أهل البيت(ع)> حقوق أهل البيت(ع)

ترفيع بيوتهم

لقد أذن اللّه تعالى في ترفيع البيوت التي يذكر فيها اسمه ويسبِّح له بالغدوِّ والآصال في آية مباركة، وقال:)فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَفِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالغُدُوِّ وَالآصال* رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ وَاقام الصَّلاة وإيتاءِالزَّكاة يَخافُونَ يَوماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ القُلُوبُ وَالاََبْصار( .1
وتفسير الآية رهن دراسة أمرين:

الاَوّل: ما هو المقصود من البيوت؟
الثاني: ما هو المراد من الرفع؟

أمّا الاَوّل فربما قيل انّالمراد من البيوت هو المساجد.
قال صاحب الكشّاف: في بيوت يتعلّق بما قبله، مثل نوره كمشكاة في بعض بيوت اللّه، وهي المساجد.2
ولكن الظاهر أنّ التفسير غير صحيح، لاَنّ البيت هو البناء الذي يتشكَّل من جدران أربعة وعليها سقف قائم، فالكعبة بيت اللّه لاَجل كونها ذات قوائم أربعة وعليها سقف، والقرآن يعزّ عن اليت بالمكان المسقَّف، ويقول:)وَلَولا أَنْ يَكُونَ النّاسُ أُمّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سَقْفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمعارِج عَلَيْها يَظهَرُون( .3
فالمستفاد من الآية أنّ البيت لا ينفك عن السقف، هذا من جانب.ومن جانب آخر: لا يشترط في المساجد وجود السقف، هذا هو المسجد الحرام تراه مكشوفاً تحت السماء ودون سقف يظلّله.

وقد ورد لفظ البيوت في القرآن الكريم 36 مرّة بصور مختلفة، واستعمل في غير المسجد، يقول سبحانه:) طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطّائِفينَ وَالعاكِفينَ وَالرُّكَّع ِالسُّجُود (.4 .)وَاذْكُرُن ما يُتلى في بُيوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللّه وَالحِكْمَة (.5


إلى غير ذلك من الآيات، فكيف يمكن تفسيره بالمساجد؟
وبما أنّ جميع المساجد ليس على هذا الوصف، التجأ صاحب الكشاف بإقحام كلمة«بعض»، وقال: في بعض بيوت اللّه وهي المساجد، وهو كما ترى، وهناك حوار دار بين قتادة فقيه البصرة وأبي جعفر الباقر عليه السلام يوَيد ما ذكرنا.
حضر قتادة في مجلس الاِمام أبي جعفر الباقر عليه السلام فقال له الاِمام: من أنت؟
قال: أنا قتادة بن دعامة البصري.
فقال أبو جعفر: أنت فقيه أهل البصرة؟
فقال: نعم. قال قتادة: أصلحك اللّه، ولقد جلستُ بين يدي الفقهاء وقدام ابن عباس فما اضطرب قلبي قدام واحد منهم، ما اضطرب قدامك!
فقال أبو جعفر عليه السلام: ما تدري أين أنت؟ أنت بين يدي بُيُوتٍ) أَذِنَ اللّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَفِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالغُدُوِّ وَالآصال* رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ وإقام الصَّلاة وإيتاءِالزَّكاة ونحن أُولئك(.
فقال له قتادة: صدقت، واللّه جعلني فداك، واللّه ماهي بيوت حجارة ولا طين.6
و يوَيّد ما رواه الصدوق في الخصال عن النبيّص: ان اللّه اختار في البيوتات أربعة ثم قرأ هذه الآية:) إنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً و آلَ إِبْراهِيمَ و آلَ عِمْرانَ لِلْعالَمِينَ ذُرِّيَةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ (.7 - 8
وعلى هذا الحوار فالمراد من البيت، بيت الوحي وبيت النبوَّة، ومن يعيش في هذه البيوت من رجال لهم الاَوصاف المذكورة في الآية الكريمة.
هذا كلّه حول الاَمر الاَوّل،.

وأمّا الاَمر الثاني، أعني ما هو المراد من الرفع؟ فيحتمل وجهين
الاَوّل: أن يكون المراد الرفع المادي الظاهري الذي يتحقق بإرساء القواعد وإقامة الجدار والبناء، كما قال سبحانه:)وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهيمُ الْقَواعِد مِنْ البَيْت وَإِسماعيل( .9 و على هذا تدل الآية على جواز تشييد بيوت الاَنبياء والاَولياء وتعميرها في حياتهم بعد مماتهم.
الثاني: أن يكون المراد الرفع المعنوي والعظمة المعنوية، وعلى هذا تدل الآية بتكريم تلك البيوت وتبجيلها وصيانتها وتطهيرها مما لا يليق بشأنها.
قال الرازي: المراد من رفعها، بنائها لقوله تعالى:) رَفَعَ سَمْكَها وفَسَوّاها10( و ثانيها ترفع اي تعظم.11

هذا كلّه حسب ما تدل عليه الآية، وأمّا بالنظر إلى الروايات فنذكر منها ما يلي
1- روى الحافظ السيوطي عن أنس بن مالك و بريدة، انّ رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم قرأ قوله تعالى: )في بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَن ْترفَع( فقام إليه رجل وقال: أيّ بيوت هذه يا رسول اللّه؟
فقال ص: بيوت الاَنبياء.
فقام إليه أبو بكر وقال: يا رسول اللّه، وهذا البيت منها؟ وأشار إلى بيت علي و فاطمة عليهما السلام.
فقال النبيص: نعم من أفاضلها.12

2-روى ابن شهراشوب عن تفسير مجاهد و أبي يوسف، يعقوب بن سفين، قال ابن عباس في قوله تعالى): وَإِذا رَأَوا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً (: إنّدحية الكلبي جاء يوم الجمعة من الشام بالميرة، فنزل عند احجار الزيت، ثمّضرب بالطبول ليوَذن الناس بقدومه، فمضوا الناس إليه إلاّعلي والحسن والحسين وفاطمة عليهم السلام وسلمان وأبو ذر والمقداد وصهيب، وتركوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم قائماً يخطب على المنبر، فقال النبيص: قد نظر اللّه يوم الجمعة إلى مسجدي فلولا هوَلاء الثمانية الذين جلسوا في مسجدي لاَضرمت المدينة على أهلها ناراً، وحُصُّبوا بالحجارة كقوم لوط، ونزل فيهم رجال لا تلهيهم تجارة.13

وقد وصف الاِمام أمير الموَمنين عليه السلام هوَلاء الرجال الذين يسبِّحون في تلك البيوت؛ عند تلاوته:)رِجالٌ لا تُلهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِاللّه( : وإنّ للذكر لاَهلاً أخذوه من الدُّنيا بدلاًً، فلم يشغلهم تجارة ولا بيع عنه، يقطعون به أيام الحياة، ويهتفون بالزواجر عن محارم اللّه في أسماع الغافلين، ويأمرون بالقسط ويأتمرون به، وينهون عن المنكر ويتناهون عنه فكأنَّما قطعوا الدنيا إلى الآخرة وهم فيها، فشاهدوا ما وراء ذلك، فكأنّما اطَّلعوا غيوب أهل البرزخ في طول الاِقامة فيه، وحقَّقت القيامة عليهم عِداتهُا، فكشفوا غطاء ذلك لاَهل الدنيا، حتى كأنّهم يرون ما لا يرى الناس ويسمعون ما لا يسمعون.14


1-النور: 36 ـ 37.
2-الكشاف:2|389.
3-الزخرف: 33.
4-البقرة: 125.
5-الاَحزاب: 34.
6-البرهان في تفسير القرآن:3|138.
7-آل عمران: 33 ـ 34.
8-الخصال: 1 | 107.
9-البقرة: 127.
10-النازعات: 28.
11-تفسيرالفخرالرازي:24|3.
12-تفسير الدر المنثور:5|50.
13-البرهان في تفسير القرآن: 3 / 139.
14-نهج البلاغة: الخطبة 222.