معرفة النبي> القرآن معجزة النبي (ص)

أعظم معجزة لنبي الاسلام

إعجاز القران

 مزايا القُرآن البيانية

بعض مزايا القران الكريم

اعجاز القران الكريم

سبب التحدي بالكلام القراني

فصاحة القرآن الكريم

تحليل إعجاز القرآن الكريم

وجه إعجاز القرآن وكونه كتاباً خارقاً للعادة

أسلوب القرآن البديع

نظم القرآن البديع

بلاغة القرآن الكريم

الشواهد على أنّ القرآن كتاباً إلهيا

عجز البشر عن الإتيان بمثله

مثالان على إعجاز القرآن البلاغي والفصاحي

إخبار القرآن عن الظواهر والقوانين الكونية

 إعجاز القرآن :الإخبار عن الغيب

إعجازه من ناحية إتقان التشريع والتقنين

نظرة القرآن الى العالم

نافذة على إعجاز القرآن

نظريات القرآن الأخلاقية شاهد على إعجازه

 صيانة القرآن من التحريف والكتب السماوية

 صيانة القرآن عن التحريف

القرآن والاكتشافات العلمية المعاصرة

 

 

مذهب الصَّرْفة

مثالان على إعجاز القرآن البلاغي والفصاحي
 

إليك أيها القارىء الكريم تحليل آيتين من آيات القرآن الكريم، نستجلي فيهما حقيقة الإعجاز، ونقف على المزايا الفريدة الموجودة فيهما.

1ـ أية (يا أرْضُ ابْلَعي)
قال عَزَّ مِنْ قائل: ﴿وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ(هود: 44).

هذه الآية الكريمة من بدائع آيات القرآن الكريم، وهي الّتي أُنْزِلَتْ، فأَنْزَلَتْ قُريشُ معلقاتها السبع عن جدران الكعبة، وهي الّتي شغلت بال باقعة الأُدباء، عبد الله بن المقفع1، وهي الّتي شغلت بال أساتذة البديع، لأنّها اشتملت على عشرات الأنواع من المحسنات البديعية، بينما هي لا تتجاوز سبعة عشر لفظاً. وإليك الإشارة إلى بعضها:

1ـ المناسبة التامة بين "إبْلَعي وأَقْلِعي".

2ـ الإستعارة فيهما.

3ـ الطِّباق بين الأرض والسماء.

4- المجاز في قوله: "يا سماء". فإنَّ الحقيقة يا مطرَ السَّماء.

5ـ الإشارة في: (وغِيضَ الماء)، فإنّه عَبَّرَ به عن معان كثيرة، لأنّ الماءَ لا يغيض حتى يُقْلِع مَطَرُ السماء وتبلع الأرض ما يخرج منها من عيون الماء.

6ـ الإرداف في قوله: (واسْتَوَتْ على الجُودِيِّ) فإِنَّه عَبّر عن استقرارها في المكان بلفظ قريب من لفظه الحقيقي.

7ـ التمثيل في قوله: (وقُضيَ الأمر). فإنّه عبّر عن هلاك الهالكين ونجاة الناجين بلفظ بعيد عن المعنى الموضوع.
8ـ التعليل، فإنّ: (غيضَ الماء)، علّة الإستواء.

9ـ صحّة التقسيم، فإنّه استوعب أقسام الماء حالة نقصه، إذ ليس إلاّ احتباس ماء السماء، والماء النابع من الأرض، وغَيْض الماء الّذي على ظهرها.

10ـ الإحتراس في قوله: (وقيل بُعْداً للقوم الظّالمين)، إذ الدعاء يشعر بأنّهم مستحقوا الهلاك احتراساً من ضعيف يتوهم أنّ الهلاك لعمومه، ربما يشمل غير مستحقه.

11ـ المساواة، لأنّ لفظ الآية لا يزيد على معناها.

12ـ حسن النسق، فإنّه تعالى قصّ القِصّة وعطف بعضها على بعض بحسن الترتيب .

13ـ ائتلاف اللفظ مع المعنى، لأنّ كل لفظة لا يصلح معها غيرها.

14ـ الإيجاز، فإنّه تعالى أمر فيها ونهى، وأخبر ونادى، ونعت وسمى وأهلك وأبقى، وأسعد وأشقى، وقصّ من الأنباء ما لو شرح لا ستغرق كتاباً مفرداً.

15ـ التفهيم، لأنّ أوّل الآية يدلّ على آخرها.

16ـ التهذيب، لأنّ مفرداتها موصوفة بصفات الحُسن، إذ كل لفظة عليها رونق الفصاحة، سليمة عن التنافر، بعيدة عن البشاعة وتعقيد التركيب.

17ـ حُسْن البيان، لأنّ السامع لا يتوقف في فهم معنى الكلام ولا يشكل عليه شيء منه.

18ـ الإعتراض، وهو قوله: (وَغيضَ الماءُ واسْتَوَتْ على الجُوديّ).

19ـ الكناية، فإنّه لم يُصَرِّح بمن أَغاض الماء، ولا بمن قُضيَ الاَمر، ولا بمن سوى السفينة وأقرّها في مكانها، ولا بمن قال: (وقيل بُعْداً). كما لم يصرّح بقائل: (يا أَرض ابلَعي)، و(يا سماءُ أَقلعي) في صدر الآية، سالكاً في كل واحد من ذلك سبيل الكناية لأنّ تلك الأمور العظام لا تتأتى إلاّ من ذي قدرة قهّارة لا يغالب. فلا مجال لذهاب الوهم إلى أن يكون غيره سبحانه قائل: (يا أرض ابلعي)، (ويا سماء أقلعي)، ولا أن يكون غائض ما غاض، ولا قاضي مثل ذلك أمر الهائل، غيره.

20ـ التعرّض، فإنّه تعالى عرّض بكل من سلك مسلكهم في تكذيب الرُّسل ظلماً، وأنّ الطوفان وتلك الأُمور الهائلة ما كانت إلاّ لأجل ظلمهم.

21ـ التمكين، لأنّ الفاصلة مستقرة في محلّها، مطمئنة في مكانها غير قلقة ولا مستدعاة.

22ـ الإنسجام، لأنّ الآية بجملتها منسجمة، كالماء الجاري في السلاسة.

23ـ اشتمالها على بعض البحور الشعرية، إذ قوله: (وَقيلَ يا أَرضُ ابْلعي ماءَك)، على وزن "مستفعلن مستفعلن فاعل". و(يا سماء أقلعي) على وزن "مفاعلن مفاعل".

24ـ تنزيل من لا يعقل منزلة من يقعل في النداء والمخاطبة.

25ـ الإبهام في قوله: (واسْتَوَتْ على الجُوديّ) وهو إسم الجبل الصغير، والزق المنفوخ الّذي تستقر عليه السُفُن المائية.

26ـ المحافظة على فواصل الآيات فإنّ الرويّ في قوله: (بُعْداً للقوم الظالمين)مطابق للآيات المتقدمة والمتأخرة.

27ـ التكرار، كما في "الماء"، معرَّفاً باللام تارة والإضافة أُخرى.

28ـ تخيّل مالكية الأرض، بحيث لها سلطة في إرجاع الماء.

إلى غير ذلك من المحاسن البديعية الّتي يدركها الممعن في الآية.

فهذه بعض الميزات الواردة في الآية الكريمة، وليس كل واحد منها ولا جميعها أمراً معجزاً، ولكن المجموع أعطى للآية نظماً خاصاً، وأُسلوباً بديعاً، يعرف الذوق العربي أنّه يغاير سائر الأساليب والنظم الكلامية. وهذا الجمال الطبيعي، يخلق في النفس جذبة روحية خاصة، كأنّها كهرباء القلوب ومغناطيس الأرواح، ولأجل ذلك يقول الكرماني في كتاب "العجائب": "أجَمع المعاندون على أنّ طَوْقَ البشر قاصرٌ عن الإتيان بمثل هذه الآية، بعد أن فَتّشوا جميعَ كلام العرب والعجم، ولم يجدوا مثلها في فخامة ألفاظها، وحسن نظمها، في تصوير الحال مع الإيجاز من غير إخلال"2. ويقول العلامة الشهرستاني بأنّه أفرد بلاغة هذه الآية بالتأليف3.

2ـ آية (وأَوْحينا إلى أُمّ مُوسى)
قال تبارك وتعالى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَني إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ(القصص:7). وهذه الآية الكريمة من بدائع آيات القرآن، وهي على وجازتها، قد جمعت فعلين من الماضي (أوحينا، وخِفْتِ)، وفعلين من الأمر (أرضعيه، وأَلقيه)، وفعلين من النهي (لاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَني)، ووزنين من اسم الفاعل ( رَادُّوهُ، وَجَاعِلُوهُ )، ووزنين من إسم المفعول (موسى، مرسل)، وإسمين خاصين (موسى، وأُمّه). ثم قد تكررت فيها "فاء الجواب" مرتين (فإذا، فأَلقيه)، وحرف "إلى" مرتين (إلى أُم موسى، إليك). ثم قد كرر الخوف مرتين، وعبّر عن أُمّ موسى باسم مزدوج بدل أن يسميها باسمها.

وفيها نبأ غيبي وهو الإخبار بردّ موسى إلى أُمه، وفيها وعدان: الردّ، والنبوّة. فاجتماع هذه الأمور في الآية يوجد في الإنسان عند سماعها، لذّة وانجذاباً واستغراقاً، وتطرأ عليه الحالة الّتي طرأت على عتبة بن ربيعة عندما سمع من رسول الله آيات من سورة فصلت، فألقى يديه خلف ظهره، معتمداً عليهما مذهولاً مبهوتاً.

*الإلهيات.آية الله جعفر السبحاني،مؤسسة الامام الصادق عليه السلام،ج3،ص325-330


1- روى هشام بن الحكم، قال: اجتمع ابن أبي العوجاء وأبو شاكر الديصاني، وعبد الملك البصري، وابن المقفع، عند بيت الله الحرام يستهزئون بالحاج، ويطعنون بالقرآن فقال ابن أبي العوجاء: "تعالوا ننقض كلُّ واحد منا ربع القرآن وميعادنا من قابل في هذا الموضع، نجتمع فيه وقد نقضنا القرآن كلَّه، فإنّ في نقض القرآن إبطال نَبوَّة محمد، وفي إبطال نبوَّته إبطال الإسلام، وإثبات ما نحن فيه" فاتّفقوا على ذلك وافترقوا. فلما كان من قابل، اجتمعوا عند بيت الله الحرام، فقال ابن أبي العواجاء: "أمّا أنا فمتفكر منذ افترقنا في هذه الآية ﴿فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيّاً(يوسف:80)، فما أقدر أن أَظُمَّ إليها في فصاحتها وجميع معانيها شيئاً، فشغلتني هذه الآية عن التفكر في سواه". وقال عبد الملك: "أنا منذ فارقتكم مفكر في هذه الآية: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لاَ يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ(الحج:73)، ولم أقدر على الإتيان بمثله". فقال أبو شاكر: "أنا منذ فارقتكم مفكّر في هذه الآية: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتَا(الأنبياء:22)، ولم أقدر على الإتيان بمثلها. فقال ابن المقفع: "يا قوم إِنّ هذا القرآن ليس من جنس كلام البشر، وأنا منذ فارقتكم مفكّر في هذه الآية ﴿وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِين(هود:44)، لم أبلغ غاية المعرفة بها، ولم أقدر على الإتيان بمثله". قال هشام بن الحكم: فبينما هم في ذلك إذ مر بهم جعفر بن محمد الصادق عليه السَّلام فقال: ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْض ظَهِيرا(الإسراء:88). فنظر القوم بعضهم إلى بعض، وقالوا لئن كان للإسلام حقيقة لما انتهى أمر وصية محمد إلاّ إلى جعفر بن محمد، والله ما رأيناه قطُّ إلاّ هِبْناه، واقشعرت جلودنا لِهَيْبَتِه. ثم تفرّقوا مُقرِّين بالعجز. (الإحتجاج للطبرسي، ج 2، ص 142 ـ 143، ط النجف الأشرف).
2- العجائب، نقلاً عن المعجزة الخالدة للشهرستاني، ص 60.
3- المصدر السابق.