إنّ القيادة والحكم يقتضيان اعتبار سلسة من الشروط في القائد والحاكم، وبدونها تنحرف القيادة عن طريق الحق وتنتهي بالأمة إلى أسوء مصير.
وقد كانت قيادة الأنبياء على نوعين
الأول: القيادة المعنوية المحضة، وهي هداية الأُمّة إلى عبادة الله سبحانه وإبعادهم عن عبادة الأصنام والأوثان، وإرشادهم إلى وظائفهم أمام الله سبحانه. وهذا القسم لا يشترط فيه من المؤهّلات أزيد ممّا أسلفنا سوى الإستقامة في طريق الدعوة والصبر على النائبات ومعاداة المخالفين وأذاهم.
الثاني: القيادة بجميع شؤونها، وهي هداية الأُمّة في حياتها الفردية والاجتماعية، الدنيوية والأخروية، كما كان الحال في نبوة الكليم وداود وسليمان، فلم تقتصر دعوتهم على الجهات المعنوية بل قاموا بتشكيل الممالك والدول ونشر دعوتهم بالجهاد بالنفس والنفيس، ويكفي في ذلك مراجعة ما جاء حولهم في القُرآن الكريم.
قال سبحانه: ﴿فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَ الْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ﴾(البقرة:251).
ومن المعلوم أن القيادة في هذا الإطار الواسع لا تتسنى إلاّ لمن كان ذا مواهب كثيرة في الإدارة والتدبير وحسن الولاية، يقدر معها على القيام بتلك المسؤولية. ويجمعها ما يسميه السياسيون في مصطلح اليوم بالنضج العقلي والرُشد السياسي، وبدونه لن يقوم للحكومة عمود، ولن يَخْضَرّ لها عود. ولأجل ذلك أثر عن النبي الأكرم أنّه قال: "لا تَصْلُح الإمامة إلاّ لرجل فيه ثلاث خصال:
1ـ ورع يحجزه عن معاصي الله.
2ـ وحِلْمٌ يملك به غضبه.
3ـ وَحُسْنُ الولاية على من يلي حتى يكون كالأب الرحيم"1.
وقال الإمام علي عليه السَّلام : "أَيُّها الناس إن أحقَّ الناس بهذا الأمر أقْوَمُهم (وفي رواية أقواهم) وأعلمهم بأمر الله، فإن شَغَب شاغِبٌ أُستعْتِبَ، وإنْ أبى قُوتِل"2.
ثم إنّ جمعاً من المتكلمين التزموا بوجود سمات أخرى في الأنبياء وراء ما ذكرنا، ككونهم أشجع الناس وأعلمهم بالعلوم كافة، وأزهدهم وأعبدهم ونحو ذلك.
ولعلّ هذه الأوصاف من سمات من بعث لكافة الناس وهم على المشهور خمسة: نوح ، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، والنبي الأعظم عليهم السَّلام، وعلى التحقيق هو نبي الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم 3.
*الإلهيات،آية الله جعفر السبحاني.مؤسسة الامام الصادق عليه السلام ،ج3،ص217-218
1- الكافي، ج 1، ص 407.
2- نهج البلاغة، الخطبة 172.
3- لاحظ مفاهيم القرآن، ج 3، ص 77 ـ 116.