سيرة سيد المرسلين> حوادث السنة الثامنة للهجرة

غَزوةُ ذات السَلاسِل

الامامُ عليُّ ينتدَب لقيادة العملية تفاصيل هذه الغزوة
إعتراض وجواب عوامل انتصار الامام عليّ في هذه الموقعة


منذُ أن هاجرَ رسولُ اللّه صلّى اللّه عليه وآله إلى المدينة، وأصبحت "المدينة" مركز الإسلام وقاعدته، وموضع تمركز المسلمين وعاصمتهم، ظلَّ رسولُ اللّه صلّى اللّه عليه وآله يراقب أوضاع أعداء الاسلام، ويرصد تحركاتهم، ومؤامراتهم، وكان يولي مسألة تحصيل المعلومات المفصَّلة عن المتآمرين من المشركين وغيرهم إهتماماً كبيراً، ويعمد دائماً إلى إختيار أفضل العناصر لإرسالهم - بمختلف الحجج - إلى نواحي مكة، وبثّهم في القبائل المشركة المختلفة لتجسس أخبارهم، والتعرف على نواياهم، وتدابيرهم.

ولقد استطاع النبيّ صلّى اللّه عليه وآله بفضل الاطّلاع المبكِّر والدقيق على المؤامرات التي كانت تحاك ضدَّه أن يُفشِّلَ الكثير من خططهم.

فقد كان صلّى اللّه عليه وآله يباغت العدوّ، ويحاصره قبل أن يتحرك من مكانه، عن طريق المجموعات العسكرية التي كان يقودها بنفسه، أو التي كان يؤمِّر عليها أحد أركان جيشه ويوجّهها صوب مكان تجمع العدو، فيقرّفون جمعهم، ويشتتون شملهم، ويقضون على المؤامرة في مهدها، وبهذا كان الكيان الاسلامي في أمن من خطر الأعداء، وكان هذا العمل وهذا التدبير يجنّبُ الطرفين المزيد من إراقة الدماء، وإزهاق الأرواح.

إنّ الاطّلاع المبكِّر على أسرار العدوّ العسكرية، ومعرفة حجم طاقاته، ومبلغ إستعداداته، واكتشاف خططه، وتكتيكاته يُعدّ من العوامل الجوهرية، والمؤثرة في الظفر والانتصار.

فلِلذّول الكبرى اليوم أجهزة طويلة وعريضة، وتشكيلات واسعة، ومعقَّدة لإعداد وتخريج الجواسيس البارعين، وإرسالهم إلى النقاط والمراكز المطلوب اكتشاف أسرارها، والتعرف على أوضاعها وخصوصياتها، وترصد هذه الدول ميزانيات ضخمة لهذا الغرض1.

وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله أوّل من ابتكر في تاريخ الاسلام هذا العمل في صورته المنظَّمة، وتبعه في ذلك الخلفاء الذين جاؤوا من بعده، وبخاصّة الامام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب الذي كان يستعين بجواسيس وعيون كثيرين في مجالات مختلفة، عسكرية، وإدارية.

فكان عليه السَّلام إذا نصبَ والياً على بلد، جعل عليه عيناً يراقب أعماله وتصرّفاته، ويخبر الإمام بها أوّلاً بأوّل، فكان الإمامُ يكتب إلى ذلك الوالي، ويوبّخه على تصرفاته وانحرافاته إن بلغَهُ شيء من ذلك2.

ولقد كلّفَ رسولُ اللّه صلّى اللّه عليه وآله في السنة الثانية ثمانية رجال من المهاجرين، بالتوجّه تحت إمرة "عبد اللّه بن جحش" إلى موضع معين، والنزول فيه، للتعرف على نشاطات قريش، ومؤامراتهم.

وقد كان عدم مفاجأة قريش للنبيّ صلّى اللّه عليه وآله في معركة "اُحُد" وخروجه المبكِّر من المدينة بقواه، وجنوده، والنزول في منطقة مناسبة عسكرياً خارجها، وحفره المبكِّر أيضاً للخندق المعروف في شمال المدينة، والذي منع العدو (جيش الأَحزاب) من اقتحام المدينة المنوَّرة، كل ذلك كان نابعاً من معرفة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله المسبقة والدقيقة بأسرار العدوّ، ونواياه، وحجم قواته، وبالأَرض، وذلك عن طريق عيونه وجواسيسه الاذكياء اللبقين، اليقظين الذين كانوا يرصُدون - بدقة وباستمرار - أوضاع العدوّ، وتحركاته، وينقلون معلوماتهم إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وبذلك كانوا يقومون بواجبهم الديني في مجال الحفاظ على عقيدة التوحيد، وصيانتها من خطر السقوط.

إن هذا التدبير الذكيّ، والطريقة الحكيمة التي ابتكرها وأخذ بها رسولُ اللّه صلّى اللّه عليه وآله تُعتبر أكبر درس للمسلمين اليومَ، ودائماً.

ولهذا يتوجبُ على قادة المسلمين المخلصين أن يعرفوا بكل ما يُحاك - في بلاد الاسلام او في غيرها من بلاد العالم - من مؤامرات ضدّ المسلمين، وما يدبَّر من خُطَط لتقويض دعائم الاسلام، ويبادروا إلى إطفاء شرارات الفتن في مهدها، وقبل اشتعالها، وأن يسلكوا نفس المسلك الذي سلكه رسولُ الاسلام صلّى اللّه عليه وآله ليحصلوا على ذات النتيجة، ولا شك أنّ مثل هذا العمل لا يتيسَّر من دون أجهزة مناسبة، ومن دون تشكيلات خاصّة.

ولقد استطاع رسولُ اللّه صلّى اللّه عليه وآله في غزوة "ذات السلاسِل" الذي هو موضوع بحثنا الآن، أن يطفئ نار الفتنة عن طريق استخدام المعلومات الدقيقة التي حصل عليها عن العدوّ.

ولو أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله أغلق على نفسه هذا الباب لتحمَّل خسائر لا تُجبَر، ولتعرّضت الكثير من جهوده المباركة في سبيل نشر الدعوة الاسلامية لخطر الفشل والإخفاق.

تفاصيل هذه الغزوة:
لقد أبلغ العيون وعناصر المخابرات الاسلامية رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بأن آلافاً من الناس قد تحالفوا وتعاقدوا في ما بنيهم في منطقة تدعى ب: "وادي اليابس" على التوجّه اإلى المدينة المنوَّرة للقضاء على الاسلام بكل ما لديهم من قوة، فإمّا أن يُقتَلوا في هذا السبيل، أو يقتلوا "محمَّداً" أو فارسه البطل الفاتح "علي بن أبي طالب"!!

ويقول علي بن إبراهيم في تفسيره: "نزل جبرئيل على محمَّد صلّى اللّه عليه وآله وأخبره بقصتهم، وما تعاقدوا عليه وتواثقوا"3.

غير أنَّ شيخَ الشيعة ومحققهم الكبير المرحوم "الشيخ المفيد" (المتوفى عام 413 هجري) يقول: بأنّ أَعرابياً جاء إلى النبيّ صلّى اللّه عليه وآله، وأخبره باجتماع قوم من العرب بوادي الرمل4 للتآمر عليه، وعلى الاسلام، (واضاف) بأنهم يعملون على أن يبيّتوه بالمدينة5.

فرأى رسولُ اللّه صلّى اللّه عليه وآله أن يُطلِعَ المسلمين على هذا الأمر، فأمر مؤذنه بأن ينادي: الصلاة جامعة وهي جملة كان يراد منها اجتماع الناس للصلاة واستماع أمر مهمّ وذي بال.

فعلا مؤذن النبي صلّى اللّه عليه وآله مكاناً مرتفعاً ونادى: الصلاة جامعة، فسارع المسلمون إلى الاجتماع في مسجد النبي صلّى اللّه عليه وآله ثم رقى النبيّ صلّى اللّه عليه وآله المنبر وقال في ما قال: "أيُّها الناس، إنَّ هذا عَدوَّ اللّه وعدوَّكم قد عمل على أن يبيِّتكم فمَن لهم؟".

فانتدب جماعة أنفسهم لهذا الأمر، وأمّر عليهم النبيّ صلّى اللّه عليه وآله أبا بكر، فوجه أبو بكر بتلك المحموعة إلى قبيلة "بني سليم"، ولما سار بهم مسافة واجه أرضاً خشنة وكانت قبيلة "بني سليم" تسكن في شعب واسع، فلمّا أراد المقاتلون المسلمون ان ينحدروا إلى الشعب عارضهم بنو سليم وقاوموهم، فلم ير قائد المجموعة بُدّاً من الانسحاب بمجموعته والرجوع بهم من حيث أتى!! يقول علي بن إبراهيم في تفسيره: قالوا (أي بني سليم لأبي بكر): ما أقدمك علينا؟

قال: أمرَني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله أن أعرض عليكم الاسلام فان تدخُلوا فيما دخل فيه المسلمون لكم ما لهم، وعليكم ما عليهم، وإلا فالحربُ بيننا وبينكم.

فهدّده زعماء تلك القبيلة - وهم يباهون بكثرة رجالهم ومقاتليهم - بقتله وقتل من معه، فاُرعبَ لتهديدهم وعاد بجماعته إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله رغم أن أفراده كانوا يصرّون على مقاتلة بني سليم تنفيذاً لأوامر النبي صلّى اللّه عليه وآله!!

ولقد أزعجت عودةُ الجيش الاسلامي بهذه الصورة المهينة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، فأمر عمر بن الخطاب أن يتولى قيادة تلك المجموعة ويتوجه بها إلى "وادي اليابس"، ففعل عمر ذلك.

ولكن العدوَّ كان قد ازداد - هذا المرة - يقظة وتحسباً فكمن عناصره عند فم الوادي، واختبأوا وراء الاحجار والاشجار بحيث يرون المسلمين، ولا يراهم من المسلمين أحد.

ولهذا خرجوا على المسلمين بغتةً عندما حلّ الجيش الاسلاميّ بذلك الوادي، وقابلوهم ببسالة وشجاعة، فأمر قائد المجموعة الاسلامية أفراده بالانسحاب، وعاد بهم إلى المدينة مهزوماً مذعوراً كسابقه، فلقي من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله مالقيه صاحبه من قبل من الاستياء، والكراهية.

وهنا قال عمرو بن العاص وكان من دهاة العرب وساسته الماكرين، وقد كان يومئذ قريب عهد بالاسلام: إبعثني يا رسول اللّه اليهم، فإن الحرب خدعة، فلعلّي أخدعُهم!

فأنفذه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله مع جماعة ووصّاه فلما صار إلى الوادي خرج اليه بنو سليم فهزموه، وقتلوا من أصحابه جماعة!

الامامُ عليُّ ينتدَب لقيادة العملية:
هذه الهزائم المتلاحقة أزعجت المسملين وأحزنتهم بشدة فعمد رسولُ اللّه صلّى اللّه عليه وآله إلى تنظيم مجموعة جديدة واختار لقيادتها "عليَّ بن أبي طالب"، وأعطاه راية.

وطلب عليّ عليه السلام من زوجته "فاطمة" بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله أن تأتي له بالعصابة التي كان يشدّها على جبينه في اللحظات الصعبة، فتعصَّب بها، فحزنت "فاطمة" لمنظر زوجها وهو يتوجه بمثل هذه الصورة إلى "وادي اليابس" للقيام بأمر خطير، وبكت إشفاقاً عليه، فسلاها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وهدّأها، ومسح الدموع عن عينيها6.

ثم انّه صلّى اللّه عليه وآله شيّع عليّاً حتى بلغ معه مسجد الأحزاب، وعليّ راكب على فرس أبلقٍ، وقد لبس بردين يمانيّين، وحمل رمحاً هندياً بيده.

ثم توجّه علي عليه السلام بأفراده نحو الهدف، إلا أنه سلك طريقاً غير الطريق المعروفة ليعمّي على العدوّ، حتى أن الذين خرجوا معه تصوّروا أنه يقصد العراق، وقد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله في علي عليه السلام حينما وجّهه لهذه المهمة: "أرسلته كراراً غير فرّار".

إن تخصيص "عليّ" عليه السَّلام بهذه الجملة يكشف عن أن القادة الذين سبقوه في هذه الحادثة لم ينسحبوا فقط، بل كان انسحابهم مقروناً بالهزيمة القبيحة.

عوامل انتصار الامام عليّ في هذه الموقعة:
هذا ويمكن أن نلخّص عوامل انتصار الامام عليّ عليه السَّلام في هذه الموقعة في ثلاثة اُمور اساسية هي:

1 - أنه عليه السَّلام أخفى مسيره ووجهته على العدوّ، فلم يشعر العدوّ بوجهته ومقصده، لأنّه غيّر مسيره حتى لا يعرف العدو به بواسطة الأعراب من سكان البادية.

2 - أنه عليه السَّلام اتّبع مَبدءاً هامّاً من مبادئ العمل العسكري، واستخدم تكتيكاً مهماً من التكتيكات الحربية وهو: مبدأ الكتمان والتستّر، فقد كان عليه السَّلام يسير بأفراده ليلاً، ويكمن نهاراً، يستريح خلاله. وهكذا حتى دنا من ارض العدوّ، وقبل أن يصل فم الوادي أمر جنوده بالنزول والاستراحة لاستعادة نشاطهم من جهة، ولكي لا يحسّ العدوُ بمجيئهم من جهة اُخرى. ولهذا السبب الأخير نفسه أمر عليه السَّلام جنوده بان يكمُّوا أفواه خيولهم حتى لا يشعر العدوُّ بوجودهم بصهيلها.

وعند الفجر صلّى "عليُّ" عليه السَّلام بجنوده صلاة الصبح، ثم صعد بهم الجبَلَ حتى وصل إلى القمة، ثم انحدر بهم - بسرعة فائقة - إلى الوادي حيث يسكن "بنو سليم" فأحاطوا بهم وهم نيام، فلم يستيقظوا إلا وقد حاصرهم المسلمون، فأسَرُوا منهم فريقاً، وفرَّ آخرون.

3 - شجاعة "عليّ" عليه السَّلام وبسالته النادرة فهو الذي قتل الشجعان الاربعة المعروفين في تلك الموقعة فأرعب العدو إرعاباً شديداً فقد معه القدرة على المقاومة في وجه عليّ عليه السَّلام ففرّ تاركاً وراءه شيئاً كثيراً من الغنائم7. ولقد عاد بطلُ الاسلام الظافر إلى المدينة بفتح لا سابق له، فخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله في جماعة من أصحابه لاستقباله، واستقبال من معه من جنود الاسلام.

وما أن وقعت عينا القائد الفاتح على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله حتى ترجّل من فرسه فوراً، فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وهو يربت على كتفه: "إركب فانَّ اللّه ورسوله عنك راضيان".

وفي هذه اللحظة بالذات اغرورقت عينا "عليّ" عليه السَّلام بالدموع استبشاراً فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله في شأن "عليّ" عليه السَّلام قولته المعروفة: "يا عليّ لَولا أَنّي اُشفقُ أن تقولَ فيك طوائف مِن اُمتي ما قالت النصارى في المسيح لقلتُ فيك اليوم مقالاً لا تمرُّ بملأَ من الناس إلا أخذوا التراب من تحت قدميك"8.

ولقد بلغت تضحية "عليّ" عليه السَّلام وبسالته، وشجاعته في هذه الواقعة من الأهمية بحيث نزلت فيها سورة كاملة هي سورة العاديات التي يقول سبحانه فيها: "بِسم اللّه الرحمن الرحيم والعاديات ضَبحاً فالمُوريات قَدحاً فالمُغيراتِ صُبحاً فأثَرنَ به نقعاً فوسطن به جمعاً". إن القسَم بخيول الغزاة المغيرين صبحاً، والمشعلين بحوافرها شرارات الفتح والانتصار. إنَّ هذا القسم الحماسيّ الجميل لهو تكريم رائع لبطولات جنود الاسلام في هذه العملية الظافرة، واكبار بروحهم القتالية العالية.

إعتراض وجواب
هذا ولقد اعترض بعض الملحدين ذات مرّة على هذا النوع من الأيمان والأقسام في القرآن الكريم وقال ساخراً: وماذا يعني القَسم بالخيول الضابحة، العادية، والشرارات المنقدحة من حوافرها؟!

ولقد غاب عن هذا الملحد أن القَسم بخيول الغزاة المجاهدين أو القسم بالشرارات المنقدحة من حوافرها بسبب احتكاكها بالصخور في أرض المعركة إنما إشعار بأهمية الجهاد ضدّ الظالمين أعداء البشرية.

إنّ مثل هؤلاء الجنود البواسل ليسوا وحدهم الذين يحظون - في نظر الاسلام - بمنزلة رفيعة ومكانة عالية، بل خيولُهم التي تحملهم في هذا الجهاد المقدَّس، وكذا الشرارات التي تنقدح من حوافرها تحظى بالقداسة والأهمية أيضاً.

وأية قيمة - ترى - أعلى من محاربة الظالمين الجائرين، وانقاذ البشرية من براثن ظلمهم وجورهم، ومن حيفهم وعسفهم؟؟

إنّ مثل هؤلاء وما يمكِّنهم من أهدافهم من الأدوات، والوسائل مقدَّسون جميعاً، لأنهم يحررون - بجهادهم - الانسانَ من قيود الطغاة، الظالمين، ويمهّدون لحاكمية اللّه في الأَرض، وأي هدف أعلى واعظم قدسية من هذا الهدف؟

ولقد دعا القرآن الكريمُ المؤمنين - من خلال تقديس خيول المجاهدين وضبحهم وعدوهم وشرارات حوافرهم - إلى العناية بالجهاد دائماً، وإلى تجميع قواهم، والاستعداد لكسر القيود التي ترزح على أيدي البشرية وأرجلها وعقولها، والى تحطيم القلاع التي ضربها الطغاة على الشعوب المغلوب على أمرها.

أجل، ان فِرقَ التحرير والجهاد الاسلامية لا تستحق وحدها التقديس والاكبار بل تستحق خيولها ومراكبها، وشرارات حوافرها التقديس كذلك.

ولقد استبدلت تلك الخيول هذا اليوم بالدّبابات والطائرات فهي مقدسة أيضاً، كما كانت خيول الغزاة والمجاهدين في عصر الرسالة، كما وأن أزير محركاتها، هو الآخر يحظى بالتقديس كما كانت أنفاسُ الخيول تحظى بالتقديس في عصر الرسالة لأنها تحقق ذات الهدف، ونفس الغاية المقدسة وهي: تحرير الانسان من براثن الظلم والطغيان. هذا هو ملخص غزوة "ذات السلاسل" التي سَجَّلها وضبَطها مفسّرو الشيعة، ومؤرِّخوهم، ورَوَوها بأسناد صحيحة.

غير أن مؤرخّي أهل السنة كالطبري9 روى هذه الواقعة بنحو آخر يختلف عما ذكرناه هنا، اختلافاً شاسعاً.

ولا يبعد أن يكون "ذات السلاسل" إسماً لغزوتين نَقلَ كل واحد من الفريقين: "السنّة والشيعة" واحدة منها، وأعرض عن ذكر الاُخرى لأَسباب خاصة.


1- راجع: كتاب: المخابرات والعالم وغيره.
2- راجع: نهج البلاغة قسم الرسائل والكتب، رقم 33، 45 وكتاب الغارات.هذا وقد بحثنا موضوع الاستخبارات والتجسس في النظام الاسلامي بصورة مسهبة في كتابنا: معالم الحكومة الاسلامية، فراجع.
3- تفسير علي بن ابراهيم: ج 2 ص 334 سورة العاديات.
4- يحتمل أن يكون وادي الرمل هو وادي اليابس نفسه. وذلك للمناسبة بين الوصفين.
5- الارشاد: ص 86.
6- بحار الأنوار: ج 21 ص 81، الارشاد: ص 87.
7- تفسير فرات الكوفي: ص 222 - 226، مجمع البيان: ج 10 ص 538.
8- الارشاد: ص 84 - 86.
9- تاريخ الطبري: ج 2 ص 315، السيرة الحلبية: ج 3 ص 190و 191، والمغازي: 2 ص 769- 774.