معرفة النبي> مباحث النبوة العامة

الوحي وأقسامه

الحاجة الى الانبياء كمشرعين

لماذا كانت النبوة؟

الوحي في النُبوّة ونظريات حول الوحي

اللطف الإلهي

في صفات الأنبياء وكتبهم

العصمة عن الذنوب

أدلة منكري بعثة الإنبياء

النبوة ولطف الله

لماذا الأنبياء معصومون؟

ما تثبت به دعوى النبوة (الإعجاز)

تمهيد عن الظاهرة العامّة للنبوّة

عصمة الأنبياء

هل الإعجاز يخالف أصل العليّة؟

الوحي وكتاب العصر ورأي القرآن

العصمة في تبليغ الرسالة

خصائص الأنبياء

حاجة المجتمع الى القانون الكامل

الأدلة على عصمة الأنبياء

الإعجاز والمتجددون من المسلمين

حاجة البشر الى الوحي والنبوة

العصمة عن الخطأ في تطبيق الشريعة

دلالةُ الإعجاز على صدق دعوى النبوّة

حاجة المجتمع إلى المعرفة

شبهات وحلول حول عصمة الانبياء

هل حرم الإنسان المعاصر من المعاجز؟

النبوّة العامة

التنزّه عن المُنفرات

المعجزة

حاجتنا الى القادة الالهيين

عصمة الأنبياء باختصار

بماذا تُمَيَّزُ المعجزةُ عن السحر؟

هداية الفطريات وتعديل الغرائز

علم النبي بالمعارف والأحكام

شبهات وحلول حول الإعجاز

افضل الطرق لمعرفة النبي

سِمات الأنبياء :الكَفاءة في القيادة

تنصيص النبي السابق على نبوة اللاحق

بعثة الأنبياء أولى من الكماليات

جمع القرائن والشواهد

أفضل الطرق لمعرفة النبي
 

  اختلاف المعجزات عن خوارق العادات الاُخرى معجزات وليست خرافات

لا شك أنَّ تصديق إدعاءات كل مدع يعتبر خلاف العقل والمنطق.

إنَّ مدعي النّبوة وحمل رسالة الله قد يكون صادقاً، إلاّ أنَّ من المحتمل أنْ يقوم أحد الانتهازيين النّصابين بادعاء النّبوة، لذلك كان لابدّ من وجود معيار دقيق نزن به دعوات الانبياء وصحة إرسالهم من قبل الله.

هناك طرق عديدة للوصول الى هذه الغاية، أهمها
1- دراسة محتوى رسالة النّبي ودعوتة، وتجميع القرائن والدّلائل.
2- معجزاته الخارقة للعادة.

لنبدأ أوّلا بالكلام على الاعجاز فنقول:ثمّة أشخاص يتعجبون من كلمة "معجزة" ويعتبرونها مرادفة للخرافات والاساطير. ولكننا إذا دققنا النظر في معنى المعجزة العملي لوجدنا أنَّ هذه التصورات خطأ محض.

فليست المعجزة عملا مستحيلاً، ولا معلولاً دون علّة، بل المعجزة بتفسير بسيط، هي عمل خارق للعادة ممّا هوفوق قدرات الافراد العاديين، ولا تتحقق إلاّ بالاستناد الى قوة فوق الطبيعة.

وبناء على ذلك لاتكون المعجزة إلاّ بشروط
1- إنَّها عمل ممكن ومقبول عقلاً.
2- الناس العاديون، وحتى النوابغ منهم، ليس بمقدورهم أنْ يقوموا بمعجزة باستخدام القدرات البشرية.
3- لابدّ أنْ يكون صاحب المعجزة واثقاً من نفسه بحيث أنَّه يتحدى الناس ويدعوهم لمنافسته.
4- أنْ لايستطيع أي شخص الإتيان بمثل تلك المعجزة، أي أنْ يعجز الآخرون عن القيام بمثلها، كما يفهم من معنى الكلمة.
5- المعجزة لابدّ أنْ تأتي ممن يدعي النّبوة والامامة ولذلك فإنَّ الاعمال الخارقة للعادة التي يأتي بها غير الانبياء والائمة تدعى كرامات، لا معجزات.

بعضى الأمثلة الواضحة
نعلم جميعاً أنَّ من معجزات النّبي عيسى عليه السلام احياء الموتى وابراء المرضى الميؤوس منهم.

هل هناك أي دليل عملي وعقلي يثبت أنَّ الانسان الذي تتوقف أجهزة جسمه عن العمل والحركة لا يمكن أنْ يعود الى الحياة مرّة اُخرى؟

هل هناك دليل علمي وعقلي على أنَّ مرض السرطان الذي عجزنا عن شفائه ليس له في الحقيقة أي علاج؟

صحيح أنَّ الانسان بما يملكه في الوقت الحاضر من قوى وبما هوفيه من ظروف غير قادر على احياء الموتى ولا ابراء بعض الامراض. حتى وإنْ تضافر جميع أطباء العالم واستعانوا بما لديهم من خبرات وتجارب. إلاّ أن هذا لا يمنع من أنْ يقول انسان يملك قوة إلهية خارقة للعادة واطلاعاً وعلماً يستقيان من بحر علم الله اللامتناهي، باحياء ميت، أو بابراء مريض، باشارة من يده.

العلم يقول: لا أدري. أنا عاجز. ولكنه لا يقول أنَّ ذلك مستحيل.

مثال آخر: إنَّ الوصول الى القمر بدون سفينة فضائية غير ممكن لأي انسان. ولكن ما الذي يحول دون أنْ تكون هناك قوّة أكبر ممّا عندنا من قوّة، ومركبة أكثر تقدماً ممّا لدى البشر، توضع تحت تصرف شخص بحيث يتاح له أنْ يرحل الى القمر أوالى الكرات الاُخرى بغير سفينة فضائية.

فاذا استطاع أحد أنْ يقوم حقّاً بمثل هذه الاُمور الخارقة للعادة، وادعى النّبوة وتحدى الناس الى انْ يفعلوا مثله، فعجز الجميع عن ذلك، عندئذ نؤمن بأنَّه مرسل من قبل الله، إذ لا يمكن أنْ يضع الله كل هذه القدرة في يد انسان كذّاب يدعو الناس الى الضلال، فتأمل!

معجزات وليست خرافات
كان "الافراط" و"التفريط" دائماً منشأ الفساد والضياع والخفاء وجه الحقيقة.

وهذا يصدق على المعجزة أيضاً. ففي الوقت الذي نجد فيه بعضاً من "المتنورين" ينكرون صراحة أو تلميحاً أنواع المعجزات، نجد بعضاً آخر يصنعون من كل شيء معجزة، فيبحثون عن الاخبار الضعيفة والقصص الخرافية التي صاغتها أيدي الاعداء ويعرضونها زاعمين أنَّها معجزات، فيخلطون ملامح معجزات الانبياء العلمية والحقيقية بالخرافات والاوهام المزيفة التي لا أساس لها من الواقع. فما لم تتطهر المعجزات الحقيقة من المثال هذه الاساطير، فإنَّ ملامحها الأصيلة لن تظهر للعيان.

لهذا ما فتىء علماؤنا العظام يعنون بأنَّ تبقى الاحاديث الاسلامية التي تدور حول المعجزات بعيدة عن امثال تلك الحكايات المزيفة المدسوسة.

وبناء على ذلك وضعوا الكتب في "علم الرّجال" للتعرف على الرّواة الموثوق بهم، ولتمييز الاحاديث"الصحيحة" من "الضعيفة" ولئلا تختلط الحقائق بالاوهام.

إنَّ السياسات الاستعمارية والألحادية نشطة اليوم لجعل الافكار الواهية تقوم مقام العقائد الدّينية الطّاهرة وتسعى لاظهارها بمظهر "معتقدات غير علمية" فعلينا أنْ نحبط مساعي الاعداء التخريبية.

اختلاف المعجزات عن خوارق العادات الاُخرى
كثيراً ما نسمع عن اصحاب الرّياضيات الرّوحية أنَّهم قاموا بأعمال خارقة للعادة، وأنَّ الذين شهدوا تلك العجائب كثيرون وهذا حقيقة لا اسطورة.

هنا يتبادر الى الذّهن هذا السّؤال: ما الفرق بين أعمال هؤلاء الخارقة للعادة ومعجزات الانبياء؟ وكيف التمييز بينهما؟ لهذا السّؤال أجوبة كثيرة، أوضحها جوابان:

1- هؤلاء المرتاضون يقومون بأعمال خارقة للعادة معينة ومحدودة، أي أنَّهم لا يمتثلون لمقترحات المقترحين حين بالقيام بأعمال يطلبها منهم هؤلاء. إنَّما هم يقومون بما يعرفون هم كيف يجدونه بسبب كثرة التمرين.

وسبب هذا واضح، إذ أنَّ قوى كل شخص محدودة، فهو لا يستطيع أنْ يقوم إلاّ بعدد محدود من الاعمال.

أمّا معجزات الانبياء عليهم السلام فليست لها حدود ولا شروط. فهم قادرون على الإتيان بمعجزة بحسب اقتراح الطالب وفي أي وقت، لأنَّهم يستندون الى قوّة الله اللامتناهية، وهي التي لا تحدها حدود، بخلاف قدرات الانسان.

2- العمل الذي يقوم به أحد المرتاضين يستطيع يقوم به مرتاض آخر، أي أنَّه ليس خارجاً عن قدرة البشر. ولهذا فإنَّ المرتاض لن يتحدى أحداً بطلب المنافسة، لانَّه يعلم أنّه لابدّ أنْ يكون في اطراف المدينة شخص أو أشخاص قادرون على الإتيان بمثل ما يفعل.

أمّا الانبياء عليهم السلام فانهم يتحدون الناس بكل ثقة واطمئنان، قائلين: "لو اجتمع أهل الارض جميعاً على أنْ يأتوا بمثل ما نأتي لعجزوا".

هذا الاختلاف يصدق في "السّحر" أيضاً، فالاختلافان اللذان ذكرناهما يضعان الحدّ بين المعجزة والسّحر أيضاً، فتأمل.

*سلسلة دروس في العقائد الاسلامية،آية الله مكارم الشيرازي . مؤسسة البعثة،ط2 ، ص87-92