود معجزة أخرى تدل على النبي صلى الله عليه وآله ودينه الخالد، بالإضافة لتلك المجعزات التي كانت حجة على الحاضرين والمشاهدين، ويتعرف عليها الآخرون عن طريق نقلهم، وهذه المعجزة الأخرى، هي خالدة بنفسها تتم الحجة على البشر والى الابد وهي القرآن الكريم.

ومن هنا سنتحدث عن إعجاز القرآن الكريم في بحث آخر إنشاء الله.


*دروس في العقيدة الاسلامية ،إعداد ونشر جمعية المعارف الاسلامية الثقافية.ط1،ص146-151


1- التوراة، سفر التكوين، الباب الثالث، الرقم 8-12.
2- التوراة، سفر التكوين، الباب السادس، الرقم 6.
3- التوراة، سفر التكوين، الباب 32، الرقم 24 32.
4- العهد القديم، كتاب صموئيل الثاني، الباب 11.
5- التوراة، سفر التكوين، الباب 19، الرقم 30 38.
6- التوراة، سفر التثنية، الباب 34.
7- انجيل يوحنا الباب الثاني.
8-  إظهار الحق، تأليف رحمة الله الهندي، والهدى إلى دين المصطفى، للعلامة البلاغي، و(رواه سعادت بالفارسية) للعلامة الشعراني.
9- نهج البلاغة، الخطبة 187، وفي طبعة صبحي الصالح (منار) بلا من (منائر) الخطبة 89، ص 121، ج 122.
10- وانظر أيضا: البقرة:146، والانعام:20.
11- وانظر أيضا: الاحقاف:10.
12- يمكن أن نعتبر من هؤلاء الميرزا محمد رضا (من علماء اليهود الكبار في هران) مؤلف كتاب (إقامة الشهود في رد اليهود)، والحاج بابا القزويني اليزدي (من علماء اليهود في يزد) مؤلف كتاب (محضر الشهود في رد اليهود) والبروفسور عبد الأحد داود الاسقف المسيحي السابق، ومؤلف كتاب (محمد في التوراة والانجيل) الذي ترجم اخيرا من الانجيلزية للفارسية.
13- يلاحظ بحار الانوار، ج 17، ص 225 إلى آخر الجزء 18، وسائر كتب الحديث و التاريخ المعتبرة.