معرفة النبي> القرآن معجزة النبي (ص)

أعظم معجزة لنبي الاسلام

إعجاز القران

 مزايا القُرآن البيانية

بعض مزايا القران الكريم

اعجاز القران الكريم

سبب التحدي بالكلام القراني

فصاحة القرآن الكريم

تحليل إعجاز القرآن الكريم

وجه إعجاز القرآن وكونه كتاباً خارقاً للعادة

أسلوب القرآن البديع

نظم القرآن البديع

بلاغة القرآن الكريم

الشواهد على أنّ القرآن كتاباً إلهيا

عجز البشر عن الإتيان بمثله

مثالان على إعجاز القرآن البلاغي والفصاحي

إخبار القرآن عن الظواهر والقوانين الكونية

 إعجاز القرآن :الإخبار عن الغيب

إعجازه من ناحية إتقان التشريع والتقنين

نظرة القرآن الى العالم

نافذة على إعجاز القرآن

نظريات القرآن الأخلاقية شاهد على إعجازه

 صيانة القرآن من التحريف والكتب السماوية

 صيانة القرآن عن التحريف

القرآن والاكتشافات العلمية المعاصرة

 

 

مذهب الصَّرْفة

صيانة القرآن من التحريف والكتب السماوية
 

مناقشة الروايات الدالّة على تحريف القرآن وردّها صيانة القرآن من التحريف


صيانة القرآن من التحريف
إنّ الكتبَ السماويّة التي عَرَضَها الاَنبياء السابقون تعَرضت وللاَسف من بعدهم للتحريف بالتدريج بسبب الاَغراض المريضة، وبسبب مواقف النفعيّين.

ويشهَد بذلك مضافاً إلى إخبار القرآنِ الكريم بذلك شواهدُ تاريخيّة قاطعةٌ.
 
كما أنّ مطالعة نفس تلك الكتب والتأمل في محتوياتها من المواضيع تدلُّ على ذلك أيضاً، فإنّ هناك طائفة من المواضيع في هذه الكتب لا يمكن أن يؤيّدها الوحيُ الاِلَهيّ.

هذا بغضّ النظر عن أنّ الاِنجيل الحاضر يحتوي في أكثره على حياة السيّد المسيح عليه السلام، وحتى صَلْبِهِ.

ولكن رغم وقوع التحريفات الواضحة في الكتب السماويّة السابقة، فإنّ القرآنَ الكريم بقي مصوناً من أيّ نوعٍ من أنواع التحريف، والتغيير، وهذا اعتقاد الشيعة الاثني عشرية رغم افتراء المفترين. فإنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ترك للبشرية من بعده (مائةً وأربع عَشَرة) سورة قرآنيّة، كاملة، وقد قام كُتّابُ الوَحي، وبالخُصوص الاِمامُ عليٌّ عليه السلام بكتابة الوحي، وتدوينه منذ البداية.

وَلِحُسن الحظّ لم ينقص من القرآن الكريم، وسُوَره، وآياتِهِ شيءٌ قَطّ رغم مرور قرابة (15) قرناً على بدء نزول القرآن، كما لم يُزَد عليه شيءٌ أبداً. ونشير فيما يلي إلى بعض الاَدلّة على عَدَم تحريف القرآنِ الكريم:

1- كيف يمكن أن يجدَ التحريفُ سبيلاً إلى القرآنِ الكريم، في حين أنّ الله تعالى تعهَّدَ صراحةً بحفظ القرآن، بنفسِهِ إذ قال: ﴿إنّا نَحْنُ نَزَّلنا الِذّكْرَ وَإنّا لَهُ لحافِظُونَ(الحجر:9).

2- إنّ الله تعالى نفى تطرُّق أيِّ نوعٍ من أنواع الباطل إلى القرآن الكريم مهما يكن مصدرُهُ، نفياً قاطعاً فقال: ﴿لا يأتِيهِ الباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِن خَلْفِهِ تِنْزِيلٌ مِن حَكِيمٍ حَمِيدٍ(فصلت:42)

إنَّ الباطلَ الّذي يمكن أنْ يَتَطَرَّقَ إلى القرآن الكريمِ بصُوَرِهِ المختلفة، والذي قد نفاه الله تعالى نفياً قاطعاً، لا شكَّ هو الباطل الذي يوجب وَهْنَ القرآن الكريم، ويُضعِفُ مِن مكانتهِ ويَحُطُّ من مَنزلتِهِ، وحيث إنّ النَقْصَ من القُرآنِ الكريم، أو الزيادة في كلماته، وألفاظه مما يوهن مكانة القرآن قطعاً، ويقيناً، ويَحطُّ من شأنه، لهذا لا يوجد أيّ لونٍ من ألوانِ الزيادةِ والنقص في القرآن الكريم أبَداً، ويقيناً.

3- إنّ التاريخ يشهدُ بأنَّ المسلمين كانوا يعتنون بالقرآن الكريم تعلّماً وتعليماً، قراءةً وحِفظاً أشدّ الاعتناء، وكان العرب في عصر النبيّ الاَكرم صلى الله عليه وآله وسلم يتمتّعون بحافظةٍ قويّةٍ وذاكرةٍ حادّة بحيث إذا سمعوا خطبةً أو قصيدةً طويلةً مرةً واحدةً حَفِظوها، وأتقنوها.
وعلى هذا كيف يمكن أن يُقال أنّ كتاباً مثل هذا، مع كثرة قارئيه، ووفرة حافظيه والمعتنين به، تعرّض للتحريف، أو الزيادة والنقصان؟!

4- لا شكَّ في أنّ الاِمام أميرَ المؤمنين عليَّ بن أبي طالب عليه السلام كان يختلف مع الخلفاءِ، في بعض المسائل، وكان يُظهِرُ مخالفَتُهُ لهم في موارد مختلِفة بِصُورةِ منطقيّة، وتتمثل هذه الاِعتراضات في الخطبة الشقشقيّة وبعض مناشداته على سبيل المثال.
ولكنّه لم يُسَمعْ ولا مرّةً واحدةً بأنّه عليه السلام تَحَدّثَ ولا بِكلَمَةٍ واحدةٍ عن تحريف القرآن الكريم، طيلة حياته.

فإذا كان هذا التحريف حدث والعياذ بالله لما سَكتَ عنه الاِمامُ أميرُ المؤمنين عليه السلام، بل على العكس من ذلك نجده عليه السلام يدعو إلى التأمُّل والتَدَبُّر في القرآنِ الكريمِ ومن ذلك قولهُ: "لَيْسَ لاََحدٍ بَعْد القُرآنِ مِن فاقَةٍ ولا بَعْدَ القرآنِ مِن غِنىً فكونوا من حَرَثَتِهِ وأتباعِهِ"1.
وبالنظر إلى هذه الاَدلة ونظائرها أكّدَ علماءُ الشيعة الاِمامية واتّباعاً لاَهل البيت: منذ أقدم العصور الاِسلامية، على صيانة القرآن الكريم من التحريف نذكر منهم:

1- الفضل بن شاذان (المتوفّى 260 هـ ق) والذي كان يعيش في عصر الاَئمة:، وذلك في كتاب الاِيضاح:217.
2- الشيخ الصدوق (المتوفّى 381 هـ ق) في كتاب الاعتقادات:93.
3- الشيخ المفيد (المتوفّى 413 هـ ق) في كتاب أجوبة المسائل السروّية، المطبوع ضمن مجموعة الرسائل:266.
4- السيّد المرتضى (المتوفّى 436 هـ. ق) في كتاب: جواب المسائل الطرابلسيات الذي نقل الشيخ الطبرسي كلامه فيه، في مقدمة تفسيره: مجمع البيان.
5- الشيخ الطوسيّ المعروف بشيخ الطائفة (المتوفّى 460 هـ. ق) في كتاب: التبيان1|3.
6- الشيخ الطبرسيّ (المتوفّى 548 هـ. ق) في مقدمة كتابه: "مجمع البيان"، حيث أكَّدَ فيها على عدم وقوع التحريف في القرآن الكريم.
7- السيد ابن طاووس (المتوفّى 664 هـ. ق) في كتاب: "سعد السعود|144" حيث يقول فيه: إن عدم التحريف هو رأي الاِماميّة.
8- العلامة الحِلّي (المتوفّى 726 هـ. ق) في كتاب: "أجوبة المسائل المهنّائية:121" حيث يقول فيه: "الحقُّ أنّه لا تبديلَ ولا تأخير ولا تقديم فيه، وأنّه لم يُزَد فيه ولم يُنْقص، ونعوذ بالله تعالى من أن يُعتَقَدَ مثلُ ذلك، فإنّه يوجب التَطَرُّق (أي تطرّق الشَكّ والوَهْن) إلى معجزة الرَسُّول عليه السلام المنقولة بالتّواتر".

ونكتفي بهذا القدر من أسماء علماء الاِمامية المنكرين للتحريف، ونؤكّد على أنّ هذا كان ولم يزل إعتقاد عُلَماء الامامية، ويتّضح ذلك من مراجعة ما كتبه ويقوله مراجع الشيعة في العصر الحاضر.

مناقشة الروايات الدالّة على تحريف القرآن وردّها
لقد وَرَدَت في كتب الحديث، والتفسير، رواياتٌ يدل بعضُها على وُقوع التحريف في القرآن الكريم، ولكن يجب أن ننتبه إلى النقاط التالية:

أوّلاً: أنّ أكثر هذه الروايات نُقِلَتْ بواسطة أفراد غير موثوق بهم وجاءت في كتب لا قيمة لها. مثل كتاب "القراءات" لاَحمد بن محمد السياري (المتوفّى 286 هـ ق) الذي ضَعَّفَهُ علماءُ الرجال وضعَّفوا رواياته، واعتبروه فاسد المذهب2 أو كتاب علي بن أحمد الكوفي (المتوفّى 352 هـ ق) الذي قال عنه علماء الرجال بأنّه صار غالياً في أُخريات حياته3.

ثانياً: بعض هذه الروايات التي حُمِلَت على التحريف، لها جانبُ التفسير، أي أنّها تفسّر الآية، وتكون من قبيل تطبيق المفادِ الكليّ للآية على مصاديقه، أو أحد مصاديقه. غير أنّ البعضَ تصوّر أنّ ذلك التفسير والتطبيق هو جزءٌ مِن القرآن الكريم، وقد حُذِفَ، أو سقطَ من القرآن الكريم.
فمثلاً فُسرت لفظةُ "الصِراط المُستَقيِم" في سورة الحمد في الروايات بـ"صراط النبي وأهل بيته" ومن الواضح جدّاً أنّ مثل هذا التفسير هو نوع من أنواع التطبيق الكليّ على المصداق الاَكمل4.
ولقد قَسَّمَ الاِمامُ الخمينيّ؛ الرواياتِ التي فُهِمَ منها وقوعُ التحريف في القرآن الكريم إلى ثلاثة أقسام:

أ- الروايات الضَعيفةُ التي لا يمكن الاِستفادة منها والاَخذ بها أبداً.
ب- الروايات المختلَقَة التي تلوح عليها علائم الوضع والاِختلاق.
ج- الروايات الصحيحة التي لو تأمَّلْنا فيها بدقّة لاتّضح أنّ المقصودَ منها ليس هو التحريف اللَفظيّ (أي الزيادة والنقصان اللفْظِيّ) بل هو تحريف حقائِقها ومفاهيمها5.

ثالثاً: انّ الواجب على الذين يريدون التعرّف على المعتقد الواقعي لاَتباع مذهب من المذاهب، أنْ يرجعوا إلى الكتب الاعتقاديّة والعِلمية لذلك المذهب، لا الكتب الحديثية (أي التي تضم الاَحاديث والاَخبار) التي يَهتَمُّ مؤلفها في الاَغلب بجمع الاَحاديث وتدوينها، تاركاً التحقيق فيها، والاِستفادة منها للآخرين.
كما أنّه لا يكفي لمعرفة المعتقد الحقيقيّ والمسَلَّم لاَي مذهَبٍ من المذاهب، الرجوعُ إلى الآراء الشاذّة التي طَرَحَها أو يطرحُها أفرادٌ من أتباع ذلك المذهب.
وأساساً لا يمكن الاِستناد إلى قولِ فردٍ أو فردين في مقابل رأي الاَكثريّة القاطعة والساحقة من عُلَماء المذهب وجعله مِلاكاً صحيحاً للحُكمِ على ذلك المَذهَب.
وفي خاتمة البحث عن التحريف من الضَروريّ أنْ نُذَكّرَ بعدة نقاط هي:

1- إنّ اتّهام بعض المذاهب الاِسلامية البعضَ الآخر بتحريف القرآن وخاصّة في العصر الحاضر لا يستفيد منهُ سوى أعداء الاِسلام، وخصومه، ومناوئيه.

2- إذا أقدَمَ أحدُ علماء الاِمامية بكتابة كتاب حولَ تحريف القرآن، وجب أن نعتبر ذلك رأيه الشخصيّ وليس رأيَ الاَكثريّة الساحقة من علماء الاِمامية.
ولهذا نرى أنّه أقدم علماءُ كثيرون من الاِِمامية على كتابة ردودٍ عديدةٍ على ذلك الكتاب. تماماً كما حَدَثَ في أوساط أهل السنة حيث أقدم أحدُ علماء مصر على تأليف كتابٍ في تحريف القرآن باسم "الفرقان" عام 1345 هـ. ق، فَرَدَّ عليه علماءُ الاَزهر، وأمَرُوا بمصادَرَتِهِ.

3- إنّ من العجيب جداً أن يحمل بَعْضُ المغرضين الذين أيسوا من الاَساليب الاَُخرى، كلّ هذه التصريحات القاطعة من قِبَل علماء الشيعة الاِماميّة بعدم تحريف القرآن الكريم على "التقيّة"!!
فإنّه يقال لهؤلاء بأنّ "التقية" ترتبط بأحوال شخصٍ يكون في ظروف الخوف والخطر، وهؤلاء العلماء الكبار لم يكونوا يخافون أَحداً حتّى يضطرّوا إلى ممارسة "التقيّة".
ثم إنّ هذه الكتب قد ألّفها علماءُ الاِمامية في الاَساس لاَتباع المذهب الشيعيّ، والهدف منها هو تعليم عقائد الشيعة لاَتباع ذلك المذهب، ولهذا فإنّ من الطبيعي أنْ تحتوي هذه الكتُبُ على العَقائِدِ الحقيقية.

*العقيدة الاسلامية،آية الله جعفر السبحاني،مؤسسة الامام الصادق عليه السلام.ط1،ص169-176


1- نهج البلاغة، الخطبة 176.
2- رجال النجاشي: 1:211 رقم الترجمة 190.
3- رجال النجاشي: 1:96 رقم الترجمة 689.
4- الطبرسي: مجمع البيان: 1:28.
5- تهذيب الاَُصول: 2:96.