زوجات النبي

 

تأملات في حكمة تعدد أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم

الباحث والمتدبر يرى أن الإسلام شرع للمسلمين الازدواج بواحدة. وأنفذ التكثير إلى أربع بشرط القسط بينهن وإصلاح جميع المحاذير المتوجهة إلى التعدد، فهذا على مستوى القاعدة ويعم جميع المسلمين، والتعدد على مستوى القاعدة غير التعدد على مستوى القمة وأقصد بها النبوة، لأن النبي توفرت فيه جميع الشروط التي تجعله يسوق الناس إلى صراط الله الحميد، فهو أول شخص يخلص الدين لله ويسلم بما يدعو الآخرين إليه. وعلى هذه الخلفية لا يمكن بحال أن ينطلق التعدد من داعي الشهوة أو يقود إلى داعي الشهوة كما قال بعضهم.

ويضاف إلى ما ذكرنا أن الرسول مؤيد بالعصمة. مصون من الخطأ والغفلة في تلقي الوحي من الله وحفظه وتبليغه. والله تعالى يصونه من الخطأ في جميع أمور الدين وتشريع القوانين. وعلى هذه الخلفية لا يجوز لمقولة داعي الشهوة أن تطرح على مائدة البحث.
إن الإسلام أنفذ التكثير إلى أربع بشرط القسط بينهن، وفي هذا الباب كان للنبي صلى الله عليه وآله مختصات منعت عنها الأمة. وكان التعدد بالنسبة للنبي صلى الله عليه وآله وسيلة من وسائل تشريع القوانين.

ومن باب التعدد خرجت أحاديث عن أمهات المؤمنين تبين حركة الرسول وسكونه في بيته. ورويت الأحاديث الذي تبين قمة العدل والقسط بين النساء. وتبين حسن معاشرتهن ورعاية جانبهن. ورويت أحاديث الإخبار بالغيب وفيها حذر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أزواجه من الفتن وبين لأمته الأعمال التي تحقق سعادة الدارين. وهذه الأحاديث كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتحدث بها وهو يبكي في فراشه. أو وهو يبكي في وجود جبريل عليه السلام.

إن ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في صحته وسكونه وبكائه وما شرعه للمرأة وللطفل وللأسرة. يستند أول ما يستند على تعدد الرواة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وعلى خلفية تعدد الرواة يمكن للباحث المنصف أن يفهم الحكمة التي وراء تعدد الزوجات في هذا الشأن.

وبالنظر في المسيرة النبوية وفي تراجم الرجال. نجد أن الكفار والمشركين والمنافقين لم يعترضوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتعدد زوجاته على الرغم من أنهم كانوا يتربصون به الدوائر. وعدم إحتجاجهم يعود إلى معرفتهم بأنه صلى الله عليه وآله وسلم له مختصات منعت عنها الأمة. وإن حكم الزيادة على الأربع كصوم الوصال وغيره من الأمور التي تختص بالنبي وعلموها وشاهدوها زمن البعثة.

والباحث في حركة الدعوة يعلم أن مسألة تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم. ترتبط بآيات متفرقة كثيرة في القرآن الكريم.
وللوقوف على الحكمة التي وراء التعدد يجب البحث في كل جهة من الجهات التي أشار إليها القرآن وبينتها السنة المطهرة، وعلى سبيل المثال ذكر القرآن أن الله تعالى هو الذي زوج رسوله صلى الله عليه وآله امرأة زيد. وقد كان زيد هذا يدعى ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على نحو التبني. وكانت زوجة المدعو ابناً في ذلك الحين كزوجة الابن الصلبي لا يتزوج بها الأب. فكان حكم الله تعالى وطلق زيد زوجه. وتزوج بها النبي صلى الله عليه وآله ونزل فيها آيات.

وكما أخبر القرآن بأن الله تعالى هو الذي زوج رسوله. بين القرآن أن الله تعالى حرم على رسوله بعد اللاتي اخترن الله ورسوله. ولا أن يطلق بعضهن ويتزوج مكانها من غيرهن. وبالجملة: أخبر القرآن الكريم إن الله تعالى هو الذي أمر بالزواج. وإنه تعالى زوج % إحداهن من رسوله. وإنه جل شأنه هو الذي حرم على الرسول الزيادة والتبديل. فما لهؤلاء لا يفقهون حديثاً.

ومن الآيات القرآنية التي أمر فيها الله تعالى رسوله بالازدواج. قوله تعالى : )يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا تُرْجِي مَن تَشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَن تَشَاء وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيبًا( 1.

قال صاحب تفسير الميزان: أحل الله تعالى للنبي صلى الله عليه وآله وسلم سبعة أصناف من النساء: الصنف الأول ما في قوله أزواجك اللاتي آتيت أجورهن والمراد بالأجور: المهور الثاني ما في قوله وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك أي: من يملكه من الإماء الراجعة إليه من الغنائم والأنفال.
وذكر ابن كثير في تفسيره: إن الله أباح له التسري مما أخذ من المغانم. وقد ملك صفية وجويرية فأعتقهما وتزوجهما وملك مارية القبطية أم ابنه إبراهيم وكانت من السراري رضي الله عنها 2.

قال صاحب الميزان: والثالث والرابع ما في قوله وبنات عمك وبنات عماتك قيل: يعني نساء قريش والخامس والسادس ما في قوله وبنات خالك وبنات خالاتك قيل: يعني نساء بني زهرة. وقوله اللاتي هاجرن معك قال في المجمع: هذا إنما كان قبل تحليل غير المهاجرات ثم نسخ شرط الهجرة في التحليل. والسابع ما في قوله تعالى وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها وهي المرأة المسلمة التي بذلت نفسها للنبي صلى الله عليه وآله وسلم.

بمعنى: إن ترضى أن يتزوج بها من غير صداق ومهر. فإن الله أحلها له إن أراد أن يستنكحها. وقوله تعالى خالصة لك من دون المؤمنين إيذاناً بأن هذا الحكم. أي حلية المرأة للرجل ببذل النفس، من خصائصه صلى الله عليه وآله وسلم لا يجرى في المؤمنين. وقوله تعالى بعده قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم تقرير لحكم الاختصاص وقوله تعالى لكيلا يكون عليك حرج تعليل لقوله في صدر الآية إنا حللنا لك أو لما في ذيلها من حكم الاختصاص.
وذكر ابن كثير: قال قتادة في قوله خالصة لك من دون المؤمنين ليس لامرأة تهب نفسها لرجل بغير ولي ولا مهر إلا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم 3.
وقال صاحب الميزان: وقوله تعالى ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء بالسياق يدل على أن المراد به أنه صلى الله عليه وآله وسلم على خيرة من قبول من وهبت نفسها له أو رده.

وقال ابن كثير: إن المراد بقوله ترجي أي تؤخر في من تشاء منهن أي من الواهبات وتؤوي إليك من تشاء أي من شئت قبلتها ومن شئت رددتها 4.
وقال صاحب الميزان: وقوله تعالى ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك أي: ومن طلبتها من اللاتي عزلتها ولم تقبلها. فلا إثم عليك ولا لوم. أي: يجوز لك أن تضم إليك من عزلتها ورددتها من النساء اللاتي وهبن أنفسهن لك بعد العزل والرد، ويمكن أن يكون إشارة إلى أن له صلى الله عليه وآله وسلم أن يقسم بين نسائه. وأن يترك القسم فيؤخر من يشاء منهن ويقدم من يشاء. ويعزل بعضهن من القسم. فلا يقسم لها أو يبتغيها فيقسم لها بعد العزل. وهو أفقه لقوله بعده ذلك أدنى أن تقر أعينهن.. الآية وذلك لسرور المتقدمة بما قسمت له. ورجاء المتأخرة أن تتقدم بعد وذكر ابن كثير في معنى الآية ذلك أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن ويرضين بما آتيتهن أي: إذا علمن أن الله قد وضع عنك الحرج في القسم فإن شئت قسمت وإن شنت لم تقسم. لا جناح عليك في أي ذلك فعلت. ثم مع هذا أن تقسم لهن اختيار منك لا أنه على سبيل الوجوب. فرحن بذلك واستبشرن به وحملن جميلتك في ذلك.
واعترفن بمنتك عليهن في قسمك لهن وإنصافك لهن وعدلك فيهن 5.

وقال صاحب الميزان: وقوله تعالى لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك ظاهر الآية لو فرضت مستقلة في نفسها غير متصلة بما قبلها: تحريم النساء له صلى الله عليه وآله وسلم إلا من خير هن فاخترن الله. ونفي التبدل بهن يؤيد ذلك. لكن لو فرضت متصلة بما قبلها وهو قوله تعالى إنا أحللنا لك الآية. كان مدلولها تحريم ما عدا المعدودات. وفي بعض الروايات عن بعض أئمة أهل البيت إن المراد بالآية: محرمات النساء المعدودة في قوله تعالى من سورة النساء آية 23 حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم الآية، وقوله تعالى ولا أن تبدل بهن من أزواج أي: أن تطلق بعضهن وتزوج مكانها من غيرهن، وقوله إلا ما ملكت يمينك يعني: الإماء.
وهو استثناء من قوله في صدد الآية لا يحل لك النساء 6.

وذكر ابن كثير في تفسيره: لا يحل لك النساء من بعدا أي من بعد ما ذكرنا لك من صفة النساء اللاتي أحللنا لك من نسائك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك. وبنات العم وبنات العمات وبنات الخال وبنات الخالات والواهبة. وما سوى ذلك من أصناف النساء فلا يحل لك.
وهذا مروي عن أبي بن كعب ومجاهد. وروي عن رجل من الأنصار قال.
قلت لأبي بن كعب: أرأيت لو أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم توفين، أما كان له أن يتزوج؟ فقال: وما يمنعه من ذلك؟ قال: قلت: قول الله تعالى لا يحل لك النساء من بعد فقال: إنما أحل له ضرباً من النساء.

فقال تعالى يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك إلى قوله تعالى إن وهبت نفسها للنبي ثم قيل له لا يحل لك النساء من بعد.
وروى ابن كثير عن أبي النضر عن أم سلمة أنها قالت: لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل الله له أن يتزوج من النساء ما شاء 7 إلا ذات محرم وذكر ابن كثير لدى قوله تعالى ولا أن تبدل بهن من أزواج قال: نهاه عن الزيادة عليهن إن طلق واحدة منهن واستبدال غيرها بها، إلا ما ملكت يمينه 9.
مما سبق يعلم الباحث المتدبر. أن الأمر لله. أحل سبحانه لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم أن ينكح ما شاء من أصناف النساء الوارد ذكرهن في الآية. وأحل له أن ينكح بغير مهر وهي الهبة ولا تحل الهبة إلا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. أما غير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلا يصلح نكاح إلا بمهر، وكان تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم تعدد ترى حكمته عند النظر في حركة الدعوة. ويتأمل حركة المجتمع وحياة القبائل في عهد البعثة. نجد إن المخاطر قد أحاطت بالدعوة من كل اتجاه. وكان على الداعي صلى الله عليه وآله وسلم أن يأخذ بالأسباب لدفع لهذه العقبات.

ولقد اختلفوا في عدد زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم. قال البعض: تزوج بخمس وعشرين امرأة وخطب خمس وعشرين. وقال البعض: تزوج خمس وعشرين امرأة. وكان في ملك يمينه إحدى وعشرين امرأة. وقال البعض: تزوج بخمس عشرة امرأة وقال البعض الآخر: تزوج بثلاث عشرة امرأة غير ما كان في ملك يمينه.

وهذا الاختلاف يعود أصله لعدم التدبر في السيرة وفي الأحاديث وفي حركة الدعوة عموماً. وعلى أكتاف اللاعلم واللاتدبر واللابصيرة صعد أعداء الدين واعترضوا على الإسلام بهذا وبغيره بعد أن أضافوا إلى ما تلقفوه إضافات جعلته أكثر تشوهاً.

ومما لا يخفى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر برواية الحديث. لأنه يوضح متشابه القرآن ويبين مجمله ويخصص عامه ويفيد مطلقه. ويخبر بما يستقبل الناس من أحداث لكي يأخذوا بأسباب الحياة الكريمة. ومما لا يخفى أيضاً أن رواية الحديث بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم تسر المسار الطبيعي. ففي مرحلة ثم التضييق على الرواية وفي مرحلة منع الناس من تدوين العلم وردعوا عن جمع السنن والآثار وربما حظر عليهم الحديث عن رسول الله مطلقاً. وحبس أعلام الصحابة في المدينة لكيلا يذيعوا الأحاديث في الآفاق 10. ولا يخفى ما قد ترتب على هذا من المفاسد التي تتلافى أبداً. من ذلك شيوع القصص.
والقصص هو إخبار الناس بقصص الماضين. وعمل ذلك مذموم شرعاً لأنه يصرف الناس عن الاشتغال بالعلوم الدينية والنافعة. ولم يعهد ذلك في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم. ومع انتشار القصص وضع القصاصون الحديث في قصصهم. وكانوا إذا دخلوا بمساجد الجماعات ومحافل القبائل من العوام والرعاع. أكثر جسارة على وضع الحديث، ومما وضعوه أحاديث تنافي عصمة الأنبياء فجعلتهم يخطؤون. وذلك أنهم عتموا على جوانب الوحي والدعوة. وأظهروا جوانب الشهوات من حب النساء والأموال والرآسة إلى غير ذلك 11.

ومما نسبوا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يسب ويلعن ويجلد. ونسبوا إليه أنه كان يسهو في الصلاة وأنه كان ينسى آيات القرآن الكريم، وأنه خطب إحدى زوجاته وهي في سن السادسة وبنى بها وهي في سن التاسعة. وجميع ذلك تحت عنوان إنه بشر يغضب وينسى ويبحث عن الجمال والمتعة. قاتلهم الله وتحت عنوان الشجاعة أظهروا حركة السيف وعتموا على الكلمة 12.

وأرادوا من وراء تجريد النبي من العصمة. أن يبرروا أخطاء الأمراء الذين ضيعوا الصلاة وأتبعوا الشهوات وبالجملة: كان القصص مدخلاً للكذابين. وكان النواة الأولى لاختلال منهج البحث ومنهج التفكير ومنهج الاستدلال. وتحت هذا السقف لا تظهر القراءة النقدية المتفحصة التقييمية إلا بعد عناء شديد.

ومما لا شك فيه أن رواية الحديث الشريف نهضت في عهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، إلا أن أهل الشام بقيادة معاوية بن أبي سفيان تصدوا لهذه النهضة وعارضوها بما بين أيديهم من حديث نخر فيه القصص إلى أقص مدى، وعلى امتداد المسيرة بعد ذلك كان كل فريقاً يمسك بحبله، وعلى امتداد حبل بني أمية ظهرت العقائد الفاسدة من جبرية وقدرية ومرجئة. ورفعت أعلام الملك وكانت حركة الملوك عند الخطأ تبرر ويلتمس لها الأعذار من مخزون عتيق يعود فضل ولادته إلى القصاصين 13، وعلى امتداد حبل الإمام علي بن أبي طالب. كان الحديث الشريف وعلومه. والقرآن الكريم وعلومه. حجة على المسيرة لكيلا يكون للناس على الله حجة، ولا يغني هذا أن الكذابين لم تمتد أيديهم إلى هذا الوعاء، فربما امتدت أيديهم ولكن بعيداً عن العبادات وعلوم المتشابه والمحكم من الآيات.

وعلى امتداد المسيرة نشط العلماء وجمعوا السنن والآثار النبوية ودونوهما، ثم جاء من بعدهم علماء سهروا من أجل تنقية الأحاديث مما علق بها، ورغم عمليات التنقية إلا أن وعاء الحديث لم يسلم من وجود الأحاديث الإسرائيلية والأحاديث التي أشرف على طهيها القصاصون، وتوالى العلماء من أجل إنجاز هذه المهمة. ولكن المهمة لم تصل إلى غايتها. وذلك لأن الدولة كانت قد خلقت رموزاً ممنوع الاقتراب منها، والفرق والأحزاب والمجتمع خلقوا أصنافاً لا يمسها أحد بسوء أو نقد.

فمن اقترب من كتاب ما أو من جامعه، يكون قد أساء إلى الدولة. ومن الدولة انتقلت الإساءة إلى المواطنين. ولما كان المجتمع قد تشرب حالة العداء لكل من يقترب من رمز من الرموز، فإن مجهود العلماء في هذا الباب لم يحقق الكثير وما حققوه يستحقوا عليه الثناء.

وشاء الله تعالى أن يقيم حجته ولو كره الوضاعون الذين أدخلوا في حركة الدعوة ما ليس منها. وتاجروا بقصص لا تفيد الدعوة ولم يقم على أحداثها تشريع، وحجة الله تعالى هو القرآن الكريم. وعلى ضوء القرآن يتبين الباحث المنصف أن حركة الدعوة الإسلامية في عهد النبوة. كانت حركة قرآنية شكلاً وموضوعاً. ولقد وصف الله تعالى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بأوصاف حميدة. وصفه بأنه رؤوف رحيم وأنه على خلق عظيم إلى غير ذلك. وبين القرآن أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مؤيد بالعصمة ومصون من الخطأ والغفلة في تلقي الوحي من الله وحفظه وتبليغه. وألزم القرآن الناس بأن يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم لهم أسوة حسنة.
وفي عهد البعثة كانت أجهزة الصد عن سبيل الله تعلم أن عصمة الرسول من حجج القرآن. وقد رسموا كثيراً من الخطط لإبطال هذه الحجة وغيرها فخاب سعيهم ورد الله كيدهم إلى نحورهم. وعلى امتداد المسيرة كان المسلمون يعرضون أي رأي وأي حديث وأي عقيدة على القرآن الكريم. فإذا لم يروا ضوءاً قرآنياً على هذه الدوائر. لم تلتفتوا إليها، وذلك لاعتقادهم الراسخ بأن كل رأي ديني لا بد أن ينتهي إلى القرآن.

ذلك الكتاب الذي لا يقبل النسخ والإبطال والتهذيب والتغيير. ولا يجد الباطل طريقه إليه. وبالجملة: إن حركة الدعوة وسيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا تقرأ إلا تحت هذا العنوان عصمة الرسول لأنها مركز للضوء القرآني.

ثم نعود إلى حيث بدأنا. وهو عدد أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وهو العدد الذي بالغ فيه البعض روى صاحب الميزان: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تزوج بخمس عشرة امرأة، ودخل بثلاث عشرة امرأة منهن، وقبض عن تسع، فأما اللتان لم يدخل بهما: فعمرة وسبا، وأما الثلاث عشرة اللاتي دخل بهن. فأولهن: خديجة بنت خويلد. ثم سودة بنت زمعة. ثم أم سلمة واسمها هند بنت أبي أمية. ثم أم عبد الله عائشة بنت أبي بكر. ثم حفصة بنت عمر. ثم زينب بنت خزيمة بن الحارث أم المساكين. ثم زينب بنت جحش. ثم أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان. ثم ميمونة بنت الحارث. ثم زينب بنت عميس. ثم جويرية بنت الحارث. ثم صفية بنت حمى بن أخطب. والتي وهبت نفسها للنبي خولة بنت حكيم السلمي، وكان له سريتان يقسم لهما مع أزواجه: مارية القبطية. وريحانة الخندقية. والتسع اللاتي قبض عنهن: عائشة. وحفصة.

وأم سلمة. وزينب بنت جحش. وميمونة بنت الحارث. وأم حبيب بنت أبي سفيان. وجويرية. وسودة. وصفية، وأفضلهن: خديجة بنت خويلد.
ثم أم سلمة ثم ميمونة 14.

وقال أبو عمر في الإستيعاب: اللواتي لم يختلف أهل العلم فيهن.
هن إحدى عشر امرأة تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ست من قريش، وواحدة من بني إسرائيل من ولد هارون عليه السلام، وأربع من سائر العرب.وتوفي في حياته صلى الله عليه وسلم من أزواجه اثنتان:خديجة بنت خويلد. وزينب بنت خزيمة، وتخلف منهن تسع بعده، وأما اللواتي اختلف فيهن ممن ابتنى بها أو فارقها أو عقد عليها ولم يدخل بها أو خطبها ولم يتم له العقد معها، فقد اختلف فيهن. وفي أسباب فراقهن اختلافاً كثيراً يوجب التوقف عن القطع بالصحة في واحدة منهن 15.
وعن ابن هشام في السيرة: لم يختلف أهل العلم على أنه صلى الله عليه وسلم. تزوج ست من قريش هن: خديجة بنت خويلد، وسودة بنت زمعة. وأم سلمة بنت أبي أمية. وعائشة بنت أبي بكر. وحفصة بنت عمر.

وأم حبيبة بنت أبي سفيان، وإنه تزوج من العربيات وغيرهن أربع هن:زينب بنت جحش وميمونة بنت الحارث. وزينب بنت خزيمة. وجويرية بنت الحارث، وتزوج من بني إسرائيل واحدة هي: صفية بنت حيي من ولد هارون عليه السلام. وكان له سريتان يقسم لها مع أزواجه هما: مارية القبطية. وريحانة.

وبقراءة السيرة وبالنظر في الدعوة في زمن البعثة. يقف الباحث على أن زواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يحكمه البلاغ والإنذار والدعوة إلى الله عز وجل. فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم تزوج ببعض هؤلاء الأزواج اكتساباً للقوة وازدياداً للعضد والعشيرة، وببعض هؤلاء استمالة للقلوب وتوقياً من بعض الشرور، وببعض هؤلاء ليقوم على أمرها بالإنفاق وإدارة المعاش وليكون سنة جارية بين المؤمنين في حفظ الأرامل والعجائز من المسكنة والضيعة، وببعضها لتثبيت حكم مشروع وإجراء عملاً لكسر السنن المنحطة والبدع الباطلة الجارية بين الناس. كما في تزوجه بزينب بنت جحش. وقد كانت زوجة لزيد بن حارثة ثم طلقها زيد وقد كان يدعي زيد بن محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على نحو التبني. وكانت زوجة المدعو ابنا عندهم كزوجة الابن الصلبي لا يتزوج بها الأب. فأبطل الإسلام ذلك.
وبالنظر في ازدواج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالنساء.

نجد إنه تزوج أول ما تزوج بخديجة رضي الله عنها. وعاش معها مقتصراً عليها نيفاً وعشرين سنة، وبعد وفاتها تزوج بسودة بنت زمعة وقد توفي عنها زوجها بعد الرجوع من هجرة الحبشة. وكانت سودة مؤمنة مهاجرة.

ولو رجعت إلى أهلها وهم يومئذ كفار لفتنوها كما فتنوا غيرها من المؤمنين والمؤمنات بالزجر والقتل والإكراه على الكفر.
وتزوج بزينب بنت خزيمة بعد قتل زوجها عبيدة بن الحارث يوم بدر شهيداً. وكانت من السيدات الفاضلات في الجاهلية تدعى أم المساكين لكثرة برها للفقراء والمساكين. فصان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بازدواجها ماء وجهها.

وتزوج بأم سلمة. واسمها هند. وكانت من قبل زوجة عبد الله بن عبد الأسد أبي سلمة. أول من هاجر إلى الحبشة. توفي من أثر جرح أصابه يوم أحد. وكانت أم سلمة زاهدة فاضلة ذات دين ورأي. فلما توفي عنها زوجها وكانت ذات أيتام تزوج بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وتزوج بجويرية. واسمها برة بنت الحارث سيد بني المصطلق بعد وقعة بني المصطلق. وقد كان المسلمون أسروا منهم مثني بيت بالنساء والذراري. فتزوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم بها.

فقال المسلمون:هؤلاء أصهار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا ينبغي أسرهم وأعتقوهم. جميعاً. فأسلم بنو المصطلق بذلك ولحقوا عن آخرهم بالمسلمين وكانوا جما غفيراً. وأثر ذلك أثراً حسناً في سائر العرب. وكان هذا العمل من الأسباب الرئيسية لتصدع جبهة المشركين. وذلك أن أبا سفيان بن حرب كان يرتكز في حربه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم على هذا البطن من خزاعة بني المصطلق. فلما أسلموا تصدعت جبهة أبو سفيان. وفتح الطريق أمام الدعوة بعد ذلك وأرسلت الرسائل إلى القادة والملوك.

وتزوج بصفية بنت حيي بن أخطب من نسل هارون عليه السلام.
وكانت في سبي خيبر. فاصطفاها وأعتقها وتزوج بها. وأقيمت بهذا الازدواج حجة دامغة على اليهود كما سيأتي.
وتزوج أم حبيبة. واسمها رملة بنت أبي سفيان. وكانت زوجة عبيد الله بن جحش. وهاجر معها إلى الحبشة الهجرة الثانية فتنصر عبيد الله هناك. وثبتت هي على الإسلام. وكان أبوها أبو سفيان في مكة يجمع الجموع على الإسلام يومئذ. فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأحصنها.
وتزوج بحفصة بنت عمر. وقد مات زوجها بعد الهجرة مقدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم من بدر. وتزوج عائشة بنت أبي بكر وهي بكر.
لقد قالوا: إن تعدد الزوجات لا يخلو من الانقياد لداعي الشهوة.

فأين هذا الانقياد وهذا الداعي؟ لقد تزوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم أول ما تزوج بخديجة وعاش معها مقتصراً عليها نيفاً وعشرين سنة وهذه المدة هي ثلثا عمره الشريف بعد الازدواج، ومن هذه المدة ثلاث عشرة سنة بعد نبوته قبل الهجرة من مكة، ثم هاجر إلى المدينة وشرع في نشر الدعوة وإعلاء كلمة الدين. وتزوج بعدها من النساء منهن البكر ومنهن الثيب ومنهن الشابة ومنهن العجوز والمكتهلة، وكان ذلك ما يقرب من عشرة سنين، ثم حرم عليه النساء بعد ذلك إلا من هي في حبالة نكاحه، ومن المعلوم أن هذه الفعال على هذه الخصوصيات، لا يقبل التوجيه بمجرد حب النساء والولوع بهن. والوله بالقرب منهن. فأول هذه السيرة وآخرها يناقضان ذلك 16.
ووفقاً لما نشاهده من العادة الجارية بين الناس. إن الرجل المتولع بالنساء المغرم بحبهن والخلاء بهن والصبوة إليهن. هذا الرجل تراه مجذوب إلى الزينة عشيق للجمال. حنين إلى الشباب ونضارة السن وطراوة الخلقة. فإذا نظرنا إلى هذه الخواص التي تتوفر في الرجل المتولع بالنساء. نجد أنها لا تنطبق على سيرة النبي الأعظم صاحب الخلق العظيم صلى الله عليه وآله وسلم، فإنه بني بالثيب بعد البكر. وبالعجوز بعد الفتاة الشابة. فقد بنى بسودة بنت زمعة وهي مسنة. وبنى بزينب بنت جحش وسنها يومئذ يقرب على الخمسين بعدما تزوج بمثل عائشة وأم حبيبة.
وهكذا.

فإذا أضفنا إلى هذه الحركة في الازدواج أنه صلى الله عليه وآله وسلم خير نساءه بين التمتيع والسراح الجميل وهو الطلاق إن كن يردن الدنيا وزينتها، وبين الزهد في الدنيا وترك التزين والتجمل إن كن يردن الله ورسوله والدار الآخرة. على ما يشهد به قوله تعالى يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحاً جميلاً. وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجراً عظيماً
فهذا المعنى أيضاً أمام الباحث المتدبر لا ينطبق على حال رجل مغرم بجمال النساء صاب إلى وصالهن، فلا يبقى حينئذ للباحث المتعمق إذا أنصف إلا أن يوجه كثرة ازدواجه صلى الله عليه وآله وسلم، فيما بين أول أمره وآخر أمره، بعوامل أخرى غير عامل الانقياد لداعي الشهوة حيث الشره والشبق والتلهي.


1-الأحزاب: 50 - 52.
2-تفسير ابن كثير 399 / 3.
3-المصدر السابق 500 / 3.
4-المصدر السابق 501 / 3.
5-المصدر السابق 501 / 3.
6-تفسير الميزان / العلامة الطباطبائي 335 / 16.
7-أي ما شاء من اللاتي أحل الله له.
8-تفسير ابن كثير 503 / 3.
9-المصدر السابق 503 / 3.
10-أنظر كتابنا / معالم الفتن، كتابنا / إبتلاءات الأمم.
11-المصدر السابق.
12-المصدر السابق.
13-المصدر السابق.
14-تفسير الميزان 316 / 16.
15-الإستيعاب 34 / 1.
16-تفسير الميزان 195 / 4.