سيرة سيد المرسلين> حوادث السنة السابعة للهجرة

قلعةُ خيبر أو بُؤرة الخطر

متاريس اليهود تتهاوى إحتلالُ النقاط والطرق الحساسة ليلاً
الانتصار الكبير في خيبر التقوى في ظروف المخمصة الشديدة
ثلاث نقاط مشرقة في حياة علي عليه السَّلام تحريف الحقائق
الرحمة في ساحة القتال عوامل الانتصار
العفو بعد الانتصار قافلة من أرض الذكريات
  سلوك اليهود المتعجرف


يوم طلع نجمُ الاسلام في أرض المدينة حقدت اليهود على رسول اللّه، والمسلمين اكثر من قريش، وعملت بمختلف الطرق والحيل من اجل القضاء على الاسلام والإيقاع برسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وأصحابه.

ولقد ابتلي يهود المدينة وما حولها بمصير سّيئ نتيجة أعمالهم وتصرّفاتهم السيئة، فقُتِلَ فريق منهم، واُجلي آخرون مثل قبيلة بني قينقاع وبني النضير من أَرض المدينة فسكنوا "خيبر" و"وادي القرى" أو نزلوا باذرعات الشام.

وكانت خيبر منطقة واسعة وخصبة تقع على بُعد اثنين وثلاثين فرسخاً من المدينة كان قد سكنها اليهود قبل بعثة النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وبنوا فيها سبع قلاع وحصون قوية لتحصنهم وتحفظهم.

وحيث أن التربة والمناخ في تلك المنطقة كانت قد جعلت من تلك المنطقة مكاناً جيداً وصالحاً للزراعة جداً، لذلك كان سكانها اليهود قد حصلوا على مهارة كبرى في اُمور الزراعة وجمع الثروات، وتهيئة وسائل الدفاع والقتال، وإعداد السلاح والقوة.

وكان عدد نفوسها يقارب عشرين الف نسمة بينهم عدد كبير من المقاتلين الشجعان1.

إن أكبر ذنب اقترفه يهود "خيبر" هو أنهم شجّعوا جميع القبائل العربية على محاربة الحكومة الاسلامية والقضاء عليها، واستطاع جيش الاحزاب المشرك بمساعدة يهود "خيبر" أن يتحركوا في يوم واحد من مختلف مناطق الجزيرة العربية لاجتياح المدينة واستئصال المسلمين في أكبر تحالف عسكري واتّحاد نظاميّ من نوعه في ذلك العصر كما سبق وأن عرفت في قصة "معركة الأحزاب" ولكن هذا الجيش المعتدي الظالم تفرّق بفعل تدابير رسول الاسلام الحكيمة وأصحابه بعد شهر من الانتظار خلف الخندق، وتقهقر وعادت أحزابه ومن جملتهم يهود خيبر متشتتة متفرقة إلى أوطانها تجرّ أذيال الخيبة والخسران، واستعادت عاصمة الإسلام استقرارها وأمنها.

إنّ خيانة، وخباثة ولؤم يهود خيبر حملت رسول اللّه صلّى اللّه عليه واله على أن يقضي على بؤرة المؤامرة ومركز الفساد والخطر هذا، وأن يجرّد سكانها جميعاً من السلاح، لأنه كان يخشى أن يعود هذا الشعب المعاند الخبيث- ببذل الأموال الطائلة- إلى تأليب العرب الوثنيين مرة اُخرى ضد المسلمين ويعيدوا قصة الأحزاب مرة اُخرى. وخاصة أن تعصّب اليهود لدينهم ومعتقدهم كان أشدّ من تعصّب قريش للوثنية، ولهذا التعصب كان يسلم ألفُ مشرك وثنيّ ولا يدع يهوديُ واحد دينه، ومعتقده!!

ثم إنّ عاملاً آخر حمل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله على تحطيم قدرة الخيبريين وشوكتهم، وانتزاع السلاح منهم ورصد تحركاتهم بواسطة فرسانه ورجاله، أنه راسل الملوك والسلاطين، ودعاهم جميعاً وبشكل قوي الى الاسلام، فلم يكن من المستبعد أن يستغل "كسرى" و"قيصر" يهود خيبر فيتعاونوا جميعاً للقضاء على الاسلام والنهضة الاسلامية في مهدها، أو تحرك اليهود ذينك الملكين ضدّ الاسلام كما حرّكت من قبل المشركين ضدّ هذا الدين، وتسبّبت في وقوع مشاكل.

خاصة أن الشعب اليهودي كان ضليعاً في الحروب التي دارت بين الروم والفرس في تلك العصور، وكان اليهود يتعاونون مع أحد الطرفين.

من هنا رأى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ان من الحكمة بل ومن الضرورة بمكان أن يطفئ شرارة الخطر هذه إلى الأبد.

وكانت هذه الفرصة أفضل الفرص لهذا العمل، لأنّ بال النبيّ كان قد فرغ من ناحية الجنوب (أي قريش) بعد صلح الحديبية، وكان يعلم أنه لو أقدم على عمل ضد اليهود لم تمتد يد من جانب قريش لمساعدتهم، ولكي يمنع من وصول أيّة مساعدات وامدادات لهم من ناحية قبائل الشمال مثل "غطفان" الذين كانوا أصدقاء ليهود خيبر والمتعاونين معهم في معركة "الاحزاب" نفذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله خطة سيأتي تفصيلها مستقبلاً.

لهذه الاسباب والعوامل والاعتبارات أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله المسلمين بالتهيّؤ لغزو خيبر آخر مركز من مراكز اليهود في الجزيرة العربية. وقال:"لا تخرجوا معي إلا راغبين في الجهاد أما الغنيمة فلا".

ثم إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله استخلف على المدينة "نميلة بن عبد اللّه الليثي"، ودفع راية بيضاء الى "عليّ بن أبي طالب" عليه السَّلام وأمر بالتوجه إلى خيبر، ولكي تسرع الابل في سيرها اذن لعامر بن الاكوع أن يحدوا بالابل لان الابل تُستَحبِّ بالحداء، فأخذ يرتجز قائلاً:

واللّه لولا اللّه ما اهتَديَنا         ولا تصَدّقنا ولا صَلَّينا

إنّا إذا قوم بَغُوا علينا             وإن أرادوا فتنة أبينا

فَأَنزلن سكينة علينا               وثبت الأقدام إن لاقينا


وقد عكست هذه الأبيات الجميلة جانباً من هدف هذه الغزوة، فهي تفيد أن اليهود ظلمونا، وأشعلوا نيران الفتنة وقد خرجنا لاطفائها، وتحمّلنا في سبيل ذلك عناء هذا السفر.

ولقد سُرّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بمضامين هذه الابيات فدعا لابن الاكوع، وقال: "يرحمك اللّه" وقد استشهد ابن الاكوع هذا في هذه الغزوة.

هذا وقد كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله يراعي مبدأ الاستتار في جميع تحركاته العسكرية، فقد كان يحب أن لا يعرف العدوُّ بمسيره ومقصده حتى يفاجئ العدو ويباغته، ويحاصره قبل أن يستطيع فعل شيء، هذا مُضافاً إلى ناحية اُخرى وهي أن يظن حلفاء العدوّ الذي يقصده بأنه يقصدهم ويسير إليهم، فيغلقوا على أنفسهم أبواب منازلهم ولا ينضم بعضهم الى بعض.

وربما تصوّر البعض في هذه الغزوة أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله يقصد منطقة الشمال (شمال المدينة) لتأديب قبائل غطفان وفزارة الذين تعاونوا مع اليهود في معركة الاحزاب، لما وجدوه متوجهاً نحو الشمال.

ولكنه عندما وصل إلى منطقة "الرجيع" عرج بجيشه صوب "خيبر" وبهذا قطع الطريق على أية إمدادات عسكرية من ناحية الشمال إلى خيبر، بقطع خطّ الارتباط بين قبائل عطفان وفزارة ويهود خيبر، فمع ان حصار خيبر طال مدة شهر واحد تقريباً لم تستطع القبائل المذكورة ان تمدّ حلفاءها اليهود بأي شيء2.

ولقد خرج مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله الى خيبر ما يقرب من ألف وستمائة مقاتل، بينهم مائتا فارس3.

وعندما أشرف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله على خيبر قرأ الدعاء التالي الذي يكشف عن نيته الحسنة:

"اللهّم ربِّ السماوات وما اظللنَ

وربَّ الارضيين وما اقللنَ

وربَّ الشياطين وما اضللنَ

وربَّ الرياح وما أذرينَ

فإنا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها، وخير ما فيها ونعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيه".


إن هذا الدعاء وما رافقه من حالة التضرع، وذلك أمام أعين ألف وستمائة من الجنود الشجعان الذين كان كلُ واحد منهم شعلة متقدة من الشوق الى القتال في سبيل اللّه يكشف عن أن النبي صلّى اللّه عليه وآله لم يكن يهدف من مسيره إلى هذه الأَرض الاستعمار أو الانتقام بل جاء من أجل ان يقضي على بؤرة الخطر التي كان من المحتمل أن يتحول في كل لحظة إلى قاعدة انطلاق للمشركين الوثنيين، حتى لا تهدَّد النهضة الاسلامية من هذه الناحية فيما بعد.

وسترى أنت أيُّها القارئ الكريم كيف أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بعد فتح القلاع والحصون اليهودية، وانتزاع السلاح من سكانها المتآمرين المشاغبين فوض إليهم اراضيهم، واكتفى منهم بأخذ الجزية في مقابل المحافظة على أموالهم وأنفسهم، وبعد أن ربطهم بمعاهدة قوية ملزمة.

إحتلالُ النقاط والطرق الحساسة ليلاً

كان لكل حصن من حصون خيبر السبعة اسم خاص يعرف به فهي عبارة عن: "ناعم" و"القموص" و"الكتيبة" و"النطاة"، و"شقّ" و"سطح"، و"سلالم"، وربما سمّي بعض هذه الحصون باسم زعيم الحصن وسيّده، مثل حصن مرحب.

كما أنه كانوا قد بنوا عند كل حصن من تلك الحصون برجاً للمراقبة، ولرصد كل التحركات خارج الحصن، ولأجل أن ينقل الحراس والمراقبون المستقرون في هذه الأبراج الأخبار إلى داخل الحصن.

وقد كانت تلك البروج والحصون قد شيِّدت بحيث يسيطرُ سكانُها على خارج الحصن سيطرة كاملة وكانوا يستطيعون- عن طريق المجانيق4 وغيرها من آلات الرمي- إبعاد أي عدو، وافشال أيّة محاولة للاقتراب الى الحصن، وذلك برميه بالاحجار وما شابهها.

وقد كان بين سكان هذه الحصون البالغ عددهم عشرين ألفاً، ألفان من الفرسان الشجعان والصناديد الابطال الذين توفرت لهم كل ما يحتاجون إليه من الطعام والشراب، والذين اُعدت لهم في المخازن كل ما يحتاجون إليه من الاسلحة والعتاد.

وكانت هذه الحصون من الإحكام والقوة بحيث كان من المستحيل إحداث أيّة ثغرة في حيطانها أيضاً، ومن أراد الاقتراب إليها رمي بالاحجار فجرح بها أو قتل، فكانت تعدُّ هذه الحصون- في الحقيقة- متاريس قوية لمقاتلي اليهود.

لقد واجه المسلمون في هذه الغزوة مثل هذا العدوّ المسلح، المتمنع بمثل هذه المتاريس القوية، فكان لابدّ لفتح هذه القلاع من استخدام تكتيك عسكري دقيق.

ولهذا فانّ أوّل عمل قام به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وأصحابه في هذا السبيل هو احتلال كل النقاط والطرق الحساسة ليلاً.

وقد تم هذا العمل بسرية وسرعة بالغة جداً بحيث لم يعرف به حتى مراقبو الابراج اليقظون أيضاً.

ولما كان صبيحة تلك الليلة خرج عُمّال خيبر غادين إلى مزارعهم وبساتينهم وهم يحملون مساحيهم ومكاتيلهم واذا بهم يفاجَاون بجنود الاسلام الابطال وقد احتلوا بقوة الايمان جميع النقاط الحساسة وسدّوا جميع الطرق عليهم بحيث لو قدموا شبراً لقبضَ عليهم، فأفزعهم ذلك وخافوا خوفاً شديداً، فأدبروا هراباً وهم يقولون: محمَّد والجيش معه. وبادروا فوراً إلى إغلاق أبواب الحصون وإحكامها، وعقدوا شورى عسكرية في داخل حصنهم المركزي.

وعندما رأى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله مساحي اليهود ومكاتيلهم وغيرها من أدوات الهدم قال متفائلاً:"اللّه أكبر خربت خيبرُ أنّا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المُنذرين".

وكانت نتيجة الشورى العسكرية اليهودية في هذه الغزوة هي أن يجعلوا الأطفال والنساء في أحد الحصون، ويجعلوا الذخيرة من الطعام في حصن آخر، ويستقر المقاتلون الشجعان على الأبراج ويدافعوا عن كل قلعة وحصن بالأحجار، ويخرج الابطال الصناديد من كل حصن ويقاتلوا المسلمين خارجه.

كانت هذه هي خطة اليهود لمواجهة جنود الاسلام، وقد أصروا على تنفيذها حتى آخر لحظة من القتال ولهذا استطاعوا أن يقاموا في وجه الجيش الاسلامي مدة شهر واحد تقريباً بحيث كانت محاولة فتح كل حصن من تلك الحصون تستغرق عشرة أيام دون نتيجة.

متاريس اليهود تتهاوى
كانت هناك نقطة لا تحظى بأهمية تُذكر من الناحية العسكرية وكان مقاتلو اليهود يسيطرون عليها سيطرة كاملة، ولم يكن فيها أي مانع من استهداف مخيم المسلمين ورميها من جانب العدو.

ولهذا جاء أحد المقاتلين المسلمين الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وهو "محمَّد بن مسلمة" وقال له:

يا رسول اللّه صلّى اللّه عليك، إنك نزلت منزلك هذا فان كان عن أمر (الهي) اُمرت به فلا نتكلم فيه، وان كان الرأي تكلمنا؟ يا رسول اللّه دنوت من الحصن، وإن أهل النطاة مرتفعون علينا وهو أسرع لانحطاط نبلهم فتحوّل يا رسول اللّه الى موضع بريء من النخل والبناء حتى لا ينالنا نبلهم.

فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وهو يراعي واحداً من مبادئ الاسلام العظيمة (الشورى) واحترام الآخرين: "بل هو الرأيُ، اُنظر لنا منزلاً بعيداً من حصونهم، بريئاً من الوباء نأمن فيه بياتهم"، فطاف محمَّد حتى انتهى إلى الرجيع (وهو واد بقرب خيبر) ثم رجع الى النبي صلّى اللّه عليه وآله ليلا فقال: وجدت لك منزلاً، فأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله فحولت خيمة القيادة عند المساء إلى ذلك المكان الاكثر أماناً من بيات اليهود وعدرهم فكان النبي يغدو كل يوم فيقاتل أهل النطاة يومه إلى الليل ثم إذا أمسى رجع الى الرجيع حيث غرفة القيادة، وكان يناوب بين أصحابه في حراسة الليل في مقامه بالرجيع سبعة أيام5.

على أنه لا يمكن البتّ في تفاصيل واقعة خيبر ولكن المستفاد من المصادر التاريخية هو أن جنود الاسلام حاصروا القلاع والحصون حصناً تلو حصن، وحاولوا قطع ارتباط الحصن المحاصر ببقية الحصون ثم فتحه، ثم محاصرة حصن آخر.

ولقد تم فتح هذه الحصون ببطء لأنها كانت مرتبطة ببعضها بارتباط سرّي، أو كان المقاتلون يدافعون عنها دفاعاً مستميتاً، ولكن الحصون التي كان الرعب والخوف يسيطر على مقاتليها وحرّاسها، أو التي ينقطع ارتباطها بالخارج بصورة كاملة كان يتم السيطرة عليها بسهولة، وتسفكُ فيها دماء أقلّ، ويتقدم العمل فيها بسرعة اكبر.

وان أول حصن فُتح على أيدي المسلمين بعد شيء كبير من الجهد- كما يذهب إليه جمع من المؤرخين- هو حصن "ناعم". ولقد استشهد في فتح هذا الحصن أحد المقاتلين المسلمين البارزين، يدعى "محمود بن مسلمة" الانصاري، وجرح خمسون رجلاً من مقاتلي الإسلام، فقد استشهد الفارسُ المذكور بعد أن رماه اليهود بصخرة كبيرة من فوق الحصن فقُتل من فوره، وقيل أنه توفي بعد ثلاثة أيام- حسب رواية ابن الاثير في اُسد الغابة6- ونقل الجرحى الخمسون إلى منطقة اُخرى من المعسكر خصصت لغرض التضميد7، كما انه سمح لبعض نساء بني غفار بأن يأتين الى "خيبر" لمساعدة المسلمين وتضميد الجرحى وتقديم غير ذلك من الخدمات التي يليق بهن في المعسكر، وقد أظهرت تلك النسوة من أنفسهن تفانياً، وتضحية عجيبة8.

ولقد رأت الشورى العسكرية الاسلامية أن يعمد المقاتلون المسلمون- بعد فتح حِصن "ناعم"- إلى فتح حصن "القموص" الذي كان يرأسه أبناء "أبي الحقيق"، ولقد فتح هذا الحصن بفضل تفاني جنود الاسلام، واُسرت منه "صفية بنت حيي بن أخطب" التي صارت فيما بعد من زوجات رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله.

ولقد قوّى هذان الانتصاران العظيمان معنوية الجنود المسلمين وألقى رعباً شديداً في نفوس اليهود ولكن المسلمين وقعوا في مخمصة شديدة بسبب قلّة المواد الغذائية بحيث اضطروا إلى أن يأكلوا من بعض الانعام المكروهة اللحم، وقد كان هناك بين حصون اليهود حصن مملوء طعاماً الا أن المسلمين لم يظفروا به حتى ذلك الحين.

التقوى في ظروف المخمصة الشديدة
في مثل هذه الحالة التي كان قد استولى فيها جوع شديد على المسلمين، اضطروا معه إلى تناول لحوم ما كره أكلهُ من الأنعام أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله راع أجيرُ لليهود يرعى لهم غنمهم، ورسول اللّه محاصر لبعض حصون خيبر فقال: يا رسول اللّه اعرض عليَّ الاسلام، فعرضه عليه، فأسلم، وكان رسول اللّه لا يحقّر أحداً أن يدعوه إلى الاسلام ويعرضه عليه- فلما أسلم قال: يا رسول اللّه اني كنت أجيراً لصاحب هذه الغنم وهي أمانة عندي فكيف أصنع بها؟ فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله أمام عيون المئات من جنوده الجياع:"أخرجها مِنَ العسكر ثم صِح بها وارمها بحصيات فإنّ اللّه عزّ وجل سيؤدّي عنك امانتَك".

ففعل الراعي ما أمره به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وخرجت الغنم إلى صاحبها حتى دخلت الحصنَ كأنّ سائقاً يسوقها، وقد قاتل ذلك اليهودي إلى جانب المسلمين حتى استشهد9.

أجل لم يكتسب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله لقب "الامين" من قومه في فترة شبابه فقط بل كان أميناً في جميع الحالات والظروف وهو القائل:

"ما من شيء كان في الجاهلية إلا هو تحت قدمي إلا الامانة فانها مؤداة إلى البر والفاجر"10، وقد بقي تردد القطعان حراً طوال مدة الحصار ولم يفكر ولا واحد من المسلمين بأخذ غنم منها لأنهم تعلّموا الأمانة والتقوى والصدق والورع من معلّمهم الاكبر "محمَّد" الصادق الأمين صلّى اللّه عليه وآله.

نعم غلب الجوع الشديد على العسكر ذات يوم حتى كادوا أن يهلكوا فأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بأن تؤخذ شاتان من غنم اليهود اضطراراً، واطلق البقية لتدخل الحصن بأمان11، ولولا ذلك الاضطرار الذي يباح معه المحذور بقدره لما سمح رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بذلك، ولما رأى جوع أصحابه وتضوّرهم من شدة السغب دعا قائلاً:"اللَّهم إنَّك قد عرفت حالَهم وان ليست بهم قوة، وان ليس بيدي شيء اُعطيهم إياه فافتح عليهم أعظم حُصونها عنهم غناء، وأكثرها طعام"12.

ولم يكن يأذن لاحد من المسلمين بأن يأخذ شيئاً من اموال الناس أبداً.

في ضوء كل هذا تتضح دسائس جماعة من المستشرقين في تاريخنا المعاصر فهم يصرُّون على القول بأن غزوات الاسلام ومعاركه كانت للإغارة وجمع الغنائم ومصادرة الأموال والسيطرة عليها وان جنوده لم يكونوا يتقيّدون خلال تلك المعارك بمبادئ العدالة والامانة، وذلك كيد منهم للاسلام، ومحاولة بغيضة للحط من قيمة الاهداف الاسلامية العليا، وتشويهها.

ولكن النموذج المذكور هنا، وأمثاله ممّا يعدُّ بالعشرات في صفحات التاريخ الاسلامي تشهد بكذبهم، فإن النبي صلّى اللّه عليه وآله لم يأذن وهو في أشدّ الظروف وأصعبها وجنوده الاوفياء قد غلبهم الجوع ودنوا من الهلاك، بأن يخون راع في أغنام كان يرعاها ليهودي، بل أمره بردّها إلى صاحبه وهو في قتال مع اليهود على حين كان يمكنه مصادرتها جملة واحدة.

فتح الحصون الواحد تلو الآخر
بعد فتح القلاع المذكورة حمل جنود الإسلام على حصن الوطيح، وسلالم، ولكنهم واجهوا مقاومة عنيفة من اليهود الذين كانوا يدافعون عنها خارجها، من هنا لم يستطع جنود الاسلام الأبطال رغم كل التضحيات التي ذكرها كاتب السيرة المعروف ابن هشام في موضع خاص من سيرته- ان يحرزوا انتصاراً بل ظلوا يجالدون مقاتلي اليهود أكثر من عشرة أيام، ولكنهم كانوا يعودون في كل يوم إلى مقرّهم من دون نتيجة.

وذات يوم بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله أبا بكر وأعطاه رايته البيضاء على رأس جماعة من المقاتلين المسلمين لفتح بعض حصون خيبر، ولكنه رجع ولم يكن فتح وكل من الامير والجنود يلقي باللوم على الآخر، ويتهمه بالجبن والفرار.

فبعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله في يوم آخر "عمر بن الخطاب" على رأس جماعة اُخرى فكان كرفيقه إذ رجع ولم يحقق فتحاً، بل عاد- حسب ما يروي الطبري- 13 فزعاً مرعوباً وهو يصف شجاعة مرحب وقوّته البالغة، فأغضب هذا العمل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وفرسان الاسلام الابطال وقادة الجيش الاسلامي، فجمع رسول اللّه صناديد جيشه وقال:"لاُعطِينَّ الرايةَ غداً رَجلاً يُحبُّ اللّه وَرَسُولَه ويحبُّه اللهُ ورسولُه يفتحُ عَلى يَدَيه لَيس بفرّار" أو: "كرار غير فرار" حسب نقل الطبري والحلبي14.

وقد أثارت هذه الجملة الخالدة الحاكية عن فضيلة وشجاعة وتفوّق ذلك الفارس الذي قدر أن يكون الفتح على يديه وتميّزه المعنوي على غيره موجة من الفرح الممزوج بالاضطراب بين أقراد الجيش وقادته الشجعان.

فقد بات كل واحد منهم يتمنى أن يكون هو صاحب هذا النوط الخالد والعظيم، وان تصيب القرعة اسمه.

ولما بلغ علياً عليه السَّلام مقالة النبي صلّى اللّه عليه وآله هذه وهو في خيمته قال:"اللهم لا معطي لما منعت ولا مانع لما أعطيت"15.

عطّى ظلامُ الليل كل مكان، وذهب جنود الاسلام إلى أماكن نومهم، وبينما بقي الحراس يتحارسون طوال الليل، ويرصدون أوضاع العدوّ الغادر وتحركاته.

وعند الصباح ومع طلوع الشمس التي شقت بأشعتها رداء الظلام، وأضاءت السهل والجبل، تجمّع قادة الجيش الاسلامي وصناديده وأبطاله وغيرهم من الرجال وفيهم الاميران المنهزمان بالأمس حول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وهم يريدون بشوق بالغ أن يعرفوا من سيعطيه الراية اليوم، وقد تطاول لها أبو بكر وعمر16.

ولم يطل هذا الانتظار، فقد كسر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله جدار الصمت هذا عندما قال: "اين علي"؟!

فقيل يا رسول اللّه به رمد، وهو زاقد بناحية.

فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله:"إئتوني بعليّ"17.

إنّ هذه العبارة تكشف عن أن ما أصاب علياً عليه السَّلام من الرمد كان من الشدة بحيث سلبه القدرة على المشي، وعاقه عن الحركة.

فأمرّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله يده الشريفة على عيني علي عليه السَّلام ودعا له بخير، فعوفي من ساعته، واستعادت عيناه عليه السلام سلامتها افضل ممّا كانت بحيث لم يرمد عليه السَّلام حتى آخر حياته بفضل تلك المسحة النبوية المباركة.

ثم دفع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله اللواء إلى عليّ عليه السَّلام ودعا له بالنصر كما أنه أمر بأن يبعث إلى اليهود قبل قتالهم من يدعو رؤساء الحصون الى الاسلام، فإن أبوا اعتناق الاسلام أخبرهم بوظائفهم في ظل الحكومة الاسلامية وأن عليهم أن يسلّموا أسلحتهم إلى الحكومة الاسلامية، ويعيشوا بحرية وأمان تحت ظل هذه الحكومة شريطة أن يدفعوا الجزية18.

واذا رفضوا ذاك وهذا قاتلهم، ثم قال لعلي الذي أوكل إليه قيادة تلك المجموعة:"لَئن يَهديَ اللّه بكَ رَجُلاً واحِداً خَير مِنَ أن يكُونَ لكَ حُمرُ النّعمَ"19.

أجل إن النبي الاكرم صلّى اللّه عليه وآله يفكِّر في هداية الناس حتى في أشد لحظات الحرب، وهذا يفيد بأن جميع حروب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله كانت لهداية الناس لا غير.

الانتصار الكبير في خيبر
عندما كُلِّفَ عليّ عليه السّلام من جانب النبي صلّى اللّه عليه وآله بفتح قلعتي سلالم والوطيح (وهما الحصنان اللذان عجز عن فتحهما الأميران السابقان ووجها بفرار ضربة لا تجبر إلى شرف الجيش الاسلامي)، ارتدى درعاً قوياً وحمل سيفه الخاص ذا الفقار وراح يهرول بشجاعة منقطعة النظير نحو القلعتين المذكورتين، والجندُ خلفَه، حتى ركز الراية التي أعطاها له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله على الأَرض تحت الحصن.

ولما رأى اليهود انه دنا من الحصن خرج اليه كبار صناديدهم.

وكان أول من خرج اليه أخو مرحب ويدعى "الحارث" فتقدم إلى عليّ وصوته يدوي في ساحة القتال بحيث تأخر من كان خلف عليّ من شدة الفزع20.

ولكن لم يمض زمان حتى سقط الحارث على الارض جثة هامدة بضربة قاضية من علي عليه السَّلام.

فغضب مرحب بطل خيبر المعروف لمقتل أخيه الحارث وخرج من الحصن وهو غارق في السلاح، فقد لبس درعاً يمانياً، ووضع على رأسه خوذة منحوتة من حجارة خاصة، وتقدم إلى عليّ عليه السَّلام كالفحل الصؤول يرتجز ويقول:

قَد عَلِمَت خيبرُ أني مرحبُ            شاكي السلاح بطل مجربُ

إن غلب الدهرُ فاني أغلبُ            والقرنُ عندي بالدما مُخضّب
ُ21

فأجابه علي عليه السَّلام مرتجزاً وقد أظهر للعدو شخصيته العسكرية في رجزه:

أنا الّذي سَمَّتنِي اُمّي حَيدرَة            ضرغامُ آجام وليَث قَسورَة

عَبل الذِراعين غَليظُ القيصرة         كليث غاباتٍ كريهُ المنظرة


وبعد أن انتهى الطرفان من إنشاد رجزهما تبادلا الضربات بالسيوف والرماح، فألقت قعقعة السيوف وصوت الرماح رعباً عجيباً في قلوب المشاهدين، وفجأة هبط سيف بطل الاسلام القاطع على المفرق من رأس "مرحب" بطل اليهود قدّت خوذته نصفين ونزلت على رأسه وشقته نصفين الى أسنانه!!

ولقد كانت هذه الضربة من القوة بحيث افزعت أكثر من خرج مع "مرحب" من أبطال اليهود وصناديدهم ففروا من فورهم، ولجأوا إلى الحصن، وبقي جماعة فقاتلوا علياً منازلة فقاتلهم حتى قتلهم جميعاً، ثم لاحق الفارين منهم حتى باب الحصن، فضربه عند الحصن رجل من اليهود فطاح ترسُه من يده فتناول عليه السَّلام باباً كان على الحصن وانتزعه من مكانه، فترس به عن نفسه فلم يزل ذلك البابُ في يده وهو يقاتل حتى فتح اللّه على يديه ثم القاه من يده حين فرغ، وقد حاول ثمانية من أبطال الاسلام ومنهم أبو رافع مولى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله أن يقلبوا ذلك الباب أو يحركوه من مكانه فلم يقدروا على ذلك22.

وهكذا فتحت القلعة التي عجز عن فتحها المسلمون عشرة أيام، في مدة قصيرة على يد بطل الاسلام الأول "علي بن أبي طالب" عليه السَّلام.

ويقول اليعقوبي في تاريخه: ان الباب الذي قلعه علي عليه السَّلام كان من الصخر وكان طوله أربعة اُذرع وعرضه ذراعين.

ويقول الشيخ المفيد في ارشاده بسند خاص عن امير المؤمنين قصة قلعه ذلك الباب:

"لما عالجتُ باب خيبر جعلته مجنّاً لي فقاتلتُهم به، فلما أخزاهمُ اللّه وضعتُ الباب على حصنهم طريقاً ثم رميتُ به في خندقهم، ولما قال له رجل: لقد حملت منه ثقلاً قال عليه السَّلام:"ما كان إلاّ مثل جُنّتي التي في يدي في غير ذلك المقام"23.

وقد نقل المؤرخون قضايا عجيبة حول قلع باب خيبر هذا وخصوصياته ومواصفاته، وعن بطولات علي عليه السَّلام في فتح هذا الحصن، وجميعها لا تتمشى ولا تتيسر مع القدرة البشرية المتعارفة، ولا يمكن أن تصدر منها.

ويقول علي عليه السَّلام نفسه في هذا الصدد ما يرفع كل شك وإبهام قد يعترض المرء في هذا المجال:"ما قَلعتُها بِقوّة بَشريّة ولكن قَلعتها بقوة الهية ونفس بلقاء ربِّها مطمئنة رضية"24.

تحريف الحقائق
لو أننا أردنا أن نلتزم بحدود الحق والانصاف لوجب أن نقول انّ "ابن هشام" في سيرته و"الطبري" في تاريخه ذكرا قصة مبارزة علي عليه السَّلام في يوم خيبر بصورة مفصلة، ونقلوا تفاصيلها بصورة دقيقة، ولكنهما ذكرا في نهاية بحثهما التاريخي قصة خيالية لا أساس لها وهي وان مرحباً قُتِل على يدي "محمَّد بن مسلَمة" وقالوا: ويرى البعض أن مرحباً اليهودي قتله محمَّد بن مسلمة انتقاماً لأخيه الذي قتل عند فتح حصن "ناعم" على أيدي اليهود، فقد كلّفه رسولُ اللّه صلّى اللّه عليه وآله بقتال مرحب فبرز اليه، فقتله.

إن هذا الاحتمال من الوَهن والبطلان بحيث لا يقاوم التاريخ الاسلاميّ المسلم والمتواتر، هذا مضافاً إلى أن هذه الاسطورة التاريخية تعاني من اشكالات، ومؤاخذات نذكرها للقارئ الكريم:

1- ان محمَّد بن مسلمة لم يكن بذلك الرجل الشجاع، والبطل الصنديد الذي تؤهله شجاعته لأن يكون فاتح خيبر وقاتل بطلها الاكبر، فإن التاريخ لا يذكر عنه نموذجاً بارزاً من بطولته وشجاعته، إنما كلّف في السنة الثالثة من جانب النبي صلّى اللّه عليه وآله فقط بأن يغتال "كعب بن الاشرف" الذي حرّك المشركين والّبهم ضد الاسلام والمسلمين بعد معركة بدر الكبرى، وقد بقي ثلاثة أيام بلياليها لا يطعم شيئاً خوفاً، فأنكر عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله خوفه وسأله عن سبب ذلك فقال: يا رسول اللّه قلت لك قولاً لا أدري هل أفينّ به أم لا؟

فلما رأى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله منه ذلك أرسل معه أربعة رجال آخرين ليعينوه في هذه المهمّة، ويتخلصوا من "كعب" الذي كان يريد إعادة القتال بين المسلمين والمشركين.

فخرجوا إليه في منتصف الليل وقتلوا عدوّ اللّه كعباً وفق خطة خاصة ولكن "محمَّد بن مسلمة" جرح أحد رفاقه من شدة الخوف والوحشة التي اصابته، ولا شك أن صاحب مثل هذه النفسية لا يمكنه أن يبارز صناديد "خيبر" المعروفين وينازلهم.

2- ان فاتح "خيبر" لم يقاتل مرحباً ويقتله وحده، بل قاتل بعد مصرع مرحب من كانوا قد جاؤوا معه إلى ساحة القتال من شجعان اليهود فلاحق الفارّين، ونازل الذين بقوا ولم يفرّوا.

واليك أسماء من بقوا في ساحة القتال وقاتلوا علياً عليه السَّلام بعد قتله مرحباً
1- داود بن قابوس.
2- ربيع بن أبي الحقيق.
3- أبو البائت.
4- مرة بن مروان.
5- ياسر الخيبري.
6- ضحيج الخيبري.

وكل هؤلاء كانوا من صناديد اليهود وابطالهم، وكانوا يقاتلون خارج حصن خيبر ويمنعون من أية محاولة لفتح قلاع اليهود في هذه الوقعة.

إن هؤلاء الستة قتلوا على يد علي بن أبي طالب عليه السَّلام وهم يرتجزون في ساحة القتال ويطلبون المبارز والمناجز25.

فمن يكون والحال هذه فاتح "خيبر" وقاتل مرحب؟

إذا كان "محمَّد بن مسلمة" فانه لا يمكن أن يعود بعد قتل مرحب إلى معسكر المسلمين ويتجاهل اُولئك الأبطال خلف مرحب بل لا بد أن يقاتلهم، في حين اتّفقت كل السير والتواريخ على أن هؤلاء قتلوا جميعاً على يد علي بن أبي طالب عليه السَّلام.

3- ان هذه الاسطورة التاريخية تتنافى مع الحديث المنقول عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله فانه صلّى اللّه عليه وآله قال في حق علي عليه السَّلام: "يفتح اللّه على يديه" مع العلم بأن المانع الاكبر من فتح خيبر كان هو مرحب الذي أجبرت شجاعته الأميرين السابقين على الفرار، فاذا كان قاتل مرحب هو "محمَّد بن مسَلمة" لزم أن يقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله جملته هذه في حق "محمَّد بن مسلمة" لا في حق "علي" عليه السَّلام الذي أعطاه الراية بعد أن قال تلك الجملة: "يفتح اللّه على يديه".

يقول الحلبي كاتب السيرة المعروف: قيل: القاتل له (اي لمرحب) علي كرم اللّه وجهه وبه جزم مسلم رحمه اللّه في صحيحه. قال بعضهم: والاخبار متواترة به وقال ابن الاثير: الصحيح الذي عليه أهل السير والحديث أن علياً قاتله كرم اللّه وجهه26.

ولقد وقع الطبري في تاريخه، وابن هشام في سيرته في شيء من الإضطراب والفوضى وكتبا قصة هزيمة ورجوع الرجلين اللذين كلّفا قبل علي عليه السَّلام بفتح قلاع اليهود بصورة لا تتفق مع مفهوم الجملة التي قالها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله في حق علي عليه السَّلام.

فقد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله في حقه: "وليس بفرّار"27 يعني أن الذي سوف يعطيه الراية لا يفر أبداً، ومفهوم هذه الجملة هو أن علياً عليه السَّلام لا يفرّ ولا يجبن أمام العدوّ كما فر القائدان السابقان، وهذا يعني أن القائدين السابقين فرّا أمام العدوّ، واخليا الساحة، في حين أن الكاتبين المذكورين لا يذكران مسألة فرار القائدين المذكورين، وإنما يكتبان رجوعهما كما لو أنهما قد أدّيا وظيفتهما القتالية والعسكرية على الوجه الكامل ولكنّهما لم يوفقا للفتح28.

ثلاث نقاط مشرقة في حياة علي عليه السَّلام
ونختم هذا البحث بذكر ثلاث فضائل لفاتح خيبر ذكرها أحد خصومه لها ارتباط بموقفه عليه السَّلام في خيبر:

أمر معاوية سعد بن أبي وقاص يوماً فقال: ما منعك ان تسبَّ أبا التراب؟

فقال: أمّا ما ذكرتُ ثلاثاً قالهنَّ له رسولُ اللّه صلّى اللّه عليه وآله فلن أسبَّه لأن تكون لي واحدة منهنَّ أحبُّ إليَّ من حُمرِ النعم.

ثم أخذ سعد في عدّ تلك المناقب فقال
1- سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه (وآله) وسلّم يقول له خلّفه في بعض مغازيه فقال له عليّ: يا رسول اللّه خلّفتني مع النساء والصبيان؟

فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه (وآله) وسلّم:"أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبوة بعدي"29.

2- وسمعته يقول يوم خيبر

لاُعطينّ الراية رجلاً يحبُّ اللّه ورسوله ويحبه اللّه ورسوله. قال فتطاولنا لها فقال: اُدعوا الي علياً. فاتي به أرمد فبصق في عينه، ودفع الراية اليه، ففتح اللّه عليه30.

3- ولما نزلت هذه الآية "فقل تعالوا ندعُ ابناءنا وابناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل..." دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه (وآله) وسلّم عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال:"اللهم هؤلاء أهلُ بيتي"31 32.

عوامل الانتصار
فتحت حصون "خيبر"، واستسلم اليهودُ للمسلمين بشروط خاصة، ولكن يجب أن نرى ما هي العوامل التي ادت إلى هذا الانتصار، فهذا هو في الحقيقة النقاط الهامة في هذا القسم.

إن انتصار المسلمين الساحق في هذه الغزوة يعودُ إلى عوامل يمكن الاشارة اليها على نحو الاجمال ثم شرحها بالتفصيل في ما بعد.

1- التخطيط العسكري والتكتيك الحربي الدقيق.

2- تحصيل المعلومات ومعرفة أسرار العدو الداخلية.

3- تفاني الامام علي بن أبي طالب، وبطولته النادرة. وهنا نحن ندرس هذه الاُمور الثلاثة على وجه التفصيل:

1- التخطيط والتكتيك العسكري الدقيق

لقد هبط الجيش الاسلامي في منطقة قطع بها المسلمون ارتباط اليهود باصدقائهم القدامى (قبائل غطفان).

وقد كان بين قبائل غطفان فرسان كثيرون، ولو استطاعوا أن يعينوا اليهود في هذه الموقعة لما أمكن فتح حصون خيبر.

فان "غطفان" لما سمعت بمسير رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله إلى خيبر خرجوا ليظاهروا اليهود عليه، ولكنهم ما أن سمعوا الشائعة التي مفادها أن أصحاب محمَّد قد قصدوهم من طريق آخر ظنوا انهم سيهاجمون أموالهم وأهليهم فرجعوا من منتصف الطريق على أعقابهم، وأقاموا في أهليهم وأموالهم وخلّوا بين رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وبين "خيبر".

يقول المؤرخون: إن هذه الشائعة كانت نتيجة نداء غيبيّ سمعه رجالُ غطفان فظنوا أن المسلمين داهموا أهليهم33 ولكنه ليس من المستبعد أن تكون هذه الشائعة من فعل المسلمين المتسترين من قبائل غطفان، والذين اُمروا بأن يتظاهروا بالكفر، ويبقوا في قبائلهم حتى يعينوا إخوانهم المسلمين في اللحظات المناسبة.

فخططوا لهذه الموقعة بمهارة كبيرة وكانوا في ذلك ناجحين جداً الى درجة أنّه تسبب في أن تعدل إمدادات غطفان العسكرية لليهود من مواصلة مسيرها إلى "خيبر"، والعودة إلى أهليهم وترك اليهود وشأنهم.

وقد سبق لهذا نظير في معركة "الاحزاب" يوم امتنعت قبائل غطفان عن نصرة اليهود بسبب شائعة بثها بينهم رجل من المسلمين من بني غطفان يدعى "نعيم بن مسعود"، وتفرّق على أثره جماعة الاحزاب، وانفرط عقدهم.

2- تحصيلُ المعلومات حول العدوّ

لقد كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله كما أسلفنا مراراً يُولي تحصيل المعلومات ومعرفة أسرار العدو، أهمية كبيرة.

ولهذا بعث قبل محاصرة "خيبر" طليعة من المسلمين وأمّر عليهم "عبّاد بن بشر" ووجّههم إلى "خيبر"، فالتقوا بيهودي قرب حصون "خيبر"، وبعد التحقيق معه تبين أنه عين لليهود يتجسّس لهمُ الاخبار فأخذوه إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله فسأله عن أوضاع اليهود في حصون "خيبر".

فقال: أفتؤمنني يا أبا القاسم على أن اُصدقَك؟ فأمّنه عباد.

فقال اليهوديُّ: القومُ مرعوبون منكم خائفون وجلون لما قد صنعتم بمن كان بيثرب.

ثم قال: خرجتُ من حصن "النطاة" من عند قوم ليس لهم نظام تركتهم يتسلّلون من الحصن في هذه الليلة الى "الشق" وقد رُعبوا منك حتى أنَّ أفئدتهم لتخفق، فاذا دخلت الحصن غداً وأنت تدخله، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: إن شاء اللّه، قال اليهودي إن شاء اللّه أوقفُك على حصن اليهود الذي فيه منجنيق مفلكة ودبابتان وسلاح من دروع وبيض وسيوف، فانصب المنجنيق على حصن الشق وتدخل الرجال تحت الدّبابتين فيحفرون الحصن فتفتحه من يومك34.

إن النبي صلّى اللّه عليه وآله وإن لم يستخدم هذه الادوات التخريبية إلاّ أن المعلومات التي وقف عليها من ذلك اليهودي الأسير كانت مهمة لأنّها أوضحت نقطة الحملة غداً، وعرف النبيّ صلّى اللّه أن التغلّب على حصن "النطاة" لا يحتاج الى قوة كبيرة، وأنه لابدّ من رعاية المزيد من الحيطة والحذر عند فتح حصن "الشق".

نموذج آخر: عند فتح إحدى القلاع أتى يهوديّ إلى النبي صلّى اللّه عليه وآله بعد ثلاثة أيام مضت على محاصرتها وقال- ولعلّه لتخليص نفسه-: إنك لو اقمت شهراً ما بالوا، لهم جدول تحت الأَرض يخرجون بالليل فيشربونَ بها ثم يرجعون إلى قلعتهم فيمنعون منك، فان قطعت مشربهم عليهم ضجهم.

وفي رواية أن النبي صلّى اللّه عليه وآله لم يوافق على قطع الماء عن العدو35.

وفي اخرى، قطع عليهم مشاربهم موقتاً فلم يطيقوا المقام على العطش36.

3- تفاني امير المؤمنين
ولقد ذكرنا تفاني علي بن أبي طالب، وبطولته في هذه الموقعة بصورة مجملة، وها نحن ننقل عبارة قالها هو عليه السَّلام عن هذه المسألة:

وَرَدنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله خيبر على رجال من اليهود وفرسانها من قريش وغيرها، فتلقونا بأمثال الجبال من الخيل والرجال والسلاح، وهم في أمنع دار وأكثر عدد، كلّ ينادي ويبادر إلى القتال، فلم يبرز اليهم من أصحابي أحد إلا قتلوه حتى احمرّت الحدق، ودعيت إلى النزال، وأهمّت كل امرئ نفسه، والتفت بعض أصحابي إلى بعض وكلّ يقول: يا أبا الحسن انهض.

فأنهضني رسولُ اللّه صلّى اللّه عليه وآله إلى دارهم فلم يبرز إلىَّ أحد منهم الا قتلتُه، ولا يثبتُ لي فارس إلا طحنتُه، ثم شددتُ عليهم شدّة الليث على فريسته حتى أدخلتهم جوف مدينتهم مسدَّداً عليهم فاقتلعت باب حصنهم بيدي حتى دخلت عليهم مدينتهم وحدي أقتلُ من يظهر من رجالها، وأسبي من أجدُ من نسائها حتى افتتحتها وحدي ولم يكن لي فيها معاون إلا اللّه وحده37.

الرحمة في ساحة القتال
عندما افتتح حصن "القموص" سُبيت "صفيّة بنت حيي بن أخطب" وامرأة اُخرى، فمر بهما "بلال" على القتلى فصاحت صفية صياحاً شديداً جزعة ممّا رأت، فكره رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ما صنع بلال وقال صلّى اللّه عليه وآله:"أذَهَبَت مِنكَ الرحمة؟ تمر بجارية حديثة السنّ على القتلى؟".

فقال بلال: يا رسول اللّه ما ظننتُ أنك تكره ذلك، وأحببت أن ترى مصارع أهلها38.

ولم يكتف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بهذا القدر من تطييب خاطر "صفيّة" بل احترمها، وعيّن لها مكاناً خاصاً للاستراحة في المعسكر، واختارها زوجة لنفسه، وبهذا الطريق أزال آثار ذلك الصنيع السيّئ الذي قام به بلال.

لقد تركت أخلاق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وتعامله الانساني الرفيع مع "صفية" أثراً حسناً في نفسها، فقد صارت في ما بعد من أزواج النبي صلّى اللّه عليه وآله الوفيّات المخلصات، وقد حزنت عند وفاته، وبكت له أكثر من بقية ازواجه39.

مصرع كنانة بن الربيع
منذ أن اُجلي "بنو النضير" عن المدينة وسكنوا "خيبر" أحدثوا صُندوقاً لجمع الأَموال لإدارة شؤونهم العامة، ولسد نفقات الحروب، ولإعطاء دية كل من كان يُقتَل من بني النضير.

فبلغ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله أن هذا الكنز وهذه الأموال قد اُودعت عند "كنانة بن الربيع" زوج "صفية"، فلما افتتح صلّى اللّه عليه وآله خيبر طلب الربيع وسأله عن كنز اليهود، فأنكر ذلك فأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بحبسه، ثم عرف بعد التحقيق من اليهود، بمكان ذلك الكنز، وقد كان بخربة، إذ قال له يهودي اني رأيت كنانة يطيف بهذه الخربة كل غداة أيام الحرب فأمر رسول اللّه بالخربة فحفرت فاُخرج منها بعض ذلك الكنز، فسأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله "كنانة" عما بقي فأبى أن يؤديه أو يخبر بموضعه، فدفعه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله إلى محمَّد بن مسلمة فضرب عنقه قصاصاً لأخيه الذي قتل في وقع خيبر "محمود بن مسلمَة"، والذي قتله اليهود بالقاء رحى من حجر من فوق حصونهم على رأسه، وانما قتل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله كنانة بضرب عنقه، لتواطؤه ضدّ الاسلام، وكتمانه مثل هذا الأمر، وتأديباً لغيره من اليهود حتى يتورعوا عن حبك المؤامرات ضد رسول الاسلام وضدّ أصحابه، وضدّ الحكومة الاسلامية، وكان "كنانة" آخر من قتل من يهود خيبر40.

تقسيم غنائم الحرب
بعد افتتاح حصون "خيبر"، وتجريد العدو من كل أسلحته، وجمع الغنائم أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بأن تجمع الغنائم كلها في مكان واحد، ثم أمر صلّى اللّه عليه وآله رجلاً بأن ينادي في الناس:"أدّو الخيط والمخيط، فانّ الغُلولَ عار وشنار ونار يومَ القيامة"41.

ولقد شدّد قادة الاسلام وائمته الحقيقيون على أهميّة الامانة تشديداً بالغاً حتى أنهم اعتبروا ردَّ الامانة- مهما صغرت ودقت- من علائم الايمان، والخيانة وعدم ردّها من علائم النفاق.

من هنا عندما عثر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله في رحل مُسلم من المقاتلين شيئاً من أموال الغنيمة لم يردَّها إلى بيت المال لم يصلّ على جنازة ذلك الرجل عندما استشهد، وإليك تفصيل هذه الحادثة.

لما انصرف رسولُ اللّه صلّى اللّه عليه وآله وأصحابه من خيبر ومع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله غلام له، يقوم له بشؤونه، وفيما كان ذلك يضع رَحلَ النبي صلّى اللّه عليه وآله إذ أتاه سهم لا يُعلمُ راميه فأصابه فقتله، فقال المسلمون: هنيئاً له الجنة.

فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله:"والَّذي نَفسُ محمَّد بيده إنَّ شملتهُ42 الآن لتحترق عليه في النار، كان قد غلَّها من فيء المسلمين يوم خيبر"!!

فسمع رجل من أصحاب النبي صلّى اللّه عليه وآله هذا الكلام فأتاه وقال: يا رسول اللّه، أصبت شراكين لنعلين لي فقال صلّى اللّه عليه وآله "يُقدُّ لك مثلهما في النار"43.

وهذه القصة تفضح أيضاً دسائس بعض المستشرقين، لأنهم كانوا يصفون حروب الاسلام ومعاركه العادلة بأنها كانت من أجل الاغارة على أموال الناس ومصادرتها كما يفعل قطاع الطرق، متجاهلين عمداً وكيداً الأهداف الإنسانية والالهية العليا لهذه المعارك والغزوات، والحال أن مثل هذه الانضباطية والنظم والورع ممّا لا يمكن تصوره في قوم همهم الاغارة والنهب والسلب.

إن قائد شعب أو قوم هذا هو همهم وهذه هي همتهم لا يمكن أبداً أن يعتبر ردّ الامانة من واجبات الدين ومن علائم الايمان، كما لا يمكنه أن يربي أتباعه وأصحابه بمثل هذا التربية الرفيعة، بحيث يجعله يجتنب عن سرقة صغيرة، جداً مثل غلّ شراكي نعلين لا قيمة لهما تذكر.

قافلة من أرض الذكريات
قبل أن يتوجّه رسولُ اللّه صلّى اللّه عليه وآله بالمسلمين الى "خيبر" بعث "عمرو بن اُمية" إلى البلاط الحبشي لغرض إيصال رسالته إلى ملك الحبشة النجاشيّ، وليطلب منه أن يهيئ المقدمات اللازمة لترحيل المسلمين المهاجرين من الحبشة الى المدينة.

فهيّأ النجاشي سفينتين لاُولئك المهاجرين بعد أن جهزهم بجهاز حسن وامر لهم بكسوة، فسارت بهم حتى وصلت إلى السواحل القريبة من المدينة.

ولما علم المسلمون بمسير رسول الله صلى الله عليه وآله إلى " خيبر " توجّهوا من فورهم الى "خيبر" بعد أن افتتحت جميع حصون اليهود وقلاعهم.

فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله جعفر مشى في استقباله (12) خطوة ثم قبَّل ما بين عينيه والتزمهُ وقال:"ما أدري بأيّهما أنا اسرُّ بفتح خيبر أم بقدوم جعفر؟".

وفي رواية اخرى قال صلى الله عليه وآله:"لا أدري بأيّهما أنا أشدُّ بقدومك يا جعفر أم بفتح الله على أخيك خيبر"

ثم إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لجعفر:"يا جعفر ألا امنحك؟ ألا اُعطيك ألا أحبوك؟".

فظن الناس أنه يعطيه ذهباً أو فضة، فتشوّف الناس لذلك. فقال له:"أني اُعطيك شيئاً إن أنت صنعته في كل يوم كان خيراً لك من الدنيا وما فيه".

ثم علمه صلّى اللّه عليه وآله الصلاة المعروفة بصلاة جعفر الطيار44.

حجم الخسائر وعدد القتلى
لم يتجاوز عدد قتلى المسلمين في هذه الغزوة 20 شخصاً ولكن قتل من اليهود أكثر من هذا بكثير، وقد سجل التاريخ أسماء 93 رجلاً منهم45.

العفو بعد الانتصار
المؤمنون باللّه واصحاب المروءات من البشر يعاملون العدو المنهزم المقهور عند الغلبة عليه والظفر به باللطف والحب، ويعفون عنه ويتناسون روح الانتقام، أجل إنهم يشملون العدو منذ استسلامه بعطفهم وحنانهم وتلك هي حقيقة اثبتتها وقائع التاريخ الحية.

وكذلك فعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله عندما تغلب على يهود خيبر فقد عاملهم، بعد الانتصار معاملة حسنة، وشملهم بعفوه، ولطفه رغم كل ما ارتكبوه في حق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله من ظلم وجناية وتأليب للعرب الوثنيين ضدّ الاسلام واشعال حروب كادت أن تؤدي بالحكومة الاسلامية وتستأصل المسلمين، وتقضي على جهود رسول الإسلام.

فقد قبل بطلب اليهود بأن يسكّنهم في خيبر كما كانوا، وأن يترك أراضيهم وبساتينهم بأيديهم، على أن يكون له نصف محاصيلها سنوياً.

بل إن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله- كما يروي ابن هشام- هو الذي إقترح هذا الأمر على اليهود، وترك لهم حرية التصرف في مزارعهم وأراضيهم ليغرسوا أو يزرعوا ما يريدون من الشجر46.

لقد كان في مقدور النبي صلّى اللّه عليه وآله، كأيّ فاتح آخر، أن يريق دمهم جميعاً، أو أن يجليهم برمتهم من أراضيهم، أو يجبرهم على اعتناق الاسلام، ولكنّه- خلافاً لتصور زمرة مغرضة من المستشرقين، وطلائع الاستعمار الثقافي الذين يتصوّرون ويزعمون بأن الاسلام دين القهر والقوة، وان المسلمين أجبروا الاُمم والأقوام المغلوبة على ترك عقائدها، واعتناق الاسلام لم يفعل مثل هذا العمل قط، بل تركهم أحراراً في ممارسة شعائرهم، والبقاء على ما كانوا يعتقدونه من اُصول دينهم وفروعه.

ولم يحارب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وأصحابه يهود "خيبر" إلا لأنّ "خيبر" قد تحوّلت إلى بؤرة خطرة للمؤامرة، والكيد بالاسلام والمسلمين، فقد كانوا يمدّون المشركين بكل ما يريدون للقضاء على الحكومة الاسلامية الحديثة التأسيس، ولهذا اضطرّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله إلى مقاتلتهم، وتجريدهم من أسلحتهم، حتى يعيشوا تحت ظل الحكومة الاسلامية بمنتهى الحرية، ويشتغلوا بمشاغلهم في الزراعة، ويقيموا شعائرهم الدينية من دون أن يجدوا فرصة للمشاغبة والتآمر ضدّ رسالة التوحيد الكبرى، اذ كانوا يسببون مشاكل كبيرة للمسلمين- في غير هذه الصورة- ويمنعون من تقدّم الاسلام وانتشاره.

وأما الجزية47 فقد كان لقاء دفاع الحكومة الاسلامية عنهم، وحمايتهم من الأعداء، وتوفير الأمن لهم، إذ كان حماية أموالهم وأنفسهم من وظائف المسلمين.

ثم أن المحاسبة الدقيقة تقودنا إلى أن ما كان يدفعه المسلمون إلى الحكومة الإسلاميّة من الضرائب الاسلامية كان أكثر بكثير ممّا كان يدفعه اليهود والنصارى إلى الحكومة الاسلامية بعنوان الجزية.

فقد كان يتوجب على كلّ مسلم أن يدفع الى الحكومة الاسلامية الخمس والزكاة وربما توجّب عليه ان يدفع شيئاً من أصل ماله لسدّ نفقات واحتياجات الحكومة الاسلامية بينما كان اليهود والنصارى الذين كانوا يعيشون في ظلّ الحكومة الاسلامية في أمن وأمان ويتمتعون بجميع الامتيازات والحقوق الاجتماعية الفردية يدفعون إلى الحكومة الاسلامية الجزية بدل ما كان يدفعه المسلمون، فالجزية شيء والأتاوة شيء آخر، على خلاف ما يروّجه بعض الكتاب المغرضين.

ولقد كان عامل الجبابة الذي كان يزور خيبر بأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله لتقدير حجم المحاصيل فيها، ثم تنصيفها رجلاً عادلاً ورعاً إلى درجة أن اليهود أنفسهم أعجبوا بعدله، واعترفوا بانصافه، وهو "عبد اللّه بن رواحة" الذي استشهد فيما بعد، في موقعة "مؤتة".

فقد كان "ابن رواحة" يخمّن نصيب المسلمين من محاصيل خيبر، وربما تصوّر اليهود أنه أخطأ في التخمين والخرص، وخمّن أكثر ممّا هو الحق فقالوا له: تعديت علينا!

فكان عبدُ اللّه يقول: إن شئتم فلكم وإن شئتم فلنا.

فتقول اليهود- معجبة بهذا الانصاف العظيم والعدل الكبير الذي كان يتحلى به مخرّص الحكومة الاسلامية-: بهذا قامت السماوات والارض48.

ولقد حصل المسلمون أثناء جمع غنائم "خيبر" على قطعة من التوراة، فطلبت اليهود من النبي صلّى اللّه عليه وآله أن يعيدها اليهم، فأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله مسؤول بيت المال باعادتها اليهم49.

وهذا يكشف عن إحترام رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله للشرائع الاخرى.

سلوك اليهود المتعجرف
في قبال كلّ هذه الألطاف لم تكف اليهود عن خيانتها وكيدها، بل ظلّت تخطّط- في الخفاء- للايقاع برسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وأصحابه، والحاق الاذى بهم.

ولنقف فيما يأتي على نموذجين من هذا الأمر:

1- لما اطمأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله قرّرت جماعة من اليهود في الخفاء أن تقضي على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بدس سمّ إليه. فأهدت له "زينب بنت الحارث" زوجة "سلام بن مشكم اليهودي" شاة مشويّة وقد سألت أي عضو من الشاة أحب إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله فقيل لها الذراع، فاكثرت فيها من السمّ، ثم سمّت سائر الشاة، ثم جاءت بها، فلما وضعتها بين يدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله. تناول الذراع، فلاك منها مضغة فلم يسغها، ومعه "بشير بن البراء بن معرور" قد أخذ منها كما أخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله فأما بشر فقد ابتلعها، وأما رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله فقد لفظها وعرف بأنها مسمومة، ومات بشر من أكلته التي أكل ثم دعا زينباً، وقال لها: سَمَّمتِ الذراع؟ فاعترفت. فقال لها: ما حملك على ذلك، قالت: قتلت أبي وعمّي وزوجي، ونلت من قومي ما نلت فقلتُ: إن كان مَلكاً استرحت منه، وان كان نبيّاً فسيُخبر.

فعفا عنها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، ولم يلاحق من تواطأوا معها50.

لاشك لو أن هذه الحادثة حدثت لغير رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله من القادة والزعماء لصبغوا الارض بدماء من ظنوا أنه قصد قتلهم، أو ملأوا السجون بهم وحبسوهم، أعواماً مديدة او اخضعوهم لاشد انواع التعذيب الجسدي والنفسي كما يحدِّثنا بذلك التاريخ القديم والحديث.

إن هذه المؤامرة الدنيئة التي قامت بها إمرأة من اليهود جعلت الكثير من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله يسيئون الظن بصفية اليهودية التي أصبحت في عداد ازواج النبي صلّى اللّه عليه وآله.

فقد باتوا يتصوّرون أنها ربما أقدمت في ليلة من الليالي على اغتيال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله.

ولهذا عندما أعرس رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بها بخيبر أو في أثناء الطريق بات "أبو أيّوب الانصاري" يحرس قبّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله التي دخل بها بصفية ليلة عرسه بها، وبقي يطوف بالقبة حتى أصبح رسولُ اللّه صلّى اللّه عليه وآله فلما رأى أبا أيوب قال: ما لكَ يا أبا أيوب؟

قال: يا رسول اللّه خِفتُ عليك من هذه المرأة، وكانت امرأة قد قتلت أباها وزوجها وقومها وكانت حديثة عهد بكفر، فخفتها عليك. فشكرهُ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، ودعا له بخير51.

2- والنموذج الثاني من جفاء اليهود، وكيدهم حتى بعد عفو النبي عنهم، ولطفه بهم أنّ "عبد اللّه بن سهيل" الذي كُلِّف من جانب النبي صلّى اللّه عليه وآله في إحدى السنين بخرص محاصيل خيبر وتقديرها وحمل نصيب المسلمين منها إلى المدينة قتله جماعة مجهولة من اليهود أثناء قيامه بواجبه في خيبر وقد كسروا عنقه وألقوه في بئر، فقدم جماعة من زعماء اليهود المدينة ودخلوا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وأخبروه بهذه العملية الغادرة المجهول فاعلها، وتقدم الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله أيضاً "عبد الرحمان" اخو عبد اللّه بن سهل وإبنا عمّه وكان عبد الرحمن من أحدثهم سناً وكان صاحب الدّم فلما تكلّم قبل ابني عمّه قال رسول اللّه: الكُبر الكُبر (أي قدّموا الاكبر للكلام إرشاداً إلى الأدب في تقديم الأسنّ وهو خلق يدعو اليه الاسلام).

فذكروا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله قتل صاحبهم وطلبا القصاص فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله:"أتسمُّون قاتلكم، ثم تحلفون عليه خمسين يميناً فنسلّمه إليكم".

وحمل هذا التعليم النبوي أولياء الدم على أن يجعلوا التقوى والورع نصب أعينهم ولم يستسلموا لثورة العاطفة فقالوا: يا رسول اللّه ما كنّا لنحلف على ما لا نعلم.

فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله:"أفيَحلفونَ (أي يحلف اليهود) باللّه خمسين يميناً ما قتلوهُ، ولا يعلمون له قاتلاً، ثم يبرأون من دمه؟".

قالوا يا رسول اللّه ما كنا لنقبل أيمان اليهود، ما فيهم من الكفر أعظمُ من أن يحلفوا على إثم.

فكتب رسولُ اللّه صلّى اللّه عليه وآله إلى يهود خيبر كتاباً فيه: انه قد وُجدَ قتيل بين أبياتكم فدوه (أي أعطو ديته).

فكتبوا إليه يحلفون باللّه ما قتلوه، ولا يعلمون له قاتلاً.

فلما رأى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله أن المشكلة قد وصلت إلى طريق مسدودة وَداه بنفسه من عنده مائة ناقة52.

وهكذا اثبت النبي صلّى اللّه عليه وآله لليهود مرة اُخرى بأنه ليس داعية حرب ولا طالب قتال وسفك دماء، ولو كان كغيره من الزعماء والسياسيين لاتخذ من قصة مقتل عبد اللّه ذريعة للقضاء على حياة تلك الزمرة المعتدية، المشاغبة المخلَّة بالأَمن53.

إن النبي صلّى اللّه عليه وآله كما يصرّح بذلك القرآن الكريم ويصفه: نبيُ الرحمة، فهو لا يحتكم الى السيف ما لم يبلغ الامر مداه.

حيلة مُجازة
كان في خيبر تاجر يدعى الحجّاج بن علاط السلمي له تجارة مع أهل مكة، وكان ممّن حضر يوم خيبر، وشاهد لطف النبي ورحمته فأسلم طائعاً راغباً.

ولما فرغ المسلمون من أمر "خيبر" أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وقال: يا رسول اللّه إن لي بمكة مالاً متفرقاً في تجار مكة فأذن لي يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله أن احتال لأخذها، فأذن له رسولُ اللّه صلّى اللّه عليه وآله بذلك ليستنقذ أمواله من المشركين وغيرهم في مكة.

فقدم مكة، فرآه رجالُ قريش اجتمعوا حوله وأخذوا يسألونه عن أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ولم يكونوا علموا بإسلامه فأجابهم قائلاً: لقد هُزم محمَّد بخيبر هزيمة لم تسمعوا بمثلها قط، وقُتِلَ أصحابُه قتلاً لم تسمعوا بمثله قط، واُسر محمِّد اسراً، وقالت اليهود: لا نقتله حتى نبعث إلى أهل مكة فيقتلوه بين أظهرهم إنتقاماً لمن أصاب من رجالهم.

ففرح سادة قريش لهذا الخبر الكاذب فرحاً شديداً، ثم قال الحجاج لهم: أعينوني على جمع مالي بمكة وعلى غرمائي فاني اُريد أن اقدم خيبر فأصيب من محمَّد وأصحابه قبل أن يسبقني التجار الى ما هنالك فجمعوا له ماله كأسرع ما يكون.

فلما سمع "العباس بن عبد المطلب" هذا الخبر جاء الى الحجاج وقال يا حجاج ما هذا الخبر الذي جئت به، فأشار الحجاج إلى العباس بأنّه سيخبره بحقيقة الأمر، ثم التقى العباس خفية وأخبره بأنه ماكر أهل مكة، وأن النبي ظفر بيهود خيبر، وطلب من العباس أن يكتم ذلك حتى يغادر مكة، وينجو بنفسه وماله.

فلما فرغ من جميع ماله كله غادر مكة بسرعة فائقة. فلما مضى على ذلك ثلاثة أيام واطمأن العباسُ من نجاة الحجاج لبس حلة جميلة، وتعطّر وأخذ عصاه ثم خرج حتى أتى الكعبة فتعجّبت قريش لذلك، وظنت أنه فعل ذلك تجلّداً، فقالت للعباس: يا أبا الفضل هذا واللّه التجلّد لحرّ المصيبة، قال: كلا، واللّه الذي حلفتم به، لقد افتَتح "محمَّد" خيبر، وترك عروساً على بنت ملكهم، وأحرز أموالهم وما فيها، وأصبحت له ولأصحابه.

فقالوا: مَن جاءك بالخبر.
فقال: الذي جاءكم بما جاءكم (ويعني الحجاج الذي احتال عليهم). ولقد دخل عليكم مُسلماً، فأخذ ماله، وانطلق ليلحق بمحمَّد وأصحابه، فيكون معه.
فغضبت قريش لهذه المكيدة وانزعجت إنزعاجاً شديداً، ولكن بعد فوات الأوان، ولم يلبثوا أن جاءهم خبر انتصارات المسلمين الساحقة على اعدائهم54.


1- السيرة الحلبية: ج 3 ص 36، تاريخ الطبري: ج 2 ص 46.
2- السيرة النبوية: ج 2 ص 330.
3- الامالي للطوسي: ص 164، يذهب ابن هشام في سيرته: ج 2 ص 328 إلى ان خروج النبي صلّى اللّه عليه وآله إلى خيبر كان في المحرمّ، وبينما
ذهب ابن سعد في الطبقات الكبرى: ج 2 ص 77 إلى انه كان في جمادى الثانية من السنة السابعة، وحيث ان ارسال الرسل الى المدوك والامراء تم في
شهر محرم من هذه السنة ذاتها لذلك يكون الرأي الثاني أقرب إلى الصحة، وخاصة أن مهاجري حبشة التحقوا برسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله في خيبر
بعد وصول رسالة النبي صلّى اللّه عليه وآله إلى النجاشي بوساطة "عمرو بن اُمية" لان ذهاب رسول النبي صلّى اللّه عليه وآله إلى الحبشة وعودته مع
المهاجرين الى المدينة ثم خيبر بحاجة إلى زمان، وحيث ان توجه الرسل والسفراء كان في شهر محرم لذلك يجب ان يكون قتال الخيبريين في الاشهر
التالية.
4- وهي أجهزة حديدية بدائية تقذف الحجر او الحديد.
5- السيرة الحلبية: ج 3 ص 39.
6- اسد الغابة: ج 4 ص 334.
7- السيرة الحلبية: ج 3 ص 40.
8- السيرة النبوية: ج 3 ص 342.
9- السيرة النبوية: ج 2 ص 344و 345. امتاع الاسماع: ج 1 ص 312- 313.
10- مجمع البيان: عند تفسير قول اللّه تعالى: "ومن اهل الكتاب من إن تامنه...".
11- السيرة النبوية: ج 1 ص 335 - 336.
12- السيرة النبوية: ج 2 ص 322.
13- تاريخ الطبري: ج 2 ص 300.
14- مجمع البيان: ج 9ص 120، السيرة الحلبية: ج2 ص 37، السيرة النبوية: ج 3 ص 334، أمتاع الاسماع: ج 1 ص 314، ولقد انزعج المؤرخ
الاسلامي المعروف ابن أبي الحديد من فرار هاتين الشخصيتين فقال في ضمن قصيدة له:
وما أنسَ لا أنسَ اللَّذين تَقدَّما*** وَفرَّهُما والفرُّ قَد علِما حُوبُ
وللراية العظمى وقد ذهبا بها*** ملابس ذلّ فوقها وجلابيب
يشلُّهما من آل موسى شمردَل*** طويل نجاد السيف أجيد يعبوبُ
(الغدير: ج 7 ص 201 اقتباساً من القصائد العلويات).
15- السيرة الحلبية: ج 2 ص 35.
16- هذه هي عبارة الطبري: ج 2 ص 300، كنز العمال: ج 6.
17- بحار الأنوار: ج 21 ص 28 و 29، تاريخ الخميس: ج 2 ص 49.
18- صحيح مسلم: ج 5 ص 195، صحيح البخاري: ج 5 ص 18.
19- السيرة الحلبية: ج 2 ص 37.
20- امتاع الاسماع: ج 1 ص 314 قال: فانكشف المسلمون وثبت عليّ.
21- يروي ابن هشام في سيرته أشعار مرحب اُخرى: ج 2 ص 332.
22- تاريخ الطبري: ج 2 ص 94، سيرة ابن هشام: ج 2 ص 349، تاريخ الخميس: ج2 ص 47 - 50.
23- بحار الأنوار: ج 21 ص 40.
24- الارشاد: ص 62 - 65.
25- ناسخ التواريخ: ج 2ص 282- 286.
26- السيرة الحلبية: ج 3 ص 38، وراجع زاد المعاد: ج 2 ص 134و 135.
27- المغازي: ج 2 ص 653.
28- السيرة النبوية: ج 3 ص 349.
29- وهي اشارة إلى واقعة تبوك.
30- وهي اشارة إلى واقعة خيبر.
31- وهي اشارة إلى قصة مباهلة النبي نصارى نجران.
32- صحيح مسلم: ج 7 ص 120.
33- المغازي: ج 2 ص 651- 653.
34- السيرة الحلبية: ج 3 ص 35.
35- ناسخ التواريخ: ج 2 ص 299، المصدر السابق ص40.
36- الخصال: ص 369.
37- الخصال: ص 369 باب السبعة.
38- تاريخ الطبري: ج 2 ص 302.
39- المغازي: ج 2 ص 673، تاريخ الطبري: ج 3 ص 302.
40- السيرة النبوية: ج 3 ص 337، بحار الأنوار: ج 21 ص 33.
41- وسائل الشيعة: ج ؟ باب جهاد النفس الحديث 4، المغازي: ج 2 ص 681.
42- الشملة كساء غليظ يُلتَحفُ به.
43- السيرة النبوية: ج 2 ص 339، امتاع الاسماع: ج 1 ص 323و 324.
44- فروع الكافي: ج1 ص 129و 130، الخصال: ج2 ص82و 83، امتاع الاسماع: ج 1 ص 325.
45- بحار الأنوار: ج 21 ص 32.
46- السيرة النبوية: ج 2 ص 337.
47- الجزية ما يؤخذ من أهل الذمّة.
48- السيرة النبوية: ج 2 ص 354.
49- المغازي: ج 2 ص 680، امتاع الاسماع: ج 1 ص 323.
50- السيرة النبوية: ج 2 ص 337و 338 والمغازي: ج 2 ص 677و 678. وامتاع الاسماع: ج 1 ص 323. هذا والمعروف أن النبي صلّى اللّه عليه وآله قال في مرضه الذي مات فيه: إن هذا الأوان وجدت فيه إنقطاع أبهري من الأكلة التي أكلت بخيبر، فإن النبيَّ، وان كان لفظ المضغة إلا ان بقايا السمّ اختلط ببزاقه الشريف، وأثر في جسمه المبارك حتى اودى بحياته المقدسة بعد حين.
51- السيرة النبوية: ج 2 ص 339و 340، بحار الأنوار: ج 21 ص 33.
52- السيرة النبوية: ج 2 ص 354- 356.
53- لم تنحصر تعديات اليهود وتجاوزاتهم على ما ذكرناه فلطالما خطّطوا ودبّروا الحيل لالحاق الأذى والضرر بالمسلمين، ومن جملة ذلك حادث عبد اللّه بن عمر الذي ذهب إلى خيبر في عهد الخليفة الثاني لعقد اتفاقية مع أهلها فاعتدوا عليه بالضرب فلما عرف بذلك عمر رأى أن يجليهم من خيبر لقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: "لا يجتمعنّ بجزيرة العرب دينان" فقال لصحابة النبي صلّى اللّه عليه وآله من كان له حق عند اليهود فليأخذه ثم أجلاهم من خيبر جزاء كيدهم وتآمرهم المستمر. (المصدر).
54- بحار الأنوار: ج 21 ص 34، زاد المعاد: ج 2 ص 140، السيرة النبوية: ج 2 ص 345و 346.