معرفة النبي> القرآن معجزة النبي (ص)

أعظم معجزة لنبي الاسلام

إعجاز القران

 مزايا القُرآن البيانية

بعض مزايا القران الكريم

اعجاز القران الكريم

سبب التحدي بالكلام القراني

فصاحة القرآن الكريم

تحليل إعجاز القرآن الكريم

وجه إعجاز القرآن وكونه كتاباً خارقاً للعادة

أسلوب القرآن البديع

نظم القرآن البديع

بلاغة القرآن الكريم

الشواهد على أنّ القرآن كتاباً إلهيا

عجز البشر عن الإتيان بمثله

مثالان على إعجاز القرآن البلاغي والفصاحي

إخبار القرآن عن الظواهر والقوانين الكونية

 إعجاز القرآن :الإخبار عن الغيب

إعجازه من ناحية إتقان التشريع والتقنين

نظرة القرآن الى العالم

نافذة على إعجاز القرآن

نظريات القرآن الأخلاقية شاهد على إعجازه

 صيانة القرآن من التحريف والكتب السماوية

 صيانة القرآن عن التحريف

القرآن والاكتشافات العلمية المعاصرة

 

 

مذهب الصَّرْفة

نظرة القرآن الى العالم

قبل كل شيء ينبغي أنْ نتعرف على المحيط الذى نزل فيه القرآن على الصعيدين الفكري والثقافي.

يجمع المؤرخون على أنَّ أرض الحجاز كانت من أكثر بلدان العالم تخلفا بحيث أنَّهم كانوا يعبرون عن سكانها بأنَّهم متوحشون أو شبه متوحشين. كانوا متمسكين بعبادة الاصنام تمسكاً شديداً، يصطنعونها من الحجر والخشب باشكال متنوعة، فكانت تلقي بظلها المشؤوم على كل ثقافتهم، حتى قيل أنَّهم كانوا يصنعون الاصنام من التمر ويسجدون لها، ولكنهم إذا مستهم المسغبة أكلوها!

وعلى الرغم من كرههم للبنات بحيث إنَّهم كانوا يئدونهن احياء فإنَّهم كانوا يقولون: الملائكة بنات الله. ويتنزلون بالله الى حدّ اعتباره انساناً مثلهم.

كان ينتابهم العجب من التوحيد وعبادة إله واحد. وعندما دعاهم نبي الاسلام الى عبادة الله الاحد، قالوا بدهشة: ﴿أجَعَلَ الآلِهَةَ إلهاً وَاحِداً إنَّ هذا لَشَيءٌ عُجَابٌ(ص:5)

وكانوا يلصقون صفة الجنون بكل من يخالف خرافاتهم واساطيرهم المزيفة ويتعرض لمعتقداتهم الواهية.

كان النظام القبلي هو السائد على المجتمع، حيث المنازعات القبلية كانت على أشدها، حتى أنَّ نار الحروب لم تخمد يوماً بينهم، وكثيراً ما اصطبغت أرضهم بالدماء، ويفتخرون بالقتل والنهب والسبي.

واذا ظهر بينهم من يعرف القراءة والكتابة أصبح ناراً على علم، وكان من النادر أنْ تعثر بينهم على عالم مفكر.

هذا هو المحيط الذي بزغ فيه انسان اُمّي لم يدخل مدرسة ولا رأى معلماً، ولكنه أتى بكتاب عميق المحتوى الى درجة أن العلماء والمفسرين ما يزالون بعد أربعة عشر قرناً مشغولين باستكناه معانيه واستخراج حقائق جديدة منه لا تنتهي.

إنَّ الصورة التي يرسمها القرآن الكريم لعالم الوجود ونظامه صورةً دقيقة مدروسة، فيعرض التوحيد بأكمل حالاته، ويعرض أسرار خلق الارض والسماء والليل والنهار والشمس والقمر والنباتات والاشجار والانسان على أنَّ كلا منها آية تدل على وحدانية الله الأحد.

ويتعمق أحياناً في اغوار النفس الانسانية ويتحدث عن التوحيد الفطري، فيقول: ﴿فَإذا رَكِبُوا فِي الفُلْكِ دَعَوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ فَلَّما نَجّاهُم اِلى البَرِّ إذا هُم يُشْرِكُونَ(العنكبوت:65).

وقد يسلك سبيل العقل والمنطق لاثبات التوحيد مستنداً الى السير في الآفاق وفي الانفس، ومذكّراً بأسرار خلق السموات والارض والحيوانات والجبال والبحار، وهطول الامطار، وهبوب الرياح ودقائق اعضاء الانسان: ﴿سَنُرِيْهِم آياتِنا فِي الآفَاقِ وَفِي أنْفُسِهِم.(فصلت:53)

وعند الكلام عن صفات الله يختار أعمقها وأجلبها للنظر، فيقول: ﴿لَيْسِ كَمِثْلِهِ شَيءٌ(الشورى:11).

وفي مواضع اُخرى يقول: ﴿هُوَ اللهُ الّذي لا إلهَ إلاّ هُوَ عالِمُ الغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرّحمنُ الرّحيمُ * هُوَاللهُ الّذي لا إلهَ إلاّ هُوَ المَلكُ القُدُّوسُ السَّلامُ المُؤمِنُ المُهَيمِنُ العَزِيزُ الجَبارُ المُتَكَبِّرُ سُبحانَ اللهِ عَمّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللهُ الخالِقُ البارِيءُ المُصَوِّرُ لَهُ الأسْماءُ الحُسنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّمواتِ وَالارضِ وَهُوَ العَزِيْزُ الحَكِيْمُ(الحشر:22-24).

ويعبر تعبيراً جميلاً عن وصف علم الله ولامحدوديته، فيقول: ﴿وَلَو أنّما فِي الأرْضِ مِنْ شَجَرِة أقْلامٌ وَالبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أبْحُر ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللّهِ إنّ اللّهَ عَرِيْزٌ حَكِيمٌ(لقمان:27)

وعن احاطة الله بكل شيء وحضوره في كل مكان، يقول: ﴿وَللهِ المَشْرِقُ وَالمَغْرِبُ فَأيْنَمَا تُولُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ(البقرة:115)

﴿وَهُوَ مَعَكُم أيْنَ ما كُنْتُم وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(الحديد:4)

وعندما يدور الكلام حول البعث ويوم القيامة، يواجه دهشة المشركين وانكارهم بقوله: ﴿قَالَ مَنْ يُحيي العِظَامَ وَهِي رَمِيمٌ * قُلْ يُحييها الّذي أنْشَأهَا أوّلَ مَرِّة وَهُوَ بِكُلِّ خَلْق عَلِيمٌ * الّذي جَعَلَ لَكُم مِنَ الشَّجَرِ الأخْضَرِ ناراً فَإذا أنْتُم مِنْهُ تُوقِدُونَ * أوَ لَيْسَ الّذي خَلَقَ السَّمواتِ وَالاَرْضَ بِقادِر عَلى أنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلى وَهُوَ الخَلاّقُ العَلِيمُ * إنّما أمْرُهُ إذا أرَادَ شَيْئاً أنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ(يس:78-82).

في تلك الايام التي لم يكن فيها قد تمّ اكتشاف التصوير وتسجيل الاصوات، يقول القرآن الكريم بشأن أعمال الانسان: ﴿يَومَئِذ تُحَدِّثُ أخْبَارَها * بِأنَّ رَبَّكَ أوحى لَها(الزلزلة:4-5).

وقد يتحدث عن شهادة أعضاء الانسان فيقول: ﴿اليَومَ نَخْتِمُ عَلَى أفْواهِهِم وَتُكَلِّمُنا أيْدِيهِم وَتَشْهَدُ أرْجُلُهُم.(يس:65).

﴿
وَقَالُوا لِجلُودِهِم لِمَ شَهِدْتُم عَلَينا قَالُوا أنْطَقَنا اللهُ الّذي أنْطَقَ كُلَّ شَيء
(فصلت:21).

إنَّ قيمة العلوم القرآنية وعظمة محتواها وخلوها من الخرافات لاتتضح إلاّ إذا وضعت الى جانب التّوراة والانجيل المحرفتين للمقارنة بينهما، لنرى ماتقول التّوراة بشأن خلق آدم وما يقول القرآن الكريم بهذا الشأن.

وماذا تقول التّوراة بشأن الانبياء وما يقوله القرآن المجيد.

وما تقوله التوراة والانجيل في وصف الله ، ومايقوله القرآن في ذلك. عندئذ يتبين الفرق واضحاً بينهما1.

*سلسلة دروس في العقائد الاسلامية،آية الله مكارم الشيرازي . مؤسسة البعثة،ط2 ، ص106-111


1- لمزيد من التوضيح راجع كتاب "رهبرن بزركه"