أهل البيت(ع)> حقوق أهل البيت(ع)

وجوب مودَّتهم وحبِّهم

قام الرسل بابلاغ رسالات اللّه سبحانه إلى الناس، دون أن يبغوا أجراً منهم، بل كان عملهم خالصاً لوجهه سبحانه، لاَنّ إبلاغ رسالاته كانت فريضة إلهية على عواتقهم، فكيف يطلبون الاَجر للعمل العبادي الذي لا يبعثهم إليه إلاّ طاعة أمره وطلب رضاه،ولذلك كان شعارهم دوماً، قولهموَما أسأَلكم عليهِ منْ أَجْر إِن أَجْري إِلاّعلى اللّه ربّ العالَمين .1

فقد ذكر سبحانه على لسان الاَنبياء تلك الآية في سورة الشعراء، ونقلها عن عديد من أنبيائه، نظراء
1-نوح2 ،

2-هود3

3-صالح4

4-لوط5

5-شعيب6

وقد جاء هذا الشعار في سور أُخرى نقلها القرآن الكريم عن رسله وأنبيائه، فقدكانوا يخاطبون أُمَمهم بقولهم:
1-)قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْري إِلاّ على اللّه( .7
2-)يا قَوم لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ الّذي فطرني( .8

فإذا كان هذا موقف الاَنبياء من أُمّتهم، فكيف يصح للنبي الخاتم ص أن يطلب الاَجر؟! بل هو أولى بأن يكون عمله خالصاً للّه، لاَنّه خاتم الرسل وأفضلهم، وقد كان يرفع ذلك الشعار أيام بعثته، بأمر منه سبحانه و يتلو قوله تعالى: )قُلْلا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَإِلاّذِكرى لِلْعالَمين9(
هذه هي حقيقة قرآنية لا يمكن إنكارها، ومع ذلك نرى انّه سبحانه يأمره في آية أُخرى بأن يطلب منهم مودة القربى أجراً للرسالة.
ويقول:) قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّالمَودَّةَ فِي القُربى (.10
فكيف يمكن الجمع بين هذه الآية، وما تقدم من الآية الخاصة بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم والآيات الراجعة إلى سائر الاَنبياء، فانّهم عليهم السلام كانوا على نهج واحد؟.

هذا هو السوَال المطروح في المقام.
والاِجابة عليه يتوقَّف على نقل ما ورد حول الموضوع في القرآن الكريم، فنقول:الآيات التي وردت حول أجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أصناف أربعة:

الاَوّل: أمره سبحانه بأن يخاطبهم بأنّه لا يطلب منهم أجراً، قال سبحانه:) قُلْلا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَإِلاّذِكرى لِلْعالَمين( .11

الثاني: ما يشعر بأنّه طلب منهم أجراً يرجع نفعه إليهم دون النبي صلى الله عليه وآله وسلم: فيقول سبحانه:) قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاّعلى اللّهِ وهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ شَهيد (.12

الثالث: ما يُعرّف أجره، بقوله:) قُلْ ما أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاّمَنْ شاء أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّه ِسَبيلاً( .13 فكان اتخاذ السبيل إلى اللّه هو أجر الرسالة.

الرابع: ما يجعل مودة القربى أجراً للرسالة، ويقول:) قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّالمَوَدَّةَ فِي القُربى( .

فهذه العناوين الاَربعة لابدّأن ترجع إلى معنى واحد، وهذا هو الذي نحاول أن نسلّط عليه الاَضواء.
الجواب: انّ لفظة الاَجر يطلق على الاَجر الدنيوي والاَُخروي غير انّ المنفي في تلك الآيات بقرينة نفي طلبه عن الناس هو الاَجر الدنيوي على الاِطلاق، ولذلك لم ينقل التاريخ أبداً أن يطلب نبي ص لدعوته شيئاً بل نقل خلافه.

هذه هي قريش تقدَّمت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفي طليعتهم أبو الوليد، فتقدم إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال: يابن أخي إن كنت إنّما تريد بما جئت به من هذا الاَمر، مالاًً، جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت تريد به شرفاً سوَّدناك علينا، حتى لا نقطع أمراً دونك، وإن كنت تريد به ملكاً ملّكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رئيّا تراه لا تستطيع ردّه عن نفسك، طلبنا لك الطبَّ، وبذلنا فيه أموالنا حتى نُبرئك منه، فانّه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه، أو كما قال له حتى إذا فرغ عتبة، ورسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم يستمع منه، قال: أقد فرغت يا أبا الوليد؟ قال: نعم، قال: فاسمع مني قال: أفعل، فقال:)بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمن ِالرَّحيم* حم* تَنْزَيلٌ مِنَ الرَّحْمنِالرَّحيم* كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرآناًعَرَبِياً لِقَومٍ يَعْلَمُونَ* بَشيراً وَنَذِيراً فَأعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُون* وَقالُوا قُلُوبُنا في أَكِنَّةٍ مَمّا تَدْعُونا إِلَيْه( .14

ثمّ مضى رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم فيها يقروَها عليه. فلماّ سمعها منه عتبة، أنصت لها، وألقى يديه خلف ظهره معتمداً عليها يسمع منه، ثمّانتهى رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم إلى السجدة منها، فسجد ثمّ قال: قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت، فأنت وذاك.15
هذا النصّ وغيره يعرب عن أنّ مدار الاِثبات والنفي هو الاَجر الدنيوي بعامة صوره، وهذا أمر منفي جداً لا يليق لنبي أن يطلبه من الناس.
قال الشيخ المفيد: إنّ أجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في التقرُّب إلى اللّه تعالى هو الثواب الدائم، وهومستحق على اللّه تعالى في عدله وجوده وكرمه، وليس المستحق على الاَعمال يتعلَّق بالعباد، لاَنّ العمل يجب أن يكون للّه تعالى خالصاً، وما كان للّه فالاَجر فيه على اللّه تعالى دون غيره.16

إذا عرفت ذلك، فنقول:إنّ مودة ذي القربى وإن تجلت بصورة الاَجر حيث استثنيت من نفي الاَجر، لكنّه أجر صوري وليس أجراً واقعياً، فالاَجر الواقعي عبارة عمّا إذا عاد نفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولكنّه في المقام يرجع إلى المحب قبل رجوعه إلى النبي ص، وذلك لاَنّ مودة ذي القربى تجرّ المحب إلى أن ينهج سبيلهم في الحياة، ويجعلهم أُسوة في دينه ودنياه، ومن الواضح انّ الحبّ بهذا المعنى ينتهي لصالح المحب. قال الصادق عليه السلام: "ما أحب اللّه عزّ و جلّ من عصاه" ثمّ تمثَّل، فقال:

تعصي الاِله وأنت تظهر حبه       هذا محال في الفعـال بديـع
لو كان حبك صادقاً لاَطعتـه         انّ المحبّ لمن يحب مطيـع
17

وسيوافيك انّ المراد من ذوي القربى ليس كلّ من ينتمي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بنسب أو سبب، بل طبقة خاصة من أهل بيته الذين عرفهم بأنّهم أحد الثقلين في قوله: "إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب اللّه، وعترتي أهل بيتي، وانّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض".18

فإذا كان المراد من ذوي القربى هوَلاء الذين أنيط بهم أمر الهداية والسعادة فحبُّهم ومودَّتهم يرفع الاِنسان من حضيض العصيان والتمرد إلى عزّ الطاعة.
إنّ طلب المودة من الناس أشبه بقول طبيب لمريضه بعد ما فحصه وكتب وصفة: لا أُريد منك أجراً إلاّ العمل بهذه الوصفة، فانّ عمل المريض بوصفة الطبيب و إن خرجت بهذه العبارة بصورة الاَجر، ولكنّه ليس أجراً واقعياً يعود نفعه إلى الطبيب بل يعود نفعه إلى نفس المريض الذي طلب منه الاَجر.
وعلى ذلك فلابدّ من حمل الاستثناء على الاستثناء المنقطع، كأن يقول: قل لا أسألكم عليه أجراً، وإنّما أسألكم مودة ذي القربى، وليس الاستثناء المنقطع أمراً غريباً في القرآن بل له نظائر مثل قوله: لا يسمعون فيها لَغْواً إِلاّسَلاماً .19

وعلى ذلك جرى شيخ الشيعة المفيد في تفسير الآية، حيث طرح السوَال، و قال: فإن قال قائل: فما معنى قوله: قُلْ لا أَسألكم عليهِ أَجْراً إِلاّالمَودَّة فِي القُربى أو ليس هذا يفيد انّه قد سألهم مودة القربى لاَجره على الاَداء؟.

قيل له: ليس الاَمر على ما ظننت لما قدمنا من حجّة العقل والقرآن، والاستثناء في هذا المكان ليس هو من الجملة لكنّه استثناء منقطع، ومعناه قل لا أسألكم عليه أجراً لكنّي ألزمكم المودة في القربى و اسألكموها، فيكون قوله: قُلْ لا أسْألكُمْ عليهِ أَجراً كلاماً تاماً، قد استوفى معناه، ويكون قوله:( إِلاّالمَودَّة فِي القُربى( كلاماً مبتدأً، فائدته لكن المودة في القربى سألتكموها، وهذا كقوله:) فَسَجَد المَلائِكة كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلاّإِبْلِيس( .20 والمعنى فيه لكن إبليس، وليس باستثناء من جملة.21
وعلى ضوء ذلك يظهر معنى قوله سبحانه: )ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ( .22
وقد تبَّين انّ حبّ الاَولياء والصالحين لصالح المحب قبل أن يكون لصالحهم.
كما تبَّين معنى قوله سبحانه في شأن ذلك الاَجر:) ما أَسأَلكُمْ عليه مِنْ أَجْر إِلاّ مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبيلاً (.23

فانّ اتخاذ السبيل لا يخلو من أحد احتمالين
1-مودَّة القربى والتفاني في حبهم الذي سينتهي إلى العمل بالشريعة الموجب لنيل السعادة.
2-نفس العمل بالشريعة الذي يصل إليها الاِنسان عن طريق حبهم ومودتهم.

وبذلك ترجع الآيات الثلاث إلى معنى واحد من دون أن يكون بينهما أي تناف واختلاف.
وقد جاء الجمع بين مفاد الآيات الثلاث في دعاء الندبة الذي يشهد علو مضامينه على صدقه، حيث جاء فيه:"ثمّ جعلت أجر محمّد ص مودّتهم في كتابك، فقلت قُلْ لا أسْألكُمْ عليهِ أَجراً ِلاّالمَودَّة فِي القُربى ، وقلت: ما سألتكم من أجر فهو لكم، وقلت:)ما أَسأَلكُمْ عليه مِنْ أَجْر إِلاّ مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبيلاً( ، فكانوا هم السبيل إليك، والمسلك إلى رضوانك".

وإلى ذلك يشير شاعر أهل البيت و يقول

موالاتهم فرض وحبهم هدى            وطاعتـهم ودٍّ وودُّهـم تقـوا

وأمّا القربى فهو على وزن البشرى والزلفى بمعنى القرابة، يقول الزمخشري: القربى مصدر كالزلفى والبشرى، بمعنى القرابة والمراد في الآية "أهل القربى".24
وقد استعمل القرآن الكريم لفظة القربى في عامة الموارد بالمضاف، فتارة بلفظة ذي، قال سبحانه:) وِبالوالدين أَحساناً وذي القُربى واليَتامى( .25
وأُخرى بلفظة ذوي، قال سبحانه:) وَاتَى المال عَلى حُبِّهِ ذَوي القُربى وَاليَتامى (.26

وثالثة: بلفظة "أُولي"، قال سبحانه: )ما كان لِلنَّبيّ وَالّذينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكينَ وَلَوكانُوا أُولي قُربى (.27
و قد جاءت مرة واحدة دون إضافة وهي نفس الآية المباركة، فلاَجل ذلك يلزم تقدير شيء مثل لفظة "أهل" كما قدَّره الزمخشري أو لفظاً غير ذلك مثل كلمة "ذي" أو "ذوي" أو "ذوي قربى".

إلى هنا تمت الاِجابة عن السوَال الاَوّل حول الآية.

السوَال الثاني28
دلَّت الآية الكريمة على أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم فرض مودة ذي القربى، على المسلمين ولكن يبقى هناك سوَال وهو انّ الآية تحتمل وجهين:

أ: أن يكون المراد مودة ذوي القربى من أقرباء النبي وأهل بيته.
ب: أن يكون المراد ودّ كلّمسلم أقربائه وعشيرته ومن يمُّت إليه بصلة، وليس في الآية ما يدل على المعنى الاَوّل.

أقول: إنّ ذي القربى كما علمت بمعنى صاحب القرابة والوشيجة النسبية، ويتعَّين مورده بتعينُّ المنسوب إليه، وهو يختلف حسب اختلاف موارد الاستعمال، ويستعان في تعيينه بالقرائن الموجودة في الكلام، وهي:الاَشخاص المذكورون في الآية أو ما دلَّ عليه سياق الكلام.

فتارة يراد منه الاَقرباء دون شخص خاص، مثل قوله سبحانه:) ما كان َلِلنَّبي وَالّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكينَ وَلَو كانُوا ذوي قُربى(. .29
وقوله سبحانه:) فَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُربى (..30
فانّ ذكر النبي والذين آمنوا معه آية على أنّ المراد قريب كلّ إنسان إليهما، كما أنّ جملة فإذا قلتم فاعدلوا آية أنّ المراد كل إنسان قريب إليه.
وأمّا قوله سبحانه:) قُلْ لا أَسأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ المَوَدَةَ فِي القُربى(. فالفعل المتقدّم عليه يعنى لا أسألكم آية انّ المراد أقرباء السائل، مثل قوله سبحانه:) ما أَفاءَ اللّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِالقُرى فَلِلّهِ وَالرَّسُولِ وَلِذِي القُربى (.31

فانّ لفظة على رَسُولِهِ آية أنّ المراد أقرباء الرسول.
وعلى ذلك فلابدّ من الرجوع إلى القرائن الحافَّة بالآية وتعيين المراد منه، و بذلك ظهر أنّالمراد هو أقرباء الرسول.
يقول الاِمام أمير الموَمنين عليه السلام ناقداً انتخاب الخليفة الاَوّل في السقيفة لاَجل انتمائه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالقرابة:
وإن كنت بالقربى حججت خصيمهم فغيـرك أولـى بالنبـي و أقـرب 32

السوَال الثالث
إنّ سورة الشورى سورة مكية، فلو كان المراد من ذوي القربى هو عترته الطاهرة، أعني: عليّاً وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام فلم يكن يومذاك بعض هوَلاء كالحسن والحسين عليهما السلام ؟.
والجواب: إنّ الميزان في تمييز المكي عن المدني، أمران، وكلاهما يدلان على أنّالآية نزلت في المدينة المنورة.


الاَمر الاَوّل: دراسة مضمون الآيات
فقد كانت مكافحة الوثنية والدعوة إلى التوحيد والمعاد هي مهمة النبي قبل الهجرة، ولم يكن المجتمع المكّي موَهلاً لبيان الاَحكام والفروع أو مجادلة أهل الكتاب من اليهود و النصارى، ولذلك تدور أغلب الآيات المكّية حول المعارف والعقائد والعبرة بقصص الماضين، و ما يقرب من ذلك.

ولمّا استتب له الاَمر في المدينة المنورة واعتنق أغلب سكّانها الاِسلام حينها سنحت الفرصة لنشر الاِسلام وتعاليمه و لمناظرة اليهود والنصارى حيث كانوا يثيرون شبهاً ويجادلون النبي صلى الله عليه وآله وسلم فنزلت آيات حول اليهود و النصارى في السور الطوال.

فلو كان هذا هو الميزان بغية تميّز المكّي عن المدني، فالآية مدنية قطعاً دون ريب لعدم وجود أيَّة مناسبة لسوَال الاَجر أو طلب مودة القربى من أُناس لم يوَمنوا به بل حشَّدوا قواهم على قتله، بخلاف البيئة الثانية فقد كانت تقتضي ذلك حيث التفَّ حوله رجال من الاَوّس والخزرج وطوائف كثيرة من الجزيرة العربية.

الاَمر الثاني:الاعتماد على الروايات والمنقولات
فلو كان هذا هو الميزان فقد صرح كثير منهم بأنّ أربعةً آيات من سورة الشورى مكّية، حتى أنّ المصاحف المطبوعة في الاَزهر وغيره، تصرح بذلك و تُقرأ فوق السورة هذه الجملة: سورة الشورى مكية الآيات إلاّ ثلا ث وعشرين وأربع وعشرين وسبع وعشرين.
أضف إلى ذلك انّ كثيراً من المفسرّين و المحدِّثين صرحوا بذلك.33

وهذا هو البقاعيّ موَلف "نظم الدرر وتناسب الآيات والسور" يصرح بأنّ الآيات مكية، كما نقله المحقّق الزنجاني في "تاريخ القرآن".34

السوَال الرابع
الاِنسان مفطور على حب الجميل وكراهة القبيح فيكون الودّأمراً خارجاً عن الاختيار، فكيف يقع في دائرة السوَال ويطلبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الموَمنين مع أنّه كذلك.

والجواب: أوّلاً: انّالحبّ لو كان أمراً خارجاً عن الاختيار فلا يتعلَّق به الاَمر، كما لا يتعلَّق به النهي، مع انّه سبحانه ينهى عن ود من حادَّ اللّه ورسوله، ويقول: )لا تَجد قَوماً يُوَْمِنُونَ بِاللّهِ وَاليَومِ الآخِرِ يُوادّونَ من حادّ اللّهَ وَ رَسُولَهُ (.35

كما أنّه صلى الله عليه واله وسلم يدعو إلى التراحم والتعاطف النابعين عن الود والحب، ويقول:"مثل الموَمنين في توادّهم وتعاطفهم وتراحمهم مثل الجسد إذا اشتكى منه شيء تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".36

كلّ ذلك يدل على انّ الودّ والبغض ليس على النسق الذي وصفه السائل، ولذلك نرى الدعوة الكثيرة إلى الحب في اللّه والبغض في اللّه.
قال الاِمام الصادق عليه السلام: "من أوثق عرى الاِيمان أن تحب في اللّه وتبغض في اللّه".37

وقد كتب الاِمام علي عليه السلام إلى عامله في مصر مالك الاَشتر رسالة قال فيها: "واشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبة لهم، واللطف بهم".38
روى الخطيب في تاريخه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "عنوان صحيفة الموَمن حبّ علي بن أبي طالب عليه السلام".39
و قال صلى الله عليه واله وسلم: "من سرّه أن يحيا حياتي، ويموت مماتي، ويسكن جنة عدن غرسها ربي، فليوال علياً بعدي، وليوال وليّه، وليقتد بالاَئمّة من بعدي، فانّهم عترتي خلقوا من طينتي، رزقوا فهماً و علماً".40

روى أحمد في مسنده ومسلم في صحيحه قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "من أحبني فليحب عليّاً".41
و أخرج أحمد في مسنده عن الرسول: "من أحبني وأحب هذين وأباهما و أُمُّهما، كان معي في درجتي يوم القيامة".42
وثانياً: أنّ الاِيصاء إنّما لا يفيد إذا لم يتوفر في الموصى له ملاك الحب والود كما إذا كان الرجل محطاً للرذائل الاَخلاقية، وأمّا إذا كان الموصى له إنساناً مثالياً متحلياً بفضائل الاَخلاق ومحاسنها، فانّالاِيصاء به يعطف النظر إليه وبالتالي يجيش حبه كلَّما تعمَّقت الصلة به.

وحاصل الكلام: أنّ دعوة الناس إلى الحبّ تقوم على إحدى دعامتين
الاَُولى: الاشادة بفضائل المحبوب وكمالاته التي توجد في نفس السامع حبّاً وولعاً إليه.

الثانية: الاِيصاء بالحب والدعوة إلى الودّ، فانّه يعطف نظر السامع إلى الموصى له، فكلَّما توطَّدت الاَواصر بنيهما وانكشفت آفاق جديدة من شخصيته ازداد الحبّ والود له. وعلى كلّتقدير فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم هو المحبوب التام لعامة المسلمين، فحبُّه لا ينفك عن حبّ من أوصى بحبِّه وأمر بودّه.


وخير ما نختم به هذا البحث حديث مروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نقله صاحب الكشاف حيث قال، قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: "من مات على حبّ آل محمّد مات شهيداً، ألا و من مات على حبّ آل محمّد مات مغفوراً له، ألا ومن مات على حبّآل محمّد مات تائباً، ألا و من مات على حبّ آل محمّد مات موَمناً مستكمل الاِيمان، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد بشرَّه ملك الموت بالجنة ثمّ منكر ونكير، ألا و من مات على حبّآل محمد يُزفُّ إلى الجنة كما تزفُّ العروس إلى بيت زوجها، ألا و من مات على حبّ آل محمّد فتح اللّه له في قبره بابين إلى الجنّة، ألا ومن مات على حبّآل محمّد جعل اللّه قبره مزار ملائكة الرحمة، ألا و من مات على حبّ آل محمّد مات على السنّة والجماعة، ألا و من مات على بغض آل محمّد جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه آيساً من رحمة اللّه، ألا و من مات على بغض آل محمّد مات كافراً، ألا و من مات على بغض آل محمّد لم يشم رائحة الجنة".43

وروى أيضاً: انّه لما نزلت هذه الآية، قيل: يا رسول اللّه من قرابتك هوَلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟
فقال صلى الله عليه واله وسلم: "علي و فاطمة وأبناهما".44


1-الشورى: 109.
2-الشعراء:109، 127، 145، 164، 180.
3-الشعراء:109، 127، 145، 164، 180.
4-الشعراء:109، 127، 145، 164، 180.
5-الشعراء:109، 127، 145، 164، 180.
6-الشعراء:109، 127، 145، 164، 180.
7-هود:29.
8-هود: 51.
9-الاَنعام: 90.
10-الشورى: 23.
11-الاَنعام: 90.
12-سبأ: 47.
13-الفرقان: 57.
14-فصّلت: 1 ـ 5.
15-السيرة النبوية:1|293ـ 294.
16-تصحيح الاعتقاد: 68.
17-سفينة البحار: مادة حبَّب.
18-أخرجه الحاكم في مستدركه:3|148، وقال: هذا حديث صحيح الاسناد على شرط الشيخين. ولم يخرجاه، وأخرجه الذهبي في تلخيص المستدرك معترفاً بصحته على شرط الشيخين قلت: هذا حديث متواتر وقد ألَّف غير واحد من المحقّقين رسائل حوله.
19-مريم: 62.
20-الحجر: 30 ـ 31.
21-تصحيح الاعتقاد:68.
22-سبأ: 47.
23-الفرقان: 57.
24-الكشاف:3|81 في تفسير الآية.
25-البقرة: 83.
26-البقرة: 177.
27-التوبة: 113.
28-مضي السوَال الاَوّل: 258.
29-التوبة: 113.
30-الاَنعام: 152.
31-الحشر: 7.
32-شرح ابن أبي الحديد:18|416.
33-انظر الكشاف: 3|81؛ تفسير الرازي: 7|655؛ تفسير أبي السعود في هامش تفسير الرازي نفس الصفحة؛ تفسير أبي حيان: 7|516؛ تفسير النيسابوري:6|312.وأمّا من المحدّثين كمجمع الزوائد للهيتمي:9|168؛ الصواعق المحرقة:101 ـ 135، والزرقاني في شرح المواهب:7|3و921.
34-تاريخ القرآن: 57.
35-المجادلة: 22.
36-مسند أحمد: 4|270.
37-سفينة البحار: 2|11 مادة الحبّ.
38-نهج البلاغة: قسم الرسائل: الرسالة 53.
39-تاريخ بغداد: 4|410.
40-حلية الاَولياء: 1|86.
41-مسند أحمد:5|366؛ صحيح مسلم: ج كتاب الفتن: 119.
42-مسند أحمد:1|77.
43-الكشاف:3|82، تفسير سورة الشورى، ط عام 1367.
44-الكشاف:3|81.