دفع الخمس إليهم
الاَصل في ضريبة الخمس، قوله سبحانه: )وَاعْلَمُوا
انّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيءٍ فَانّ للّه خُمُسهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القُربى
وَاليَتامى وَالمَساكِين وَابْنِ السَّبيل إِنْكُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللّهِ وَما
أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَومَ الفُرقانِ يَومَ التَّقَى الجَمْعانِ وَاللّهُ عَلى
كُلِّ شيَْيءٍ قَدِير(....1
نزلت الآية يوم الفرقان، يوم التقى الجمعان وهي غزوة بدر الكبرى، واختلف المفسرون
في تفسير الموصول في "ما غنمتم"هل هو عام لكلّما يفوز به الاِنسان في حياته، كما
عليه الشيعة الاِمامية، أو خاص بما يظفر به في الحرب، وهذا بحث مهم لا نحوم حوله،
لاَنّه خارج عّما نحن بصدده، وقد أشبعنا الكلام فيه في كتابنا"الاعتصام بالكتاب
والسنة" وأثبتنا بفضل القرآن والاَحاديث النبوية انّالخمس يتعلَّق بكلّ ما يفوز به
الاِنسان في حياته، وانّ نزول الآية في مورد الغنائم الحربية لا يُخصص الحكم الكلي.2
إنّما الكلام في تبيين مواضع الخمس، وقد قسم الخمس في الآية إلى ستة أسهم،
أعني:للّه و للرسول و لذي القربى واليتامى و المساكين وابن السبيل.
فالسهمان الاَولان واضحان، إنّما الكلام في السهم الثالث ومن بعده، فالمراد من ذي
القربى هم أقرباء النبي وذلك بقرينة الرسول ص، و قد سبق منّا القول في تفسير آية
المودة:انّ تبيين المراد من القربى رهن القرائن الحافَّة بالآية فربما يراد منها
أقرباء الناس، مثل قوله:) وَإِذا قُلتُمْ
فاعْدِلُوا وَلَو كانَذا قُربى( .3
المراد أقرباء المخاطبين، بقرينة قوله: قلتم فاعدلوا نظير قوله:وإِذا حضر القسمة
ذوي القربى والمراد أقرباء الميت.
وعلى ضوء ذلك فإذا تقدَّم عليه لفظ "الرسول" يكون المراد منه أقرباء الرسول كما في
الآية للرسول و لذي القربى ، و مثله قوله:)ما
أفاءَ اللّهُ عَلى رسولهِ من أهلِ القُرى فللّهِ ولِلرَّسول وَ لِذِى القُربى وَ
اليَتامى وَ المَساكِين وَ ابْن السَّبِيل(.4
وقوله):فَآت ذَا القُرْبَى حَقّهُ
والمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ( .5
فالمراد من ذي القربى هم أقرباء الرسول بقرينة توجَّه الخطاب إليه أعني "فآت".
ومنه يعلم المراد من المساكين في الآيتين وآية الخمس، أي مساكين ذي القربى وأيتامهم
وأبناء سبيلهم.
هذا هو المفهوم من الآية، و على ما ذكرنا فكلّما يفوز به الاِنسان في مكسبه ومغنمه
أو ما يفوز به في محاربة المشركين والكافرين، يُقسم خمسه بين ستة سهام كما عرفت.
ويوَيده الروايات التالية
1-روي عن ابن عباس: كان رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم يقسّم الخمس على ستة:
للّه وللرسول سهمان وسهم لاَقاربه، حتى قبض.6
2-وروي عن أبي العالية الرياحي: كان رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم يوَتى
بالغنيمة فيقسمها على خمسة فتكون أربعة أخماس لمن شهدها، ثمّ يأخذ الخمس فيضرب بيده
فيه فيأخذ منه الذي قبض كفه، فيجعله للكعبة وهو سهم اللّه، ثم يقسَّم ما بقي،على
خمسة أسهم: فيكون سهم للرسول، وسهم لذي القربى، وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم
لابن السبيل. قال: والذي جعله للكعبة فهو سهم اللّه.7
وأمّا تخصيص بعض سهام الخمس بذي القربى ومن جاء بعدهم من اليتامى والمساكين وابن
السبيل، فلاَجل الروايات الدالة على أنّه لا تحل لهم الصدقة، فجعل لهم خمس الخمس.
أخرج الطبري عن مجاهد، انه قال: كان آل محمّد ص لا تحل لهم الصدقة فجعل لهم الخمس8
و أخرج ايضاً عنه: قد علم اللّه أنّفي بني هاشم الفقراء فجعل لهم الخمس مكان الصدقة9
.
كما تضافرت الروايات عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام أنّ السهام الاَربعة من
الخمس، لآل محمّد "صلى الله عليه وآله وسلم.10
هذا ظاهر الآية ويا للاَسف لعب الاجتهاد دوراً كبيراً في تحويل الخمس عن أصحابه
وظهرت أقوال لا توافق النص القرآني، وإليك مجملاً من آرائهم
1-قالت الشافعية و الحنابلة: تقسم الغنيمة، وهي الخمس إلى خمسة أسهم: واحد منها سهم
الرسول ويصرف على مصالح المسلمين، و واحد يعطى لذوي القربى وهم من انتسب إلى هاشم
بالابوة من غير فرق بين الاَغنياء والفقراء، والثلاثة الباقية تنفق على اليتامى
والمساكين وأبناء السبيل سواء أكانوا من بني هاشم أو من غيرهم.
2-وقالت الحنفية: إنّسهم الرسول سقط بموته، أمّا ذوو القربى فهم كغيرهم من الفقراء
يعطون لفقرهم لا لقرابتهم من الرسول.
3-وقالت المالكية: يرجع أمر الخمس إلى الاِمام يصرفه حسبما يراه من المصلحة.
4-وقالت الاِمامية: إنّ سهم اللّه وسهم الرسول وسهم ذوي القربى يفوِّض أمرها إلى
الاِمام أو نائبه، يضعها في مصالح المسلمين، والاَسهم الثلاثة الباقية تعطى لاَيتام
بني هاشم ومساكينهم وأبناء سبيلهم ولا يشاركهم فيها غيرهم.11
5-وقال ابن قدامة في المغني بعد ما روى أنّأبا بكر وعمر قسَّما الخمس على ثلاثة
أسهم: و هو قول أصحاب الرأي أبي حنيفة وجماعته، قالوا: يقسم الخمس على ثلاثة:
اليتامى، والمساكين، وابن السبيل، وأسقطوا سهم رسول اللّه بموته وسهم قرابته أيضاً.
6-وقال مالك: الفيء والخمس واحد يجعلان في بيت المال.
7-وقال الثوري: والخمس يضعه الاِمام حيث أراه اللّه عزّوجلّ.
وما قاله أبو حنيفة مخالف لظاهر الآية فإنّ اللّه تعالى سمّى لرسوله وقرابته شيئاً
وجعل لهما في الخمس حقاً، كما سمّى الثلاثة أصناف الباقية، فمن خالف ذلك فقد خالف
نصّ الكتاب، و أمّا جعل أبي بكر وعمر سهم ذي القربى، في سبيل اللّه، فقد ذُكر
لاَحمد فسكت وحرك رأسه ولم يذهب إليه، و رأى أنّ قول ابن عباس و من وافقه أولى،
لموافقته كتاب اللّه وسنة رسوله.12
وقد أجمع أهل القبلة كافة على أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم كان يختص
بسهم من الخمس ويخص أقاربه بسهم آخر منه، وأنّه لم يعهد بتغيير ذلك إلى أحد حتى
دعاه اللّه إليه، واختار اللّه له الرفيق الاَعلى.
فلمّا ولى أبوبكر تأوّل الآية فأسقط سهم النبي وسهم ذي القربى بموت النبي صلى الله
عليه وآله وسلم، و منع بني هاشم من الخمس، وجعلهم كغيرهم من يتامى المسلمين
ومساكينهم وأبناء السبيل منهم.
قال الزمخشري عن ابن عباس: الخمس على ستة أسهم: للّه ولرسوله سهمان، وسهم لاَقاربه،
حتى قبض فأجرى أبو بكر الخمس على ثلاثة، وكذلك روي عن عمر و من بعده من الخلفاء،
قال: وروي أنّ أبابكر منع بني هاشم الخمس.13
وقد ارسلت فاطمة "عليها السلام"، تسأله ميراثها من رسول اللّه صلى الله عليه وآله
وسلم مما أفاء اللّه عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر، فأبى أبو بكر أن يدفع
إلى فاطمة منها شيئاً، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلّمه حتى
توفيت، وعاشت بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ستة أشهر، فلما توفيت دفنها زوجها
علي ليلاً ولم يوَذن بها أبا بكر وصلّى عليها.14
وفي صحيح مسلم عن بريد بن هرمز، قال: كتب نجدة بن عامر الحروري الخارجي إلى ابن
عباس، قال ابن هرمز: فشهدت ابن عباس حين قرأ الكتاب وحين كتب جوابه، وقال ابن عباس:
واللّه لولا أن أرد عن نَتْن يقع فيه، ما كتبت إليه ولا نُعْمةَ عينٍ، قال: فكتب
إليه إنّك سألت عن سهم ذي القربى الذي ذكرهم اللّه من هم ؟ وإنّا كنّا نرى أنّ
قرابة رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم هم نحن فأبى ذلك علينا قومنا.15
1-الاَنفال: 41.
2-الاعتصام بالكتاب والسنَّة:91ـ 105.
3-الاَنعام: 152.
4-الحشر: 7.
5-الروم: 38.
6-تفسير النيسابوري: 10|4، المطبوع بهامش الطبري.
7-تفسير الطبري: 10|4؛ أحكام القرآن:3|60.
8-الظاهر زيادة لفظ "خمس" بقرينة ما نقله ثانياً عن مجاهد.
9-تفسيرالطبري: 10|5.
10-الوسائل: 6|الباب29 من أبواب المستحقّين للزَّكاة.
11-الفقه على المذاهب الخمسة: 188.
12-الشرح الكبير على هامش المغني: 10|493ـ 494.
13-الكشاف: 2|126.
14-صحيح البخاري: 3|36 باب غزوة خيبر.
15-صحيح مسلم: 2|105، كتاب الجهاد و 167 السير، باب النساء الغازيات. |