سيرة سيد المرسلين> حوادث السنة الثامنة للهجرة

فَتحُ مَكَّة

قريشُ توجس خيفة من ردّ النبيّ تفاصيلُ فتح مكَّة
النبي يتحرك باتجاه مكة جاسوس يُكتشَف
تكتيك رائع لجيش الاسلام العفو عند المقدرة
مكة تستسلم من دون إراقة دماء العباس يصطحب أبا سفيان إلى خيمة النبي
القواتُ الاسلامية تدخل مكة أبو سفيان يرجع إلى مكة
عليّ عليه السَّلام على كَتِف النبي كسرُ الاصنام وغسل الكعبة
بلالُ يرفع الأذان على سطح الكعبة النبيُ يعلنُ عن العفو العام
خطابُ النبي التاريخي في المسجد الحرام النبيُّ يتحدث إلى أقاربه
قصّة عكرمة وصفوان معاقبة المجرمين
جرائم اُخرى لخالد هدمُ بيوت الاصنام بمكة وما حولها


قصة "فتح مكّة" من قضايا التاريخ الاسلامي الجديرة بالمطالعة والتأمل، لما تنطوي عليه هذه الحادثة من دروس وعبر، ولكونها تعكس - بصدق وجلاء - أهداف رسول الاسلام صلّى اللّه عليه وآله المقدّسة، كما تكشفُ عن أخلاقه العالية، وسيرته الحسنة، واُسلوبه الانساني مع الصديق، والعدوّ.

ففي هذا الفصل من التاريخ يتجلّى ما كان يتحلى به خاتم الانبياء صلّى اللّه عليه وآله من صدق ووفاء، كما يتبيّن صدقُ أصحابه، ووفاؤُهم، واحترامُهم لكلّ ما تعهدوا، والتزموا به للخصم في معاهدة "صلح الحديبية"، بينما يتضح من جانب آخر نفاق المشركين من قريش، وخيانتهم في تنفيذ بنود اتفاقية الصلح، وبالتالي نقضُهم للعهد وبالتالي عدم احترامهم لأيّ شيء من الالتزامات!!

إن دراسة هذا الفصل تثبتُ لنا حنكة النبي، وحُسن تدبيره، وسياسته الحكيمة في فتح أصعب وآخر قلعة من قلاع العدوّ الكافر، المتصلب في شركه، وكفره، والمتمادي في عناده وتعسّفه، وكأنّ هذا الرجل الالهي قد أمضى شطراً من حياته في إحدى المعاهد العسكرية العليا، فهو يخطط افضل من أي قائد محنَّك قدير، للفتح، ويكون تخطيطه من الدقة والمتانة، والعمق والحكمة، بحيث يصيب المسلمون فتحاً عظيماً بأقل قدر من المتاعب والمشاكل.

وبالتالي يتجلى في هذا القسم من التاريخ الاسلامي الوجهُ الانسانيّ الرحيم الذي كان يتسمُ به رسولُ اللّه صلّى اللّه عليه وآله الذي كان يحرصُ على دماء أعداء الرسالة الالداء، وأموالهم، ويسعى إلى حفظها وصيانتها، كما لو كانوا أصدقاءً لا أعداءً.

فهو يعفو بمروءة كبيرة، وبُعد مدى واسع، ورؤية مستقبليّة عميقة عن قريش، ويغفر لهم جرائمهم وأذاهم ويُصدرُ عفواً عامّاً لم يعرف له تاريخ الفاتحين نظيراً في أسبابه، وعلله، وفي ظروفه وملابساته. وإليك تفاصيل هذه الحادثة الكبرى من بدايتها إلى نهايتها.

تفاصيلُ فتح مكَّة:
لقد قرأنا في ما مضى أنَّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله عقدَ في السنة السادسة معاهدة صُلح مع قريش، نصّت المادةُ الثالثة منها على: أنَّ لِكل من قريش والمسلمين أن يتحالفوا مع من شاؤوا من القبائل، فتحالفت "خُزاعة" مع المسلمين، وتعهّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله لخزاعة في هذا التحالف بان يدافع عن أرضهم وأموالهم وأنفسهم كلما تعرّضوا لخطر، وطلبوا ذلك. وتحالفت قبيلة "بني كنانة" - وكانوا من أعداء خزاعة التقليديين - مع قريش.

ولقد تم كلُ هذا في ضوء عقد معاهدة صلح مدتُها عشرُ سنوات تعهّد فيها الطرفان بالحفاظ على الأمن الاجتماعي، والسلام الشامل في كافة أرجاء الجزيرة العربية.

ولقد تعهّد الطرفان - في هذه المعاهدة - بأن لا يقوم أيُ واحد منهما بعمليات عسكرية وتحركات عدائية، لا ضدّ الآخر، و لا ضدّ حليف الطرف الآخر، كما لا يحرّك حليفه ضد حليف الطرف الآخر.

ولقد انقَضت سنتان من تاريخ التوقيع على هذه المعاهدة، وعاش الجانبان في هذه الفترة في سلام ورفاه، وأمن وإستقرار إلى درجة أنَّ المسلمين استطاعوا - بعد مضيّ سنة واحدة من التوقيع على تلك المعاهدة، أن يزوروا - بكامل حريتهم - بيت اللّه الحرام، في مكة المكرمة، ويؤدوا مناسك العمرة أمام عُيون الآلاف من أعدائهم الوثنيين وهي العمرة التي سميَت بعدئذ بعمرة القضاء كما عرفت.

ولقد بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله في شهر جمادى الاُولى من السنة الثامنة للهجرة كتيبة قوامها ثلاثة آلاف مقاتل بقيادة ثلاثة فرسان من أركان جيشه، إلى تخوم الشام وحدودها، لمعاقبة وتأديب المتمردين والجناة من ولاة الروم وعُمّالهم فيها، وبالضبط اولئك الذين قتلوا دعاة الاسلام - الذين ابتعثهم صلّى اللّه عليه وآله للدعوة والتبليغ - من دون ذنب أو جرم.

والجيشُ الاسلامي وإن استطاع أن ينجو بنفسه من هذه المعركة، ويخرج منها بسلام، من دون أن تكلفه تلك المواجهةُ خسائر كبرى في الأرواح سوى ثلاثة هم قادة الجيش - على ما مر في قصة غزوة مؤتة - إلا أنه ما عاد بانتصار باهر كان يأمله جنودُ الاسلام المجاهدون، بل كانت العملية في هذه المعركة اشبه ما تكون بعميلة الكرّ والفرّ.

وقد أوجب انتشار هذا النبأ جرأة سادة قريش وسراتها، فقد تصوروا أن المسلمين تضاءلت فيهم (أو انعدمت) روحُ الفروسية والاقدام، وروح الشجاعة والبسالة.

من هنا قرّرت قريش أن تخلّ بالأمن والهدوء اللَّذين استتبّا بعد إتفاقية الحديبية، فبادرت - أوّلاً - إلى توزيع الاسلحة على قبيلة "بني بكر" من كنانة، وإلى تحريضهم على أن يبيّتوا "خزاعة" المتحالفين مع المسلمين، فيغيروا عليهم ليلاً، ويقتلوا فريقاً، ويأسروا آخرين!!

بل لم تكتف قريش بهذا، إنما اشترك جماعة من رجالها في هذا العمل الغادر بصورة مباشرة، وبذلك نقضوا عهدهم الذي أعطوه في الحديبية، وأخلّوا عملياً بالأمن والسلام، وأحلُّوا الفوضى والقتال، مكان الاستقرار والهدوء اللذين سادا الجزيرة خلال عامين في أعقاب عقد معاهدة الحديبية!

أجل، لقد حملت "بنو بكر" ومن ساعدهم من رجال قريش بتحريك من زعامة مكة على "خزاعة" ليلاً، وكان بعضهم نياماً، والبعض الآخر يتهجد ويعبد اللّه ليلاً فقتلوا من خزاعة جماعة، وأسروا آخرين، وغادر - منهم - فريق منازلهم تحت جنح الظلام، ولجأوا إلى مكة التي كانت للعرب بومئذ منطقة أمن لا يجيزون الاعتداء فيها على لاجئ اليها، ودخل الذين لجأوا إلى الحرم دار "بُديل بن ورقاء"1 وشكوا اليه ما حلَّ بهم على ايدي رجال قريش، وحلفائهم من بني كنانة ليلاً، من قتل وأسر وتشريد!!

كما وَعَدَ المظلومون من خزاعة إبلاغ مظلمتهم إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله فارسلوا رئيسهم: "عمرو بن سالم" فقدم المدينة على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله فوقف عليه وهوَ صلّى اللّه عليه وآله جالس في المسجد بين ظهرانيي الناس، وأخبره بما لحق بحلفائه من خزاعة علي أيدى بني بكر من كنانة بتحريك وتحريض من قريش، وأنشد أبياتاً يستغيث فيها برسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله اذ قال:
ياربّ إني ناشد محمَّد                      حِلف أبينا وأبيه الاتلدا
فانُصر هَداكَ اللّه نصراً أعتد         وادعُ عبادَ اللّه يأتوا مَددا
فيهم رسولُ اللّه قد تجرد             إن سيم خَسفاً وجهُهُ تربّدا
في فيلق كالبحر يجري مزبد         إنّ قريشاً اخلفوك الموعدا
وَنَقَضُوا ميثاقَك المؤكَّد             وجعلوا لي في كداء رصدا
هم بيتونا بالوتير هُجّد                  وقتلونا ركّعاً وسُجدا


وقد كان "ابن سالم" يعيد البيت الأخير ويكرّرُه إثارة لمشاعر المسلمين، ويكّرر عبارة: قتلنا وقد أسلمنا. فانزعج رسولُ اللّه صلّى اللّه عليه وآله من قريش لغدرها ونقضها للعهد، ووعد " خزاعة" بالنصرة، وقال: "نُصِرتَ يا عمرو بن سالم".

وقد أفاض هذا الوعد القاطع والقويُ حالة من الطمأنينة على قلب مبعوث خزاعة: "عمرو بن سالم" اذ قد تيقّن أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله سينتقم لخزاعة ممن غَدَروا بها وبيتوها، وفتكوا بأبنائها، وبخاصة من قريش التي حرّضت بني بكر على خزاعة، واشعلت شرارة هذه الفتنة، وبالتالي كانت السبب الحقيقي وراء هذه الجريمة النكراء، ولكن ابن سالم ما كان يظن أن هذه المسألة ستنتهي بفتح مكة، وتقويض دعائم الحكومة الوثنية الجاهلية، والقضاء عليها إلى الأبد!!

ولم يلبث أن قدم المدينة على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله "بُديل بن ورقاء" في جماعة من "خزاعة"، وأخبروه بما فعلته قريش وبنو بكر من قتل فتيان خزاعة، ثم عادوا قافلين إلى مكة.

قريشُ توجس خيفة من ردّ النبيّ:
ندمت قريش بشدّة على ما صنعت من تأليب بني بكر على خزاعة ومساعدتهم العملية في العدوان على الأخيرة، وأدركت للتوّ، بأنَّ هذا الذي صنعته هو نقض للمُدّة والعهد الذي بينهم وبين رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، وأنَّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله لن يدعَ هذه الجريمة النكراء تمرّ دون ردّ قاطع وحاسم، ولهذا بادرت إلى إيفاد زعيمها "أبي سفيان بن حرب بن اُمية" إلى المدينة المنورة لتطييب خاطر النبي صلّى اللّه عليه وآله، وتسكين غضبه وتاكيد إحترام قريش لمعاهدة الصلح.

فتوجّه أبو سفيان إلي المدينة، والتقى في "عسفان" بديل بن ورقاء الخزاعيّ وهو عائد من المدينة، فسأله: هل كان في المدينة؟ وهل أخبر محمَّداً بما أصاب خزاعة؟

فقال بُدَيل: لا، ولكني سرتُ في بلاد كعب وخزاعة في قتيل كان بينهم، فأصلحتُ بينهم.

قال هذا، وواصل سيره باتجاه مكة.

ولكن أبا سفيان عمد - لمعرفة ما إذا كان بُدَيل عائداً من المدينة أو لا - إلى أبعاد لإبل "بُديل" وجماعته، ففتّها فوجد فيها نوى من تمر المدينة فأيقن بأن القوم كانوا في المدينة وأنهم جاؤوا محمَّداً، وأخبروه بما جرى.

قدم أبو سفيان المدينة فدخل على ابنته "ام حبيبة" زوجة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، فلما أراد أن يجلس على فراش رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله طوته اُم حبيبة عنه، فقال: يا بنيّة ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش، أم رغبت به عنّي؟!

قالت: بل هو فراش رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وأنت رجل مشرك نجس، ولم اُحبُّ أن تجلس على فراش رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله.

وفي امتاع الاسماع أن ابا سفيان لما دخل على ابنته اُم حبيبة ذهب ليجلس على فراش رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله فطوتهُ دونه وقالت: أنت امرُؤُ نجس مشرك!

فقال: يا بنيةٌ لقد أصابك بعدي شرّ.

قالت: هداني اللّه للاسلام، وانت يا أبتي سيد قريش وكبيرُها، كيف يسقطُ عنك دخولُك في الاسلام وانت تعبد حجراً لا يسمعُ ولا يبصرُ!!

قال: ياعجباه! وهذا منك أيضاً! أأتركُ ما كان يعبد آبائي، واتّبعُ دين محمَّد!؟

أجل هذا هو منطق ابنة رجل حاك مؤامرات عديدة وقاد جيوشاً ضد الاسلام طيلة عشرين عاماً تقريباً، وكانت تربطه باُم حبيبة رابطة الاُبوة والبنوة الوثيقة، ولكن حيث أن تلك المرأة ترعرعت في مهد الاسلام، ونشأت في مدرسة التوحيد حصل لها مشاعر دينية قوية جداً حتى أنها رجحّت المشاعر الدينية على المشاعر العاطفية الشخصية مقاومة في هذا السبيل رغباتها الذاتية، وميولها الشخصية.

لقد انزعج أبو سفيان من سلوك ابنته التي كان يتصور أنها ملجأوها وملاذُها الوحيد في المدينة، فخرج من منزلها فوراً، حتى أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله فكلّمه حول تجديد العهد، واستمراره، فلم يرد عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله كناية عن عدم اعتنائه به.

فذهب إلى بعض أصحابه صلّى اللّه عليه وآله يطلب منهم ان يشفعوا له عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وأن يُقنعوه بتجديد ميثاق الصلح، ولكن دون جدوى.

وأخيراً دخل علي "علي بن أبي طالب" وعنده فاطمة الزهراء عليها السَّلام والحسنُ والحسينُ وهما آنذاك غلامان يدبّان بين أيديهما فقال: يا علي، انك أمسُّ القوم فيَّ رَحماً، وإني جئتُ في حاجة فلا أرجعَنَّ كما جئتُ خائباً فاشفع لي إلى رسول اللّه.

فقال علّي عليه السَّلام: ويحكَ يا أبا سفيان، واللّه لقد عزم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله على أمر ما نستطيع أن نكلّمَه فيه.
فالتفت إلى فاطمة - وهو يحاول إثارتها عاطفيّاً - فقال: يا ابنة محمَّد هل لك أن تأمري بُنَيّك هذا فيجير بين الناس فيكون سيد العرب إلى آخر الدهر؟ ولما كانت فاطمة (عليها السَّلام) تعرف بنوايا أبي سفيان الشريرة لذلك قالت: ذلك إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله إنّهما صبيان وليس مثلهما يجير2.

فقال أبو سفيان: يا أبا الحسن إني أرى الاُمور قد اشتدت عليَّ، فانصحني.
فقال علي عليه السَّلام: ما أجد لك شيئاً أمثل من أن تقوم فتجير بين الناس (أي تعطي الأمان للمسلمين) ثم إلحق بأرضك.
فقال أبو سفيان: أوَترى ذلك مُغنياً عنّي شيئاً؟ قال: لا واللّه، ما أظنُّه، ولكني لا أجد لك غير هذا.
فقام أبو سفيان في المسجد، وكان يثق بصدق عليّ في نصيحته، فقال: أيها الناس، إني قد أجرتُ بين الناس. ثم ركب بعيره، وانطلق راجعاً إلى مكّة، وأخبر سادة قريش بما صنع، وذكر نصيحة "عليّ" إياه، فقال: إن عليّاً نصحني أن اُجير الناس، فناديت بالجوار.
فقالوا: فهل أجاز ذلك محمَّد؟
قال: لا.
قالوا: ويلكَ واللّه ما زاد الرجلُ (ويقصدون عليّاً) على أن لعبَ بك، فما يغني عنك ما قلت، لأن النبي لم يجز أمانه، وما لا يجيزه الطرفان لا قيمة له في ميزان العهود. ثم إنّ سادة قريش عقدوا مجلساً من فورهم للتشاور في ما يطفئ غضب المسلمين، ويثني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله عن عزمه3.

جاسوس يُكتشَف!
إنّ تاريخ رسول الاسلام صلّى اللّه عليه وآله يكشف عن انه صلّى اللّه عليه وآله كان يسعى دائماً الى أن يُقنِع العدوّ بالحق، ويجعله يستسلم لمنطق الدين، ولم يكن يهدف قط الانتقام من العدوّ وإبادته.

ففي الكثير من الغزوات والمعارك التي شارك فيها صلّى اللّه عليه وآله بنفسه أو السرايا التي بعثها كان الهدف الأساسي هو القضاء على مؤامرة العدو، وإفشالها، وتشتيت شمله، وتفريق اجتماعه قبل ان يقوم بعمل يضر بالاسلام والمسلمين، فقد كان النبي صلّى اللّه عليه وآله يعرف جيداً أنه له اُزيلت الموانع ورُفعت عن طريق الدعوة الاسلامية لترك منطقُ الدين الحنيف أثره في المجتمع الحرّ، وكان يعلم بأن الذين يعقدون الاجتماعات، ويقيمون التحالفات النظامية ليحولوا دون تقدم الاسلام، وانتشاره، لو جُرِّدوا من أسلحتهم، واُنهيت حالة الحرب بينهم وبين الاسلام، وتركوا فكرة التغلب على الاسلام عن طريق القوة العسكرية، وسمعوا منطق الاسلام في جوّ بعيد عن صخب القتال، لانجذبوا إلى عقيدة التوحيد بدافع الفطرة وهدايتها، ولاستجابوا لنداء الضمير، وصاروا من أنصار الاسلام، ومؤيديه المخلصين الأوفياء.

ولهذا السبب كانت الجماعات والاقوام التي يتغلب عليهم جنود الاسلام، ثم يتسنى لهم مناخ التفكير الحرّ في العقيدة والتعاليم الاسلامية السامية في جوّ بعيد عن الضوضاء والصخب، تنجذب إلى الاسلام، وترغب فيه، وتعتنق بل تشمرّ عن ساعد الجدّ لنشر العقيدة الاسلامية التوحيدية.

وقد تجلَّت هذه الحقيقة في موضوعنا الراهن وهو فتح مكة بصورة أكمل وأقوى، فقد كان رسولُ اللّه صلّى اللّه عيه وآله يدرك جيّداً لو أنّه فُتِحت مكة، وجُرّد العدوُّ من السلاح ووفرت أجواء حرة آمنة بعيدة عن الكبت والاضطهاد فانه لم يلبث أن يصبح هذا الفريق المعادي والمناهض للاسلام بشدة، من أَنصار هذا الدين، ومِنَ المجاهدين الصادقين، الساعين في نشره. ولهذا يحبُ التغلب على هذا العدوّ، وكسر شوكته، ولكن يجب عدم إفنائه وإبادته، بل ينبغي تجنب إراقة الدماء، وازهاق الارواح ما أمكن.

ولأجل الوصول إلى هذه الغاية المقدسة (الغلبة على العدوّ من دون إراقة الدماء) استخدم رسولُ اللّه صلّى اللّه عليه وآله اُسلوب مباغتة العدوّ.

فقبَل أن يفكّر العدوّ في الدفاع عن نفسه، ويجمع قواه، ويستعدَّ للمواجهة، كان النبي صلّى اللّه عليه وآله يحاصر العدوّ في أرضه، ويجرّده من سلاحه، ويجهض محاولته، ومؤامرته. على أنَّ مبدأ "مباغتة العدو" إنما يمكن الاستفادة منه إذا بقيت جميع الاسرار العسكرية للجانب المباغت طي الكتمان، وتمت الترتيبات اللازمة في سرية كاملة، بحيث لم يعرف بها العدوُّ، بل لا يعرف العدو أساساً هل ينوي النبي صلّى اللّه عليه وآله الهجوم عليه، أو لا، وعلى فرض أنه ينوي ذلك لا يخبر أحداً شيئاً عن موعد تحرك الجيش الاسلامي، ووجهته، إذ في غير هذه الصورة لايمكن الاستفادة من مبدأ "مباغتة العدو".

ولقد أعلن رسولُ اللّه صلّى اللّه عليه وآله عن التعبئة العامة لفتح مكة، وتحطيم أقوى قلعة من قلاع الوثنية وازالة حكومة قريش الظالمة التي كانت تمثِّلُ أقوى مانع في طريق الدعوة الاسلامية، وانتشارها وتوسعها، وقد طلب من اللّه سبحانه في دعائه أن يعمّي على عيون قريش وجواسيسهم فلا يعرفوا بشيء عن حركة المسلمين ومقصدهم اذ قال: "اللَّهم خُذ العيون والأخبار من قريش حتى نباغتها في بلادها"4.

أو قال: "اللَّهم خُذ عَلى قريش أبصارهم، فلا يَروني إلا بغتة، ولا يسمَعون بي إلا فجأة"5. فاجتمع في مطلع شهر رمضان ناس كثيرون من مختلف المناطق خارج المدينة، وداخلها. ويذكر المؤرخون جدولاً تفصيلياً بالطوائف والقبائل التي شاركت في هذا الفتح العظيم، واليك ما ذكروه:

المهاجرون: سبعمائة مع ثلاثمائة من الخيل وثلاثة ألوية.
الأنصار: أربعة آلاف مع سبعمائة من الخيل، وألوية كثيرة.
قبيلة مزينة: ألف مع مائة فرس، ومائة درع، ولواءان.
قبيلة جهينة: ثمانمائة مع خمسين فرساً، وأربعة ألوية.
قبيلة بني كعب: خمسمائة مع ثلاثة ألوية.
وكان بقية الجيش من قبائل غفار، واشجع، وبني سليم6.

ويقول ابن هشام: كان جميع من شهد فتح مكة من المسلمين عشرة آلاف من بني سليم سبع مائة، ويقول بعضهم: ألف، ومن بني غفار أربع مائة، ومن أسلم أربع مائة، ومن مزينة ألف وثلاثة مائة نفر، وسائرهم من قريش، والأنصار وحلفاؤهم وطوائف العرب من تميم، وقيس وأسد7.

ولتحقيق مبدأ المباغتة والكتمان وضِعَت جميع الطرق المؤدية إلى مكة تحت المراقبة الشديدة من قِبَل عناصر الحكومة الاسلامية، كما روقب بشدة تردّد المارة والمسافرين بواسطة الحرس.

وبينما كان جيش الاسلام يتهيأ للتحرك باتجاه مكة، نزل جبرئيل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وأخبره بأنَّ أحدَ البسطاء من المسلمين أقدم على إرسال كتاب إلى قريش، يخبرهم فيه بتوجّه النبي وأصحابه إلى مكة، وأنّه أعطى ذلك الكتاب إلى امرأة تدعى "سارة" - وكانت مغنية من مغنيّات مكة - لتوصله إلى مكة لقاء مال تقبضه.

ولقد كانت "سارة" - كما أسلفنا - مغنية بمكة، تغنّي لأهل مكة، وربما شاركت في مجالس العزاء في قريش أيضاً، وقد تعطّل عملُها بعد معركة "بدر"، ومقتل جماعة من رجال قريش، ودخول الحزن في كل بيوت مكة، فلم تعد تستطيع أن تغنّي وتطرب، من ناحية، ومن ناحية اُخرى كان أبو سفيان قد أمر الناس بأن لا يبكوا، ولا يقيموا المآتم والمناحات على قتلى بدر حتى لا يذهب غيظهم على "محمَّد" صلّى اللّه عليه وآله وأصحابه الذين قَتلوا رجالاً من قريش في بدر.

من هنا تركت "سارة" مكة بعد عامين وقدمت المدينة، وعندما عرف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بمجيئها إلى المدينة سألها: هل أسلمت؟ فقالت: لا، فقال لها رسولُ اللّه صلّى اللّه عليه وآله: ولما أتيت إلى المدينة؟ فقالت: إنّي مولاتكم، وقد أصابني جهد، وأتيتكم أتعرّضُ لمعروفكم8. فأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله فكُسيَت وَحُمِلَت وَجُهّزَت.

ومع أن هذه المرأة قد شملها الاسلام بلطفه ورحمته ولكنها خانت النبي والمسلمين عند ما تطوّعت للقيام بعملية جاسوسية ضد الاسلام والمسلمين بأخذ كتاب "حاطب بن بلتعة" واخفائه في شعر رأسها لتبلغه الى قريش لقاء عشرة دراهم، مفشية بذلك سِرّاً للمسلمين، تضيع - على أثره - جهود النبي صلّى اللّه عليه وآله وتفشل خطته!!

ولما عرف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بهذا الأمر إثر خبر من السماء بعث ثلاثة رجال من فرسانه الاشاوش هم علي والمقداد والزبير، ليدركوا المرأة الخائنة، على طريق مكة ويأخذوا منها ذلك الكتاب الذي يحذّر قريشاً ممّا أجمع رسولُ اللّه صلّى اللّه عليه وآله عليه.

فخرج الرجال الثلاثة في طلبها مجدّين حتى أدركوها في منطقة تدعى "روضة الخاخ"9 فاستنزلوها، وفتشوا عن الكتاب في رحلها فلم يجدوا شيئاً، فسألوها عنه فانكرت فقال لها علي عليه السَّلام:

"إني أحلِفُ باللّه ما كِذبَ رسولُ اللّه صلّى اللّه عليه وآله ولا كُذِبنا، ولتخُرجنّ لنا هذا الكتاب أو لنكشفنّك"10. ولما رأت تلك المرأة هذا الجِدّ من علي عليه السَّلام وكانت تعرف أن عليّاً لا يتركها حتى ينفّذ أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله قالت: إعرض، فأعرضَ عليّ، فحلّت ضفائر شعرها فاستخرجت الكتاب منها، فدفعته إليه، فأتى به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله.

فانزعج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله لفعل "حاطب" وكان من المسلمين السابقين، فدعاه من فوره وقال له عاتباً ومستفهماً: يا حاطب ما حملك على هذا؟

فحلف حاطب باللّه وبرسوله أنه لم يقصد شراً، وقال: يا رسول الله، أما واللّه إني لمؤمن باللّه ورسوله، ما غيَّرتُ ولا بَدّلتُ، ولكنّي كنت امرءاً ليس لي في القوم من أصل ولا عشيرة، وكان لي بين أظهرهم ولد وأهل فصانعتهم عليه!!

ويستفاد من اعتذار حاطب هذا أن أسياد قريش كانوا يضغطون على من تخلّف في مكة من أقارب المهاجرين وعوائلهم، ويؤذونهم، ولايتركون أذاهم إلا إذا حصلوا منهم على أسرار المسلمين بالمدينة.

وهذا الاعتذار وان كان غير وجيه، لأن ذلك لا يبرر إفشاء أسرار المسلمين لأعدائهم الحاقدين، غير أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله أصفح عنه، وخلى سبيله لمصالح معينة منها: سابقة "حاطب" في الاسلام.

إلا أنّ "عمر بن الخطاب" طلب من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله أن يضرب عنقه، فقال له النبي صلّى اللّه عليه وآله: "وما يُدريك يا عُمرَ لعلَّ اللّه اطّلعَ يومَ بَدر على أصحاب بَدر فقالَ: اعملوا ما شئتُم فَقد غَفرتُ لكم"11. ولكي لا يتكرر مثل هذا العمل الخطر والاثيم أنزل اللّه سبحانه قرآنا بهذا الشأن في عدة آيات اذ يقول:

بسم اللّه الرحمن الرحيم

﴿يا ايّها الذين ءامنُوا لا تتَخِذُوا عَدِوي وعدُوّكُم أَوليَاء تلقُونَ إِليهم بِالموَدة وَقَد كَفرُوا بِمَا جَاءكُم مِنَ الحَقِّ يُخرجُونَ الرَّسُولَ وإِيّاكُم أَن تؤُمنُوا بِاللّه رَبِّكُم إِن كُنتُم خَرجتم جَهاداً في سَبيلي وابتِغاء مزِضَاتِي تُسرُّون إِليهم باِلمَودَّة وأَنَا أَعلَمُ بمَا أَخفَيتُم وَمَا أَعلنتُم وَمَن يَفعَلهُ مِنكُم فَقَد ضَلَّ سَواء السَّبيلِ* إِن يَثقفُوكُم يَكُونُوا لكُم أَعداء وَيَبسطُوا إِليكُم أَيديهُم وَأَلسِنتَهُم بالسُّوء وودُّوا لَو تكفُروُنَ* لَن تنفَعكُم أَرحامُكُم ولا أَولدُكُم يَومَ القِيمةِ يفَصِلُ بينَكُم واللّه بما تعَملُون بَصير* قَد كانَت لَكُم اُسوة حسنة فِي إِبراهِيمَ والَّذينَ معهُ إِذ قالُوا لِقومهم إِنا يُرءاؤا مِنكُم ومِمَّا تَعبدُون مِن دُون اللّه كَفَرنا بِكُم وبَدا بَينَناَ وَبينكُم العَدَاوةُ والبَغضاءُ أَبدَاً حتَّى تُؤمنُوا باللّه وحدَه إِلا قَولَ إِبراهيمَ لأَبيهِ لأَستغفِرنَّ لَكَ وَمَا أَملِكُ لَكَ مِنَ اللّه مِن شَيء رَّبَّنا عَليكَ توَكلنا وإِليكَ أَنبنَا وإِليكَ المصيرُ* ربَّنا لا تجعلنا فِتنَة لِلَّذينَ كفرُوا واغفِر لَنا ربَّنا إِنَّكَ أَنتَ العَزيزُ الحكِيمُ* لَقَد كانَ لَكُم فِيهم أُسوة حسنة لِمَن كَانَ يرجُوا اللّه واليوَمَ الآخِرَ ومَن يَتولّ فإنَّ اللّه هُو الغَنِيُّ الحميدُ* عَسى اللّه أَن يَجعَلَ بَيَنكُم وَبينَ الَّذينَ عادَيتم مِنهُم مَودَّة واللّه قَدير واللّه غفُور رحيم* لا يَنهَكُم اللّه عَنِ الَّذين لَم يُقاتلوكُم في الدين وَلمَ يُخرجُوكُم مِن دياركُم أَن تَبرُّوهُم وَتُقسِطُوا إِليهم إِنَّ اللّه يُحبُّ المُقسِطينَ* إِنما يَنهكُم اللّه عَن الذين قاتلوكُم فِي الدِّين وَأَخرجوكُم مِن دياركُم وظاهرُوا على إخراجكُم أَن تَولُّوهُم ومَن يَتولهُم فاُولئك هُمُ الظالمُون
12.

النبي يتحرك باتجاه مكة:
أخذاً بمبدأ "المباغتة" كتم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله موعد الحركة، ووجهتها، فلم يكن أحد يعرف أين يريد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله على وجه التحديد13. وفي اليوم العاشر من شهر رمضان من السنة الثامنة أصدر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله أوامره بالخروج، وكان قد أصدر أوامره للمسلمين كافة من قبل بالاستعداد والتهيؤ للخروج.

ثم أنه استخلف على المدينة رجلاً من بني غفار يدعى "أبا رهم" ثم استعرض جيشه خارج المدينة على عادته.

ثم لما كان صلّى اللّه عليه وآله بمكان يدعى "الكديد" طلب شيئاً من الماء امام المسلمين، وافطر به في تلك الساعة من النهار، وامر الجند بأن يفطروا اقتداء به هم أيضاً.

فأفطر اكثر المسلمين، وأمسك البعض ولم يفطر ظناً بأن الجهاد في حالة الصوم أفضل، واكبر أجراً، ولم يعرف هؤلاء السذّج غير المفطرين، بأن النبي صلّى اللّه عليه وآله الذي أمر بالافطار في شهر رمضان في تلك الحال، هو نفسه الذي أمر بالصوم أيضاً.

فاذا كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله قائد حق ودليل سعادة فانه - في كلتا الحالتين - يريد سعادة الناس، وينشد خيرهم، فلا معنى إذن لأن يطاع في أمره، ولا يطاع في نهيه.

وهذا غضب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله لامتناع ثلة من المسلمين عن الإفطار كما أمر وقال عنهم: "اُولئك العصاة"!!14.

وأمرهم بأن يفطروا قائلاً: "إنكم مُصبحو عدوِّكم، والفطرُ أقوى لكم".

إنَ مِثل هذا التقدم على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وتجاهل أمره ما هو في الحقيقة إلا نوع من الانحراف عن الحق، وهو يكشف عن ضعف في ايمان الجماعة العاصية، المتمردة عن أمر النبي صلّى اللّه عليه وآله.

ولهذا نزل فيه قرآن يلومهم، ويوبِّخهم على عصيانهم إذ قال سبخانه: ﴿يا أيُّها الَّذين آمَنُوا لا تُقدِّمُوا بَين يَدَي اللّه وَرسَولهِ واتّقُوا اللّه إنَّ اللّه سَمِيع عليم15. هذا وقد كان "العباسُ بن عبد المطلب" من المسلمين الذين بَقَوا في مكة بأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ليتجسس له الأخبار، ويطلعَه على نوايا قريش، وخططهم أوّلاً بأوّل.

وقد تظاهر العباسُ - بعد فتح خيبر - بإسلامه، ولكنه بقي محافظاً على علاقاته بسادة قريش وزعمائها، فقرّر أخيراً أن يكون آخر من يهاجر من بيوت المسلمين، فغادر مكة متوجهاً إلى المدينة، وصادف خروجُه مسير رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله إلى مكة، فالتقى ببعض الطريق رسولُ اللّه صلّى اللّه عليه وآله.

ولقد كان بقاء العباس بن عبد المطلب في مكة بعد هجرة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله مفيداً للجانبين: (قريش والمسلمين) فلو لم يكن العباس، ونشاطاته السياسية، الذكيّة، لما تيسّر فح مكة من دون مقاومة قريش، ومن دون إراقة دماء وإزهاق نفوس.

من هنا لا يبعد أن يكون خروج العباس من مكة في تلك اللحظات والظروف الخطيرة قد كان هو الآخر بأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله لكي يستطيع القيام بدوره الإصلاحي، الذي سنأتي على ذكره قريباً.

العفو عند المقدرة:
لقد كانت سوابق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله المشرفة، واخلاقه الحميدة، وصدقه وأمانته، طوال حياته من الاُمور الواضحة المعلومة عند أقربائه، وأبناء عشيرته.

فقد كان الجميع يعلم بأن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله لم يرتكب طيلة حياته الشريفة إثماً، ولم يفكر في ذنب، ولم ينو الاعتداء على أحد، ولم يقُل بلسانه سوءاً ولا قبيحاً، ولا خان في امانة، ولا افشى سراً ولا تخلف عن فضيلة.

ولهذا استجاب لدعوته - في الايام الاولى من دعوته العامة - الاكثرية الساحقة من قبيلته (بني هاشم)، والتفُّوا حولَه، وتحمّلوا الدفاع عنه، ودعم مواقفه.

ولقد اشار أحد المستشرقين المنصفين إلى هذه الحقيقة، واعتبرها دليلاً على طهارة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وصدقه ونزاهته، فهو يقول: مهما كان المرء متكتمّا متستراً على أعماله وأفكاره فانه لا يستطيع بحال أن يخفي تفاصيل حياته عن ذويه وأقربائه، ولو كان لمحمد حالات نفسية أو أفعال سيئة لما خفيت على أقربائه، ولما كانوا ينقادون إليه بمثل هذه السرعة16.

نعم يُستثنى من بني هاشم عدة أشخاص أحجموا عن الايمان برسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله والاستجابة لدعوته، ويمكن الاشارة - في هذا المجال - بعد أبي لهب المعروف بل والمصرح بعداوته في القرآن - إلى "أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب" و"عبد اللّه بن أبي اُميّة بن المغيرة" اللذين خاصما رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وعارضا دعوته بشدة، ولم يكتفيا بعدم الايمان برسالته، بل منعا من انتشار الحق، وآذيا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله اشدّ الأذى وألّبا عليه اكثر من أي شخص آخر.

ولقد كان أبو سفيان هذا ابنَ عمّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وأخاه من الرضاعة، وكان يألف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله قبل البعثة، ولكنه اختلف مع النبي بعد ابتعاثه بالرسالة، وبنى على مخالفته ومعاداته17.

وأما عبد اللّه بن أبي اُميّة فهو أخو اُم سلمة ابنة عاتكة عمة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وابنة عبد المطلب.

ولقد حدى انتشار الاسلام في كل أنحاء الجزيرة العربية بهذين الرجلين إلى أن يخرجا من مكة ويلتحقا بالمسلمين.

فقد خرجا قُبيل الفتح من مكة، فلقيا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وأصحابه في أثناء الطريق - وعلى وجه التحديد في نقطة تدعى بثنية العقاب، والنبي قاصد مكة، فاستأذنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ليدخلا عليه، وأصرّا على ذلك، فأبى النبيُ صلّى اللّه عليه وآله أن يأذن لهما.

وقد وسّطا اُم سلمة، وطلبا منها بلهجة عاطفية أن تشفع لهما عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله حتى يرضى عنهما، فكلّمته فيهما، ولكن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله أبى وقال: "لا حاجَة لي بهما، أما ابنُ عميّ فهتَك عِرضي وأما ابنُ عمّتي وصهري فهُو الذي قال بمكة ما قال"18.

ولما كان "عليّ" عليه السَّلام أعرف الناس بنفسيّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وأخلاقه، وبطريقة استعطافه، فقد كلمّه أبو سفيان في الأمر، فعلّمه علي بن أبي طالب عليه السَّلام أن يأتي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله من قِبَل وجهه فيقول: "قالوا تاللّه لقد آثرَك اللّه علينا وإن كُنّا لخاطئين"19.

فان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله سيجيبه بما قاله يوسف لاخوته اذ قال لهم: "قالَ لا تَثريب عَليكُم اليومَ يَغفر اللّه لكم وهو أرحم الراحمين"20. لأنه صلّى اللّه عليه وآله لا يرضى بأن يتفوق عليه أحد في حسن القول.

ففعل أبو سفيان هذا ما أشار عليه الامام علي عليه السَّلام ودخل من الطريق الذي بيّنه له، فعفا عنه رسولُ اللّه كما فعل يوسف باخوته، فأنشد أبو سفيان قصيدة أراد بها أن يُكفِّر عما سبق منه، قال فيها:
لعمرك إني يومَ أحمل راية         لِتَغلِبَ خيلُ اللات خيلَ محمَّد
فكالمُدلج الحيران أظلم ليلُه         فهذا أواني حين اُهدى فأَهتدي
21.

ويكتب "ابن هشام" في سيرته قائلاً: قال أبو سفيان ومعه ابنه، لما أعرض رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله عنه وأبى أن يأذن له: واللّه ليقبلني، أو لأخذتُ بيد إبني هذا فلأذهبنَّ في الارض حتى أهلك عطَشاً وجوعاً وأنت أحلمُ الناس مع رحمي بك"22.

وقد سبق أن قالت اُمُّ سلمة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وقد كلّمته في أبي سفيان: بأبي أنت وَاُمّي يا رسول اللّه ألَم تقل: أنَّ الاسلام يجبُّ ما كان قبله؟ فرقَّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله لهما، وأذن لهما، فدخلا، وقبل اسلامهما23.

تكتيك رائع لجيش الاسلام:
تقع "مُرّ الظهران" على بُعد عدة كيلومترات من مكة المكرمة، وقد قاد رسولُ اللّه صلّى اللّه عليه وآله جيشه العظيم (وقوامه عشرة آلاف) حتى مشارف مكة بمهارة بالغة.

ومع أنَّ عيون قريش وجواسيسها كانت تتجسَّسُ الأخبار وكان هناك من يعمل لصالح قريش، ولكَّنهم مع ذلك لم يستطيعوا أن يعرفوا شيئاً عن نوايا رسول اللّه صلّى اللّه عيه وآله وهدفه. ولما وَصل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله إلى مشارف مكّة عمد - لإرعاب أهل مكة حتى يتركوا مقاومة المسلمين عند دخول مكة وفتحها، ويتسنّى لهم تحطيمُ الوثنية من دون إراقة الدماء - إلى إصدار أمر لجنوده باشعال النيران فوق الجبال والتلال، وللمزيد من تخويف سكان مكة والإظهار بمظهر القوة أمر بأن يُشعِلَ كلُ واحد من الجنود النار وحده، في شريط طويل على الأَرض.

كانت قريش وحلفاؤها يغطّون في نوم عميق آنذاك من جهة، بينما كانت النيران من جهة اُخرى قد غطَت كلّ المرتفعات المشرفة على مكة فلم تستيقظ إلا على منظر أرعب قلوبهم، ولفت أنظارهم.

وفي هذه الاثناء كان بعض سادة قريش ك: "أبي سفيان بن حرب" و"حكيم بن حزام" وغيرهما قد خرجا من مكة يتجسَّسون الأخبار.

ففكَّر "العباس بن عبد المطلب" الذي لازم رسولُ اللّه صلّى اللّه عليه وآله من منطقة الجحفة، فكر في نفسه بأنه إذا ما اتفق أن واجه جنودُ الاسلام مقاومة من قريش عند دخول مكة لادّى ذلك إلى ان يُقتَل جمع كبير من قريش، ولهذا فان من الأفضل أن يقوم بدور عمليٍّ لصالح الطرفين، ويقنع قريشاً بالتسليم، وعدم المقاومة.

فركب بغلة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله البيضاء وتوَجه صوب مكة ليخبر قريشاً بمحاصرة مكة من قِبَل جنود الاسلام، ويخبرهم بكثرة عددهم، وبمبلغ شجاعتهم وإصرارهم على تحقيق أهداف النبي صلّى اللّه عليه وآله ويقنعهم بأنه لا مناص من التسليم للأمر الواقع.

فبينما هو كذلك إذ سمع صوت أبي سفيان وبُديل بن ورقاء يتحادثان في جوف الليل فيقول أبو سفيان: ما رأيتُ كالليلة نيراناً قط ولا عسكراً، فيقول بديل: هذه واللّه خزاعة حمشتها الحرب.
فيقول أبو سفيان: خزاعة أذلُّ وأقلُّ من ان تكون هذه نيرانها وعسكرها.
فصاح العباسُ بأبي سفيان وقال: يا أبا حنظلة.
فقال أبو سفيان: يالبيك، أبو الفضل مالك؟
فقال العباس: هذا رسولُ اللّه في عشرة آلاف من المسلمين.
فارتعد أبو سفيان لما سمعه من العباس حول عظمة القوة الاسلامية، فقال وهو يرتجفُ، وتصطكُّ اسنانه من الفزع: فما الحيلة فداك أبي واُمي؟
فقال العباس: إركب في عَجُز هذه البغلة حتى آتي بك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله فأستأمنهُ لك.
فركب أبو سفيان خلف العباس، ورجع صاحباه (حكيم وبديل) إلى مكة.

ولقد كان مسعى العباس - كما ترى - في مصلحة الاسلام كله، فقد أرعب شيطان قريش، وزعيمها وعقلها المدبّر أبا سفيان، وكان موفقاً في هذه الخطوة جداً بحيث لم يعد يفكر أبو سفيان إلا في التسليم، وإلقاء السلاح والكفّ عن المقاومة، بل ومَنَعَه العباسُ من العودة إلى مكة، في نفس الليلة (ليلة فتح مكة) وأخذه معه إلى معسكر المسلمين بُغية تقييده، ومنعه من العودة مكة، إذ كان من المحتمل جداً أن يقع فريسة أفكار المتطرفين في الزعامة المكية فيدبّرون معاً خطة لمواجهة جيوش الاسلام، فيقع - حينئذ - ما لا يُحمد عقباه، من سفك الدماء، وذهاب الأنفس والارواح.

العباس يصطحب أبا سفيان إلى خيمة النبي:
دخل العباس - وهو على بغلة بيضاء وقد اردف خلفه أبا سفيان - في معسكر المسلمين، وهو يقصد خيمة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله من خلال نيران المسلمين التي أمر النبي صلّى اللّه عليه وآله بإشعالها، وكان كلّما مرَّ بنار من نيرانهم قالوا: عمُّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله فلا يمنعون من مروره، حتى اذا لقيا عمر بن الخطاب في الاثناء ورأى عمر أبا سفيان خلف العباس على عجز البغلة، همَّ بقتله في المكان، ولكن عمّ النبي صلّى اللّه عليه وآله أجار أبا سفيان في الحال، ومنع بذلك عمر من إلحاق الأذى به، وهو في جواره.

وأخيراً وصل العباسُ برفقة أبي سفيان الى خيمة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله فترجّلاً، فاستأذن العباسُ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله للدخول مع أبي سفيان عليه فأذن لهما، فوقعت مشادة كلامية شديدة بين العباس وعمر بين يدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله حول أبي سفيان وكان عمر يقول: أبو سفيان عدوُّ اللّه فلا بد أن يُقتَل، ولكن العباس كان يقول: يا رسول اللّه إنّي قد أجرته، فقطع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله دابر هذه المناقشة عندما قال: "إذهب يا عَبّاس إلى رَحلك، فاذا أصبحتَ فأتِني به".

فذهب العباسُ بأبي سفيان إلى رحله، فبات عنده ليلتَه كما أمر، فلما أصبح غدا به إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله.

أبو سفيان بين يدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: لما مثل أبو سفيان عند الصباح بين يدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله في خيمته قال له النبي صلّى اللّه عليه وآله: "ويحَك يا أبا سفيان، ألم يأن لكَ أن تعلم أنه لا اله إلا اللّه؟".
فقال أبو سفيان: بأبي أنت واُمي ما أحلمك، وأكرمك، وأوصلَك واللّه لقد ظننتُ أن لو كان مع اللّه اله غيره، لقد أغنى عنّي شيئاً بعد.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: "ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلمَ أنّي رسول اللّه"؟
قال: بأبي أنت واُمي ما أحلمك، وأكرمك، وأوصلك، أما واللّه فإنَّ في النفس منها حتى الآن شيئاً!!
فغضب العباس من شك أبي سفيان، ولجاجته وعناده فقال له: ويحك، أسلِم واشهد أن لا اله الا اللّه، وأن محمَّداً رسولُ اللّه قَبلَ أن يُضرَبَ عنقُك.
فشهد أبو سفيان شهادة الحق، فأسلَم ودخل في عداد المسلمين.

إن إسلام أبي سفيان الذي حصل في جوٍّ من الرعب والتهديد وإن لم يكن بالاسلام الذي كان يريده رسولُ الاسلام صلّى اللّه عليه وآله ويطلبُه دينُه الحنيفُ، ولكنَّ مصالح معيَّنة كانت توجب أن يدخل أبو سفيان في عداد المسلمين كيفما كان ليرتفع بذلك اكبر سدّ، وينزاح اكبر مانع من طريق الدعوة الاسلامية، لأنَّ رجالاً مثل "أبي سفيان" و"أبي جهل" و"عكرمة" و"صفوان بن اُمية" وغيرهم، كانوا قد أوجدوا جوّاً من الرعب والخوف في مكة استمرَّ أعواماً عديدة، فلم يكن يجرؤ أحد من المكيين في مثل هذا الجوّ المشحون بالخوف أن يفكّر في الاسلام، أو يظهر رغبته في إعتناقه، والانضواء تحت لوائه.

فإذا لم يكن إسلام أبي سفيان الظاهريّ والسطحيّ مفيداً من حيث الواقع، ولكنه كان مفيداً جداً لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، وللذين كانوا تحت سيطرة أبي سفيان ونفوذ زعامته من جماهير مكة، وبالتالي لِمن كانت له علاقات قُربى معه.

ومع ذلك لم يسمح رسولُ اللّه صلّى اللّه عليه وآله بإخلاء سبيل أبي سفيان لأنه لم يكن آمناً - وحتى مع إظهاره الاسلام - من جانبه قبل أن يتمَّ فتح مكّة، ولهذا أمر صلّى اللّه عليه وآله عمَّه العباس بأن يحبسه بمضيق الوادي عند ممر الجنود ليُبصر عظمة القوات الاسلامية، وكثافتها قائلاً: "يا عبّاس احبسه بمضيق الوادي عند خَطم الجبَل (أي انفه) حتى تمرَّ به جنودُ اللّه فَيراها".

ثم إن العباس قال لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: يا رسول اللّه إنَّ أبا سفيان هذا رجل يحب الفخر، فاجعل له شيئاً.

واستجاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله لهذا الطلب، ومع أن أبا سفيان كان قد عادى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وألّب ضدَّه طيلة عشرين عاماً، وأثار في وجه دعوته الحروب والفتن الكثيرة، ووجّه بذلك ضربات كثيرة إلى الاسلام والمسلمين، فمنحه - رغم ذلك ولمصالح خاصة - مقاماً، وقال كلمته التاريخية في حقه... تلك الكلمةُ التي تكشف عن عظمة أخلاق رسول الاسلام صلّى اللّه عليه وآله وسمو روحه، وعمق حكمته اذ قال: "مَندخَل دارَ اَبي سفيان فهو آمِن. ومَن أغلقَ بابَه فهوَ آمِن. ومَن دخل المسجد فهو آمن. ومَن طرَحِ السلاح فهو امن"24.

مكة تستسلم من دون إراقة دماء:
تقدَّم جيشُ التوحيد العظيم نحو مكة، حتى أصبح على مقربة منها. وقد كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله عازماً على أن يفتح مكة من دون إراقة دماء، وإزهاق أرواح، وأن يسلّم العدوُّ من دون أيّة شروط.

وكان من العوامل التي ساعَدت على تحقيق هذه الغاية - مضافاً إلى عامل التكتم والتستُّر ومبدأ المباغتة - أن العباس عمّ النبي صلّى اللّه عليه وآله توجّه إلى مكة كداعية صلح ووسيط سلام بين قريش والنبي صلّى اللّه عليه وآله فكان أن أتى بأبي سفيان الى معسكر الاسلام كما أسلفنا، وبذلك توصّل إلى تحييد أبي سفيان، ولم يكن في مقدور سادة قريش أن يتخذوا قراراً حاسماً من دون أبي سفيان.

وعند ما خضع أبو سفيان أمام عظمة رسول الاسلام الفريدة وأظهر الاسلام، رأى رسولُ اللّه صلّى اللّه عليه وآله أن يستفيد منه لإرعاب المشركين اكثر قدر ممكن، فأمر العباس بأن يحبسه عند مضيق الجبل ليرى باُم عينيه حشود المجاهدين من المسلمين - كما أسلفنا - في وضح النهار مع كامل عدّتهم واسلحتهم، ونظامهم وقوتهم، فيخبر قريشاً بذلك، فيزيدهم خوفاً ورهبة، فينصرفُوا عن فكرة مقاومة الجيش الاسلامي عند دخوله الى مكة. وفعل العباس ما أمره الرسول الكريم صلّى اللّه عليه وآله فحبس أبا سفيان حيث أمر النبي صلّى اللّه عليه وآله. فمرّت القبائل مع راياتها أمام أبي سفيان، وكانت بعض قطعات الجيش الاسلامي على النحو التالي:

1 - كتيبة قوامُها ألفُ مقاتل من بني سليم بقيادة خالد بن الوليد، وفيها لواءان، أحدُهما مع "عباس بن مرداس"، والآخر مع "المقداد".
2 - فوجان فوامُهما خمسمائة مقاتل بقيادة "الزبير بن العوام" الذي كان يحمل معه لواءاً أسود، وكان اكثر أفراد هذا الفوج من المهاجرين.
3 - فوج قوامه ثلاثمائة مقاتل من بني غفار بقيادة "أبي ذر الغفاري" وكان لواؤه معه.
4 - فوج قوامه اربعمائه مقاتل من بني سليم بقيادة "يزيد بن الخصيب" ومعه لواؤه.
5 - فوجان قوامُهما خمسمائة مقاتل من بني كعب بقيادة "بشر بن سفيان" ورايته معه.
6 - كتيبة قوامُها ألف مقاتل من بني مزينة، فيها ثلاثة اُلوية، لواء مع النعمان بن مقرن، ولواء مع بلال بن الحارث، ولواء مع عبد اللّه بن عمر
7 - كتيبة قوامُها ثمانمائة مقاتل من جهينة، فيها أربعة ألوية، لواء مع "معبد بن خالد" و"سويد بن صخرة" و"رافع بن مكيث" و"عبد اللّه بن بدر".
8 - فوجان قوامُهما مائتا مقاتل من بني كنانة، وبني ليث وضمرة، بقيادة "أبي واقد الليثي"، وكان لواؤهما معه.
9 - فوج قوامه ثلاثمائة مقاتل من بني أشجع، وفيها لواءان أحدهما بيد "معقل بن سنان" والآخر مع "نعيم بن مسعود"25. وعندما كانت هذه القبائل والقطعات تمرّ، سألَ أبو سفيان العباس عن إسمها، وخصوصياتها، فكان العباس يوضح له كل ذلك.

والذي كان يزيد هذا الجيش المنظم جلالاً وعظمة أن قادة هذه الافواج والكتائب كانوا اذا مرّوا على العباس وأبي سفيان كبّروا ثلاثاً بأعلى أصواتهم وبشكل منظّم، وكبّر من ورائهم جنودهم بصوت واحد ومنظم أيضاً كأكبر شعار اسلامي.

ولقد كان لهذه التكبيرات الهادرة التي كانت تدوّي في وديان مكة، وتردّدها الجبال والوديان، أكبر الاثر في نفوس الاصدقاء والاعداء، فكانت تزيد بهيبتها وجلالها من محبة الاصدقاء للنظام الاسلامي العظيم، بينما ترهب أعداء اللّه، وتغرقهم في خوف ورعب شديدين.

هذا وكان أبو سفيان ينتظر بفارغ الصبر عبور الكتيبة التي فيها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ولهذا كان يسأل العباس كلما مرّت قطعة من قطعات الجيش الاسلامي: أفيها محمَّد؟ أو ما مضى بعدُ محمَّد؟!

فيقول العباسُ: لم يمض بعدُ، لو رأيت الكتيبة التي فيها محمَّد صلّى اللّه عليه وآله رأيت الحديد والخيل والرجال وما ليس لأحد به طاقة.

وبينما هما كذلك إذ طلعت كتيبه عظيمة قوامُها خمسةُ آلاف مقاتل، فيها ألفا دارع فقط، فيها الرايات والألوية الكثيرة، فيها المهاجرون والانصار، مع كل بطن وقبيلة من قبائل الأنصار راية ولواء، وكانت تسمى كتيبة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله الخضراء لأن أفرادها كانوا في الحديد لا يُرى منهم إلا الحدُق، وقد ركبوا الخيول العربية الاصيلة، والحُمُر من الإبل، ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله في وسطها راكب على ناقته القصوى، وقد أحدق به كبارُ الشخصيات من المهاجرين والانصار، والنبيّ صلّى اللّه عليه وآله يحدّثهم.

فارعبت عظمةُ هذه الكتيبة أبا سفيان، بشدة، حتى أنه قال للعباس من دون إختيار: ما لأحَد بهؤلاء قِبَل ولا طاقة يا أبا الفضل! واللّه يا ابا الفضل لقد أصبح ملكُ ابنُ أخيكَ الغداة عظيماً. فقال له العباس - بنبرة موبّخة -: ويحك يا أبا سفيان ليس بملك إنّها النبوّة. فليس هذه العظمة والجلال من أثر المُلك المادّي الدنيوي إنما هو هو فعلُ الرسالة الإلهية، إنه جلال النبوة، وانه بالتالي من فضل اللّه عزّ وجل الذي أدخلَ الاسلامَ في قلوب هذه الجماهير المؤمنة، وهذه الجموع المجاهدة في سبيل اللّه.

أبو سفيان يرجع إلى مكة:
إلي هنا قام العباس بدوره على أفضل صورة، فقد اُرعب أبو سفيان من قوة الاسلام العسكرية الكبرى، ولهذا رأى النبي صلّى اللّه عليه وآله أن يخلّي سبيله ليذهب إلى مكة قبل دخول جنود الاسلام فيها، فيخبر أهلها بعظمة وقوة الجيش الاسلامي القادم اليهم، ويحذّرهم من مغبة المقاومة والمواجهة، ويدلهم على طريق الخلاص والنجاة، وهو التسليم للأمر الواقع، والقاء السلاح، والاستسلام من دون قتال ومقاومة، ومن دون قيد وشرط، لأن بمجرد تخويف أهل مكة من دون إرشادهم إلى طريق الخلاص ما كان ليتحقق هدف النبي الاكرم صلّى اللّه عليه وآله، وهو الفتح من دون دماء.

فدخل أبو سفيان مكة، وقد بات الناسُ ليلتهم في رعب شديد، وترقّب رهيب حتى أصبحوا، ولم يكن بإمكانهم أن يقرّروا شيئاً من دونه، فلما رأوه قادماً أحاطوا به، فأخذ يشير الى ناحية المدينة، وقد اصفرَّ وجهه، وانهارت قواه وصرخ بأعلى صوته: با معشر قريش، هذا محمَّد قد جاءكم فيما لا قِبَلَ لكم به، أو قال: هذا محمَّد في عشرة آلاف فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمِن. ومن ألقى السلاح فهو آمِن، ومن دخل المسجد فهو آمِن، ومن أغلق بابه فهو امِن. على أنَّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله لم يكتف بهذا بل أضاف إلى الأماكن الثلاثة التي أعلنها للجوء الناس اليها حتى يأمنوا من القتل، موضعاً آخر، حيث عقد لابي رويحة "عبد اللّه بن عبد الرحمان الخثعمي" لواء وأمره أن ينادي: "من دخل تحت لواء أبي رويحة فهو آمن"26.

وقد تسبّب أبو سفيان بندائه في إضعاف المعنويات عند أهل مكة بشدة حتى أنهم انصرفوا عن فكرة المقاومة، لو كانت، وأثمرت جهود العباس ومساعيه في الليلة الفائتة، وأصبح فتحُ مكة من دون مقاومة في نظر أهل الرأي وعند من ينظر الى واقع الامور، أمراً مسلّماً وقطعياً.

ففزع الناس، وتفرّقوا، ولجأ بعضهم إلى دورهم، والبعض الآخر الى المسجد، وأسدى أعدى أعداء الرسالة ونعني أبا سفيان، ونتيجة لتدبير رسول اللّه الحكيم، أكبر خدمة لجنود الاسلام، حيث مهَّد لهم - بما أوجده في نفوس المكيين وقلوبهم من هزيمة نفسية - طريق الفتح العظيم بسلام، ومن دون مشاكل تُذكر، اللَّهم إلا "هند" زوجة أبي سفيان التي كانت تحرّض الناس على المقاومة، وراحت تشتم زوجها وتسبُّه بأقذع الشتائم والسباب، وتتهمه بالجبن والذل.

بيد أنَّ الأمر كان قد قُدِر، ولم تعد تنفع أيّة محاولة معاكسة، ولم تكن تلك الكلمات والأعمال المعارضة سوى هباء في شبك!

ونظير هذا الذي فعلته هند، ما فعله وقام به بعض الزعماء المتطرفين مثل "صفوان بن اُميّة" و"عكرمة بن أبي جهل" و"سهيل بن عمرو" ممثّل قريش في صلح الحديبية، الذين تحالفوا فيما بينهم على أن يعملوا على منع قوات الاسلام من دخول مكة، وانخدع بهم فريق من البسطاء والمغفلين، فشهروا السلاح في وجه أول قطعة من قطعات الجيش الاسلامي، وسدّوا بذلك الطريق عليها في محاولة يائسة لتحقيق مآربهم.

القواتُ الاسلامية تدخل مكة:
وقبل ان تدخل قوات الاسلام مكة كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله قد دعا جميع قادة وأمراء جيشه وقال لهم بانه يريد ان يفتح مكة من دون إراقة أيّة دماء، ولهذا امرهم ان لا يقاتلوا إلا من قاتلهم، إلا أنه أمر بقتل عشرة وان وُجدوا تحت أستار الكعبة وهم: "عكرمة بن أبي جهل" و"هبار بن الاسود" و"عبد اللّه بن أبي سرح" و"مقيس بن حبابة الكندي" و"الحويرث بن نقيذ" و"عبد اللّه بن خطل" و"صفوان بن اُمية" و"وحشي بن حرب" قاتل حمزة و"عبد اللّه بن الزبعرى" و"حارث بن طلالة" واربع نسوة وكان كل واحد من هؤلاء قد قتل أحداً او ارتكب جناية أو شارك في مؤامرة او حرب ضدّ الاسلام والمسلمين27.

وقد بلغ الأمراء والقادة هذا الأمر إلى جنودهم كافة، ومع أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله كان يعرف مسبقاً بمعنويات المكيين المنهارة، وعدم قدرتهم على المقاومة، إلا أنه - مع ذلك - لم يترك جانب الاحتياط والحذر الذي يفرضه العملُ العسكري، عند دخول مكة، حيث رسم لدخولها خطة دقيقة.

فقد وصل رسولُ اللّه صلّى اللّه عليه وآله بجيشه كله إلى "ذي طوى" (وهو موضع مرتفع كانت تُرى منه بيوت مكة ومنازلها) وهو في كتيبة قوامها خمسة آلاف، فلما رأى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله منازل مكة اغرورقت عيناه بدموع الشوق والحنين، فانحنى تواضعاً للّه تعالى وشكراً، حتى رأى ما رأى من فتح اللّه، وكثرة المسلمين حتى مسّت لحيته الشريفة واسطة الرحل أو يقرب منه.

ومراعاة لجانب الحذر والاحتياط فرّق صلّى اللّه عليه وآله جنوده فأمر البعض بأن يدخلوا مكة من أسفلها، وأمر البعض بأن يدخلوها من أعلاها، ولم يكتف بهذا بل أمر وحدات من الجيش بان تدخل من جميع المداخل والطرق المؤدية إلى داخل مكة.

فدخلت جميع وحدات الجيش الاسلامي وقطعاته وكتائبه وفرقه مكة من دون قتال ومن دون ان تلقى من أهلها مقاومة، فقد كانت جميع الأبواب مفتحة في وجوههم الا المدخل الذي دخل منه "خالد بن الوليد" بفرقته، فقد عمد جماعة من المكيين بتحريض من "عكرمة" و"صفوان" و"سهيل" على شهر أسلحتهم في وجوه المسلمين، ورموا بالنبل لمنعهم من دخول مكة، ووقع قتال بين الجانبين، ولكن محرّضي هذه الجماعة اختفوا بعد شيء من القتال والمقاومة، وفرّ الآخرون بعد أن قتل منهم المسلمون اثني عشر أو ثلاثة عشر شخصاً28.

ومرة اُخرى قام أبو سفيان ومنحيث لا يشعر بعمل آخر لصالح الاسلام في هذه الحادثة، فانه كان لا يزال مرعوباً ممّا رأى من كثرة الحشود العسكرية الاسلامية وقوتها وكان يعلم ان المقاومة لا تجدي نفعاً ولا تجرُّ على أهل مكة إلا الضرر، ولهذا نادى بأعلى صوته - حقناً للدماء -: يامعشر قريش علام تقتلون أنفسكم؟ من دخَل داره فهو آمن، ومن وضع السلاح فهو آمن... فلا يدفع محمَّداً شيء، فضعوا اسلحتكم، وادخلوا في بيوتكم، واغلقوا عليكم أبوابكم او ادخلوا المسجد، تسلموا.

فكان لنداء أبي سفيان هذا أثره في نفوس الناس فجعلوا يقتحمون الدور، ويغلقون عليهم، ويطرحون السلاح في الطرقات حتى يأخذها المسلمون، بينما لجأ بعضهم إلى المسجد.

ولما ظهر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله على "ثنية أذاخر" نظر إلى لمعان السيوف وهي تصعد وتهبط فقال: "ما هذه البارقة؟ ألم أنه عن القتال"؟

فقيل: يا رسول اللّه، خالد بن الوليد قوتل، ولو لم يقاتل ما قاتلَ. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: "قضى اللّه خيراً".

ثم إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله دخل مكة من ناحية أذاخر، وهي أعلى نقطة في مكة في موكب عظيم جليل، فضرب له قبة من ادم بالحجون (عند قبر عمّه العظيم أبي طالب) ليستريح فيها، وقد أصرُّوا عليه صلى الله عليه وآله بأن ينزل في بعض بيوت مكة فأبى صلّى اللّه عليه وآله29.

كسرُ الاصنام وغسل الكعبة:
لقد استسلمت مكة التي كانت مركزاً رئيسياً للشرك والوثنية طوال أعوام عديدة ومديدة، أمام قوات التوحيد الظافرة، وسيطر جنودُ الاسلام على جميع نقاط تلك المدينة المقدسة.

ولقد استراح رسولُ اللّه صلّى اللّه عليه وآله في الخيمة التي ضربوها له في الحجون بعض الوقت.

ثم انه صلّى اللّه عليه وآله بعد أن اطمأن واغتسل ركب راحلته "القصواء" وتوجّه الى المسجد الحرام لزيارة بيت اللّه المعظم والطواف به، بينما كان يحمل معه السلاح، والمغفر على رأسه، وتحيط به هالة من العظمة والجلال، ويحدق به المهاجرون والانصار، وقد صفَّ له الناس من المسلمين والمشركين، بعض يغمره الفرح والسرور، وآخرون يكادون ينفجرون من الغيظ.

ولما انتهى صلّى اللّه عليه وآله إلى الكعبة فرآها ومعه المسلمون تقدّم على راحلته، ولم يترجّل منها لأسباب خاصة فاستلم الركن بمحجنه بدل استلامه بيده، وكبّر فكبّر المسلمون لتكبيره، ورَجَّعوا التكبير حتى ارتجّت مكة لتكبيرهم ودوّى صوتهم في الجبال والوهاد، وسمعه المشركون الذين كانوا قد تفرّقوا فوق الجبال ينظرون إلى ذلك المشهد، وقد بلغ من هياج المسلمين، وهم يطوفون بالبيت من شدة سرورهم حداً كاد أن يمنع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله من الطواف بالبيت بفكر هادئ فاشار اليهم صلّى اللّه عليه وآله أن اسكتوا، فسكت الجميع بأمره، وساد الصمت كل أرجاء المسجد الحرام، فطاف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بالبيت على راحلته، فقد أخذ بزمامها "محمَّد بن مسلَمة" وفيما احتبست الاصواتُ في الصدور، واتجهت الأبصارُ إليه صلّى اللّه عليه وآله فوقعت عيناه الشريفتان - في الشوط الأول من طوافه - على الاصنام الكبرى "هبل" و"اساف" و"نائلة" منصوبة فوق الكعبة، فجعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله كلّما مرّ بصنم منها يشير بقضيب في يده ويقول: "جاء الحقُ وزهقَ الباطلُ إن الباطلَ كان زهُوقا" فيقع الصنم لوجهه.

وأمر صلّى اللّه عليه وآله بهُبل اكبر أصنام المشركين فحطم وكسر في مرأى من المشركين، ولقد كان هذا الصنم الكبير يهيمن على عقول الجاهليين في الجزيرة العربية، ويسيطر على أفكارهم أعواماً عديدة.

ولما كسر المسلمون ذلك الصنم قال الزبير لأبي سفيان وكان ينظر إلى ذلك المشهد: يا أبا سفيان لقد كُسِرَ هُبَل، أما أنك قد كنت منه يوم "اُحُد" في غرور، حين تزعم أنه قد أنعمَ.

فقال أبو سفيان، دع هذا عنك يا ابن العوام فقد أرى لو كان مع إله محمَّد غيرهُ لكان غير ما كان.

ولما انتهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله من طوافه بالبيت انصرف فجلس ناحية من المسجد، والناس حوله، ثم أرسل بلالاً إلى "عثمان بن طلحة" يأتيه بمفتاح الكعبة، وكان عثمان يومذاك  سادن الكعبة، وقد كانت السدانة تُتوارث جيلاً بعد جيل.

فجاء بلال إلى عثمان فقال: إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله يأمرك أن تأتي بمفتاح الكعبة، فاستجاب عثمان، إلا أنّ اُمّه منعته عن ذلك، وكان المفتاح يومئذ عندها وقالت له: اُعيذك باللّه أن تكون الذي تذهب مأثرةُ قومه على يديه.

فقال لها عثمانُ: فواللّه لتدفعنَّه إليَّ، أو ليأتينّك غيري فيأخذ منك، فسلمته إياه.

ففتح رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله به باب الكعبة ودخل البيت، ودخل من بعده صلّى اللّه عليه وآله اُسامة بن زيد وبلالُ وعثمانُ وسادتُها، ثم أمر النبيُّ باغلاق باب الكعبة، ووقف خالد بن الوليد على الباب يذبُّ الناس عن الباب.

وكانت جدرانُ الكعبة من الداخل مغطّاة بصور الانبياء والملائكة وغيرهم، فأمر النبيّ صلّى اللّه عليه وآله بمحوها جميعاً، وغسلها بماء زمزم.

عليّ عليه السَّلام على كَتِف النبيّ:
يقول المحدِّثون والمؤرّخون: لقد كُسِرَت بعض الأصنام الموضوعة في الكعبة على يد "علي بن أبي طالب" وذلك عندما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله لعليّ عليه السَّلام: "إجلِس". فجلس إلى جنب الكعبة ثم صعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه والّه على منكبي ثم قال: إنهض بي إلى الصنم... فحاول أن ينهض فلم يُطِق. فلما رأى النبي ضعفهُ تحته، قال: "إجلس".

فجلس عليّ عليه السَّلام ثم نزلَ النبي صلّى اللّه عليه وآله عنه، ثم جلسَ صلّى اللّه عليه وآله ثم قال: "يا عليّ إصعد على مِنكبي". فصعد عليّ عليه السَّلام على منكبه، ثم نهض به فألقى صنمَ  قريش الاكبر، وكان من نحاس، ثم ألقى بقيّة الاصنام إلى الارض وحطّمها.

وقد أنشد شاعر الحلة الشهير بابن العرندس، وهو من شعراء القرن التاسع الهجريّ قصيدة ذكرها فيها هذه الفضيلة بقوله:
وَصُعودُ غارب أحمد فضل لهُ         دون القرابة والصحابة أفضلا30.

ثم ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله أمر بان يُفتح باب الكعبة فوقف على الباب، وأخذ بعضادتي الباب فأشرف على الناس بطلعته المنيرة ومحياه الجميل وقال: "الحمد للّه الَّذي صدَق وعدَهُ وَنصَرَ عَبدَه وَهَزَمَ الأَحزابَ وحدَهُ".

ولقد كان اللّه سبحانه قد وعد نبيّه الكريم في آية من آيات الكتاب العزيز بأن يعيده الى مسقط رأسه اذ قال: ﴿إنَ الذي فَرضَ عَليكَ القرآن لرادُّك إلى معاد قُل ربّي اعلَمُ مَن جاء بالهدى وَمَن هُوَ في ضلال مُبين31.

وقد أخبر النبي صلّى اللّه عليه وآله بحمده هذا عن تحقّق وعد اللّه له، وبرهَن مرة اُخرى على صدقه، وصحة دعواه.

وفي ما كان الصمتُ يخيّم على أرجاء المسجد الحرام، وفي ما كانت الانفاسُ محتبسة في الصدور، وتجول في رؤوس الحاضرين وانفسهم أفكار مختلفة، وخواطرُ شتى، ويتذكر أهل مكة المشركون ما ألحقوه برسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله واتباعه من الأذى والعذاب الشديد، فتذهب بهم تصوراتهم مذاهب شتى!!

إن الذي سبق لهم أن اشعلوا حروباً كثيرة ضد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وقتلوا خيرة شبابه وأصحابه، بل وتمادوا في غيهم وعدوانهم حتى أنهم تآمروا لاغتياله بالهجوم عليه في منزله ليلاً، وتقطيعه بالسيوف إرباً إرباً، هاهمُ الآن يرون أنفسهم أسرى في قبضته، وهو صلّى اللّه عليه وآله قادر على أن ينتقم منهم كيفما شاء!!

إن من الطبيعي أن يتحدث أهل مكة في أنفسهم وهم يتذكّرون معاداتهم الشديدة والطويلة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وجرائمهم الكبرى بحقه، وبحق دعوته ويقول بعضهم: أنه سيقتلنا حتماً، أو يقتل فريقاً منا، ويحبس آخرين، ويسبي ذريتنا ونساءنا، جزاءَ ما فعلنا.

وبينما كانوا - في تلك اللحظات - فريسة هذه الافكار والتصورات الشيطانية، كسر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله جدار الصمت الرهيب الذي يخيّم على أرجاء المسجد الحرام وقال سائلاً: "ماذا تقولونُ... وماذا تظنون؟!".

فقال أهل مكة وقد تملّكتهم حيرة شديدة، وخوف عظيم وهم قد عَرَفوا رحمة النبي ورأفته،ولطفه، وخُلقه العظيم: نقول خيراً، ونظن خيراً، أخ كريم، وابن أخ كريم، وقد قدرت.

فقال رسول اللّه ونبي الرحمة صلّى اللّه عليه وآله، وقد سمع هذه العبارات العاطفية: "فاني أقولُ لكُم كما قال أخي يوسف "قال لا تثريب عليكُمُ اليوم يَغفِرُ اللّه لكُم وهُوَ أرحمُ الراحمين"32.

وكان أهلُ مكة قد اطمأنِّوا إلى عفو النبي وصفحه قبل ذلك نوعاً مّاً عند ما رأوا ردّ فعله الشديد على أحد قادة جيشه عندما  أخذ ينادي حين دخول مجموعته العسكرية مكة من احدى مداخلها:
اليومَ يومُ المَلحمة         اليومَ تُسبى الحُرمَة

فغضب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله لهذا الشعار وقال رداً عليه: "اليوم يوم المرحمة"33. كما أنه أمر - لغرض تأديب من أطلق هذا الشعار - بأخذ اللواء منه، وأعطاه إلى شخص آخر، وقيل أنّه صلّى اللّه عليه وآله عزله عن قيادة المجموعة، وأمرَّ ابنه مكانه، وكان هذا الأمير هو سَعد بن عبادة رئيس الخزرج.

وقد دفع هذا النوع من اللُطف والموقف الايجابي الذي لاحظه أهل مكة المشركون أن يأمل الناس المغلوبون في العفو العامّ إلى درجة كبيرة، خاصّة أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله قد أمّن من دخل المسجد الحرام أو بيت أبي سفيان، أو ألقى السلاح، أو أغلق على نفسه باب منزله. كلُ هذه الاُمور كانت قد فَتحت على أهل مكة بصيصاً من الأمل في العفو الشامل.

النبيُ يعلنُ عن العفو العام:
ثم إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله أعلنَ عن العفو العام عن جميع أهل مكة بقوله: ألا لبئسَ جيرانُ النبيّ كنتُم، لقد كذّبتُم، وطردتم، وأخرجتُم، وآذيتم، ثم ما رضيتُم حتى جئتموني في بلادي تقاتلونني إذهبُوا فانتمُ الطُلقاء"34.

بلالُ يرفع الأذان على سطح الكعبة:
ثم حان وقتُ صلاة الظهر، فعلا مؤذن الاسلام "بلال" الحبشي سطح الكعبة المعظمة، ورفع في الحاضرين وبصوت عال نداء التوحيد والرسالة (الأذان)، فكان كلُّ واحد من المشركين يقول كلاماً، غضباً وحنقاً على بلال.

فمنهم من قال: الحمدُ للّه الذي أكرم أبي فلم يسمع هذا البُوم!!
وقال أبو سفيان: أما أنا فلا أقولُ شيئاً، لو قلتُ شيئاً لاخبرتهُ هذه الحصباء!!35.

إن هذا العجوز الخرف المعاند الذي لم يشرق في قلبه نورُ الإِسلام حتى آخر لحظة من حياته، خلط بين مسألة الإِطلاع على الغيب، وتلقّي الحقائق عن طريق الوحي، وبين مسألة التجسس الذي يعتمده جبابرة العالم وطغاتُه.

ان مسألة اطلاع رسول الله صلّى اللّه عليه وآله على قضايا الغيب أمر يحصل بطرق غير عادية ولا متعارفة، في حين تحصل معرفة جبابرة العالم بمجريات الاُمور في بلادهم عن طريق استخدام عناصر بشرية، أو من يسمّون برجال المخابرات والأمن.

وعلى كل حال فان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله صلّى بالمسلمين صلاة الظهر ثم دعا "عثمانَ بن طلحة" وردَّ إليه مفتاح الكعبة، وقال له: "هاكَ مفتاحُك يا عثمان، اليومُ يومُ بر ووفاء"36.

ورُوى أنه صلّى عليه وآله قال: "خُذُوها يا بني أبي طلحة تالدة خالدة لا ينزعها منكم أحد إلا ظالم".

ولم يكن غير هذا بمتوقع من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله.

فإن النبي الذي بعثهُ اللّه سبحانه إلى الناس ليدعوهم إلى أداء الامانة - فيما يدعوهم إليه - وليبلّغهم قوله تعالى: "إنّ الله يأمركم بأن تؤدّوا الأمانات إلى أهلِها" من المسلّم أن يكون أول من يلتزم بهذا التعليم الالهي، فيعيد مثل تلك الامانة الكبرى إلى صاحبها.

إنه لم يكن بالذي يهضمُ حقوقَ الناس ويدوسها، في ظل ما اُوتي من قوة، ويقول للناس بكل صراحة: "خُذوها يابني أبي طلحة، تالدة خالدةً لا ينزعها أحد منكم الا ظالم".

ثم ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ألغى جميع مناصب الكعبة التي كانت في الجاهلية إلا ما كان نافعاً للناس كالسدانة والحجابة (وهي القيام بشؤون أستار الكعبة) وسقاية الحجيج37.

النبيُّ يتحدث إلى أقاربه:
ولكي يعرف أقرباء النبي صلّى اللّه عليه وآله أن وشيجة القربى التي تربطهم برسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله لا ترفع عن كاهلهم أيّة مسؤولية من المسؤوليات، بل تزيد من مسؤوليتهم ألقى فيهم خطاباً خاصاً بيّن فيه أن رابطة القربى مع النبي صلّى اللّه عليه وآله لا تبرّر لأحد من أقربائه بأن يتجاهل قوانين الحكومة الاسلامية، ويتخذ من انتسابه إلى زعيم هذه الحكومة ذريعة وغطاء لارتكاب ما لا يحلُّ للآخرين كما هو الحال في أنظمة الحكم البشرية.

ولقد شجب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله في خطابه هذا الذي خطبه في اجتماع ضمّ رجال بني هاشم وبني عبد المطلب، كل تمييز، وتفضيل غير صحيح، ودعا إلى لزوم العدل ومراعاة المساواة، بين جميع الطبقات اذ قال:

"يا بني هاشم، يا بني عبد المطلب إنّي رسولُ اللّه اليكُم، وإنّي شفيق عليكم، لا تقولوا: إنّ محمَّداً منا، فواللّه ما أوليائي منكُم ولا مِن غيركم إلا المتقون فلا أعرفكم تأتوني يومَ القيامة تحملُون الدّنيا على رقابكم ويأتي الناسُ يحملون الآخرة.

ألا وإني قد أعذرت فيما بيني وبينكم، وفيما بين اللّه عزّ وجل وبينكم وإن لي عَملي ولكم عملكم"38.

خطابُ النبي التاريخي في المسجد الحرام:
كان الاجتماع الذي شهده المسجد الحرام يوم فتح مكة اجتماعاً عظيماً جداً.

المسلمون والمشركون، والصديق والعدو حضروا بأجمعهم في ذلك الاجتماع، وكانت تجللُ هالة من عظمة الاسلام وعظمة نبيه الكريم صلّى اللّه عليه وآله رحاب ذلك المكان المبارك، وكان الصمت والهدوء، وحالة من الانتظار والترقب، تخيم على اجواء مكة.

لقد آن الأوان - الآن - لأن يكشف رسولُ اللّه صلّى اللّه عليه وآله للناس عن الملامح الحقيقية لدعوته المباركة ويوقف ذلك الحشد الهائل المتعطش على معالم رسالته العظمى، ومبادئ دينه الحنيف، وبالتالي أن يكملَ حديثه الذي بدأه قبل عشرين عاماً ولكنّه لم يُفق لإتمامه بسبب مضايقات المشركين، ومعارضتهم، وبسبب ما أوجدوه من عقبات وعراقيل في طريقه.

ولقد كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ابن تلك المنطقة، وتلك البيئة، ولهذا كان عارفاً - تمام المعرفة - بأمراض المجتمع العربي، وأدوائه، وعلاج تلك الأدواء ودوائها.

لقد كان يعرف صلّى اللّه عليه وآله علل إنحطاط المجتمع المكيّ واسباب تخلفه عن ركب الحضارة والمدنية، وعن اللحاق بقافلة التكامل البشري الصاعد.

من هنا رأى أن يضع يده على مواضع الداء في ذلك المجتمع المريض، وأن يعالج امراض البيئة العربية بشكل كامل، وكأي طبيب حاذق، وحكيم ماهر.

ونحن هنا ندرج أبرز المقاطع في الخطاب التاريخي الذي ألقاه سيد المرسلين صلّى اللّه عليه وآله على الحشود الكبيرة المتجمعة في ذلك اليوم عند بيت اللّه المعظم.

تلك المقاطع التي يعالج كل واحد منها مرضاً اجتماعياً خاصاً من أمراض المجتمع في ذلك العصر وحتى في عصرنا الحاضر.

1- التفاخر بالنسَب:
كان التفاخر بالنسب والقبيلة والعشيرة من الامراض المستحكمة المتجذرة في البيئة العربية الجاهلية، وكان من اكبر أمجاد المرء أن ينتسب إلى قبيلة معروفة، ويتفرع نسبه عن عشيرة يارزة كقريش مثلاً.

ولقد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله في خطابه المذكور لإبطال هذه السنّة الجاهلية المقيتة:

"أيّها الناسُ إنَّ اللّه قد أذهبَ عنكم نخوهُ الجاهلية وتفاخرها بآبائها.

ألا إنّكُم من آدم، وآدم من طين.

ألا إنَّ خير عباد اللّه عبدُ إتّقاه".

لقد عمد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله في خطابه - لإفهام العالم البشري بأن ملاك الشخصية والتفوق انما هو (التقوى) والورع فقط - إلى تصنيف الناس الى صنفين لا ثالث لهما، واعطى الفضيلة والمنزلة لأهل التقوى والورع خاصة.

وبهذا التصنيف الواقعي في ملاكاته أبطل جميع المعايير الخيالية والملاكات والمقاييس المصطنعة إذ قال: "إنما الناسُ رجلان: مؤمن تقي كريم على اللّه. وفاجر شَقي هَين على اللّه".

2 - التفاضل بالقومية العربية:
لقد كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله يعلم جيداً أن هذه الجماعة من البشر تعتبر (العربية) والانتساب الى العرق العربي من المفاخر الكبرى، وكانت النخوة العربية قد ترسخت في قلوب تلك الجماعة وعروقها كداء دفين ومرض مزمن، فقال في خطابه لمعالجة هذا الداء الخبيث وتحطيم هذا الصرح الموهوم: "إن العربية ليست بأب والد، ولكنه لسان ناطق، فمن قَصُر عمله لم يبلغ به حسُبه".

وهل نجد كلاماً أعمق مغرى، وأوضح مراداً، وأقوى وقعاً في النفوس من هذا الكلام؟!

3 - لجميع أبناء البشر لا لبعض دون بعض:
لقد قال داعية الحرية الحقيقية، ورائد حقوق الانسان الواقعي بهدف تقوية ودعم مبدأ المساواة بين الافراد والجماعات البشرية: "إنَّ الناس من آدم الى يومنا هذا مِثلُ اسنان المشط، لافضلَ للعربي على العجمي، ولا للأحمر على الأسود إلا بالتقوى".

وقد ألغى رسولُ الانسانية الاعظم بهذا البيان الصريح كل انواع التمييز الظالمة، وكل ألوان التشدد مع الآخرين، وفعل وبيّن في ذلك العصر ما لم يفعله ولم يبينه ميثاق حقوق الانسان مع كل هذه الضجة الاعلامية التي نشهدها في عالمنا الحاضر.

4 - الحروب الطويلة والاحقاد القديمة:
لقد نشأت الاقوام العربية - نتيجة اشتغالها المستمر بالحروب الداخلية المتلاحقة والطويلة - على الحقد والضغينة.

فقد كانت نيرانُ الحروب مشتعلة في المجتمعات العربية على قدم وساق ومن دون انقطاع.

ولقد واجه رسولُ اللّه صلّى اللّه عليه وآله بعد سيطرته الكاملة على الجزيرة العربية هذه المشكلة.

فقد كان يتوجب عليه - بغية إقرار الأمن والهدوء والحفاظ عليهما في البيئة الاسلامية - أن يبادر الى وضع نهاية لهذه المعضلة، وأن يعالج هذا الداء المزمن فلم يجد دواء لهذا الداء إلا أن يطلب من الناس كافة أن يتنازلوا عمّا لهم من دماء في أعناق الآخرين سُفِكت في العهد الجاهلي، وأن تعتبر جميع ملفات العهد القديم باطلة، ومنتهية، ليمكن عن هذا الطريق الحيلولة دون إراقة الدماء التي تعرض المجتمع الاسلامي الناشئ للخطر، وحتى ينتزع من أذهانهم ونفوسهم فكرة الاغارة والقتل العشوائي الذي كان يتمُ بحجة القصاص في حين كان من الممكن ان يتم بشكل القصاص الحقيقي العادل، فقال صلّى اللّه عليه وآله للوصول إلى مثل هذه الغاية السامية: " ألا إن كلَّ مال ومأثرة ودم في الجاهلية تحت قدميَّ هاتين".

5 - الاُخوة الاسلامية:
ولقد ارتبط قسم من خطاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله في ذلك الحشد العظيم بمسألة اتحاد المسلمين ووحدة كلمتهم، وحق المسلم على اخيه المسلم.

وقد كان مقصودُه صلّى اللّه عليه وآله من بيان هذه الحقوق المتبادلة بين المسلمين التي تعتبر من مميزات الدين الاسلامي الحنيف، هو أن يرغّب غير المسلمين في الاسلام إذا هم سمعوا ورأوا مثل هذه الحقوق، ومثل هذه العلاقات المتينة بين المسلمين.

فقد قال في هذا الصعيد:

"المُسلِمُ أخو المُسلم، والمسلمون إخوَة وهم يد واحدة على من سواهم، تتكافأ دماؤهم، ليسعى بذمتهم أدناهم"39.

معاقبة المجرمين:
ليس من شك في أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله كان مظهراً كاملاً للانسانية والرحمة ومثلاً أعلى في العفو والصفح، فهو رغم مشاعر بعض المتطرفين الملتهبة، أصدر عفوه العام عن أهل مكة كافة.

بيد أنه كان هناك بين المكيين عدة أشخاص تجاوزوا الحد في معاداتهم للنبي ومعارضتهم للرسول، وارتكبوا في هذا السبيل جرائم لا تغتفر، فلم يكن من الصالح - مع كل ما تسبّبوه من فجائع وفظائع - أن يعيشوا بين المسلمين في أمان وراحة، إذ كان من الممكن أن يسيئوا استخدام العفو النبويّ فيعودوا إلى مشاغبتهم، وتآمرهم ضدّ الاسلام مرة اُخرى ويتسببوا في ظهور مشاكل أمنية جديدة لا يُعرف مداها، وتبعاتها.

وقد قُتِلَ بعض هؤلاء المجرمين على أيدي المسلمين في الطرقات، ولجأ اثنان منهم إلى بيت "اُم هاني" بنت أبي طالب اُخت الامام علي عليه السَّلام، فلاحقهما "علي" وهو غارق في الحديد لا يُعرف، فدخلَ بيت اُمّ هانئ يطلبهما40 فواجهت اُم هانئ فارساً لا يُعرف فقالت: أنا امرأة مسلمة وقد أجرتُ هذين، وجوار المسلمة محترم.

وفي اكثر المصادر أنها قالت: يا عبد اللّه أنا اُم هاني ابنة عم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله واُختُ علي بن أبي طالب، انصرف عن داري.

وهنا عمَد الامام علي عليه السَّلام إلى الكشف عن هويته لتعرفه، فنزع المغفر عن رأسه، واسفر عن وجهه.

فما أن وقعت عينا اُم هاني على أخيها "علي" بعد فراق طال سنيناً عديدة ومديدة إلا وانحدرت منهما دموع الشوق والفرحة، واعتنقت أخاها، ثم توجها معاً الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ليعطي رأيه في أمانها، وجوارها فأمضى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله جوار تلك المرأة المسلمة، وأمانها قائلاً: "قد أجرنا من أجرتِ وأمَّنّا من أمَّنتِ فلا يقتلهما"41.

وقد كان عبد اللّه بن سرح الذي أسلم ثم ارتدّ عن الاسلام احد العشرة الذين أمر النبي بقتلهم، ولكنه نجا من القتل بشفاعة عثمان له.

قصّة عكرمة وصفوان:
ولقد فرّ "عكرمة بن أبي جهل" أحد كبار مثيري الحروب ومشعلي الفتن ضد الاسلام والمسلمين، إلى اليمن، إلا أنّه نجا من القتل هو الآخر بشفاعة زوجته، في قصة مفصلة.

وأمّا "صفوان بن اُميّة" فانه مضافاً إلى جرائمه الفادحة، كان قد قتل مسلماً إنتقاماً لأبيه "اُمية بن خلف" الذي قُتِلَ على أيدي المسلمين في بدر، وذلك عند ما صلبَهُ أمام حشد كبير من أهل مكة في وضح النهار، ولهذا أهدر رسولُ اللّه صلّى اللّه عليه وآله دمَه، فعزم ان يخرج من الحجاز عن طريق البحر فراراً من القتل، وبخاصة عند ما علم بأنه من جملة العشرة الذين أمر رسولُ اللّه صلّى اللّه عليه وآله بقتلهم وأهدرَ دمهم.

فطلب "عمير بن وهب" من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله أن يعفو عنه، فقبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله شفاعته، وأعطاه عمامَتهُ ليدخلَ بها مكة كعلامة أمان من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، ويصطحب معه إلى مكة "صفوان بن اُمية"، فذهب عُمير إلى جَدّة، وأخبر صفوان بذلك، وقدم به مكة على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله فلما وقعت عينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله على كبير المجرمين بل اكبرهم يومئذ قال له ردّاً عليه لما سأله قائلاً: أن عميراً يزعم أنك قد أمنتني ؟ "صدقت، إنزل أبا وهب".

ثم دعاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله الى الاسلام فقال: اجعلني بالخيار شهرين، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: "أنت بالخيار فيه أربعة أشهر"42.

وبهذا أمهله رسولُ اللّه صلّى اللّه عليه وآله أربعة أشهر كفرصة يفكّر فيها في الاسلام، ودعوة النبي.

إن دراسة اجمالية وسريعة لهذا الموقف تكشف القناع عن حقيقة مسلّمة في الاسلام وفي تاريخه العظيم يحاول المستشرقون المغرضون إنكارها وإخفاءها، وهو أن رؤوس الشرك كانوا أحراراً في اختيار العقيدة الاسلامية واعتناقها.

فهم اختاروها واعتنقوها بمحض إرادتهم من دون إكراه أو إجبار، ولا إرعاب أو تخويف، بل كانت القيادة الاسلامية تسعى دائماً إلى أن يتم اعتناق عقيدة التوحيد عن طريق التدبر والتفكير الصحيح، لا عن طريق الارعاب والتخويف.

هذا هو أبرز حوادث فتح مكة واكثرها عبرة، وبقي أن نتعرض لذكر حادثتين جديرتين بالاطلاع والتأمل استكمالاً لهذه الدراسة.

وتانك الحادثتان هما:

1 - مبايعة النبي نساء مكة:
بعد بيعة "العقبة" كانت هذه هي المرة الاُولى التي اخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله البيعة من النساء بشكل ظاهريّ ورسميَّ، ولقد بايعنَهُ على الامور التالية:

1 - أن لا يُشركنَ باللّه شيئاً.
2 - ولا يسرقن.
3 - ولا يزنين.
4 - ولا يقتلن أولادهن.
5 - ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهنَّ.
6 - ولا يعصين النبي في معروف.

ولقد تمت هذه البيعة بالكيفية التالية وهي: أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله أمر بقدح من ماء ثم ألقى في الماء شيئاً من الطيب والعطر ثم ادخل يده فيه وتلا الآية43 التي وردت فيه الامور المذكورة ثم نهض من مكانه وقال صلّى اللّه عليه وآله للنساء:

"مَن أرادت أن تبايع فلتُدخل يدها في القدح فاني لا اُصافحُ النساء"44.

وكانت العلّة في أخذ مثل هذه البيعة - الخاصة في موادها وبنودها - من نساء مكة هي وجود عدد كبير من النسوة الفاسدات بينهن، فلو أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله لم يُقدِم على أخذ مثل هذه البيعة منهن لكان من المحتمل أن تستأنف تلك النسوة الفاسدات عمَلهنَّ القبيح حتى في السرّ.

وكانت "هند" زوجة أبي سفيان بن حرب، واُم معاوية ذات السوابق السوداء والفاضخة من بين تلك النسوة.

وقد كانت هذه المرأة لفضاضة في طبعها، وخشونة في سلوكها، تهيمن على عقلية زوجها أبي سفيان، ولطالما فرضت عليه آراءها، حتى أنها يوم قرّر أبو سفيان الاستسلام للأمر الواقع، ورغّب أهل مكة في السلام حرّضت الناس على القتال وسفك الدماء ومواجهة جنود الاسلام.

إن تحريضات هذه المرأة بالذات هي التي أشعلت نيران الحرب في "اُحد"، تلك النيران التي كلَّفت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله سبعين شهيداً كان أبرزهم "حمزة" الذي بقرت تلك المرأةُ الفاسدة الفاجرة الحاقدة وبمنتهى القسوة والفضاضة بطنه، وشقّت صدره، واستخرجت كبده، وقطعته بأسنانها نصفين.

لم يكن لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بدّ من أخذ هذا النوع من البيعة من هذه المرأة وأمثالها في مرأى ومسمع من الناس.

وقد تلا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ما نزل من قوله تعالى من شروط البيعة عليهن، فلما بلغ إلى قوله: "ولا يسرقن" نهضت هند - وكانت آنذاك متنقبة متنكرة - وقالت: إنّ أبا سفيان رجل ممسك واللّه إني كُنتُ لأصبتُ من مال أبي سفيان الهنة بعد الهنة وما كنتُ أدري أكان ذلك حلالاً أم لا ؟

فنهض أبو سفيان وقال: ما أصبت من مالي فيما مضى وفيما غبر فهو لكِ حلال.

فعرف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله من خلال هذا الحوار بين هند وأبي سفيان أن المتكلمة هي "هند" بنت عتبة فقال صلّى اللّه عليه وآله لها سائلاً: "وانك لهند بنت عتبة" ؟!

قالت: نعم، فاعفُ عما سلَف عفا اللّه عنك !

ولما بلغ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله إلى قوله تعالى: "ولا يزنين" نهضت هند مرة اُخرى وذكرت وهي تبرئ نفسها من هذه الوصمة، وذكرت جملة كشفَت عن خبيئة نفسها من دون شعور.

فلقد قالت: يا رسول اللّه أوَتزني الحرة ؟!

لقد كان هذا الدفاع يعدُّ - من منظار علم النفس - نوعاً من كشف القناع عما في السريرة والافصاح عما في الضمير. وحيث أن هنداً كانت تعرف أنها كانت فيما مضى تفعلُ مثل هذا، وكانت واثقة من ان الناس عند سماع هذه العبارة سيلتفتون بأنظارهم إليها لذلك لهذا سارعت فوراً - ويهدف صرف الأنظار عن نفسها - إلى القول: وهل تزني إلا الأمة دون الحرة.

ومن الصدف انه كان من الرجال في ذلك المجلس بعض من سَبقت له معها علاقات غير مشروعة في العهد الجاهلي فتعجب من إنكارها، فضحك حتى استغرق في الضحك، وتسبّب دفاع هند عن نفسها في المزيد من افتضاحها45.

هدمُ بيوت الاصنام بمكة وما حولها:
كانت في مكة وضواحيها بيوت عديدة وكثيرة للاصنام التي كانت تقدِّسُها، وتحترمُها القبائلُ المختلفةُ القاطنة في تلك المناطق، وحتى يقضي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله على جُذُور الوثنية في أرض مكة قام بارسال فرق عسكرية متعددة إلى تلكم المناطق لهدم تلك المعابد، والبيوت، وإزالة الاصنام والاوثان.

كما أنّه صلّى اللّه عليه وآله أعلن في مكة نفسها أن من كان في بيته صنم فليكسره، وفي هذا السياق أرسل "عمرو بن العاص" لتحطيم صنم "سواع" وسعد بن زيد لهدم صنم "مناة".

وتوجه "خالد بن الوليد" على رأس فرقة عسكرية الى "تهامة" لدعوة قبيلة "جذيمة بن عامر" إلى الاسلام، وهدم صنم "عزّى"، وقد نهاهُ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله حين كلَّفه بهذه المهمة عن القتال وإراقة الدماء وبعث معه "عبد الرحمان بن عوف" ليعينه على ذلك.

وكانت قبيلةُ بني جذيمة قد قتلت عمّ خالد بن الوليد46 ووالد عبد الرحمان لدى رجوعهما من اليمن في ايام الجاهلية وصادرت أموالهما، ولهذا كان "خالد" يحقد عليهم.

فلما التقى "خالد" بني جذيمة في أرضهم، وجدهم قد أخذوا السلاح، وتهيّأوا لقتاله فأمّنهم وقال لهم: ضَعُوا السلاح فان الناس قد أسلموا.

فرأى زعماءُ القوم ان يضع الناسُ السلاح، ويسّلموا لجنود الاسلام، ولكن رجلاً من القوم أدرك بفطنة سوء نية خالد، فقال لزعماء القبيلة: واللّه لا أضع سلاحي أبداً، فما بعد وضع السلاح إلا الأسار، وما بعد الأسار الا ضرب الاعناق!

ولكن بني جذيمة رفضت قوله، وأخذت برأي أسيادها فوضعت السلاح، واُمِّن الناس، فأمر خالد جنوده فوراً بان يكتِّفُوا رجال القبيلة، وباتوا في وثاق.

فلما كان في السحر أمر بأن يُقتَل فريق منهم، وأطلق سراح آخرين.

وعندما بلغ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله نبأُ هذه الجريمة النكراء غضب صلّى اللّه عليه وآله على خالد غضباً شديداً، ودعا علياً من فوره، وأعطاه مبلغاً كبيراً من المال وأمره بالتوجه إلى بني جذيمة، وان يدفع دية من قُتلَ أو جرح خالد من رجالهم، وثمن كل ما خسروه أو فقدوه من أموالهم بدقة وعناية كاملتين.

فودى علي عليه السَّلام لهم كل ما أصاب خالد، حتى أنه ليدي ميلغة الكلب (وهي الاناء الذي يلغ فيه الكلب) حتى اذا لم يبق شيء من دم ولا مال إلا ودّاه بقيت معه بقية من المال، فدعا رؤساء تلك القبيلة المنكوبة وقال لهم: هل بقي لكم من دم أو مال لم يودَ لكم ؟

فقالوا: لا.

فال عليه السَّلام: فاني أعطيكم هذه البقية من المال إحتياطاً لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ممّا يُعلم ولا تعلمون.

ففعل ثم رجع الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله فاخبره الخبر فقال صلّى اللّه عليه وآله: "أصبت واحسنت".

ثم قام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله واستقبل القبلة قائماً شاهراً يديه حتى انه ليُرى ممّا تحت إبطيه وقال: "اللَّهم إنّي أبرأ ممّا صنّع خالد بن الوليد".

قالها ثلاث مرات47.

لقد تلافى علي عليه السَّلام جميع الخسائر المادية والروحية التي لحقت ببني جذيمة، وقد أعطى شيئاً من ذلك المال لمن ارتاع، وفزع من صنع خالد وجنوده، وطيّب خواطرهم وقال: وهذه لروعة القلوب.

وعند ما عرف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بصنيع عليّ عليه السَّلام وإجراءاته العادلة والانسانية مع بني جذيمة المنكوبين قال في حقه:

"واللّه ما يسرُّني يا عليُّ أنَّ لي بما صنعت حُمرَ النِعَم48... أرضيتَني رضي اللّه عنك... يا عليُّ أنت هادي اُمّتي، ألا إن السعيدَ كُلَ السعيد من أحبَّك وأخذ بطريقتك، ألا إن الشقيَّ كل الشقيّ من خالفكَ ورغبَ عن طريقتك إلى يوم القيامة..."49.

جرائم اُخرى لخالد:
لم تقتصر جرائم خالد التي ارتكبها طيلة حياته الاسلامية في ظاهرها على ما ذُكر بل لقد ارتكب جريمة اُخرى في أيام حكومة "أبي بكر" اكبر وأفظع ممّا مرت، واليك خلاصة هذه الواقعة: لقد ارتدَّت بعض القبائل - بعد وفاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، أو بالاحرى وفي الحقيقة رفضت الاعتراف بخلافة أبي بكر، وامتنعت عن أداء الزكاة إليه، فبعث أبو بكر فرقاً عسكرية
مختلفة لقمع تلك الجماعات المتمردة.

وبعث خالد بن الوليد على رأس فرقة عسكرية الى قبيلة "مالك بن نويرة" لمقاتلتها بحجة الارتداد، وكان "مالك" وجميع أفراد قبيلته على استعداد للقتال، وكانوا يقولون: نحن مسلمون، فلا معنى لمقاتلتنا.

فمكر بهم خالد على نحو مكره ببني جذيمة في عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، وأمّنهم، وطلب منهم إلقاء اسلحتهم، فلما وضعوا أسلحتهم، أمر بحبسهم، ثم قتلهم وقتل زعيمهم المسلم الصالح "مالك بن نويرة" واعتدى على زوجته في نفس الليلة50.

فهل يصحُ أن يوصفَ هذا الرجل - على هذه السوابق السوداء، ومع هذا الملفّ المخزي - بسيف اللّه، وأن يُعدَّ من اُمراء الاسلام المجاهدين الصالحين ؟!!51.


1- كان بُديل من شخصيات "خزاعة" من ذوي السن والشرف فيهم، وكان يعيش في مكة، وكان له من العمر آنذاك 97 عاماً أمالي الطوسي: ص 239.
2- امتاع الأسماع: ج 1 ص 359.
3- المغازي: ج 2 ص 780 - 794، السيرة النبوية: ج 2 ص 389 - 397، بحار الأنوار: ج 21، ص 102.
4- السيرة النبوية: ج 2 ص 397، المغازي: ج 2 ص 769.
5- المغازي: ج 2 ص 800، امتاع الاسماع: ج 1 ص 364.
6- السيرة النبوية: ج 4 ص 63.
7- بحار الأنوار: ج 21 ص 130. وامتاع الاسماع: ج 1 ص 361.
8- بحار النوار: ج 21ص 136، امتاع الاسماع: ج 1 ص 362و 363.
9- وقال ابن هشام: فأدركوها بالخليقة ج 2 ص 399.
10- السيرة النبوية: ج 4 ص 41، وذكر مؤلف الامتاع شخصين فقط هما الامام علي والزبير ج 1 ص 362.
11- امتاع الاسماع: ج1 ص 363 وغيره.
12- الممتحنة: 1 - 6، راجع السيرة النبوية: ج 2 ص 399، مجمع البيان: ج 9 ص 269و 270.
13- المغازي: ج 2 ص 802، الامتاع: ج 1 ص 362 قال: وأمِر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله الناس بالجهاز وطوى عنهم الوجه الذي يريد، فظانّ يظنُّ أنه يريد الشام وظان يظنُّ ثقيفاً وظان يظن هوازن.
14- وسائل الشيعة: ج 7 ص 124، السيرة الحلبية: ج 3 ص 90، المغازي: ج 2 ص 802.
15- الحجرات: 1.
16- الأبطال: لكارليل الانجليزي.
17- المغازي: ج 2 ص 806و 708.
18- فهو ممن اقترح على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بمكة اذموراً غير معقولة، وقد جاء ذكر هذه المقترحات في الآيات: 90 - 93 من سورة الاسراء راجع مجمع البيان: ج 6 ص 439 واُسد الغابة: ج 5 ص 213و 214.
19- يوسف: 91.
20- يوسف: 92.
21- الاصابة: ج 4 ص 90، واسد الغابة: ج 5 ص 213و 214.
22- السيرة النبوية: ج 2 ص 402.
23- بحار الأنوار: ج 21ص 114و 115.
24- السيرة النبوية: ج 2 ص 400 و 404، مجمع البيان: ج 10 ص 554 - 556، المغازي: ج 2 ص 816 - 818، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديدي: ج 17 ص 268.
25- لقد سجّل المؤرخ الاسلامي الشهير "الواقدي" عدد أفراد هذه القطعات في تاريخه "المغازي":ج 3 ص 800 و 801و ص 819 بشكل دقيق، وقد نقلها عنه ابن أبي الحديد في ج 17 ص 270و 271.
26- امتاع الاسماع: ج 1 ص 379.
27- السيرة النبوية: ج 2 ص 410، تاريخ الخميس: ج 2 ص 90 - 94 وقد ذكر صاحب تاريخ الخميس تفاصيل ما ارتكبته هذه الجماعة المهدورة دماؤها وما آل اليه أمرهم بعد فتح مكة.
28- السيرة النبوية: ج 1 ص 408، وحسب المغازي: ج 2 ص 825 - 826 قُتِلَ ثمان وعشرون رجلاً.
29- الامتاع: ج 1 ص 380.
30- مسند احمد بن حنبل: ج 1 ص 84 باسناد صحيح، السيرة الحلبية: ج 3 ص 86. تاريخ الخميس: ج2 ص 86و 87، مستدرك الحاكم: ج 2 ص 367، وراجع بقيه المصادر في موسوعة الغدير: ج 7 ص 10 - 13.
31- القصص: 85.
32- المغازي: ج 2 ص 835، بحار الأنوار: ج 21 ص 107و 132 والآية المذكورة هي 92 من يوسف.
33- المغازي: ج 2 ص 821و 822.
34- بحار الأنوار: ج 21 ص 106، السيرة النبوية: ج 2 ص 412.
35- السيرة النبوية: ج 2 ص 413.
36- السيرة النبوية: ج 2 ص 412، المغازي: ج 2 ص 838، الطبقات الكبرى لابن سعد: ج2 ص 137.
37- السيرة النبوية: ج 2 ص 412، المغازي: ج 2 ص 838، الطبقات الكبرى لابن سعد: ج2 ص 137.
38- بحار الأنوار: ج 21، ص 132.
39- بحار الأنوار: ج 21 ص 111.
40- لقد نقلنا هذه المختارات من: روضة الكافي: ص 246، السيرة النبوية: ج 2 ص 412، المغازي: ج 2 ص 836، بحار الأنوار: ج 21 ص 105، شرح ابن أبي الحديد: ج 17، ص281.
41- يقول ابن هشام إن الرجلين هما: "الحارث بن هشام" و"زهير بن أبي اُمية بن المغيرة السيرة النبوية: ج 2 ص 411.
42- الارشاد: ص 72 إعلام الورى بأعلام الورى: ص 110، السيرة النبوية: ج 2 ص 411، الطبقات الكبرى: ج 2 ص 144 و145.
43- السيرة النبوية: ج 2 ص 418 المغازي: ج 2 ص 854.
44- الممتحنة: 12.
45- بحار الأنوار: ج 21 ص 113.
46- مجمع البيان: ج 5 ص 276.
47- هو الفاكه بن المغيرة بين عبد اللّه بن عمر بن مخزوم راجع للوقوف على اصل هذه الواقعة السيرة النبوية: ج 4 ص 74 وتاريخ اليعقوبي: ج 2 ص 61.
48- السيرة النبوية: ج 2 ص 420، الكامل لابن الأثير: ج 1 ص 173 و174 امتاع الاسماع: ج1 ص 400.
49- الخصال: ص 562.
50- مجالس ابن الشيخ: ص 318.
51- الكامل في التاريخ: ج 3 ص 149، أسد الغابة: ج 4 ص 295 تاريخ ابن عساكر: ج 5 ص 105، 112 تاريخ ابن كثير: ج 6 ص 321، تاريخ الخميس: ج 1 ص 233. لقد ورَد ذِكر هذه الحادثة في كتب التاريخ في حوادث السنة الاُولى من حكومة "أبي بكر". بصورة مفصلة وقد ذكرناها ملخصة. وللوقوف على تحليل هذه القضية المؤسفة راجع كتاب النص والاجتهاد ص 61 - 75.